من تاريخ الوهابية وآل سعود

في تـَرَبـَة: رأيتُ الدم يجري كالنهر!

تَرَبَة: إسم لبلدة شهدت على أرضها مجزرة سعودية لا ينساها التاريخ، ولقد تشرب ترابها بدماء الأبرياء التي سفكت بغير حق، حيث اعتبروا كفرة وذبحوا كالنعاج!

هذه البلدة تقع على مسافة خمسة وسبعين ميلاً من جبل الحضن الى الجنوب، وهذا الجبل يعتبر في التقاليد السياسية الحدّ الفاصل بين نجد ومملكة الحجاز.

كان يسكن تربة عرب البقوم، ويعيش فيها عدد من الأشراف الذين تملكوا فيها أراضٍ ومزارع، وبالتالي فقد كانت خليطاً من البدو والحضر.

كان ابن سعود يريد السيطرة عليها لأهميتها، فهي مفتاح الطائف من الجهة النجدية، وهي ـ من وجهة نظر الحجازيين ـ حصن الطائف الذي يردّ عنهم غائلة الوهابية، وقد وقعت مجزرة الطائف بعد مجزرة تربة واستباحتها، حيث دخل الجيش السعودي الأخيرة على تلال من جثث الجيش الحجازي والمدنيين الحجازيين.

تربة: يذكرها كتاب (تاريخ نجد وملحقاتها) مفصلاً واقع المجزرة وكيفية هجوم الجيش الوهابي فيقول: (انقسم جيش ابن سعود من الإخوان الى ثلاث فرق قبل أن يصل الى نخيل تربة، هي فرقة الخيّالة، وفرقة خالد بن لؤي، وفرقة ابن بجاد، وعندما وصلوا البلدة في منتصف ليلة 25 شعبان، هجموا هجمة كبرى ساكتين مستشهدين!). وأضاف: (تقدم خالد ورجاله، فدخلوا الباطن وقصدوا الإستيلاء على مخيم الأمير عبدالله. هجموا وسلاحهم الأبيض يلوح في ظلام شفاف، فاصطدموا بالسرية الأولى من الجيش الحجازي وذبحوا رجالها كلهم، وكذلك الثانية.. ثم هجموا على السرايا المقيمة عند مخيم الأمير ففتكوا بها فتكاً ذريعاً. وهجم ابن بجاد برجاله وكلهم من أهل الغطغط على الجنود النظامية وراء المتاريس والمدافع فكانت السيوف تشتغل كالمقاصل، وكان ابن الغطغط يثب على المدفع فيذبح الضابط المقيد وراءه بالحديد).

وتابع: (وأما الذين نجوا من الذبح تلك الليلة ولم يستطيعوا الفرار، فقد التجأوا الى حصن من حصون البلد، فهجم عليهم جيش الملك عبد العزيز في اليوم التالي، وجعلوا خاتمة المذبحة كأولها، فتراكمت الجثث بعضها فوق بعض).

كان من بين الناجين من مذبحة الحصن الشريف شاكر ومعه شاب من الأشراف إسمه عون بن هاشم. يقول مؤلف الكتاب انه اجتمع معه عندما زار جدة بعد وقوع المجزرة بعشر سنوات وقد كان عون يوم شهد المجزرة في الخامسة عشرة من عمره، فوصف للمؤلف هول ذلك اليوم فقال: (رأيت الدم في تربة يجري كالنهر بين النخيل، وبقيت سنتين عندما أرى الماء الجاري أظنها والله حمراء، ورايت القتلى في الحصن متراكمة قبل أن طحت من الشباك، ومن أعجب ما رأيت أثناء المعركة أن الإخوان يدخلون الجامع ليصلوا ثم يعودون الى القتال)!

ثم يتابع الكاتب: (لم ينج من أهالي تربة سوى من استطاع الهرب وعددهم لا يتجاوز الألف، فيكون الموت قد تقاضى خمسة آلاف نفس بشرية، جزاء جهل الإنسان وغروره). ولقد تمت تلك المجزرة التي لم توفر المدنيين وقدر عدد القتلى منهم بثمانية آلاف مدني من رجل وامرأة وطفل، إضافة الى سبعة آلاف من الجيش. بعض الروايات التاريخية تقول أن مجموع القتلى بلغ سبعة آلاف منهم ألفان من الجيش الحجازي النظامي والباقي من المدنيين البدو.

الصفحة السابقة