آل سعود يجرفون التاريخ الاسلامي


النظام السعودي يبني مسجداً ضخماً يستوعب 1.6 مليون شخصاً،
ولكن في المقابل يقوم بتدمير آثار لا يمكن تعويضها


هيثم الخياط

كتب جيروم تايلور في 26 أكتوبر الماضي بأن ثلاثة من أقدم المساجد في العالم سوف يتم تدميرها عمّا قريب حيث تشرع السعودية في مشروع توسعة بمليارات الدولارات في ثاني أقدس مكان في الاسلام. العمل على المسجد النبوي في المدينة، حيث دفن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، سوف يبدأ مع نهاية الحج لهذا العام. ومع الانتهاء، فإن التوسعة سوف تحيل المسجد الى أكبر مبنى في العالم، بطاقة استيعابية تصل الى 1.6 مليون مصلي.

ولكن القلق تصاعد حيث أن التوسعة سوف تشهد تجريف مواقف تاريخية رئيسية. الغضب قد تصاعد حيال ازدراء المملكة الواضح إزاء حفظ الميراث التاريخي والأثري لأقدس مدينة في البلاد، أي مكة. وإن معظم التوسعة للمسجد النبوي سوف تتم في الغرب من المسجد القائم، والذي يضم قبور مؤسس الاسلام وإثنين من أقرب أصحابه، أبو بكر وعمر.

والى خارج الجدران الغربية من المجمّع الحالي هناك المساجد المكرّسة لأبي بكر وعمر، وكذلك مسجد الغمامة، الذي بني ليشير الى الموقع الذي يعتقد بأن النبي أقام فيه أول صلاة العيد. وقد أعلن السعوديون بأن ليس لديهم خططاً للحفاظ أو تحريك المساجد الثلاثة، والتي بقيت قائمة منذ القرن السابع (القرن الأول الهجري)، وتغطيها هياكل العصر العثماني، أو تطلب بحفريات أركيولوجية قبل هدمها، وهو أمر تسبب في قلق كبير بين القلة من الاكاديميين الذين هم على استعداد للحديث بصراحة في مملكة تسلطية بدرجة عميقة.

يقول الدكتور عرفان علوي من مؤسسة أبحاث التراث الاسلامي: (لا أحد ينكر بأن المدينة في حاجة الى التوسعة، ولكنها الطريق الذي تسير فيه السلطات هو ما يثير القلق). ويضيف: (هناك طرق تمكّنهم من التوسع والتي يمكن بها إما تفادي أو حفظ المدن الاسلامية القديمة، ولكن بدلاً من ذلك يريدوا تدميرها جميعاً). وقد أمضى الدكتور علوي أكثر من عشر سنوات في محاولة لتسليط الضوء على تدمير المدن الاسلامية القديمة.

مع سفر جوي رخيص وطفرة الطبقات الوسطى في بلدان مسلمة مكتظة بالسكان في العالم النامي، فإن مكة والمدينة تناضلان من أجل استيعاب 12 مليون حاج ومعتمر كل عام ـ وهو رقم يتوقع أن يرتفع الى 17 مليون شخص بنهاية 2025. تنظر العائلة المالكة الى نفسها باعتبارها السلطة الوحيدة التي تقرر ما يجب أن يحدث في مهد الاسلام. وبالرغم من تخصيصها مليارات الدولارات لتوسعة هائلة لكل من مكة والمدينة، فإنها ترى أيضاً بأن المدن المقدّسة مثمرة لبلاد تعتمد بصورة شبه كاملة على الثورة النفطية المحدودة.

الناشطون في حملة حماية التراث وكذلك كثير من السكّان المحليين ينظرون بدهشة وصدمة حيث أن أقساماً تاريخية لمكة والمدينة قد تمّ تجريفها لتمهيد السبيل لمراكز تجارية، وفنادق فارهة، وناطحات سحاب هائلة. معهد الخليج ومقرّه في واشنطن يقدّر بأن 95 بالمئة من المباني التي يصل عمرها الى 1000 عام في المدينتين المقدّستين قد تمّ تدميرها في العشرين سنة الماضية.

في مكة، المسجد الحرام، أقدس مكان في الاسلام والمكان الذي يفترض أن يكون فيه المسلمون جميعاً متساويين، ينخفض شأناً بواسطة مجمع جبل عمر، وبرنامج توسعة لشقق من ناطحات سحاب، وفنادق وبرج الساعة. لبناء ذلك، فإن السلطات السعودية دمّرت قلعة أجياد التي تعود للعصر العثماني، وكذلك التل الذي تقف عليه.

مواقع تاريخية أخرى فقدت وتشمل مكان ميلاد النبي ـ وهو الآن مكتبة ـ وبيت زوجته الاولى، خديمة، والذي تم استبدالها بمرافق عامة.

لم تقم السفارة السعودية في لندن ولا وزارة الشؤون الخارجية بالرد على طلبات التعليق حيث اتصلت صحيفة (ذي اندبندنت) بهما. ولكن الحكومة دافعت في السابق عن خطط التوسعة في المدينتين المقدّستين باعتبارها ضرورية. وتصرّ الحكومة على أنها أيضاً قامت ببناء عدد كبير من الفنادق الرخيصة بالنسبة للحجاج الفقراء، رغم أن الناقدين يشيرون الى أن هؤلاء يتم وضعهم عادة في أماكن تبعد أميالاً عدة عن الأماكن المقدسة.

وحتى وقت قريب، فإن إعادة التوسعة في المدينة قد ضغطت باتجاه أقل بقليل عند مستوى من الفوضى أكثر من مكة، بالرغم من أن عدداً من المواقع الاسلامية القديمة قد تلاشت تماماً. ومن بين المساجد السبعة القديمة التي بنيت لتخليد ذكرى معركة الخندق ـ وهي حادثة رئيسية في تطوّر الاسلام ـ بقي منها إثنان فحسب. عشر سنوات خلت، هناك مسجد يعود الى حفيد النبي تم تدميره بالديناميت. صور التدمير التي التقطت بصورة سرية وتم تهريبها خارج المملكة تكشف أن الشرطة الدينية كانت تحتفل فيما كان المبنى ينهار.

عدم احترام وازدراء التاريخ المبكر للإسلام جرى تفسيره جزئياً من قبل تبني النظام للوهابية، وهو التفسير الصارم وغير التوافقي للإسلام الذي يعارض بشدة كل شيء يمكن أن يدفع المسلمين باتجاه عبادة الاصنام.

هناك أضرحة بنيت في معظم العالم الاسلامي. وإن زيارة القبور باتت أيضاً عادة شائعة. ولكن الوهابية تنظر الى مثل هذه الممارسات بازدراء. وتمضي الشرطة الدينية الى حدود قصوى في منع الناس من الصلاة أو حتى زيارة الاماكن القريبة من زمان النبي بينما يعمل العلماء الأقوياء خلف المشهد للدعوة الى تدمير المواقع التاريخية.

يخشى الدكتور علوي من أن توسعة المسجد النبوي هو جزء من عملية واسعة لنقل الأضواء بعيداً من المكان الذي دفن فيه النبي محمد. الموقع الذي يشير الى قبر النبي يغطي بقبة خضراء مشهورة ويشكل الحجر المركزي للمسجد الحالي. ولكن تحت الخطط الجديد، سوف يصبح الجناح الشرقي من البناء ثمانية أضعاف حجمه الحالي مع منبر جديد. وهناك أيضاً خطط لتدمير مكان الصلاة في وسط المسجد. وأن المساحة التي تشكل جزءاً من رياض الجنة، وهو قسم من المسجد الذي اعتبره النبي مقدّساً بصورة خاصة. يقول الدكتور علوي (مبررهم هو أنهم يريديون عمل مساحة وخلق 20 رواقا في المسجد والتي سوف تستوعب في نهاية المطاف 1.6 مليون). يضيف (لا معنى لذلك، فما يريدونه بالفعل هو إزاحة الاضواء بعيداً عن المكان الذي دفن فيه النبي).

في نشرة طبعت سنة 2007 من قبل وزارة الشؤون الاسلامية ـ وتمّ تأييدها من قبل المفتي العام للسعودية، عبد العزيز آل الشيخ، دعا فيها الى إزالة القبّة وتسوية قبور النبي محمد، وابي بكر، وعمر. الشيخ ابن عثيمين، وهو واحد من أكثر علماء الوهابية كتابة، قدّم مطالبات مماثلة.

يقول الدكتور علوي (صمت المسلم حيال تدمير مكة والمدينة هو كارثي ونفاقي). ويضيف (إن الفيلم حول النبي محمد الذي تسبب مؤخراً في احتجاجات واسعة حول العالم..وتدمير مكان مولد النبي، حيث أقام فيه الصلاة وأسس الاسلام قد سمح بتواصلهما دون أي نقد).

نلفت هنا الى أن علماء الأزهر الشريف في القاهرة أصدروا بياناً في 30 أكتوبر الماضي أكّدوا فيه معارضتهم بشدة للمساس بآثار الرسول صلى الله عليه وسلم. وأكّد منصور مندور أحد علماء الأزهر أن الآثار والمعالم الإسلامية ليست ملكاً لأحد، ولا يمكن إزالة أو تخريب أو المساس بأي معلم أو أثر يهم المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، وأن الأزهر وعلمائه لن يسمحوا لأحد بالمساس بآثار الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقال مندور في تصريح إعلامي إن التطوير في المدن الإسلامية مطلوب، لكن دون إعتداء على معلم أو أثر يهم الأمة الإسلامية، لأن الآثار والمعالم الإسلامية ليست ملكا لأحد، وإنما هي ملك للمسلمين جميعاً، ولذلك فيجب قبل إحداث أي تطوير الرجوع الى المجامع الإسلامية والفقهاء والعلماء لتحديد ما إذا كان هذا التطوير مطلوبا أم أنه يضر في جانب آخر.

وأضاف: لابد من أخذ رأي أهل الخبرة وأهل الذكر في هذا الباب حتى يكون التطوير ملائما للمصلحة العامة، نحن لا نمنع من التطور ولا من التطوير، وإنما نمنع من الإعتداء على أي ملعم أو أثر يهم جموع المسلمين في مشارق الارض ومغاربها.

وتابع مندور: نحن يهمنا أن نرى تطورا أو أي شيء جميل في المدن الإسلامية، ولكن إذا كانت هناك نية لإزالة شيء ذا أهمية أو ذا ميزة لجموع المسلمين فنحن نرفض هذا الأمر.

وقال: لن يسمح لأحد أن ينال من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم، الأزهر وعلماء الأزهر يقفون ضد أي مساس بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، كالمسجد النبوي وجذع النخلة والإسطوانة التي كان يصلي إليها ومنبر التهجد وغيرها من الآثار المعروفة والموجودة، ولن يستطيع أحد أن يزيلها وستبقى خالدة لتذكر المسلمين بما كان عليه المسلمون وما وصلوا إليه.

الصفحة السابقة