عبدالوهاب أبو سليمان

الإفتاء في الحجاز

عبدالوهاب أبو سليمان

الإفتاء مصدر (أفتى)، يقال: (أفتاه الفقيه في الأمر الذي يشكل: أبانه له. الفتيا، والفتوى، والإفتاء: الفاظ متقاربة، معناها في اللغة واحد، وهو بيان الحكم، أو إظهار الأمر المشكل على المستفتي وتوضيحه. والإفتاء في الإصطلاح هو: الإخبار بحكم الله تعالى عن دليل شرعي في واقعة من الواقعات.

والإفتاء من أهم المناصب الشرعية في المجتمع الإسلامي؛ وللفتيا دلالات شرعية واجتماعية.

الدلالة الشرعية للفتيا: أنها تنبيء أولاً وقبل كل شيء عن مستوى فكر القائمين بشؤون الفتيا على استيعاب المقاصد الشرعية، والنصوص الدينية، وامتلاك ناصية أدوات الإجتهاد، ومدى تفهمهم لواقع عصرهم، وإدراكهم للنواحي الإجتماعية، وما يتحلى به المفتون من مرونة فكرية، وسعة أفق. وعلى قدر اكتمال المفتي من امتلاك لتلك الأدوات واستيعابها، تنعكس نتائجها على المجتمع إيجاباً، وعدم اكتمالها ينعكس سلباً.

أما الدلالة الاجتماعية للفتيا، فهي مفتاح التعرف على سلوك المجتمعات وتصرفاتها، وبيان مدى التزامها بتعاليم الشرع الحنيف، والقيم الاجتماعية، والسلوكية خلال العصور الماضية والحاضرة، وهي أيضاً مقياس النشاط اليومي، والإتجاهات الجماعية والفردية للمجتمع، ومدى تجاوبها وتطورها لما يستجد في المجتمعات المعاصرة لها.

كل ما يرصد في مدونات الفتاوى من أحداث ونوازل، وما يوقع عليها من أحكام شرعية، مرآة حقيقية للواقع الديني والاجتماعي، من تفتح وسعة أفق، أو انغلاق وضيق في الفكر، وهي مجال خصب للدراسات الدينية والاجتماعية. وقد ترك السلف الصالح في الماضي البعيد والقريب، لأجيال الأمة تراثاً ضخماً نفيساً من الفتاوى المدونة على اختلاف البلدان والمذاهب الاسلامية، ناطقة بما كان عليه المجتمع، وهي في الوقت نفسه عنوان ما يتمتع به الفقهاء من اجتهاد وسعة أفق. والفتاوى المدونة في الكتب سجل ناطق بآراء أصحابها، واجتهاداتهم، وأساليبهم في فهم الفقه الاسلامي العام والخاص، وإحاطتهم بالروايات، وإشرافهم على الخلافات، وتوجههم نحو المشكلات، فهي على التحقيق لباب الفقه في الدين، وسر الصعود الى قمة الاجتهاد، تصور الناحية العملية التطبيقية من الفقه، وتظهر نتائج القواعد الأصولية والفقهية والأحكام المقررة، ومدى ملاءمتها للمصلحة العامة المعتبرة عند وقوع الحوادث المتوقعة وغير المتوقعة.

وبالجملة، فالفتاوى تمثل الحلول العملية التطبيقية في النوازل الحادثة. ومن هنا يظهر الفرق واضحاً بين الفقه النظري المدون في بطون الكتب الفقهية، والفتاوى العملية التي لاحظت الأحوال الاجتماعية والسياسية، وراعت الأعراف والعادات؛ ذلك لأن الفتاوى تتغير بتغير العادات والزمان والأمكنة. إضافة الى ما تقدم من خصائص الفتاوى ودلالاتها الشرعية والاجتماعية، فإن الفتاوى المدونة تزود الفقيه بتجارب المجتهدين السابقين، وتنير له الطريق لما ينبغي أن يتحراه من القواعد والمفاهيم، وما يتجنبه من محاذير لخرق ما هو محل إجماع الفقهاء، والتنبه لما هو محور خلاف لتحرير محل النزاع، تلك هي جدوى الفتاوى الشرعية المدونة للأجيال القادمة، وينبغي أن لا يساء استعمالها من المفتين المعاصرين، فقد تقرر شرعاً أن لكل زمان وبلد فتاواه التي تتفق مع مكان إصدارها وزمانه، وليس من الشريعة تنزيل فتوى سابقة على بيئة وزمان مختلف متأخر عنها. فالمفتي بحاجة الى معرفة كل ذلك ليكون على دراية تامة بكل ما له علاقة بموضوع الفتيا.

والمدينتان المقدستان، مكة المكرمة والمدينة المنورة، تهيّأ لهما على مر العصور الإسلامية من المفتين كفاءات علمية وفقهية متعددة ومتنوعة لم يتهيّأ لغيرهما في البلاد الإسلامية، فهما مهوى أفئدة العلماء بخاصة، والمسلمين بعامة، ومهجرهم الذي يأرزون إليه، مجاورة للبيت العتيق، ومسجد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، وقد ظلتا على هذا في كل عصور الإسلام المختلفة، لم تعان المدينتان الشريفتان من قلتهم فضلاً عدم وجودهم، بل أن مما يعد ظاهرة في هاتين المدينتين المقدستين تعدد المفتين في الزمن الواحد في المذهب الواحد، فضلاً عن التعدد المذهبي.

الحقائق والوقائع التاريخية الثابتة عن ملامح الإفتاء وخصائصه في مكة المكرمة والمدينة المنورة عبر العصور الإسلامية منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى الوقت الحاضر تشير الى ما يأتي:

■ تصدر للإفتاء في المدينتين المقدستين كبار الصحابة والتابعين الذين ورّثوا علومهم لمن جاء بعدهم من علماء تابعي التابعين، وهكذا أصبح للإفتاء فيهما أعلام معروفون مشهورون.

صورة خطية لفتوى في نظارة الوقف لمفتي
المدينة المنورة تاج الدين إلياس

■ بعض الفقهاء المكيين تخصص في الفتيا في فرع من فروع الفقه، واشتهر به، أمثال عطاء بن رباح، وطاووس، اللذين اشتهرا بالفتيا في المناسك، حتى قيل: إن فقه المناسك فقه المكيين.

■ ليس كل من تعلم الفقه، ودرس العلوم الشرعية مخولا لأن يقوم بوظيفة الإفتاء؛ إذ لا يلزم أن يكون الفقيه مفتياً؛ فإن للإفتاء تأهيلاً علمياً، واجتماعياً خاصاً؛ لهذا قد يكون الفرد فقيهاً إماماً، وخطيباً بالحرمين الشريفين، ولكنه غير مؤهل للإفتاء، بل تأهل للتدريس، أو القضاء، أو غير ذلك من الخطط الدينية الأخرى؛ لهذا يميز المؤلفون في كتب التراجم، وبخاصة المؤلفون الفقهاء، بين الفقيه المتصدر للإفتاء، والفقيه المنتصب للتدريس، أو القضاء.

■ قد يتصدر للإفتاء من اشتهر بالفقه في الوسط الإجتماعي، ولم تشر كتب التراجم الى إجازة مشايخه له بذلك، وهذا أمرٌ طبيعي في المجتمعات الإسلامية، ولا يعني عدم الإشارة الى إجازة مشايخه له بالفتوى أنه لم يعان الفتوى، ويمارسها، ولم يتصدر لها. ومن علامات الممارسة للإفتاء نسبة بعض الفتاوى لمن لم يشتهر بها، من هذا على سبيل المثال: أحمد بن يونس ابن سعيد الحميري القسنطيني، المغربي، المالكي نزيل الحرمين، ويعرف بابن يونس (813-878هـ/ 1410-1473م) فقد: (جاور بالمدينة غير مرة، وأقرأ بها. وكان ينكر الصلاة على الموتى بالروضة الشريفة، ومقدم المسجد؛ لكون رجلي الميت تصير لجهة الرأس الشريف، واستفتي على ذلك، ووافقه جماعة حتى صار أنه أوصى أن يصلى عليه خارج المسجد في موضع الجنائز، وأوصى فتح الدين بن تقي ـ أحد الأعيان ـ بأن تجعل رجلاه عن يمين الإمام فنفذت وصيته). ويضيف السخاوي قائلاً: ( وسمعت أنا كثيراً من فوائده ونظمه، وأوقفني على رسالة عملها في ترجيح ذكر السيادة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وغيرها).

■ الإجازة للفتيا يمنحها كبار العلماء، وهي شرط من شروط التصدي لهذه الخطة الشرعية الرفيعة، واضحى التنويه بها محل اهتمام المؤلفين في التراجم؛ إذ أصبحت عنصراً مهماً في ترجمة من تولى الإفتاء.

■ المنهج المتبع للتأهيل للفتيا في الحرمين الشريفين يكون بإعداد الطالب علماً، وفقهاً، ووعياً بواقعه الإجتماعي، ومن ثم يمنح من قبل كبار علماء عصره إجازة الإفتاء. وقد جرى المجتمع العلمي في البلدين الطاهرين منذ القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي على هذا المنهج، يتمثل هذا بصورة واضحة في سيرة الإمامين مالك بن أنس الأصبحي، وتلميذه الإمام محمد بن إدريس الشافعي، لدى بدء اضطلاعهما بخطة الإفتاء، بما يعد أنموذجاً رفيعاً سارت عليه الأمة الإسلامية أجيالاً عديدة. يرصد هذه الحقيقة العلامة ابن فرحون قائلاً: (قال مالك: وليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للحديث والفتيا جلس حتى يشاور فيه أهل الصلاح والفضل، وأهل الجهة من المسجد، فإن رأوه أهلاً لذلك جلس، وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخاً من أهل العلم أني أهل لذلك)(الديباج ص 21).

■ يقوم الفقيه في المجتمعين المكي والمدني بوظائف شرعية عديدة: كالقضاء، والتدريس، والإفتاء، والإمامة والخطابة، وغير ذلك. ومن الوظائف الإجتماعية: الحسبة والتدريس. وقد تقلد بعض المفتين مثل تلك الوظائف المتعددة.

■ ليس ضرورياً للمفتي، المكي او المدني، أن يجيزه عالم مكي أو مدني بالإفتاء، بل قد تكون إجازة الإفتاء له من عالم من علماء البلاد الإسلامية الأخرى، بحكم رحلات علماء مكة والمدينة الكثيرة الى بلاد العالم الإسلامي للتلقي عن علمائها، والأخذ عنهم في أقطارهم، فإن معظم المفتين في المدينتين المقدستين قد رحلوا الى بعض البلاد الإسلامية التي اشتهر فيها محدثون، وفقهاء وعلماء لغة، فتلقوا عنهم واستجازوهم في الرواية، وتلقوا عنهم العلوم فأجازوهم في الإفتاء لما رأوا كفاءتهم لهذه الخطة الشرعية الخطيرة كما هو منثور في تراجمهم. أو حين يفد أولئك الى أداء شعائر الحج والإقامة، أو المجاورة في إحدى المدينتين المقدستين.

■ قد تتعدد إجازة الإفتاء والتدريس للواحد من أكثر من شيخ من بلد واحد، أو بلاد متعددة. وبعض من تصدر للإفتاء في مكة والمدينة قد تأهل في معرفة أكثر من مذهب، مثل ما جاء في ترجمة العلامة الشيخ أحمد بن علي بن عمر الشوايطي اليمني الشافعي (781-836هـ/ 1379-1458م).

■ أصبح الإفتاء في مكة المكرمة والمدينة المنورة، بعد عصر تابعي التابعين، يسير وفق المذاهب المنتشرة فيهما منذ نشوء المذاهب الإسلامية، فقد كان في بعض العصور الإسلامية حضور لجميع المذاهب الإسلامية تبعاً لوجود أصحابها، وحضورهم فيهما، وكان لكل مجموعة من هؤلاء الأتباع علماء يفتونهم حسب مذاهبهم.

■ اتسعت الساحة العلمية في مكة المكرمة والمدينة المنورة في الماضي لجميع المذاهب الإسلامية: مذاهب أهل السنة والجماعة وهي الأكثر شيوعاً وانتشاراً، والمذاهب الأخرى: كالزيدية، والإمامية، يمارسون الإفتاء على مذاهبهم، يقوى بعض هذه المذاهب في أوقات ويضعف في أوقات أخرى لأسباب علمية واجتماعية وسياسية. بل كان شوكة أصحاب المذهب الإمامي في المدينة المنورة في القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي هي الأقوى. وإن أكثر المذاهب اتباعاً هي: المذهب الشافعي في مكة المكرمة، والمالكي في المدينة المنورة. هذان المذهبان هما الغالبان من حيث الأغلبية والأتباع في بلاد الحجاز، ويأتي المذهب الحنفي تالياً لهما.

■ ولم يكن للمذهب الحنفي شيوع في المدينة المنورة حتى عام 723هـ/ 1323م، فانتشر وذاع بين جنباتها حين جاء شمس الدين ابن العجمي فولف جماعة من الطلبة الشافعية، وأمرهم بالإشتغال بمذهب أبي حنيفة، فأجابوه الى ذلك، وتفقه منهم جماعة، وصاروا أئمة وقتهم، وانتفع الناس بعلومهم. وأضحت الغلبة للمذهب الحنفي في العصور المتأخرة حين أصبح الحجاز ولاية من ولايات الدولة العثمانية التي بسطت نفوذها على الحجاز، فأصبح له ممثلون من المفتين كبقية المذاهب الأخرى.

صورة خطية لفتوى في المعاملات لمفتي
مكة المكرمة عبدالله عتاقي زاده الحنفي

■ وأخذ المذهب الحنبلي في النمو والإنتشار منذ عام 1343هـ/ 1924م [بعد سيطرة السعوديين على الأماكن المقدسة، وإسقاطهم حكم الأشراف فيها. وقد حاول النجديون القضاء على بقية المذاهب الإسلامية، ونجحوا في ذلك ـ والى حد كبير ـ على مدى قرن كامل من حكمهم].

■ بعض المفتين تقلد منصب الإفتاء في كلتا المدينتين المقدستين؛ ولهذا لقب الواحد من هؤلاء فيهما بإمام الحرمين، وأشهر هؤلاء: إمام الحرمين أبو المعالي عبدالملك الجويني؛ والعلامة محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التونسي، المعروف الوانوغي؛ وحمد بن أبي بكر عبدالله بن خليل بن إبراهيم بن يحي بن فارس العسقلاني المكي (633-695هـ/ 1235-1295م) مفتي الحرمين؛ والعلامة أحمد ابن قاسم بن عبدالرحمن بن أبي بكر العمر، شهاب الدين الحرازي الشافعي (675-755هـ/ 1276-1354م) وغيرهم.

■ ويتعدد المفتون في البلد الواحد، وفي الزمن الواحد على قدر إجازة العلماء لمن قدر له أن يحمل هذا اللقب الشرعي الرفيع. يدل على هذا ما جاء في ترجمة العلامة القاضي جمال الدين بن ظهيره، أنه (تصدى للإفادة والتدريس نحو أربعين سنة، وكان أكثر من يفتي بمكة، والفتاوى ترد كثيراً إليه من بلاد الطائف، ولية، وربما أتته من بلاد زهران. وقد أصبح من خطة الدولة الإسلامية في العصور المتأخرة تنصيب مفت حسب كل مذهب من المذاهب الأربعة، بل قد يتجاوز الى المذاهب الأخرى. ولم يكن الإفتاء في مكة والمدينة مقصوراً على الفقهاء المكيين والمدنيين، بل كان ينتصب للإفتاء كل من توافرت فيه أهلية فقهية لهذا المنصب الشرعي الرفيع، حتى ولو كان من غير أهلهما، من المهاجرين أو المجاورين.

■ كانت مكة المكرمة مركزاً للإفتاء لبعض البلاد حولها من بلاد الحجاز واليمن، وهذا يبدو من تراجم بعض المفتين بها، أمثال العلامة محمد بن عبدالله بن ظهيرة القرشي (751-817هـ/ 1350-1414م)، وكذلك بالنسبة لكثير من البلاد الإسلامية في العصر الحديث كأندونيسيا وماليزيا وغيرهما في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين/ التاسع عشر والعشرين الميلاديين. فكثيراً ما كانت تعرض بعض النوازل والمسائل المستجدة في البلاد الإسلامية لمعرفة فتاوى علماء الحرمين حيالها، وقد ألفت موضوعاتها رسائل عديدة باللغتين العربية والجاوية.

■ من التقاليد العلمية التي جرى عليها العرف في الوسط العلمي احترام المفتين بعضهم رأي بعض، فإن اتفقت فتواهم أمضوا فتوى من سواهم، وان اختلفوا في الرأي لجأوا الى المذاكرة والمشورة فيما يعرض لهم من المسائل.

■ كان المسجد قديماً المكان المخصص للقضاء والإفتاء، والتعليم. وجرت العادة أن يتخذ المفتون في المساجد أماكن مخصصة بهم، يحافظون على بقائها برسمها؛ لتكون باسمهم، معينة معروفة في الحرم المكي الشريف، ومسجد الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، يقصدهم إليها المستفتون. ولما تطورت الحياة، وأصبح الإفتاء منصباً حكومياً، استقلّ بدور مستقلة، وهيئة منظمة استكمالاً لمرافق الدولة المدنية.

■ ولم يكن المفتون في مكة المكرمة والمدينة المنورة يتقاضون مرتبات من الولاة، بل كان بعضهم يحترف التجارة مع قيامه بواجبات الإفتاء، كما ورد في ترجمة محمد بن عبدالله بن فهد القرشي الهاشمي المكي. وأول العهد بالمرتبات للمفتين في مكة كان في عهد السلطان مراد خان العثماني (953-1003هـ/ 1546ـ 1594م). وجرى التنافس على خطة الإفتاء لما أصبحت تمنح أصحابها خصائص اجتماعية، ومنافع مادية من مرتبات مالية، وجرايات سلطانية تدر على أصحابها خيراً كثيراً. يحكي هذا الواقع الأليم العلامة الشيخ أبو سالم عبدالله بن محمد العياشي (1037-1090هـ/ 1627-1679م) قائلاً: (والحاصل أن المناصب الشرعية كلها في البلاد المشرقية، حجازاً ومصراً وشاماً من إمامة وخطابة وإقامة وقضاء وفتوى، وشهادة بل ووقيد المساجد إنما تنال بالشراء من الولاة، فإذا مات صاحب خطة، أو عزل دفع الراغب فيها مالاً للولاة فيولونه مكانه على أي حال، كان من صلاحيته لذلك أم لا).

■ ولما أضحت مكة والمدينة من ولايات الدولة العثمانية، أصبح تعيين المفتين لهما من قبل الدولة بمراسيم معينة وميزات إدارية خاصة، ومخصصات مالية من قبلها؛ فأوجد هذا الوضع الجديد تنافساً بين بعض الفقهاء حرصاً على تولي هذا المنصب؛ إما بطرق التقرب الى ولاة الأمر ومجاملتهم، أو بذل المال مزايدة شراءً للمنصب، فالتاريخ يحكي بعض الأحداث في هذا الخصوص منها ما سطره العلامة علي تاج الدين بن تقي الدين السنجاري (1057-1125هـ/ 1647-1713م) قائلاً: (ولما كان يوم السبت ثالث عشر ذي الحجة توفي مفتي الأنام بالبلد الحرام عبدالله بن شمس الدين عتاقي زادة مفتي الحنفية، وتطاولت أعناق بعض الناس الى هذا المنصب، وبذلوا فيه الجهد، الى أن أوصلوه الى نحو ألف وثلاثمائة أحمر، فاتفق رأي مولانا الشريف أن أقام فيه مولانا عبدالقادر بن أبي بكر، بعد أن شهد جمع من العلماء الأعلام لدى مولانا الشريف بتقدمه على غيره، وانحصار الاستحقاق فيه، خصوصاً وقد باشر المذكور الفتوى في زمن عتاقي بإجازة منه، وإذن من مولانا الشريف، وقد أخبر الثقاة بأنه قد عهد بها للمذكور لدى مولانا الشريف، وشهد لديه في حياته بأنه لا يستحقها سواه)!

■ وجرت عادة الدولة العثمانية تخصيص خلعة سنوية لمفتي مكة، وكان تعيين مفتي الأحناف من اختصاص مفتي الدولة العثمانية باستانبول، أما تعيين مفتي الشافعية وبقية المذاهب الفقهية فكان من اختصاص شريف مكة في كلا البلدين المقدسين، وما عدا هذا فكان استثناء. ولما كان الإفتاء قد أصبح مؤسسة حكومية، فقد تطور تنظيمها بحيث أصبح يشتمل على مناصب عديدة: المفتي، نائب المفتي، أمين الفتوى، وعدد من المفتين المؤهلين فقهاً في المذهب، بالإضافة الى المسجلين والكتبة. وكان أمين الفتوى هو المسؤول عن إعداد أجوبة الأسئلة الموجهة للمفتي، وكان عليه التدقيق في القرارات المتخذة في المحاكم الشرعية. ويضطلع أمين الفتوى بأكثر المسؤوليات العلمية والإدارية في خطة الإفتاء، إذ كان يتناول الأسئلة ويحرر الإجابة عنها بتوجيه المفتي. وله الإشراف التام على مؤسسة الفتيا في المذهب.

■ واشتهرت بعض بيوت مكة المكرمة والمدينة المنورة بتعدد المفتين في سلالتهم، فمن ثم كان يقال إنه (بيت فتوى). جاء في ترجمة الشيخ خالد الجعفري المالكي (ت 1044هـ/ 1634م): (شيخ المكيين، وبيت خالد بمكة بيت قضاء وفتوى وإمامة وخطابة). وفي ترجمة محمد بن ظهيرة: (وهو آخر بيت ظهيرة مفاتي مكة وقضاتها). وفي المدينة هناك آل البرزنجي، فقد تعدد في أبنائهم المفتون.

صورة خطية لفتوى في الإجارة لمفتي مكة المكرمة عبدالملك بن عبدالمنعم القلعي الحنفي

■ وعزف بعض العلماء عن منصب الإفتاء بعد ترشيحهم له زهداً وورعاً. جاء في بعض الترجمات أن بعضهم أُكره على منصب الإفتاء، كما عرض هذا في ترجمة العلامة ابراهيم المنوفي، وكذلك الفقيه إبراهيم الميرغني (1235-1302هـ/ 1819-1884م) إذ جاء في ترجمته: (فقد عرض عليه مرة منصب الإفتاء من طرف أمير مكة الشريف عبد المطلب حين عزله للعلامة عبدالرحمن سراج منه، فلم يقبله، وذلك بعد عرضه على سيدي الوالد [أحمد أبي الخير مرداد] ولما امتنعا عرض على أخيه السيد أحمد ميرغني فقبله). ومن هؤلاء السيد محمد ياسين ميرغني (ت 1255هـ/ 1839م). وقد سجل تاريخ الإفتاء في المدينتين المقدستين رفض عدد كبير من كبار الفقهاء لمنصب الفتوى.

■ وتقلد بعض علماء الحرمين منصب الإفتاء في بعض البلاد الإسلامية في القرن الرابع عشر الهجري/ العشرين الميلادي، كما هو الشأن في دولة ماليزيا، حيث تولى منصب الإفتاء فيها الفقيه المكي السيد عبدالله الزواوي، وكذلك بلاد اندونيسيا حيث هاجر اليها عدد من كبار العلماء المكيين [إثر سيطرة السعوديين على الحجاز]، أمثال العلامة الفقيه الشيخ سعيد يماني، وأبنائه الفقهاء: الشيخ صالح يماني، والشيخ محمد يماني، والشيخ حسن يماني. ومن هؤلاء: الفقيه القاضي عبدالله قاري، وأخوه القاضي الشيخ حامد قاري وغيرهما.

■ وأسهم المفتون في مكة المكرمة والمدينية المنورة المشرفة بتعدد مذاهبهم في إثراء المكتبة الفقهية بنتاجهم المخطوط والمطبوع، المتنوع فقهاً، ففيه الرسائل ذات الموضوع الواحد وهي كثير ومتنوعة مثل فتاوى رسالة المفتي السيد أمين بن حسن الميرغني المسماة (إزالة الوهم في جواز الصوم عند العجز عن الدم) ورسالة (القول الأحرى في وقوع الطلاق المعلق على نفقه العدة بالإبراء). وكذلك رسالة العلامة السيد بكري شطا المكي في الأوراق النقدية بعنوان (القول المنقح المضبوط في حصة التعامل ووجوب الزكاة في الورق النوط). والعلامة الشيخ محمد بن أحمد الشهير بالفا هاشم الفوتي الفلاني المدني (ت 1349هـ/ 1930م) له رسالة في (إفادة أهل التنوير بما قيل من التفصيل التصوير). وهناك مدونات ذات موضوعات مختلفة مثل: كتاب ( قرة العين بفتاوى علماء الحرمين) ثلاثة مجلدات: اشتمثل الجزء الأول على فتاوى الشيخ عبدالحفيظ بن درويش العجيمي الحنفي المكي مفتي مكة. وفتاوى الشيخ محمد طاهر سنبل المكي. والجزء الثاني حوى: فتاوى الشيخ حسين بن إبراهيم المغربي، مفتي السادة المالكية بمكة المكرمة، وفتاوى الشيخ محمد صالح الزبير الشافعي. والجزء الثالث تضمن فتاوى الشيخ محمد بن سليمان الكردي المدني الشافعي، وله أيضاً ضمن هذا المجلد: (الفوائد المدنية في بيان اختلاف العلماء من الشافعية)، وغيره من كتب الفتاوى المكية المخطوطة، وقد اندثر الكثير منها وما بقي فمعظمه مخطوط لم يقيض له أسباب الطبع بعد.

الإفتاء والمفتون في الحجاز قبل وبعد السيطرة السعودية

انتظمت خطة الإفتاء في مكة المكرمة والمدينة المنورة في نهاية القرن الثالث عشر وفي النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري/ العشرين الميلادي بصورة رسمية منظمة، واستقرت حسب الهيكل التالي: رئيس الإفتاء ـ وكيل الرئيس ـ أمين الفتوى ـ مساعدون من فقهاء وكتبة ومحررين. وكان لكل مذهب مفتون مختصون به، تتوجه إليهم استفتاءات العامة حسب مذاهبهم، تزودنا مصادر التاريخ المكي بدراسة مفصلة عن خطة الإفتاء في المدينتين المقدستين في تلك الحقبة الزمنية بحقائق عن الإفتاء وواقعه من خلال التراجم المدونة.

مفتو الحنفية في مكة المكرمة

تناول الحديث عنهم بإطناب المؤرخ الشيخ عبدالله غازي، فيذكر أن رئيس الفتوى مع بداية القرن الرابع عشر الهجري/ العشرين الميلادي كان العلامة الفقيه الشيخ عبدالرحمن جمال بن عثمان جمال، وكان بارعاً في الفقه. أقرّ له قرناؤه بل أعداؤه بذلك، وكان عظيم الهمة مع عفة النفس، وعدم التنازل الى سفاسف الأمور. مكث هو المفتي الحقيقي بمكة المكرمة، صاحب البراءة السلطانية، وإن تخلى عنها أحياناً، وقام بها غيره بغير أمر سلطاني. ولما صار الشريف عبد المطلب بن غالب أمير مكة، عزل الشيخ عبدالرحمن وولى بعده السيد أحمد بن عبدالله الميرغني، وما لبث أن ضعف أمر الشريف عبدالمطلب، وتخلى السيد أحمد عنها، فرجع اليها الشيخ عبدالرحمن. وكان له مع الوالي عثمان باشا من الإتحاد ما غير عليه خاطر الشريف عون، وعزل عثمان باشا، فكدره الشريف وعزله يوم قدومه من المدينة.

وولي بدله الشيخ صالح كمال ابن الشيخ صديق كمال (ت 1332هـ/ 1913م) وبقي الشيخ صالح يفتي الى أن كان على أخيه الشيخ علي كمال من الشريف عون تحقير وإهانة ما حمله على الإستقالة من الفتوى، فولى بدله الشيخ عباس ابن جعفر بن صديق (ت 1320هـ/ 1902م)، وكان أمين فتواه الشيخ الفيض عبدالستار الصديقي الحنفي.

بعدها رضي الشريف عون الشيخ عبدالرحمن، ورجع الفتوى إليه، وبقي بها مدة، ثم عزله، وولى الشيخ عبدالله بن الشيخ عباس، ثم صدر الأمر على الشيخ عبدالرحمن بمبارحة مكة، فسافر الى مصر، وتوفي عام 1314هـ/ 1896م، في رابع شهر رمضان، وحزن أهل مكة عليه.

وبقي الشيخ عبدالله بن عباس بن صديق مفتياً، وجاءت أوامر السلطنة بإرسال وفد الى صنعاء اليمن، فأرسل الشيخ جماعة، منهم الشيخ عبدالله المفتي المذكور، فتوفي هناك في شهر رمضان سنة 1325هـ/ اكتوبر 1907م، وولاه أمير مكة منصب الإفتاء الحنفي في العام الحادي عشر بعد الثلاثمائة والألف، وكان وكيله في الإفتاء الشيخ عبدالله أبو الخير. وكان أمين الفتوى في عهده الشيخ درويش العجيمي، فقد اصدر أمير مكة الشريف علي باشا أمراً بتعيينه في هذا المنصب فتولى أمانة إفتاء الأحناف من عام 1325هـ الى عام 1343هـ/ 1924م.

أما بالنسبة لعدد المفتين الأحناف، فقد ذكر المؤرخ الشيخ عبدالله غازي أن جملة من ذكروا من المفتين تسعة وعشرون.

مفتو المالكية في مكة

صفحة عنوان كتاب: (قرة العين بفتاوى علماء الحرمين)

انحصرت فتوى المذهب المالكي في نهاية القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر الهجري/ التاسع عشر وبداية العشرين الميلادي في مكة المكرمة في بيت الشيخ حسين ابراهيم المالكي. فقد تولى إفتاء المالكية بمكة الشيخ حسين بن إبراهيم بن حسين بن محمد بن عامر المالكي سنة 1262هـ/ 1846م، كما أنعم عليه أمير مكة الشريف محمد بن عون بوظيفتي الخطابة والإمامة بمقام المالكي، وكتب له تقريراً بذلك، ورتب له مرتبات.. وله جملة مؤلفات، توفي رحمه الله عام 1293هـ.

وتولى إفتاء المالكية بمكة المكرمة من أبنائه إثنان: الشيخ محمد، وقد توفي في محرم 1309هـ، وتولى الإفتاء بعده الشيخ عابد ثم عزل عن المنصب سنة 1310هـ، وتولاها الشيخ محمد المنصوري المصري المالكي، ثم أعيدت الى الشيخ عابد سنة 1323هـ في زمن أمير مكة الشريف علي بن الشريف عبدالله.

مفتو الشافعية بمكة

تولى إفتاء الشافعية بمكة المكرمة أعلام كبار، كان لهم تأثير كبير ليس في المجتمع المكي فحسب، بل تجاوزه الى كثير من البلاد الإسلامية، يأتي في مقدمتهم: السيد أحمد ابن زيني دحلان (ت 1304هـ/ 1887م). ثم عين السيد حسين بن عيدروس الحبشي في منصب الإفتاء، ثم عزله الشريف عون، وعين السيد محمد سعيد بابصيل (ت 1330هـ/ 1912م) في الإفتاء. ولما توفي هذا، أسند المنصب مرة ثانية للسيد حسين الحبشي، ولم يدم بقاؤه في المنصب حيث توفي في نفس العام 1912.

ثم تولى الإفتاء بعده الفقيه الشيخ عمر بن أبي بكر با جنيد المكي (1270-1354هـ/ 1854-1936م) وقد كان له ممارسة سابقة بوظيفة الإفتاء قبلها، وثقة كبيرة به من سلفه. ففي أواخر حياة شيخه محمد سعيد بابصيل، عين أميناً للفتوى معه، كما أن الحبيب حسين الحبشي لم يقبل وظيفة الإفتاء إلا بشرط أن يكون الشيخ عمر بن أبي بكر باجنيد المكي عوناً له فيها، وقد أجبره الشريف حسين بن علي على تولي الإفتاء، فقبل التعيين ذلك عليه، وكان فيه محمود السيرة كثير الورع والمهابة.

وآخر من تولى إفتاء الشافعية ببلد الله الحرام من الفقهاء الشافعية بمكة المكرمة كان الفقيه السيد عبدالله بن محمد صالح الزواوي (1266-1343هـ/ 1850-1925م) [إذ سقطت بعدها مكة والحجاز عامة تحت الحكم السعودي].

مفتو الحنابلة بمكة

لم يكن المذهب الحنبلي منتشراً بمكة المكرمة بخاصة، وبلاد الحجاز بعامة، فقد قلّ أتباعه، ومن ثم مرت بعض الأوقات في تاريخ هذا المذهب في مكة المكرمة التي شغر فيها منصب الفتيا حيناً، أو يتولاه فقيه من فقهاء المذاهب الأخرى حيناً آخر. وفي ذكر التسلسل التاريخي لمفتي الحنابلة بمكة المكرمة يذكر الشيخ عبدالله مرداد أبو الخير قائلاً: (وكانت الفتوى على مذهب الحنابلة بمكة متعطلة لسنين بعد موت مفتيها الشيخ محمد بن يحي بن ظهيرة في سنة 1271هـ الى أن وليها الشيخ محمد بن عبدالله بن حميد العنزي ثم المكي الحنبلي المتوفى سنة 1295هـ).

وتولى الفتيا بعد وفاته ابنه علي، وجلس عدة اشهر ثم عزل عنها، ووليها الشيخ خلف بن إبراهيم الحنبلي، ومكث فيها الى أن توفي بمكة، ثم وليها الشيخ أحمد بن عبدالله فقيه المكي، وكان شافعي المذهب، فأمر الشريف عون الشيخ أحمد المذكور بتقليد مذهب الإمام أحمد فقلده، ثم ولاه إفتاءه، ومكث فيها الى سنة ابتداء الحرية 1326هـ/ 1908م، ثم عزله منها الشريف، وولى الشيخ أبا بكر خوقير إفتاء المذهب المذكور، ثم بعد نحو يومين عزله، وولى الشيخ عبدالله بن علي ابن محمد بن عبدالله بن حميد مفتياً.

بعدها استعفى الشيخ عبدالله عن الإفتاء فأقام الشريف حسين مقامه في الإفتاء الشيخ عمر باجنيد الشافعي، ومكث في المنصب الى انقلاب الدولة الهاشمية وتوفي الشيخ عبدالله بن حميد المذكور في الطائف. وبه تنتهي سلسلة المفتين الحنابلة مع نهاية النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري/ العشرين الميلادية.

الإفتاء في مكة في العهد السعودي

مع بداية عام 1343هـ/ 1925م انفرط نظام الفتوى السابق المتمثل في تشخيص المفتين على المذاهب الأربعة وتعيينهم من قبل الدولة، نظراً لقيام الدولة السعودية محل دولة الأشراف، واستبدالها أنظمة جديدة بتوجهات جديدة. ومن المعتاد عندما تتغير الدول تستجد أنظمة وتندثر أخرى، وبالرغم من ذلك فقد كانت أروقة الحرمين الشريفين وساحاتهما الداخلية في بداية النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري/ العشرين الميلادي امتداداً طبيعياً للحياة العلمية لما قبلها، تمتلئ بالعلماء من المذاهب الأربعة، يلجأ الناس إليهم في معرفة رأي الشرع فيما يعن لهم من شؤون اجتماعية ومسائل دينية، يقصد السائل العالم الذي ينتمي اليه مذهباً ويجيبه عن سؤاله دون أي إجراء رسمي ما لم يتضمن حقوقاً للآخرين، فذلك من شأن المحاكم الشرعية. وظل العلماء في البلدين المقدسين يؤدون دورهم العلمي والإجتماعي والديني سواء في التعليم أو التدريس أو الفتيا احتساباً ومن دون حجر من الجهات الرسمية المسؤولة ثم اقتضى التنظيم توحيد الإفتاء، على اساس المذهب الحنبلي [واستبعاد بقية المذاهب من التدريس في الحرم والإفتاء في القضايا].

ففي عام 1374هـ/ 1955 أنشئت (دار الإفتاء) بالرياض [انتقل الإفتاء من الأماكن المقدسة الى نجد وسط الجزيرة العربية لأول مرة في التاريخ الإسلامي]، وعين الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ رئيساً له، فأسندت اليه الحكومة الفتوى، ومنح لقب (المفتي الأكبر) وهو أول من تولى هذا المنصب في الدولة السعودية. وان كلمة (الأكبر) تفيد بوجود مفتين آخرين، لا حرج في استفتائهم. يتمثل هذا في وجود هيئة متخصصة للفتوى هي (اللجنة الدائمة للإفتاء) مقرها الرياض، قد اختصت بالإجابة عن الإستفتاءات التي ترد اليها من جميع اطراف المملكة بالمقابلات الشخصية أو بالمراسلات البريدية أو المكالمات الهاتفية، وقد روعي في اختيار اعضاء الهيئة الكفاءة الفقهية في المذهب الحنبلي.

بعد وفاة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ عام 1389هـ/ 1970 تولى الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رئاسة الإفتاء، وقد استبدل فيما بعد اسم (المفتي العام للمملكة العربية السعودية) باسم (المفتي الأكبر). وبعد وفاة الشيخ ابن باز عام 1420هـ/ 2000م تولى رئاسة الإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ ولازال حتى الوقت الحاضر مفتياً للسعودية.

الصفحة السابقة