الوليد بن طلال: من المال الى السياسة

يريد الوليد بن طلال ان يقول: نحن أبناء طلال بن عبدالعزيز حاضرون هنا! ولنا حق وحصة في الغنيمة/ السلطة! لا تنسونا ولا تضطرونا الى تذكيركم بذلك! وأن لدينا وسائل اعلامية وأموال وعلاقات محلية ودولية يمكن تجنيدها اذا ما اضطررنا لذلك!

عمر المالكي

أهلاً بكم في قبيلة تويتر!

في 12 مارس الماضي افتتح الوليد بن طلال حساباً له على تويتر Alwaleed_Talal@، فكانت أول تغريدة له على النحو التالي: (‏يعلن المكتب الخاص لصاحب السمو الملكي الأمير الوليد طلال بن عبدالعزيز أن هذا الحساب الخاص والرسمي لسموه، وسيبدأ سمو الأمير بالتغريد قريباً). ومنذ ذلك الحين وحتى منتصف أبريل بلغ عدد المتابعين له نحو 320 ألف شخص، ولم يكتب سوى 33 تغريدة من بينها تغريدته الإفتتاحية.

ليس غريباً أن يفتتح الوليد كما أبوه حساباً على تويتر، فهناك عشرات وربما مئات الأمراء والأميرات افتتحوا لهم حسابات على تويتر، متابعة في أكثر الأحوال، ومشاركة بصورة من الصور بالرأي والموقف. لكن الغريب في الأمر هو ان فتح الحساب جاء في ظل هجمة عنيفة من قبل السلطة على مواقع التواصل الإجتماعي، بعد أن تحولت الى (أوكار سياسية!) تتعرّض للنظام ورموزه، كما أصبحت الى مواقع شحن وتنظيم لطاقات الجمهور باتجاه معارضة السلطة. وقد بدأت المسألة بالرأي حيث الإختناق العام بقيود السلطة، وانتهت الى تحوّل (بعض) ذلك النشاط الى الشارع على شكل اعتصامات واحتجاجات.

قد يدهش أكثر، أنه في الوقت الذي يهاجم فيه المفتي تويتر، ومثله فعل الملك ذات مرّة، وحين بدأت خطوات التضييق على المواطنين بصورة عملية من خلال مؤسسة الإتصالات، وجرّ الكثير من المغردين الى أقبية السجون وجلسات التحقيق.. أن يفتتح ولي العهد نفسه، الأمير سلمان بن عبدالعزيز، حساباً له في تويتر ـ اضطراراً فيما يبدو ـ تحت اسم HRHPSalman@، وذلك في 23 فبراير الماضي. وقد ظنّ البعض ان افتتاح الحساب يعبّر عن انفتاح (أمير الثقافة) كما يحب ان يسمّي نفسه، على تكنولوجيا العصر، وعلى جمهور شاب يشكل اكثر من 70% من شعبه! وهذا ما دفع كثيرين الى متابعته بعد تغريدة ولي العهد الأولى: (هذا هو الحساب الرسمي والوحيد لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي عهد المملكة العربية السعودية)، حيث بلغ عدد المتابعين حتى الآن نحو 333 ألفاً، ينتظرون سموه الملكي ان يدلي بتغريدة اضافية! ولكنها بالقطع لن تأتي. ذلك أن هدف ولي العهد سلمان يختلف تماماً عن هدف الأمير الوليد بن طلال او أبيه أو عبدالعزيز بن فهد وغيرهم.

ما يريده الأمير سلمان بالتحديد من فتح حساب له في تويتر هو: التأكيد على أن الحسابات التي تحمل إسمه ليست صحيحة، وأن كل ما يذكر عن مواقفه وتصريحاته وما أشبه لا صحّة لها. وعليه لا يريد سلمان المواصلة في تويتر ولا كتابة أية تغريدة أخرى.

ماذا يقول الأمير الوليد بن طلال؟

بقراءة سريعة لتغريداته الثلاث والثلاثين يمكن فهم ماذا يريد الوليد. بالطبع، فإن هذه التغريدات لا تكشف كامل سلوكه ولا تطلعاته. وبالتالي فإن المراقبة لمجمل التصريحات والمقابلات والأداء الإقتصادي وحتى الخدمي، تفضح المخفي من توجهاته.

1/ احتوت تغريدات الوليد على عرض نشاطاته ولقاءاته مع مسؤولين وشخصيات دولية اقتصادية وسياسية. وفائدة هذا النوع من اللقاءات هي ترسيخ الأمير الوليد كشخصية سعودية سياسية ذات أبعاد دولية في أذهان المواطنين. انظر مثلاً هذه التغريدة: (‏زارني ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز المؤيد لقضايا العرب العادلة. كما أن مؤسستي الخيرية تتعاون مع مؤسسة سموه الخيرية). وفي تغريدة له بالإنجليزية في 18 مارس الماضي قال فيها أن أسبوعه سيشمل لقاءات مع: جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركي الأسبق؛ ورئيس مجموعة سيتي غروب، ومدير شركة نوكيا، ووزير خارجية نيوزيلاندا، اضافة الى غيرهارد شرودر مستشار ألمانيا السابق.

2/ استعراض حياته الإجتماعية الخاصة، مع زوجته وأبنائه وأحفاده، كرجل عائلة، بحيث يشبع فضول البعض لمعرفة المزيد عنه وعن حياته الخاصة، مزوداً المتابعين ببعض الصور الخاصة. مثل صور مع حفيداته في عطلة ثلجية! أو مع إحداهن في برّ الرياض. ويريد الأمير ان يقول بأنه ملتزم بقيم العائلة، وأنه شخص متديّن، حيث يظهر صوره وهو يصلي: (ربي اجعلني مقيم الصلاة)! وله تغريدات توضح أنه يريد أن يلبس عباءة الدين (المتسامح طبعاً). فمثلاً تغريدته (المؤمنة!): (الإسلام شجع الرياضة وكل ما به قوة) ثم يورد آية: وأعدوا لهم.. والأثر: علموا اولادكم..!

3/ استعراض نشاطاته الخيرية داخل السعودية وخارجها، ليقول بأنه يساهم ـ الى جانب الحكومة ـ في مكافحة الفقر، وأنه يؤدي ما عليه من واجب المساعدة و (الصدقة!)، وربما اعتبر ذلك من (زكاة) أمواله. مثلاً: (اتفاقية بـ 30 مليون دولار بين مؤسستي الوليد بن طلال وبيل غيتس الخيريتين للقضاء على شلل الأطفال بالعالم). او مثل: (وقعت مؤسسة الوليد بن طلال الخيرية مذكرة تفاهم مع يونيسيف لتحسين التعليم في اليمن وخاصة تعليم البنات). او: (اعتمدت مؤسسة الوليد بن طلال الخيرية مشاريع جديدة لإنارة القرى والهجر السعودية ليصل مجموع المستفيدين 463 قرية وهجرة). طيّب أين الدولة؟ أين أموال النفط؟!

4/ استعراض بعض أفكاره ومواقفه تجاه بعض القضايا المطروحة، ليُظهر نفسه كإصلاحي ولو على المستوى التنفيذي والتنظيمي، وكإنسان عصري حداثي!، وكداعية للتغيير (في الحدود الدنيا منه)، وأيضاً كصاحب رأي وفكر وخبرة. ليفهم المتابع بأن شخصية كهذه جدير بها أن تتسنّم مناصب في قادم السنين تليق بأمير نابه ومتعلم وثري كالوليد بن طلال! في تغريدة (مؤمنة إصلاحية!) شكر الوليد من أيّده في مقابلته التلفزيونية التي جنّد لها 21 محطة تلفزيون تبثها مباشرة في سابقة لم تشهدها السعودية من قبل لا لملك ولا لوزير. وبعد شكره علّق: (سعدت بالتأييد الكبير الذي أثبت أننا في زمن الإصلاح) ثم ختم: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ)! ما شاء الله! هل يمكن اعتباره (مؤمن آل فرعون) مثلا؟!

من ضمن القضايا المثارة التي علّق عليها الوليد، مسألة الاف المعتقلين في السجون، وهي القضية التي يمكن أن تفجر الوضع الأمني والسياسي في البلاد، حيث تعتبر المحرّض الأساس على الخروج على النظام. وقد تحدث كثيرون في هذه القضية: مشايخ وناشطون حقوقيون وسياسيون وإعلاميون، وحذروا من تداعياتها، وكان آخرهم سلمان العودة في (خطاب مفتوح). الوليد بيّن رأيه فقال: (كثر الحديث مؤخراً حول الموقوفين، وقد “ناصحت” المسؤولين بأنه لابد أن يكون المدان في السجن، والمتهم في المحكمة، والبريء في منزله مع عائلته). هل يعني هذا أن وزير الداخلية (ابن عم الوليد) لم يطبق هذه القاعدة؟!

ومن مواقف الوليد ـ عبقري السياسة، تعليقه على زيارة أوباما الأخيرة للمنطقة واعتبرها (غير ناجحة). لماذا؟ لأنه (لم يكن هدفها الرئيسي البحث جديا في قضية العرب الاولى: فلسطين)! وغرّد الوليد على موضوع العمالة الوافدة التي بلغت 13 مليوناً، ومسألة طردها، فأيّد الحد من عددها حسب قرار مجلس الوزراء، لأن الوافدين (يشكلون عبئا على اقتصادنا). كما رأى (ترحيل العمالة الغير نظامية قرار صائب وقيادة المرأة للسيارة يؤدي للاستغناء على الأقل عن 500 الف سائق وافد مما له مردود اقتصادي واجتماعي للوطن). وفي الإقتصاد استعرض الوليد نباهته: (نبهت سابقا، لا يمكننا الاعتماد على النفط كليا والإسراف في الاستهلاك الداخلي).

الهدف النهائي

بشكل مكشوف وبلا لبس، فإن الوليد بن طلال يريد شيئاً من كعكة السلطة. يريد حصّة من الحكم. فهذا زمن توزيع السلطة على الجيل الثالث من العائلة الحاكمة، حيث شارف الجيل الثاني على الإنقراض دوراً وجسداً. وقد تبيّن أن هناك اتجاهاً لدى الماسكين بالسلطة لتجاوزه كما تمّ تجاوز أبيه ودفعه للهامش وحتى تجميد عضويته في هيئة البيعة. يريد الأمير طلال أن يحصل أحد أبنائه على موقع في السلطة شأنه في ذلك شأن حفدة عبدالعزيز. ومن الواضح جداً أنه لم يتم تعيين أحد من أبناء طلال في أي منصب حتى الآن، ولا يوجد مبرر لذلك سوى أن لعنة أبيهم (طلال) بسبب معارضته للملك سعود وفيصل قد تواصلت لتهمشه سياسياً ولتهمش أبناءه أيضاً.

عبدالباري عطوان، رئيس تحرير القدس العربي، فهم من حضور الوليد بن طلال في لقاء الثلاث ساعات مع القنوات الفضائية بأنه ليس أكثر من برنامج سياسي لشخص يرغب بحصة في الحكم، وأنه بمثابة (برنامج سياسي لشخص يريد حصة في حكم السعودية). يريد الوليد بن طلال ان يقول: نحن أبناء طلال بن عبدالعزيز حاضرون هنا! ولنا حق وحصة في الغنيمة/ السلطة! لا تنسونا ولا تضطرونا الى تذكيركم بذلك! وأن لدينا وسائل اعلامية وأموال وعلاقات محلية ودولية يمكن تجنيدها اذا ما اضطررنا لذلك.

هل الوليد بن طلال إصلاحي؟ هو يزعم ذلك. المؤكد أنه طالب سلطة، بناء على نسبه الملكي! وليس بناءً على كفاءته وحق الشعب في اختيار قادته. سبق له أن صرح لمجلة فرنسية: لا أستطيع الإنتظار كي أصبح ملكاً! ووالده الأمير طلال كان يتحدث عن الإصلاح السياسي والإجتماعي كمركب للحصول على شيء من السلطة، ولما يئس من الحصول على شيء من ذلك، تهافت خطابه، وصار أكثر صراحة وقرباً من الرأي السائد داخل العائلة المالكة. ابنه الوليد بن طلال، ومن خلال مقابلته الأخيرة، حاول تأكيد أنه ليس ضد سلطة العائلة المالكة، ولا هو باحث عن إصلاحات سياسية، وكل ما أشار اليه لا يعدو قضايا صغيرة (قضية عمل المرأة وسواقتها مثلاً) ليميز نفسه وليستثمر في الرأي العام المحلي.

بيد أن الرأي العام المحلي لم يعد يثق بأحد من الأمراء، لا طلال ولا أبنائه سواء من تسلّق السلفية المتطرفة كخالد بن طلال، أو كالوليد المتسلّق للحداثة الكاذبة. الأمراء عموماً متفقون على بقاء السلطة بيد العائلة المالكة، والجدل ـ إن وجد بين طلال وأبنائه ـ فهو يتعلق بكيفية إدامة تلك السلطة. بعضهم يقول بالإحتكار النهائي، وأفراد معدودين يقولون بالتنازل 1% لهذا الشعب المسعود، بإسم الإصلاح والتطوير.

أصلاً مسألة التطوير والإصلاح التي يطرحها الأمراء إنما جاءت بغرض إغاظة من بيده السلطة. هم أصلاً لا يقصدونها بذاتها حين يرفعون شعارها، وإنما كأداة تذكير ـ من قبل من يطرحها ـ لمن بيده السلطة، بأن لا ينساه في عملية توزيع الغنيمة.

الأمراء الكبار يقولون للوليد: يكفيك المليارات التي بيدك!

وهو يقول: معظم الأمراء يمتلكون المليارات، وامتلاكها ليس مانعاً للحصول على منصب.

السلطة المالية بلغت بالوليد حدّ الإمتلاء والتشبّع، وما يحدث في هذه الحالة عادة هو التوجّه نحو السلطة السياسية!

صحيح هو القول: (من ملك استأثر)!

الصفحة السابقة