مصر.. قضيّة سعودية

هيثم الخياط

ثلاث مسائل غيرت مزاج السعوديين كما غيرهم تجاه حكم الإخوان: الأول/ كانوا مظلومين يُتعاطف معهم فأصبحوا ظالمين. الثاني/ كانوا وحدويين اسلامياً وعربيا فصاروا تقسيميين لشعبهم ولشعوب غيرهم. والثالث/ نُظر اليهم كمناضلين ضد الاستعمار والصهيونية، فإذا بهم يقدمون التنازلات لمجرد ان يبقوا ويسيطروا على السلطة كاملة وبأسرع وقت.

الحكومة السعودية ضد الإخوان، وكذلك اعلامها. وهناك من هو مع الإخوان لأنهم متديّنون من جهة، ولأنهم جاؤوا عبر الديمقراطية والإنتخاب. لكن المزاج في السعودية تغير ضد الإخوان كما في مصر نفسها. الاحلام تكسرت او تبخرت، الحلم بحكم الاسلاميين ديمقراطيا وصل الى نهايته. ذوو الميول الإخوانية في السعودية متألمون جداً، هم والسلفيون عامة، الذين وجدوا في مصر مزرعة لأفكارهم، أو نسخة يمكن تطبيقها في يوم ما في السعودية نفسها.

الدكتور عبدالله النعمي فاجأه بيان العسكر الذي يمهل مرسي 48 ساعة، فاعتبر ذلك (خيانة)؛ وكان يقول قبل ساعة من ذلك البيان ان تمرّد فشلت وان المعارضين يتجهون نحو حتفهم. والدكتور محمد علي الهرفي يتهم المعارضة بالعمالة لاسرائيل وامريكا (من حقهم القلق على عبيدهم)، ووصف المعارضة بأقذع الأوصاف، لكنه بعد الصدمة يقول: (الله يستر). اما موسى الغنامي فخشي من (استنساخ التجربة الجزائرية) و اتهم مليارات الخليج بأنها وراء زعزعة مصر.

(مصر) قضية سعودية. والتحزّب بشأنها أمرٌ طبيعي، في مجتمع منقسم في خياراته السياسية. الكاتب طراد الأسمري ابدى ارتياحاً بقرب نهاية حكم الإخوان، وفرح ببيان العسكر واشار الى وضع قناة الجزيرة البائس التي حسب رأيه (تمارس اخوانية غير مهنية في نقلها للمظاهرات وكأنها تدار من المقطم). كثيرون هم من أبدوا فرحتهم بل وشماتتهم بالإخوان، على الأقل نكاية بالتيار السلفي المتشدد في السعودية. ميسا الشامخ وجهت تحية للجيش والشعب المصري؛ وصبا الحمد قالت بأن الـ ٤٨ ساعة لمرسي كافية لترتيب شنطة والتوجه الى السعودية والإنضمام لزين العابدين بن علي. وذكرت من أسمتهم بـ (الإخونجية) في الخليج بأن مرسي يحكمه شعب مصر الذي لا يريده (ماراح يحكمكم أنتم، فخلّوا عنكم اللقافة). علي هادي شمت بإخوان الخليج وقال بأنه (جاءهم عُقر، بُقر).

عبدالرحمن الصبيح صبّ جام غضبه على البرادعي فهو قد دمّر بلدين عربيين؛ وكأن فهد الغفيص يرد عليه (آمل من كل سلفي أو إخواني يثرثر في السياسة دون تخصص وحكمة أن يتعلّم ثم يتكلّم). يعني ما تفهموا في السياسة فاصمتوا! وأما الدكتور سليمان الربعي فلاحظ ان بعض الفضلاء (صاروا أوصياء على المصريين. افعلوا، لا تفعلوا).

بيان المثقفين السعوديين للشعب المصري

ضُربَ إخوان مصر، فاستنفر اخوان السعودية واصدروا بياناً يكرر ذات موقف اخوان مصر من الأزمة تحت عنوان (بيان المثقفين السعوديين) وقع عليه عشرات من المشايخ والمحسوبين على تيار الإخوان مثل محسن العواجي وعوض القرني وسعد النفيسان. السعودية التي فتحتها معركة شرسة ضد الإخوان بكل فنون التحريض لم تشأ ان يعترض على مواقفها أحد من الداخل، او حتى يتخذ مواطنون مواقف مخالفة للموقف الرسمي. لذا بدأ التهجم على البيان وتناولته الصحف الرسمية بأنه (لا يمثلنا!) وكأن المواقف الرسمية تمثل نبض الشعب ومصالحه.

لكن البيان الداعم للإخوان استفزّ آخرين على تويتر، بعضهم من الموالين للسلطة، وبعضهم الآخر من ذوي القناعات السياسية واصحاب الرأي، ممن جربوا شيوخ السلفية المتأخونة في السعودية. هذه نماذج من تعليقاتهم على ذلكم البيان:

احمد دهشان قال انه ليس بيان السعوديين بل بيان الإخوان فرع السعودية، وطلب من الموقعين الا يتحدثوا باسم الشعب، وظهر كثيرون يقولون بان البيان لا يمثل موقفهم وليتحدث كل فرد عن نفسه. (ما كُتب في البيان لا يعنيني) كما يقول حسين، ولا تؤلف بيانات وتكتبها باسم الشعب او كما يقال تلصقها بظهره. في حين جاء آخرون وقالوا بأنه يمثله مثل المغرد سلطان فالبيان يمثل كل حرّ. بيد أن هناك من قال بأن ما قام به الملك من دعم جهود الاطاحة بالإخوان لا يمثل شعبه، فليعلم الحاضر الغائب، اللهم فاشهد!.

سليمان الصقعبي توجه للمصريين مباشرة محذراً اياهم من موقعي البيان وطعن في مصداقيتهم، وقدمت رائدة السبع نصيحة للموقعين: (لطالما رُفضت بياناتكم هنا بالمملكة، ولم يسمح لكم بعرضها. يجدر بكم الصمت عن قضايا الآخرين، وركزوا على قضاياكم).

اكثر من جهة تنصح السعوديين بأن ينشغلوا باصلاح وضعهم وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وتقديم النصائح وكأنهم عباقرة زمانهم في كل شيء. سعودي غاضب قال بأن شعب مصر مشغول بتربية حكومة. وأقسم بأن ذلك الشعب لو التفت على السعوديين لاهانوهم بالسخرية، فاطلعوا منها (اي اتركوا موضوع مصر). مصعب الحمد سخر من فقرات وتوصيفات جاءت في البيان كالشرعية المغتصبة، ثم توجه لهم: (انت طالب ببرلمان منتخب ـ يقصد في بلدك ـ بعدين تكلم عن الشرعية يا أبو شرعية). اما الطريف مازولا، فقد جاء بالمختصر النافع، او كما يقال كلمة ورد غطاها: (الفراغ مفسدة. اللقافة شيْنَة). وزادت العنود: (المصريين أصلاً لا يريدون بيانكم، ولا رأيكم، لأن حنّا بنظرهم غجر. هم أهل العلم والحضارة والثقافة والفن والأدباء).

بقي ان المغرد اوسكار لاحظ امراً سياسياً مهماً: (نحن شعب لدينا حالة شيزوفرينيا متقدمة، وعلاجها مستعصي) لماذا؟ لأننا (نؤيد الإخوان في سوريا، ونحارب الإخوان في مصر).

(العربية) عورة محرّمة!

(لو كانت قناة العربية في زمن النبوة ما اجتمع المنافقون إلا فيها، ولا أُنفقت أموال بني قُريظة إلا عليها) كما يقول الشيخ عبدالعزيز الطريفي. النفوس ممتلئة ضد قناة العربية. هذا ليس جديداً، ولكن مع المواجهة للإخوان المسلمين، يصبح الصراع معها امراً واجباً. الصراخ يتعالى: (قاطعوا العربية)! (هي شريكة في الإجرام والفساد فكيف يطيب لعاقل نزيه متابعتها).. يقول د. عبدالله آل معدّي. محمد العجمي نصح (بغض البصر، ولنبدأ بقناة العربية فكلّها عورة محرّمة). ومن يتابعها ليس نظيفاً: (استمري يالعربية في دعايات الشامبو، فمحبّوك بحاجة الى النظافة).

هل هو مكتشف جديد وجده هؤلاء في القناة، فطالما كيلت الإتهامات لها نثراً وشعراً. العربية بعين من تعاديهم (يهودية الفكر)، وأنها لا تحارب جماعة الإخوان بل (أمة الإسلام)، وانها عبرية الهوية تنتج اعلاماً مؤبلساً. فواز العِنِزي، معبر الرؤى وبكالوريوس اصول دين، قال عنها انها (تعدت مرحلة الإنحياز للعدو. هي الان تنتقل للجبهة وتحارب الاسلام، لدرجة ان اليهود وقفوا مندهشين منها).

نعم… نعم مندهشين!

الموقف الساخن في مصر ولّد موقفاً ساخناً في السعودية ودول الخليج من العربية. وكما قالت مغردة: (العربيّة دائماً دجّالة، وأنتم تعرفون أنها دجّالة، بس إذا كذبت عليكم جلستم تتباكون، واذا كذبت على غيركم مثل سوريا: فرحتم). هم الآن في المرحلة الثانية، متألمون يفكرون في رفع دعوى قضائية ضدها كما يقول الشيخ العوضي، فيصبح سؤال سلمان الصبيحي للمشائخ عن فتوى مشاهدة قناة العربية في البيوت لا معنى له. وهناك مصطفى الحباب الذي دعا الحقوقين الى رفع قضية على العربية (لتزويرها الحقائق وتشريع القتل). انه اكتشاف متأخر على كل حال!

يوم وقع اكثر من اربعين اخوانياً برصاص العسكر، كانت العربية تتحدث عن أن الاخوان يقتلون بعضهم تماماً مثلما تقول السلطة السعودية، ان المتظاهرين قتلوا ١٥ متظاهراً بالرصاص! لتبرئ نفسها. لذا قال المهندس الشهراني أخبار قناة العربية أشبه ما تكون بملخص لـ (خطابات الداخلية).

يحي حوّى، ابن الشيخ سعيد حوّى الشخصية الإخوانية السورية المعروفة التي كانت تقيم في السعودية، كتب مراراً ضد العربية: (لا احد يقنعني ان قناة العربية هي قناة ممولة من السعودية بلد الإسلام والشريعة الإسلامية). لا نظن ان يحيى يستطيع الفصل بين العربية والسلطة التي تمولها وتحتضنها!

هو انقسام سياسي كما في مصر بين مؤيدي العربية، ومؤيدي الجزيرة. لذا تساءل البعض بأن العربية تكذب، والجزيرة تستقبل رئيس اسرائيل بيريز. ماذا عن قناة الجزيرة؟ هناك هاشتاقات ضدّها تتهمها ايضاً بالكذب والتضليل. وسام فاضل مذيع الجزيرة مصر استقال منها لكذبها وتحريضها؛ ومصطفى بكري المقرب من السلطة تولّى شتائم الجزيرة بالجملة: (اغلقوا قناة الجزيرة العميلة. لا تتركوها تبث سمومها. إنهم متآمرون. كل مصري يشارك في هذه الجريمة خائن وعميل).

وعموماً فإن موضوع الاخوان ومصر هو الطاغي، لكن لا يستطيع سلفيو ال سعود ان ينسوا معاركهم الطائفية او يهدأوا قليلاً. القاضي النجيمي غرد دفاعاً عن الإخوان، مثله مثل الشيخ سعد البريك، ساحق الجماجم. يقول النجيمي: (نذرت وقتي لحرب الروافض والعلمانيين واليساريين والليبراليين لأنهم حرب للإسلام). ويبدو ان العقول صغيرة احياناً، فـ (من أسقط مرسي هو محمود بدر/ شيعي؛ والبرادعي علماني متشيع، زوجته ايرانية؛ وحمدين صباحي ممول من ايران، فأصبحت ايران تحيط بالسعودية من كل مكان وربحت رهاناً). وتحليلات السلفيين كلها ضمن هذا الصنف، (ماتخرّش الميّة)، مزاعم على تلفيقات على حكايات على سذاجات. قريب من ذلك تحليل السلفي المتأخون عوض القرني الذي رأى ان (الدماء من المصريين، والأموال من الخليجيين، والرابحون هم الصهاينة والإيرانيون والأقباط وغيرهم)!

الشيخ حسن فرحان المالكي تحدّى: (اعطوني واحداً من الإخوان او السلفية بمصر يؤمن حقاً بأن للمسيحي حق المسلم، وللشيعي حق السني. لا أحد. اذاً لماذا التشدق بالديمقراطية؟)، ولما يتباكى هؤلاء الحمقى على (الصندوق) وهم أعداء (الحقوق) منذ القرون الأولى؟.

والكاتبة بدرية البشر سلطت الضوء على مشايخ الإخوانية في السعودية، فهم يعتبرون تعيين مستشارة أمراة في حكومة مرسي ضمن منهج الوسطية، اما تعيين امرأة في مجلس الشورى السعودي (فخروج على الشريعة). ومثل ذلك ان تكشف سيدة عن وجهها وتتظاهر في حشد من الرجال وترفع شعارات ان ذلك نوع من الجهاد في مصر، اما عمل المرأة في السعودية فهو فتنة وتغريب.

خمسة مليارات دولار لمصر

المليارات الخمسة التي سارع وتبرع بها الملك عبدالله للحكومة المصرية جاءت نكاية بحكومة الإخوان، ومساعدة على انجاح النظام الجديد في طور القيام، وحتى يتسنى للمواطن المصري ان يشهد الفرق بين الحكومة الفاشلة وبين الحكومة الجديدة التي هي خليط من الفلول والثوار!

غضب المواطن من المليارات الخمسة السهلة، فأخرج علينا الشاعر مطلق البعاج البقمي سهام قصيدته النبطيه التي سمّاها (شعب السعودية يا بو متعب احرار) ورماها في وجه الملك:

الهاجس اللي بين الاضلاع فرّار

حاولتْ أجنّب عنهْ ما منّهْ مِفْرارْ

لجين الهذلول هنّأت شعب مصر بالمساعدة، وتساءلت ألم أقل لكم بأن (رسم نخلة عوجة على الجواز يرمز للبلد بشكل أفضل)؟. واخرج مخلف بن دهام الشمري، الناشط المعروف زفرته على شكل بيت شعر:

أُمٌّ لنا من صدرها ما رَوَيْنا

ترضعْ عيالِ الناسْ وعيالها أيتامْ!

وكأن شيطان الشعر قد نزل على المغردين فقال آخر: قلتها وأعيدها اليوم:

من الحماقة أن تسقوا حدائقَهُمْ

في حينِ بُستانُكمْ قد ماتَ بالعطَشِ

سعد الرويس جاء بصورة سعودية تبحث عن طعام في الزبالة العامة، وهذا التعليق: (على فكرة هذا المنظر في السعودية. ايه في السعودية. بس التبرعات لهذولا بقدرة قادر راحت لمصر).

ذكّر أحدهم الملك بما فعل المصريون امام السفارة السعودية في القاهرة اثناء قضية اعتقال الجيزاوي؛ وجاءنا آخر ليكشف حال سعودية ام لتسعة اطفال تشتغل منظّفة لدورات مياة لكي تعيل ابناءها. مغرد غاضب قال بان الدعم ليس موجهاً للشعب المصري بل لتثبيت حكم العسكر. وبلغة خالد الشغدلي: (اصبحنا ندعم الخونة لمساعدتهم في الطغيان، ونأوي الهاربين منهم. اللهم ان شريعة الإسلام والشعب براء مما يفعلون). لكن الجذر كله هو محاربة النظام للديمقراطية وهذه الأموال لتلك المهمة: (انها الديمقراطية الملعونة التي أطارت النوم من عيون ديناصورات الخليج) كما يقول ناصر السلطان.

الصفحة السابقة