حياة الملوك، خطاب الملوك، ووعّاظ الملوك!

هيثم الخياط

# عشان تعيش ملك

هذا الهاشتاق يكشف شيئاً من شخصية المجتمع السعودي، فهو بقدر لا بأس به يمجد الملوك، ويريد أن يتقرب اليهم، أو يصبح مثلهم، أو يعيش كعيشهم. وقد يكون الأمر أن الزمن ضاق بالمواطنين، فأرادوا أن يحلموا، فكان هذا نتاج حلمهم.

لماذا تريد أن تصبح ملكاً في الأساس، مع أن القرآن قد ذمّ الملوك: (إن الملوك اذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلّة وكذلك يفعلون). والرسول (ص) قال لشخص جاء اليه وهو يرتجف: (هوّن عليك إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد) أي اللحم المجفف، كبقية البشر الفقراء الضعفاء!

محمد الحميدان نصح المغردين: (لا تصير ملك ولا تقرب من ملك) فما يأتي منهم إلا الشرّ. أعوذ بالله من السلطان الطاغي. لكن إن قررت أن تعيش كملك، فهذا أمرٌ سهلٌ جداً، فقط أخرج من السعودية، كما يقول دحّوم الشهري، فأنت ـ ربما ـ لا قيمة لك في وطنك، ولا تستطيع أن تستمتع بحياتك بسبب اجتماع القمع الديني والسياسي.

المغرد الهرمزان رأى ان من السهل ان تصبح ملكاً وليس فقط أن تعيش كملك، فأمامك تجربة الملك الحالي واضحة: (فقط تحتاج الى شهادة رابعة ابتدائي، وشعب مغفّل يصفّق لك). في حين يعتقد المغرد ياسر: (لن تعيش كملك، قبل أن تُسقط عرش الملك). وقد أراد صاحب متجر عطور ان يسوّق بضاعته في الهاشتاق فنصح المغردين بشراء عطر لانفين فمن يتعطّر به يصبح ملكاً. يالها من فخامة! أما الملكة ملاك، فقالت بأن عيش الملوك يتم من خلال تحقيق الكرامة، ونصحت: لا تسمح لأحدٍ أن يذلّك. البعض رأى أن يبحث عن ملكة يتزوجها حتى يصبح ملكا، ولكن ريهام تقول بأن من السهل عمل انقلاب في بريطانيا، فافعل ذلك واطرد العائلة المالكة واحتل العرش؟ لكن لماذا بريطانيا، وليس في ديار المؤسس وأبنائه وحفدته؟

# خطاب الملك لا يمثلني

هاشتاقات عديدة جاءت رداً على بيان أو خطاب او كلمة الملك بشأن دعم السعودية للنظام الجديد في مصر ضد حكم الإخوان، حيث التوتر في السعودية موصولا بمصر، فالأخيرة كانت ولاتزال: قضية سعودية. كلمة الملك عبدالله عن مصر، كانت صاعقة لدى البعض، متوقعة لدى بعض آخر، لكنها في نهاية الأمر تنتقص من شرعية النظام، وتطعن في أهم جدلياته الدينية التي تحرّم الخروج على الأنظمة سواء بالثورات أو بالإنقلابات. اندهش الصحافي خالد الناصر، وتوقع منها أن (تزيد الغضب الشعبي.. معقولة؟ مو عارف أن الشعب مولِّع؟).

الألم كان كبيراً، فمن قائل أنه شعر بخذلان لم يشعر به من قبل؛ ومن مُعلنٍ للبراءة من موقف الملك، وما اكثر الشاتمين مما لا يليق بالنشر. المطالبة بحق الشعوب يعني الإرهاب: هذا ملخص كلمة الملك. وإذا كان العُزّل في مصر صاروا إرهابيين برأيه، فماذا سيكون حال المتظاهرين بالسعودية، ماذا سيقول الملك عنهم؟

المملكة تريد استعادة مصر اليها. المعركة الأولى مع الإخوان، والثانية بعد القضاء عليهم بين الثوار والفلول، حيث تأمل الرياض ان تعيد انتاج النظام السابق بلا ديمقراطية ولا ثورية. وفي المقابل هناك من اعتبر كلمة الملك كفراً بواحاً وحرباً صريحة على الإسلام فيما المشايخ في سُبات. والإعلامي المقرب من أجهزة الأمن سلطان الجوفي رأى في كلمة الملك الصدق والنصيحة، أرعبت المفسدين من الخونة والعملاء. ولأن السعودية انتفشت في الفترة الأخيرة وأخذت تتدخل في كل دول الجوار بالتخريب والثورة المضادة، رأى مغرد (أن الحقبة السعودية خطر داهم يهدد أمن وحرية الشعوب، ويتوجب ازالتها من جذورها كحقبة ضد حرية وتقدم الإنسان). وسخر المغرد: مفتي البيت الأبيض من مطالبة الملك بعدم التدخل في مصر (على أساس ان المليارات السعودية الخمسة التي قدمت كانت دعماً لموزمبيق). ورأى مهند ابراهيم بان الملك ليس وصياً على شعب مصر، وأن الخطاب لا يمثله، فهو خطاب يطالب بعدم التدخل في الشأن الداخلي المصري، وكلمته في حد ذاتها، تعتبر تدخلاً بالشأن الداخلي المصري.

لم تشهد السعودية تباعداً في الموقفين الشعبي والرسمي تجاه قضية ما مثلما رأينا تجاه القضية المصرية. هناك من رأى ان السعودية غدرت بمرسي وطعنته في الظهر؛ وهناك من اتهم العائلة المالكة بأنها سبب الإرهاب الذي تزعم محاربته في مصر، فهي المصنّعة والممولة له. أما ريم البوادي فرأت ان الخطاب يشرعن الإنقلاب العسكري في السعودية، لأن (ملك السعودية لا يرى منكراً في الإنقلاب على الحاكم).

كثير من المواطنين اعتذروا لشعب مصر، وحسب مغرد: (متى كان الملك يمثلني، حتى يكون كلامه يمثلني)؛ وتساءل آخر: (اذا كان الملك لا يعرف كيف يصلح حال شعبه، هل سيصلح وضع مصر. حكومتنا ساعدت في خراب مصر). عبدالعزيز العقيلي اقترح: (أيش رأيك تجلس بغرفتك وتعتزل الفتنة؟)، ومحمد الشريم قال ان الملك تجاوز الخامسة والتسعين من العمر، ويصر على ان يتحمل وزر آلاف الأنفس. انها سوء الخاتمة.

# المملكة تنقذ العالم من الإستبداد

هذا الهاشتاق جاء تعليقاً على خطاب عبدالله الجاسر نائب وزير الإعلام في الامم المتحدة حيث قال: (المملكة تؤكد على إخراج العالم من غياهب الظلم والإستبداد الى نور الحق والمساواة والعدالة). فالعالم مليء بالطغاة، وليس لهم إلا (ولاة الأمر) الذين يطبقون الإسلام والحكم الرشيد أحسن تطبيق.

هو خبر مضحك كما يقول أكثر المغردين. لكنه في نفس الوقت محزن، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. وهو فضيحة لا يخفف منها إلا أن الأجانب لا يقرأون بالعربي. الهاشتاق مليء بسخرية المغردين، حتى أن أحدهم شاهد فيلاً زهري اللون يطير فوق صحراء الربع الخالي. تعبيراً عن المبالغة والكذب المهول. كيف تنقذ دولة كالسعودية العالم من الاستبداد وهي دولة تدار بعقلية قبلية وبملك يحكم عِزْبَةً قبلية؟ وكيف تدعي دولة اغتالت الخلافة، وجعلت المسلمين لقمة سائغة للقوى العظمى أنها تريد انقاذ العالم؟ يقول احد المغردين.

المغرد السنيدي يأمل أن لا يكون هو من بين السبعين ألفاً الذين سينقذون من الإستبداد، حتى لا يقاد الى بئس الوِرْد المورود!

لماذا؟ لأن السعودية تعطي دروساً في الإستبداد؛ وهي تصدر استبداداً أصلياً غير مزور. وهي من أكبر مراكز الظلم والدمار على شعبها ومن جاوَرَه. ولأن قادتها استحوذوا على كل الإستبداد في العالم وهكذا ينتهي الاستبداد من تلك البلدان، كما يقول المغرد الغنامي. ويرى بخيت الزهراني، ان السعودية تنقذ العالم من الاستبداد عبر احتكاره وحرمان الآخرين منه.

# حملة ذِكْرْ مَحاسِنْ بلدك

الحملة جاءت من رجال المباحث وكأنها درسٌ حكومي للشعب في الوطنية، غرضها تلميع نظام الحكم، وصناعة رأي عام محلي موالٍ للحكم، أو للتخفيف من ضغط النقد والهياج العام ضد سياسات النظام الداخلية والخارجية. فمحاسن البلد تُحسب لحكامه، حيث الفرق عند البعض معدوم بين نظام الحكم والوطن، وبين الولاء للوطن ولنظام الحكم. إذن هي حملة لذكر محاسن العائلة المالكة التي تتعرض للنقد لفشلها في التنمية وفي توفير العيش الكريم للشعب رغم الوفرة المالية. فماذا في هذه البلاد من محاسن؟ وأيّ تلك المحاسن تُحسب للعائلة المالكة؟

وليد الدميخ قال بأن من يكرر اغنية محمد عبدة بأن السعودية ما مثلها بلد في الحسن (والله ما مثلك في هالدنيا بلد) عليه كفارة الحِلْفْ بالباطل صيام ثلاثة أيام. وكثير من التعليقات تقول أن من محاسن البلاد وجود الحرمين الشريفين بها، ولا شيء سوى ذلك. ولكن الحرمين ليسا صناعة سعودية، وأشرف شيخ يوضح بأن (عزّوز/ أي الأمير عبدالعزيز بن فهد) ليس هو من بنى الكعبة، وكان قد سبق له الزعم بذلك! اما المغرّد احمد، فقد كَبَّرَ اللُقمةَ ساخراً ان من محاسنها: (العدل، المساواة، تكريم المرأة، الحياة الكريمة، الحرية، الرواتب العالية، المطارات، كلها محاسن بلدنا) ولكنه يتساءل عن كفّارة تغريدته الكاذبة هذه؟ وصالح الصبيحي يغرد على ذات المنوال، ثم يهرب مما قاله: (يا رب سامحني، يارب سامحني).

فاطمة القرشي حمدت الله أن حقوق الحيوانات مكفولة في مملكة الإنسانية، بحيث تولى بعضهم مناصب عليا في الدولة؛ وخالد وغيره قالوا ان ذكر المحاسن تكون بعد الوفاة! (على وزن اذكروا محاسن موتاكم) وخلص الى أن أصحاب المقامات ومن معهم من (البَيْضْ) عارفين ان بلادي ميتة ما فيها شيء زين غير الحرمين.

منيرة تتحدث عن فقدان الأمن المزعوم: (نلعب على مين، وقصص الخطف والإغتصاب والتحرش والمعاكسات بكل مكان). وتحدث المغرد طارق عن بلد كمستوطنات الصهاينة في فلسطين (ما بين شبوك نقبع، ومداخل المدن ومخارجها تفتيش، فلو كان هنالك أمن وأمان فلمَ هذا الإذلال؟)، وعبدالرحمن يحمد الله بأن السعودية ليست كوريا الشمالية؛ وريم السيف لا ترى سوى القُبح الذي أصبح سيّدَ الأشياء في أرجاء الوطن، وأخيراً كريم يرى من محاسن بلده هو وجود (مطعم ابو عمار السوري بتاع الشاورما).

# خطبة السديس لا تمثلني

لا يتدخل مشايخ السلطة في السياسة الا اذا طُلب منهم ذلك. هذه المرة الشيخ السديس امام الحرم المكي، وخلافاً للمشاعر العامة المضادّة للموقف الرسمي مما يجري في مصر، تهجم على الإخوان المسلمين ووصمهم بالإرهاب وفكرهم بالإرهابي، وحملهم كل ما يحدث وشكر جهود العائلة المالكة في التصدي للإرهاب دفاعاً عن سماحة الاسلام، ثم كرر الامر في الخطبة الثانية وأثنى على غيرة النظام على مصر.

تحولت الخطبة الى هاشتاق ينتقده بأقسى العبارات، كيف لا وهي جاءت من مغردين سبق ان انتقدهم في احدى خطبه واصفاً اياهم أهل الهشتقة والطرطقة!

تساءل الخضر هل هي خطبة جمعة أم نشرة أخبار السديس على القناة السعودية الأولى. والشيخ سعد التويم جاء بسجْعٍ يشبه سجع خطبة السديس فقال:

السديس خلط الصالح مع السيء للتلبيس.

والإجرام بدأ بالخروج على الرئيس.

وقتل المعتصمين هو الإرهاب الخسيس.

بمكائد أعوان إبليس.

خلْ عنّكْ المطاريس!

خطبة السديس عند طلال السويلم (متاجرة بالدين) وتساءل: هل السديس هاتف عملة لا يتحدث إلا بعد أن يلقموه؟ ومحمد العييدي سجَعَ أيضاً بأن لا نعجب من (التسييس البغيض؛ والتشبيحْ الخليقْ؛ والتملّقْ الكريه). في حين لفت سلطان العطيفي الى أن وزارة الأوقاف عزلت خطيباً بحجة استخدامه المنبر لأغراض سياسية، وتساءل: هل كانت خطبة السديس عن عذاب القبر؟ لكن علي التويجري يشرح بأن هناك فرقاً بين تسييس وآخر: هو تسييس مدان ان تعارض مع مواقف الحكومة؛ أما تأييدها فهو طاعة لولي الأمر. ولهذا اعتبر أبا الخيل الخطبة استغلالاً قبيحاً للدين لصالح العائلة الحاكمة.

د. صالح الصقير أعلن البراءة من ظلم السديس لأهل مصر، والمغرد خالد يتساءل: منذ متى تمثل الخطب المُمْلاة مسلماً؟ فيما ابدى المغرد المنبطح ألمه من أن منبر قبلة المسلمين وأطهر بقاع الأرض أصبح للدفاع عن الطغاة والظَلَمَةْ؛ بحيث انك اذا ذهبتَ للحرم لا تجد الروحانية وإنما: فنادق وشيخ مُطبّلْ.

لكن العلامة الأثري شاهد هذه المفارقة المخزية فسخر منها: (الشيخ السديس يدعو لهم بالحَرَم؛ ومحمد عبده يغنّي لهم بالجنادرية، وهذه من الأدلة على وسطية واعتدال ولاتنا حفظهم الله)!

مغردون آخرون رأوا أن لا داعي للعجب مما يفعله السديس وذكّرونا بمقالين للأخير واحد يمدح تعيين الأمير احمد وزيراً للداخلية في عنوان سجعي: (الإختيار الأحمد للأمير أحمد)؛ فلما عُزل بعد بضعة أشهر وعُيّن محمد بن نايف مكانه كتب السديس مقالاً دعائياً سجعياً ايضاً: (الأمر الرائف بتعيين الأمير محمد بن نايف)، وسخر الأثري فقال: (الكُنافة والقطايف في تعيين محمد بن نايف).

ورغم وجود مشايخ ضد موقف السلطة من مصر وضد موقف السديس، فإن الشرّ يعمّ؛ فتنويري يقول ليس فقط السديس من فعلها فـ (الجماعة كلهم دينهم الله بالخير)؛ وطفق بعضهم بإظهار وثائق الشرهات والمكرمات التي تسلمها السديس من ولاة أمره؛ وأبدى المغرد صوت الشعب تذمراً: (لدينا علماء سلاطين نفخر بهم لدرجة أن بودّي أن أبيعهم لإسرائيل).

صابر العلوان ذكرنا بحديث الرسول (ص): (لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المُضلّين)؛ ومحمد الحريري قال أن أهل الباطل لديهم سلطة ومال واعلام (واليوم نضيف لها: وسديساً ايضاً). أما الدكتور عبدالعزيز كامل قال: لا لسعودة الإسلام، وتساءل: هل أصبح ضيعة من ضيعات آل سعود يضيعون فيها ويغيرون معالم الدين؟ هل صار بيت الله الحرام حلالا لبعض خطبائهم وقرائهم كي يتقربوا من فوق منبره لولاة أمرهم أو أولياء نعمهم؟

الصفحة السابقة