مواقف شعبية من كارثة الحجاج في منى

توفيق العباد

بعد أيام قلائل فقط من كارثة الرافعة التي سقطت على رؤوس الحجاج وهم يطوفون ببيت الله؛ جاءت فاجعة أكبر بسقوط آلاف الحجاج صرعى في مِنى، في مشهد تهتزّ له المشاعر والأبدان، حيث الجثث المتراكمة، والإسعاف المتأخر، والإهمال للجرحى، وعدم كفاية ثلاجات الموتى للعدد الكبير من الضحايا.

حتى اليوم، لم تعلن الرياض العدد الحقيقي للضحايا والمفقودين، وهي تريد ان تخفي الأرقام، فيما يتزايد عدد الباحثين عن ضحاياهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن فشلوا في الحصول على أدنى معلومة من السلطات السعودية.

الرياض كانت مهتمة ابتداءً بإخفاء الرقم الكبير للضحايا (الموتى والجرحى)؛ وفي المقام الثاني كانت مهتمة بتبرير الحدث، وحتى الآن لم تقف على جهة واحدة، ففي كل يوم هناك متهمون: ابتداءً قالوا ان السبب تدافع، ثم قيل ان السبب هم الحجاج انفسهم، جاء ذلك على لسان وزير الصحة السعودي وغيره؛ ثم قالوا ان السبب مؤامرة ايرانية، حيث ألفت صحيفة الشرق الأوسط قصص خيالية في الأمر؛ ثم قالوا انهم الماليزيون؛ ثم جهة ارهابية ما استخدمت غازاً ساماً؛ ثم أعلنوا في اعلامهم ان المناخ الحارّ هو السبب الى جانب الإرهاق. هذا ولازال آل سعود يبحثون عن جهة ما يحملونها مسؤولية فشلهم الذريع في توفير الحد الأدنى من حماية ورعاية الحجاج.

أمير مكة خالد الفيصل تفاخر بعد الفاجعة مباشرة بأنه (لا يوجد في العالم من يفوقنا خبرة في تنظيم الحج)! والمفتي آل الشيخ أشار الى أمر شائن لا ينبغي قوله وهو ان هناك بين الحجاج من يتعمد الموت في الأماكن المقدسة وان ذلك انتحار!؛ وفي مناسبة أخرى خاطب آل الشيخ، وزير الداخلية المشرف على الحج والذي يفترض ان يتحمل المسؤولية عما جرى، خاطبه بالقول: (أنتم غير مسؤولين عمّا حصل)! هكذا بكل صفاقة! اما رئيس هيئات الأمر بالمنكر عبدالرحمن السند، فكان مهتماً بتهنئة قيادته الرشيدة بنجاح موسم الحج! والشيخ السديس الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، يقول ان ما جرى حادثة (طبيعية)، وبدل ان يقدّم التعازي لعوائل الضحايا، قام بتعزية الملك الذي يفترض ان يتحمّل المسؤولية! تماماً مثلما فعل رئيس مجلس الشورى، الذي كان همه تعزية الملك ومحمد بن نايف!

بعد فشل ادارة الحج، كما في قطار المشاعر، وبعد اتهام القضاء والقدر، تم تحويله على الشركة الماليزية، كما يقول الأكاديمي عبدالهادي خلف؛ ورجاء أحمد جمال تعرض لاتهام وزير سعودي بأن الحجاج هم السبب في الفاجعة، وقال ان ذلك غير مقبول، وما هكذا تورد الإبل يا سعد. كذلك قالت هناء حميدان: (لا تلقوا باللوم على الحجاج. هو خطأ إدارة فاقدة للكفاءة، لا تعرف قيمة الأرواح، ولا معنى الحج، ولا أساليب إدارة الحشود والوقاية).

وأجاد مغرد مشهور فقال: (في الصباح قالوا وفاة الحجاج قضاء وقدر. وفي الليل قالوا إيران تقتل الحجاج! أخاف أقوم الصباح ألقى اللي قتلهم الجيش الأحمر الياباني). أما الكاتب والصحفي محمد المختار الشنقيطي فانتقد من ألقى اللوم على (القَدَر) واضاف: (كأن القدر يعفي السلطة من حماية الأرواح.. لو كان القتلى جماعة غوغاء في ملعب رياضي، لما وجدتَ من
يبرّر التقصير. لكنك تجد التبرير والضحايا حجاج مسلمون قُتلوا في حرم الله). وتابع بأن الحجاج (قُتلوا بسبب الإهمال والجهالة)، وأن (تسويغ الموت الجماعي في منى لا يخدم الإسلام كدين، ولا السعودية كدولة، بل هو يدلّ على بلادة الضمير)؛ موضحاً أن تكرار الموت الجماعي في مِنى (دليل على استهتار بحياة ضيوف الرحمن، وعلى تخلّف إداري وتنظيمي).

وسخر الإعلامي عبدالله بن عبّاد فقال ان من الدروس المستفادة من حادثة منى أنكَ: (إذا ما قدرتْ تلزقها بإيران، فقلْ قضاءٌ وقدر)! كذلك سخر المعارض الدكتور محمد المسعري من اتهامات الحكومة وابعاد التهمة عن نفسها: (طبعاً الحكومة ما قصرت، والسبب جهل الحجاج وضحالة ثقافتهم. وطبعاً: القضاء والقدر، يعني: رب العالمين) هو المسؤول! هناك شبه اجماع بين أصحاب الرأي في السعودية، بأن من قتل الحجاج هو سوء التنظيم والإهمال والتسيّب، فلا محاسبة ولا تحقيق جدّي ونزيه؛ وتم توجيه الاتهام لآل سعود، أحياناً بشكل مبطّن وفي أحايين أخرى بشكل صريح، فهم (يتعاملون مع الحادث وكأنه بركان أو زلزال أو تسونامي، وليس نتيجة أخطاء بشرية كارثية تستدعي تحقيقاً ومحاسبة). وإزاء تعدد الاتهامات الحكومية والتهرب من المسؤولية، قال مغرد: (الى الآن.. تمّ شتم الشيعة، والمصريين، وأهل مكة، والأفارقة، وأهل شرق آسيا، حتى الأموات شُتموا، وقيلَ أنهم انتحروا من أجل المليون ريال)!

الدكتورة والناشطة هتون الفاسي تعلق على مراسل قناة العربية الذي ألقى باللائمة في مقتلة الحجاج على الأفارقة، فتقول: (بدأت البروباغندا الدفاعية غير المسؤولة في إلقاء اللوم على الحجاج والنيل منهم). وعبدالرحمن الكنهل يتألم: (فرغم الفاجعة، ورائحة الموت والألم.. يوجد لدينا تطبيل). ومن أبشع أنواع التطبيل وأحقرها، ما نشرته صحيفة سعودية من أن التجربة السعودية في هندسة إدارة الحشود، تُدَرّس للعالم!. وردّت مغردة على اتهام الحجاج الإيرانيين والحجاج الآخرين وتحميلهم مسؤولية المقتلة فقالت: (ليه خايفين تنشرون تسجيلات كاميرات المراقبة؟) وتجيب: (لأنها ستثبت فشلكم وكذبكم)!

المعارض حمزة استغرب من أن (الإتهامات الحكومية تدور ولم تتوقف) فالمهم أن آل سعود مُبرَّؤون! موضحاً بأن (من له الغُنم كاملاً) اقتصاديا وسياسياً ومذهبياً، فعليه أن يتحمل كامل الغُرم وأن يتحمّل المسؤولية وحده. فآل سعود تُنسب لهم الفضائل، وأن كل منجز يقفون هم وراءه، وعليهم أن يتحملوا المسؤولية وان لا يلقوا بها على البطانة او على شركة. وتابع ساخرا: ما قصروا آل سعود، لكن تنقصهم الخبرة! (مائة سنة يحكمون الحجاز ويحتاجون خبرة؟!).. وخلص الى أن ال سعود ليسوا كفؤاً لإدارة الأماكن المقدسة؛ ففي (كل سنة تقع كارثة أو أكثر. الى متى تبقى الأماكن المقدسة بيد هؤلاء الحمقى؟!.. في كل سنة أهالي الحجاج يدهم على قلوبهم الى أن يعودوا. هذه منجزاتكم! في كل عام تجلبون الحزن بكوارثَ صنعتها أيديكم، وصنعها جهلكم، وسوء ادارتكم).

لكن اذا كانت الرياض تتفاخر بصرف المليارات على تطوير المشاعر المقدسة، فمردود الحج أضعاف تلك المليارات وهي تذهب للميزانية ولا أحد يعلم عنها شيئا، يقول طه اليامي. وينصح المفكر الاسلامي طارق رمضان، ينصح آل سعود بالإستثمار في أمن المسلمين بدلاً من الإستثمار في الفنادق ومراكز التسوق؛ وأضاف بأن الكوارث ليست حوادث، بل نتيجة مباشرة لسوء الإدارة. ويسأل عبدالمحسن الماضي: ماذا عن الإدارة السعودية؟ فيقول: (هل لدينا تجربة متراكمة في تنظيم حركة الحشود، مدتها خمساً وثمانين حِجّةْ، أم لدينا تجربة حجة واحدة كررناها خمساً وثمانين مرّة؟).

ولاحظ الاعلامي والحقوقي سلطان العجمي أن أكثر الأسئلة تكراراً في مؤتمر المتحدث باسم وزارة الداخلية منصور التركي هو: (ما هو موقفكم من المحرضين في مواقع التواصل)؟ انهم صحفيون فاشلون تافهون، مشاريع مخبرين، هكذا يصفهم العجمي. ورأى أحد المغردين بأن صورة حكومة آل سعود اهتزت بسبب حادثة الرافعة والآن مقتلة منى، وهو لا يتوقع أن الملك سيتخذ عقوبات فالأمر يمسّ وزير الداخلية وأمير مكة خالد الفيصل. لكن المشكلة أن آل سعود يظنون بأنهم بجملة (سنحقق في الحادثة) يمكن تهدئة الرأي العام الاسلامي، وأنه لا يحق لعوائل الضحايا أن يعبروا عن حزنهم وأن يسألوا عن الأسباب، او يطالبوا حتى بجثث من فقدوهم. انه غياب العقل وطغيان المكابرة، يقول مغرد آخر.

أهم ما تمخضت عنه فاجعة منى، أن آل سعود وسلوكهم وُضعَ تحت المشرحة، وأن احتلالهم للأماكن المقدسة صار محط تساؤل، وهو أكثر ما أزعجهم من كل ما قيل بشأن الفاجعة. فتدويل الأماكن المقدسة في الحجاز، او الإشراف على الحج من قبل الدول الاسلامية، هو أسوأ ما يمكن لآل سعود أن يسمعوه، وسوف يتكرر مع تكرر الفشل السعودي.

المعارض غانم الدوسري يلقي بالعتب على المسلمين الذين تركوا مقدساتهم بيد من أسماهم بـ (سفهاء آل سعود)؛ والعماني بدر المعشري علق على الفاجعة: (يجب التفكير جديا في وضع مكة تحت ادارة اسلامية. آن الأوان لتدخل الدول الأسلامية الكبرى)؛ لكن الكاتب محمد علي المحمود يصيبه الرعب من فكرة التدويل، ويرى انها فكرة مجنونة لأنها تتنافى مع السيادة السعودية عليها، ولأن المسلمين لم يفلحوا في أي مشروع جماعي!

هل هذا مبرر كاف؟!

الحديث عن إدارة اسلامية للحج يتصاعد، وهناك مقالات كتبها مسلمون وحجاج في صحف غربية، وإن كانت الرياض تستاء من طرح هذا الموضوع أيما استياء!

وأخيراً، فإن المتحدث بإسم الجيش الصهيوني، ويا لسخرية القدر، يدعو الله ان يفتح لحجاج بيته، وان يبسط رحمته عليهم، ويبشرهم بالجنان! ما دعا المغردة دلال لتقول: (السنة الجايّة بِنْشوف افيخاي أدرعي لابس احرام! لعن الله ابو ذا الوجه!).

الصفحة السابقة