ترامب يحذر إيران الإرهاب

فرح سعودي غير مسبوق بـ (الجنرال) ترامب!

عبد الوهاب فقي

مكالمة هاتفية بين ترامب وسلمان، وتصريحات عنترية منه ومن وزير دفاعه، تهدد ايران بشأن تجربة صاروخ باليستي، كانت كافية لأن يخرج أتباع النظام السعودي من عقالهم، ولينقلب غضبهم على ترامب، الى فرحة تتسع أصداؤها كل قنوات الإعلام السعودي وصحافته الداخلية والخارجية.

ها هو رئيس أمريكي جديد ـ وعكس ما توقعوا ـ رضي عن آل سعود، وأعاد سياسة الحزم والتهديد مع ايران، وربما يستخدم السلاح ضدها، ويحاصرها، ويلغي من جانب واحد التزام بلاده بالاتفاق النووي الدولي.

هل هناك أكثر من هذا مفرح لآل سعود، الذين لا يرون معركة في الكون إلا ضد إيران، ولا يهمهم شيء في هذا الكون، إلا استعادة نفوذهم على أنقاض إيران؟

أليس هذا الموقف الترامبي جديرٌ بالشكر والتحية؟

أليس من المحتمل أن يؤدي المزيد من المديح والتحريض لترامب، الى استعجال المواجهة مع ايران؟

إذن، فلنشكره، على طريقة (شيّم للبْدِوِيْ وخذْ عَبَاتَهْ).

بأوامر عليا، أخذ مدير قناة العربية تركي الدخيل، المبادرة، وافتتح هاشتاقاً، بالإنجليزية ـ مع انه لا يعرف الإنجليزي ـ عنوانه: (ترامب يحذّر إيران الإرهاب/ #TrumpWarnsIranianTerrorism)، هدفه شكر ترامب ان حوّل الاتهام بتمويل الإرهاب من السعودية الى ايران، وتحريضه على الأخيرة، وأن المملكة وشعبها سيقفان معه في أي حربٍ ضدّها.خاطب الدخيل جمهور المباحث والموالاة، قائلاً: (غرّدوا تحت هذا الهاشتاق بالإنجليزي، لشكر ترامب على مواجهته للإرهاب الإيراني). وما كاد يفعل، حتى ردّ عليه المحامي إبراهيم المديميغ قائلاً: (سأغرّد يا تركي الدخيل بالعربي. تغريدتك تعكس حال النخب المُفلسة الفاسدة. سيعامل ترامب تغريدتك بأوسخ جزمة في بيته الأبيض بعد إيران).

وفعلاً استجاب القطيع السعودي، وغردوا بالإنجليزية والعربية، وأرسلوا ما يكتبونه الى حساب ترامب على تويتر، والى مواقع في البيت الأبيض وأخرى اعلامية أمريكية، وكلها برسالة: شكراً، نحن معكم في الحرب على ايران.

الحملة الاعلامية منسّقة حكومياً، وقد كتب المقدم الإعلامي في الإم بي سي وليد الفراج على خطى زميله الدخيل: (ترامب داخِلْ حاميْ على إيران. شاركونا في هذا الهاشتاق لتشجيع سياسته الحازمة مع تلك العصابة التي تهدد الخليج). وحساب موجز الأخبار الذي تديره عناصر في المباحث، ارسل رسالة لحساب ترامب بالعربية: (ألف شكر سيادة الرئيس ترامب لتحذيركم ايران بسبب نشاطاتها الإرهابية). ودخل معهم المحامي الرسمي عبدالرحمن اللاحم ليقول بأن تصدي الرئيس ترامب لإيران سيجعل هذا العالم أكثر أمناً. وطلب الدعم حتى يصل الهاشتاق الى الترند، من أجل عالم يسوده السلام.

يعني المطلوب ان يشن ترامب الحروب، لكي يكون هناك عالم يسوده السلام الأمريكي السعودي الإسرائيلي. هزلت!

صحيفة سبق الإلكترونية التابعة لوزارة الداخلية، كانت ركناً في الحملة، وهي تستعجل الحرب، والنصر الأمريكي. قالت: (طبول الحرب الأمريكية تقرع أبواب الملالي. سيناريوهات مشتعلة). اما اعلامي ام بي سي (بتّال القوس) فيكاد يطير فرحاً: (بداية قوية للرئيس ترامب، مُبشرة بكسر شوكة إيران الارهابية. يستحق ان نقول شكراً لترامب في هذا الهاشتاق). حتى مشايخ الوهابية الذين يعملون في جهاز المباحث لم يقصّروا. قال الشيخ الخثعمي: (اوباما كان لطيفاً جداً مع ايران. لدينا أملٌ كبير في ادراة ترامب، بأن يضع حدّاً للإرهاب الإيراني). وارفق الخثعمي صورة تفيد بأن ايران هي التي فجرت برجي التجارة العالمية، وليس خمسة عشر سعودياً من بين ١٩ مهاجماً، كلهم وهابيون تكفيريون عنفيون. لهذا يسأل أحدهم مستغرباً: وماذا عن الارهاب السعودي؟ كل الإرهابيين الاسلاميين جاؤوا من السعودية.

حتى الصحف السعودية شاركت في الهاشتاق، مثل صحيفة الإقتصادية التي ترى سنوات حكم اوباما عجافاً، وان ترامب سيضع حداً لإرهاب ايران ولأكاذيب الإعتدال. وتعدّى الأمر الى مديح ترامب ومهاجمة ايران والتشيّع في مئات المقالات كما فعل محمد آل الشيخ.

لقد أصبح ترامب بطلاً قومياً وهابياً مسعوداً. على أكتافه ألقى آل سعود آمالهم ورغباتهم، وما تختلج به لواعجهم.

رجاءً يا ترامب أوقفهم ـ أي الإيرانيين. يقول خالد النفيس، والمهندس خالد المانع يكتب تحذيراً على الطريقة الترامبية: (ايران، أصبحت ايامكِ معدودة)، وثالث يقول: ترامب سيضع نهاية للإرهاب الإيراني وسيجلب السلام للعالم. ورابع يشتغل جاسوساً لدى ترامب: إنهم يمولون حزب الله والحوثيين يا ترامب، يقصد الإيرانيين. 

ومن التغريدات:

ـ يا ترامب: يجب ان نتوحد ـ امريكا والسعودية ـ ضد ايران، تقول إحداهن. 

ـ شكراً يا ترامب على إيقافك الفوضى الإيرانية في الشرق الأوسط. إنهم ـ أي الايرانيون ـ يقتلون الأبرياء في كل مكان.

ـ ترامب لا يمكن أن يصمت على أفعال إيران.

ـ مسفر الحارث يكتب: شكراً سيادة الرئيس على كل شيء فعلته من أجل السلام في العالم.

هذا مع ان الرجل لم يكمل شهراً في البيت الأبيض، وقد أحدث اضطراباً في كل عواصم العالم، وهذا لا يراه المسعودون وأسيادهم آل سعود.

ـ ومن الحبّ ما قَتَلْ. البطّاط يقول بأنه لا يأتي مثل رجلٌ مثل ترامب إلا مرةً واحدةً كل مائة سنة.

ـ ومن التحريض: قوّاك الله يا ترامب، عليكَ بدولة الإرهاب.

ـ المهم أن (ترامب أفضل رئيس وصل لأمريكا). وكيف لا يكون كذلك، وهو ـ كما قال مرّان الضوبان: في البداية طرد العراقيين، وبعدها دعس إيران، وبعدها اتصل بخادم الحرمين الشريفين. وبهذا فهو قائد بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حسب القريني؛ وهو ـ اي ترامب ـ رجل المهمات الصعبة، وابو الشخصيات القوية، التي ستوقف التعديات الايرانية، وهو فوق هذا رجل المرحلة؛ ورجل السلام الأول بالعالم.

ـ ومن الهيام بترامب، ما قاله أحدهم: (أنا مِنْ شِفْتِكْ وأنا حاسّْ أنك ذيبْ. عليك بكلاب إيران).

ـ ويقول مرزوق الهويمل: لقد سخّر الله سبحانه ترامب ـ أعظم من حَكَمْ ـ لخدمة آل سعود؛ ثم ينثني فيشتم (ذاك العبد) أوباما، الذي أبدل الله آل سعود به خيرا.

ـ ومادامت المعركة بين ترامب وايران، فأنا معك يا ترامب، يقول صلاح الدهيمان. بل أن كل العالم مع ترامب ضد ايران، يقول مخبر سعودي. ولذا يستحق الدعاء له: (الله ينعم عليك يا رئيس، كل المسلمين معك)، يقول سعيد الفردان كاذباً. لم يبقَ إلا أن يقول آل سعود وطبالوهم: (ما إلنا غيرك يا ترامب)، ثم ينشدون الشيلات!

اندهش أحدهم وسأل عن سرّ المديح لترامب وتحريضه، ولماذا هو مدعوم من إعلاميين سعوديين وهوامير؟ وِشْ السالْفَةْ؟ رد عليه آخر: بأن هؤلاء الاعلاميين من جماعة (سعدتُ قبلَ قليل). اي من اولئك الذين غرّدوا قبل يومين من اعلان الميزانية بعد ان قابلوا محمد بن سلمان، واشتغلوا له طبالين، فكانوا ضمن (غروب واتس أب). وقال آخر: (ما أشبه الليلة بالبارحة مع جماعة سعدتُ قبل قليل. الموضوع فيه ريموت كنترول).

هم ـ حسب أحدهم ـ مجرد شرذمة من الإعلاميين المشبوهين يشكرون ترامب بكل صفاقة وحماقة. شاهد الأسماء، وابقِ الوعيَ حيّاً. وخاطب آخر هذه الشلّة فقال: (افرحوا وارقصوا وغنّوا. فاليوم ايران، وغداً نحن). في حين رد الصحفي علي مراد، في جريدة الأخبار اللبنانية، على تركي الدخيل مدير قناة العربية فقال: (سأحفظ تغريدتك هذه في مفضلتي الى حينٍ من الزمن. يوم يقرر ترامب أن دوركم قد حان). وغيره كتب: (اليوم يشكر شرذمة اعلام السعودية العنصري ترامب، وغداً سيشكرون نتنياهو، وسيعلقون التطبيع والخيانة على شمّاعة إيران). وأضاف: (ترامب يقود حملة عنصرية ضد الإسلام، وهؤلاء الشرذمة يطلبون منّا شكره. خابت وجوههم القبيحة، لا نَخْوَةْ ولا دِين).

وترصد الاعلامية هبة نور الدين التحوّل في الموقف السعودي من ترامب على هذا النحو: (ضحكوا منه عند ترشّحه. هاجموه عند فوزه. رجموه عندما فرض الحظر على السفر. بايعوه تحت عنوان محاربة إيران).

الصحفي السعودي أنس زاهد، هاجم الدخيل وشلّته فقال: (القضاء الأمريكي نفسه يحاول تعطيل قرارات ترامب العنصرية؛ وداعشيو ترامب يريدون منّا شكره، على قراراته)! وخاطب انس مدير العربية تركي الدخيل: (لا تنسَ أن تشكر ترامب ايضاً على نقل السفارة الأمريكية الى القدس).

من جهته، نصح الصحفي والكاتب خالد الوابل بعدم الإنجرار وراء ترامب وأمريكا، وان نتعظ بالتجارب السابقة وما جرى في افغانستان والشيشان ودعم صدام ثم محاربته. علينا ان (نْبَطِّلْ نطير بالعجّةْ مع أمريكا). والصحفي عبدالله الكويليت رأى ان هناك انتقالاً من شلل أوباما الى ديماغوجية ترامب، وان علينا الحذر من المبالغة في الإندفاع معه حتى وإن تلاقت مصالحنا ـ بضرب ايران طبعاً. والسبب بنظره: أنتَ لا تعرف خطوة ترامب القادمة.

يعني، إنه أمرٌ مبكّر ان تتوقع حرباً امريكية ايرانية، ومبكر أكثر ان تعلن النصر في حرب لم تقع بعد، وتزهو بذلك على رؤوس الأشهاد. هذا حمق وجنون.

انه رهان سعودي جديد فاشل، مثلما كان الرهان على فوز كلينتون، ومثلما كانت الرهانات على بوش وغيره، وحتى على اوباما بداية حكمه.

من لا يراهن على قواه الخاصة، فهو فاشل.

والمراهنة هذه المرة اقترنت بتفجير الصراع مع ايران والتحريض العلني على حربها مباشرة.

ما بعد الجنون السعودي من جنون!

الصفحة السابقة