الإحتجاجات في إيران، والأوهام السعودية

سامي فطاني

إيران تحترق. إيران تشتعل. ايران بتولِّعْ. انتفاضة إيران. الشعب يريد تغيير النظام في ايران. مظاهرات ايران. نظام الملالي يحتضر. ايران تتحرر من الطغيان. ايران تنتفض. ايران نهايتها الزوال. سننقل المعركة الى ايران. الربيع الإيراني. احتجاجات ايران الشعبية. النظام الايراني ظالم شعبه. تظاهرات سراسَرِيْ. مظاهرات ايران والعرب.يحدث الآن في ايران.

هذه مجرد بعض عناوين هاشتاقات المغردين السعوديين حول ايران، والاحتجاجات التي وقعت فيها.

 

وهي تكشف ان المريض ليس ايران، بقدر ما هم هؤلاء المرضى أنفسهم. وهم في معظمهم ينتمون الى محيط السلطة الأقلوي، أي النجدي الوهابي. بمعنى أن ما لا يقل عن تسعين بالمائة من التغريدات، جاءت من منطقة موالية للسلطة، حاكمة، رغم اقلويتها التي لا تشكل الا نحو ٢٠ بالمائة من السكان، على الأكثر.

وعليه يمكن القول بأن هذه التغريدات لا تمثل رأياً عاماً، بقدر ما تمثل السلطة السعودية نفسها، والطبقة النجدية الوهابية الحاكمة.

وهي في نفس الوقت تكشف عن حقيقة ان ايران فوبيا قد أتلف المخّ النجدي السعودي الوهابي، الى حدّ جعله عاجزاً عن التفكير الصحيح، حتى ظنّ ان الدول ستسقط من خلال تغريدات في تويتر، مكتوبة بالعربية، لا يستطيع الأكثرية في ايران قراءتها او فهمها!

 

لكن ما كشفت عنه التغريدات والهاشتاقات، وبعضها بالفارسية، مثل (تظاهرات سراسري) هو ان هناك غرفاً إعلامية مشتركة بين منظمة مجاهدي خلق، المسمون في ايران بالمنافقين، وبين السعودية. من يتابع سيجد ذلك واضحاً للغاية. رغم ان الرغبة السعودية تميل الى عودة الشاهنشاهية.

السعودية هي المغرد الاول عن احداث ايران على مستوى العالم، حسب تويتر نفسه.

تغريدات النجديين السعوديين الوهابيين، اكثر من تغريدات عشرات الملايين الايرانيين. هذا قد يدلك على ان لديك جيوشا الكترونية جاهلة لا شغل لها الا على الكمبيوترات وشراء الذباب الالكتروني، وتحقيق انتصارات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، على النحو الذي وجدناه مراراً وتكراراً في اليمن وقطر ولبنان والعراق وسوريا.

من حق النظام السعودي وأتباعه ان يفرحوا بأي تطور سلبي يحدث في ديار خصمهم (ايران) على قاعدة: ان تصبكم حسنة تسؤهم، وانْ تصبكم سيئة يفرحوا بها!

 

لكن قبل هذا، كان من الأجدر فهم ما يجري في ايران، حتى يتم استغلاله بالصورة الفضلى لدى صانع القرار السياسي السعودي.

الذي يجري في السعودية عادة، مجرد رغبويات وعواطف خاوية غير مؤسسة الا على اباطيل واكاذيب، وافتعال احداث وجلب صور وفيديوهات من كل الدنيا بما فيها الارجنتين والبحرين والباكستان، والقول بأن ذلك يحدث في ايران.

ما ارادته السعودية وإسرائيل وامريكا على وجه التحديد، هو تحويل الاحتجاجات، وما تبعها من شغب، الى ثورة تطال النظام وتستهدف اقتلاعه. هذه النقلة هي التي تدفع غرف عمليات إسرائيل وامريكا والسعودية والامارات وغيرها للعمل بجد لتهييج الرأي العام الايراني، نحو ذلك، ولكن الغريب انهم كانوا يستخدمون اللغة العربية، في مخاطبة شعب متعدد اللغات، ولا يعرف العربية الا أقلية!

 

السعودية المغتاظة من خسارة نفوذها الإقليمي لصالح ايران، تعلق آمالها دائماً على الانتصارات السهلة التي تأتيها من السماء، وهي لا تأتي اصلاً. والوهابيون يظنون ان الله معهم ولا بدّ أن ينصرهم. هكذا كانوا يقولون عن سوريا وقبلها العراق وبعدها اليمن، وثم قطر والآن ايران.

لأنهم على الحق، كما يزعمون، فلا بد اذن ان ينتصروا.

هذا ما قاله أنور عشقي مثلاً.

لنبدأ التغريدات ورنّة الفرح لدى الذباب الالكتروني وأيادي النظام في الحرب الإعلامية.

لنقرأ عثمان العمير، رئيس تحرير الشرق الأوسط الأسبق، وصاحب موقع إيلاف الإلكتروني.

لنذكّر ابتداءً بتغريدته الشهيرة قبل بضعة أشهر: (هناك جار نافع وجار غير نافع. وأشهد أن العراق وايران من الجيران النافعين، بعد الاتفاق على الكثير من التفاهم والقليل من الخلاف).

الآن ماذا يقول عن الأحداث، وهل تتغلب الرغبوية على العقلانية، والغوغائية على الرشد؟

 

يرى العمير ان ما جرى في ايران من احتجاجات (بعثٌ جديدٌ يُقبرُ أحلام الأصوليات المتناثرة في المنطقة). هذا حلم، وطالما كانت لديه أحلام من هذا النوع منذ ثلاثة عقود على الأقل وهو يبشّر بأن الأصوليات تندثر!

ويضيف العمير بأن إهانة الملالي، رجال الدين، و(تآكل هيبتهم، تعني سقوط قرون من الخرافة والأساطير التي زرعت في أدمغة البسطاء والسذج منذ قرون). وهذه ايضاً من القراءات العمياء المتسرّعة. فإهانة رجال الدين، كانت نقطة ضعف كبيرة في الحراك الأخير بإيران.

لكن العمير يتراجع قليلاً فيقول ان عقلاء الخليج يريدون استقرار ايران (تحت أي حكم او عقيدة. لسنا نحن او غيرنا يقرر ما يريده الإيرانيون. تعب الخليج من الجيران او الإخوة الأشقياء). لكن العمير لا يخفي رغبته في اسقاط النظام، فحين زار طهران والتقى بالرئيس رفسنجاني، أهداه ساعة علقها في منزله، وأضاف: (سأعيدها للمتحف الإيراني حن تتولى السلطة دولة عصرية معاصرة). الساعة ليست ذات قيمة كما يبدو من شكلها، وهي لا تضاهي هدية أصغر أمير لضيوفه، فلماذا قبل الهدية اساساً، وما هي قيمتها لتوضع في متحف طهران؟!

وكما هي النزعة النجدية الاستعلائية التي تقرّ ما يجب وما لا يجب على الآخرين فعله، يقول العمير: (نأمل ألا تدخل ايران نفقاً مظلما. هذه البلاد العظيمة تحتاج الى منقذ، لا الى مهدي). السؤال الأهم: ماذا تحتاج السعودية نفسها؟ وهل وجدت في ابن سلمان منقذاً؟، ولو كانت ايران كما يزعمون، ما سببت هذا الازعاج والارباك للسعودية وامريكا وإسرائيل.

 

المشكلة هي ان العمير كما كل النخب النجدية، يعتقدون ان رجال الدين نسخة واحدة، وان مطاوعة ايران بتعبيره، يشبهون مطاوعة الوهابية. ومن يقول هذا لا يمكن له بحال ان يفهم ايران والثقافة الايرانية والسياسة الايرانية. بل ان من يقول ان رجال دين ايران يشبهون جميع رجال الدين الشيعة في البلدان الأخرى، فهذا ايضاً لا يفهم ايران، ولن يفهمها ان بقي على تصوراته.

نأتي لرأي تركي الحمد، فهو كالنخب النجدية الأصل الأخرى، عقلاني الا في الموضوع الايراني، اذ لا يقترب احدهم من هذا الملف الا ويتغير (سيستم) دماغه، ويفقد القدرة على التحليل والابداع والتفكير الصحيح والعقلانية.

سنبدأ بهذه التغريدة العجيبة التي يقول فيها الحمد، أن (التنافس بين الوهابية في نسختها من القرن الثامن عشر الميلادي، والخمينية من القرن السابع، يكاد ينتهي في بداية القرن الحادي والعشرين. صراع جهيمان والخميني، يكاد ينتهي، فكلاهما أسيري زمن ولّى. السعودية ثورة من الأعلى، وايران ثورة من الأسفل، والمجد للمستقبل).

 

كل فقرة لا تخلو من خطأ. حتى توقيت الخمينية بالقرن السابع الميلادي، فيه جهالة وليس جهلاً فحسب. الحديث عن صراع جهيمان والخميني، افراط في الجهل. القول ان ايران أسيرة الماضي، ليس غير دقيق بل غير صحيح، ولو كانت كذلك، ما كانت قضيتها تأخذ مساحة زمنية على امتداد أربعة عقود متواصلة. السعودية هي أسيرة الماضي، هي أسيرة الوهابية، اللهم الا اذا نجح ابن سلمان في خضد شوكتها.

والحمد داعية صراع وحرب مع ايران، هو يكرر ما قاله سيّده محمد بن سلمان، فايران لن تغير سياساتها، وشرعية ايران بزعمه قائمة على اسطورة مغيّبة للعقل، وان هدف الملالي عودة المهدي. والنتيجة التي يريد الوصول اليها، ان تتنطح السعودية لاسقاط نظام الحكم في ايران لانه لا يمكن التعايش معه. يقول: (الذي يراهن على ان تغير ايران سياستها واهم في ظني، فالانظمة التي تستند شرعيتها على اسطورة مغيبة العقل عن الواقع. الملالي في ايران يؤمنون بأن مهمتهم المقدسة هي التحضير لعودة المهدي وبالتالي فإن قدرهم هو ما يقومون به ولا تراجع عن ذلك. السياسة بمعناها المتعارف عليه ليست من ضمن معتقدهم).

هذا كلامٌ مأكولٌ خيره، كما يقال لدى العامّة!

وترى الاستعجال لدى الحمد والرغبوية في تحليله حين يقول: (أرادوا تصدير الثورة، فارتدت عليهم). ويبشرنا بان السعودية تتغير باتجاه المستقبل (ودولة الملالي آيلة للسقوط، وحينها ستتعفن أذرعتها وسيحل السلام) وستنعم المنطقة بالأمن والازدهار والرفاهية وحقوق الانسان، الى غير ذلك من الكلام (المأكول خيره، أيضاً).

 

وكما هي العادة النجدية الاستعلائية، يجلس الحمد على مقعد التنظير، ليقرر ان ما تحتاجه انتفاضة ايران لتحقيق هدف اقتلاع نظام الحكم هو: قائد كارزمي، وتنظيم يعمل على ديمومة الحراك.

على صعيد اخر، فان الأكاديمي الاماراتي عبدالخالق عبدالله غرد في نفس السرب، واستنتج حالماً، بأن الضغوط الداخلية والخارجية على ايران تعني (أن أيام النظام الكهنوتي في ايران أصبحت معدودة). ردّت الإعلامية السعودية ايمان الحمود: (ارجوك يا دكتور: لا تقل معدودة. لنا دروس سابقة مع هالكلمة بالذات). وزادت بلحن لا يخلو من عنصرية: (من يُبصرُ تكاتف العجم.. يترّحمُ على حال العرب). وتقصد اصطفاف تركيا مع ايران في الأحداث الأخيرة.

الشيخ الوهابي علي بن عودة الغامدي، أستاذ التاريخ في جامعة ام القرى، تحليلاته عقدية، ودماغه يشتغل على الصراع السني الشيعي، ويرى ان النظام في ايران آيل للسقوط في أي لحظة، ويضيف: (لا نجاة لهم ولا مستقبل الا بالولاء لبلاد العرب، والدين الحق ـ يعني الوهابية). وعاد فأكد بأن حركة التاريخ لا تخطئ، ولأنه مدرس تاريخ يجهل فصوله وشروط تحقق الأمور قال: (الثورات تبدأ بحالة من التذمر، ثم يتحول التذمر الى ضجر، والضجر الى استياء، والاستياء الى غضب، والغضب الى بركان). وسيسقط بنظره النظام في ايران في هذا البركان او الذي بعده. ترى، أسنّة التاريخ تنطبق على آل سعود أم لا، ام هي مخصصة للخصوم فقط؟

 

محمد آل الشيخ، الصحفي الموتور، هوايته الجمع بين قطر وتركيا وايران، وضربهم دفعة واحدة. فقد استاء آل الشيخ من تغطية قناة الجزيرة للأحداث في ايران، ورأى ان ذلك عمالة لولي الفقيه: (مناصرة قناة الخنزيرة لإيران الخميني، عرّت الصحويين السعوديين ومعهم السعوديين الكمخ الذين كانوا يدافعون عن دويلة قطر، وانهم في النهاية عملاء للولي الفقيه). وأضاف بأنه لا يهمه ان انتصر ثوار الفرس او انهزموا، المهم ان النتائج تمنع تمدد نفوذ ايران السياسي. وهذا هو التحليل الرسمي. وانثنى آل الشيخ فشتم السيد حسن نصر الله، ومعه رئيس لبنان ميشيل عون، وقال بأنهما يشعران بقرب نهايتهما السياسية، يعني مثل امير قطر، فاعصار الربيع الايراني لن يبقي ولن يذر.

تلك أمانيّهم.

الواقع شيء آخر.

ووجه آل الشيخ بعضاً من سهامه الى الفلسطينيين المتحالفين مع ايران، وقال انهم يعضون أصابع الندم وهم يرون سقوط ايران، و(سيجدون انفسهم ومعهم دويلة قطر في صحراء قاحلة يحفها السراب من كل جانب. ودعا آل الشيخ الى اعتبار حماس والجهاد أعداء للسعودية، وان كل من يدعمهما خائن خيانة عظمى، واما الفلسطينيون في المملكة، فمن يدعم هاتين المنظمتين فيجب ترحيله الى غزة فوراً ومصادرة جميع أمواله، حسبما يقترح. الشيء المؤكد لدى آل الشيخ هو (ان نظام الملالي في ايران قاب قوسين او ادنى من الانهيار والسقوط، وسوف يلحقه نظام قردوغان، وكل من تحالف معه التفخ وجروه ـ يقصد اميرا قطر السابق والحالي ـ سقط)، وكأنها لعنة على الجميع. وواصل متمنياً: (الربيع الفارسي يصل أصفهان. يبدو أن الصيف القادم سنقضيه في دولة الأحواز العربية والمستقلة احتفالا باستقلالها).

 

هذا نموذج من تحليلات كتاب النظام واعلامييه. لا عقلانية ولا فهم. مجرد نوازع حقد غير مبررة وغير مفيدة لقائلها ولا لجمهوره الذي يعيش التضليل على أصوله.

نأتي الى العبقري أنور عشقي الذي يمثل واحدة من أدوات التواصل مع الصهاينة.

يهم عشقي ابتداء تسهيل بيع آل سعود لفلسطين وتطبيع العلاقة مع الصهاينة، من خلال ما يراه انه اذا سقط النظام في ايران (فلن نجد من يتاجر بدماء الفلسطينيين). موقف ايران من الموضوع الفلسطيني يحرج آل سعود. وامتلاك الحق والحقيقة قاد عشقي للقول بان (سقوط ايران هو نصرٌ من الله للمملكة. فالله ناصرنا)؛ وزعم عشقي بأن المظاهرات في ايران تحولت الى ثورة شعبية، وهذا يجعل النظام غير قادر على مساعدة الحوثي الذي سيرغم على الاستسلام. (على فكرة، عشقي هذا يطرح نفسه مفكرا استراتيجيا، وصاحب مركز دراسات، لا يوجد له مقر ولا حتى طاولة او كرسي، وليس لديه إصدارات لا كتب ولا دراسات ولا حتى نشرة سنوية من اربع صفحات)!

وتوقع عشقي ـ بلا دراسة او دراية ـ ان الاحتجاجات لن يسهل اخمادها، وانها استفادت من تجربة ٢٠٠٩؛ كما توقع ان النظام الذي جاء بالمظاهرات سيسقط بالمظاهرات.

منذر آل الشيخ مبارك، احد أعمدة الحرب الالكترونية السعودية، يرى ان الربيع (العربي) الحقيقي بدأ بإيران (الفارسية): (ربيعنا يبدأ بإيران ثم يواصل مسيرته). اما ما قبله فكان ربيعاً فارسيا تركيا اخوانياً؛ وروج منذر والاعلاميون السعوديون الآخرون اكذوبة ان قطر أعطت ايران ملياري ريال قطري، او ملياري دولار، حسب عضوان الأحمري، لمجرد ربط قطر بايران، فمعارك السعودية متشابكة دائماً. هي حرب على الجميع. ولأن الإنتصار السعودي تحقق على تويتر وبين جمهور النظام، اذن لا بد من السخرية، فالسيد نصر الله والسيد الحوثي سيخطبان بالفارسية لتهدئة الشارع الايراني، كما يقول عضوان الأحمري، ساخراً من نفسه ربما.

انه اسفاف من اعلامي مشهور.

هذا ما جعل المغردة نفود الدهيم ان تقول بأنهم (اغبياء حتى في دعمهم. لم يجعلوا لهم خط رجعة، وكأنهم مسيطرون على الوضع ـ في ايران، وواثقون مما هو آت).

 

ورأى هادي الظفيري بأن مواقف تركيا وقطر من الاحتجاجات في ايران، تبرهن على وجود تحالف بين الدول الثلاث ضد السعودية بل ضد العرب جميعاً. ومع ان الثابت بنصوص السنّة ان نجد هي (قرن الشيطان)، جاء احدهم وقال ان ايران وتركيا هما قرنا الشيطان اللذان يستهدفان مسح هوية الاسلام، واللذان ستقطعهما السعودية طبعاً. سامي المدوخلي يزعم بأن المظاهرات والثورات لم تهدأ في ايران العام المنصرم، وهذا تأليف وكذب، ليصل الى نتيجة بأن هناك تغييراً وشيكاً في نظام الملالي (وبشارة خير وبركة). وهناك الداعية والمحامي محمد المهنّا، الذي يسأل متابعيه ان يدعوا الله ان يملأ أجواف الصفويين وبيوتهم وقبورهم ناراً. يعني دعاء على كل الإيرانيين. وعميد كلية الشريعة عبدالواحد المزروع يدعو الله ضد كل الايرانيين ويقول: (اللهم لا تبقِ منهم ولا تذر، اللهم انتقم منهم. اللهم ارنا فيهم عجائب قدرتك). والداعية عبدالعزيز الشهري يتحدث عن ربيع عربي مزهر يبدأ بسقوط النظام في ايران وقطر، ويؤمل خيراً منه.

من الذباب الالكتروني، تعلق المغردة ملك في هاشتاق (ايران تشتعل) فتقول: (عساها ما تِطْفَى ـ أي لا تنطفئ). ومحمد الملفي يقول في هاشتاق (ايران تحترق): (لم نأمرْ بها ولم تحزننا)، بناء على المثل: (لم آمر بها ولم تسؤْني). وخالد السليمان فرح بأنه قد بدأ العد التنازلي لتفكيك ايران ونظامها المجوسي. والصحفية حليمة العلكمي تخاطب الايرانيين: (اذهبوا الى مزبلة التاريخ يا عبدة النار والأوثان). والكاتب المتطرف سالم آل سحمان يأمل بزوال ونهاية ايران: اللهم اجعل داءهم بينهم. وهنا تغريدة طريفة لفهد السبيعي يقول فيها: (ايران أفسدت في الأرض عشان يطلع المهدي. فجأة طلع لهم محمد بن سلمان).

هؤلاء قوم مرضى، لا يمكن لهم ان ينتصروا في معركة إعلامية او سياسية او عسكرية. فمن لا يعرف خصمه، وسلاحه تغريدات وأمنيات وطائفيات وأحقاد، لا يمكنه ان ينتصر.

الاخواني جمال خاشقجي غلبته أحقاده الطائفية، وقد انتقد الموقف التركي من احتجاجات ايران، وقال أن انقرة لا تدين لطهران بشيء حتى وان دعمت اردوغان ليلة الانقلاب. يعني حتى ابلاغ اردوغان بان انقلاباً وقع ضده واصطفاف ايران معه ليس جميلاً، والواجب دعم الحراك الشعبي الايراني. وبأمنيات فاقعة قال خاشقجي بان الاحتجاجات تتحول الى ثورة، مشبهاً إياها بثورة مصر، ومتمنيا لها النصر في ذات ذكرى الانتصار أي ٢٥ يناير. هذا ربما هو ما دفع بالمعارض في المنفى هارون احمد للقول بأن خاشقجي هو (الشخص الوحيد الذي حافظ على فن التطبيل داخلياً وخارجياً. مطبل دولي يا شيخ).

الاخواني السعودي الآخر مهنا الحبيل، والمقيم في إسطنبول، والذي يطرح نفسه كمفكر وباحث، وهو بلا خلفية اكاديمية اصلاً، له رأي في الاحتجاجات بإيران، ولكنه لفت الى (حجم ما يُنقل ـ عبر مواقع التواصل ـ من كراهية قومية واعتبار المسلمين الايرانيين مجوس) وحذر من (المشروع المذهبي الذي اشعلته المخابرات الخليجية). يقصد السعودية والإماراتية.

اما الاخواسلفي كساب العتيبي، المعارض السابق، فقد اكتشف هشاشة النظام في ايران، وتوقع انقسامات عرقية وطائفية حادة، لينتهي الى القول: (مُبهجٌ ما نراه).

 

الناشطة سعاد الشمري، التي تغير لونها وطعمها منذ اعتقالها فأصبحت ضمن جوقة التطبيل، تحدثت عن ايران كدولة تحكمها عصابة تعمل على تجهيل وتعبيد وتفقير الشعب بنظام فاشي ديني عسكري. والأمير خالد آل سعود حمّل نظام ايران كل ما يجري في الكون، ولكن (أتى اليوم الذي يدفع فيه ثمن ذلك). وتمنى الاحتفال قريباً بزوال النظام الوحشي حسب تعبيره. والصحفي هاني الظاهري يقول بانه ستجري التضحية بروحاني لتهدئة الشارع لكن فات الأوان: (نظام ولي الفقيه ساقط لا محالة). والظاهري مثل زميله آل الشيخ، يستعجل الصيف حيث سيستمتع بالسياحة في الأحواز، بعد سقوط نظام الملالي، ويضيف: (يا ليت اذا فيه عقاري شاطر يدوِّر لنا مزرعة للبيع هناك). هذا بالضبط ما قاله الشيخ العريفي بشأن سوريا. كان هو الآخر يبحث عن مزرعة ليصيّف فيها، بعد ان تنتصر الملائكة التي تدعم داعش والنصرة.

هيا المنيع، الكاتبة في جريدة الرياض، تجاوبت مع هذه الأحلام وقالت: (شخصياً يكفيني شقة مطلّة على نهر أو بحر). اما سلمان الدوسري، رئيس تحرير الشرق الاوسط السابق، فرأى باستعلاء ان مظاهرات ايران ستؤثر على قطر (وهذا جزاء من يتخلّى عن السعودية)! يعني ان السعودية هي الحق المطلق، من يبتعد عنها يخسر، وليست سفينة تغرق يجب الهروب منها سريعاً. والمحلل العسكري إبراهيم آل مرعي، لم يكن متفائلاً كثيراً باحداث ايران، وقال ان ايران استُخدمت لترويع دول الخليج حتى تشتري السلاح الغربي. حسنٌ: لا تشتروا، وهدِّأوا اللعب مع ايران. الذي نراه العكس تماماً.

موقع اخبار السعودية الذي ظهر من أدراج المباحث، اعتبر حدوث الاحتجاجات في ايران منجزاً سعودياً وجهداً سعودياً، بناء على وعد محمد بن سلمان بشأن نقل المعركة الى ايران. قال ما نصه: (قد وعد محمد بن سلمان بنقل المعركة اليهم. الإيرانيون الان ينتفضون ضد نظامهم الطاغي). هذا يعني ان اتهامات ايران للسعودية ليست عبثاً. آخر، هو فهد البشير، اعتبر الاحتجاجات رداً سعودياً على مهاجمة السفارة السعودية في طهران. لكن الداعية سليمان الطريفي لم يحبّذ ربط السعودية باحداث ايران (نحن لم نأمر بها ولم تحزننا)؛ ودعا: (اللهم عجل بزوال طواغيت ايران). وزاد بأن سقوط حكم الملالي في ايران يعني سقوط شرّ كثير. رد عليه احدهم: لا تفرط في التفاؤل. الطموح هو استنزاف الملالي واطالة عمر الثورة بزعمه.

من جانبه، فإن عبدالطيف آل الشيخ، رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السابق، متحمس في الدفاع عن الاحتجاجات في ايران: يقول: (بكل حماس وقوة وعزيمة، الشعب الايراني ينتفض ضد الظلم والقهر والاستبداد). حتى العاقل خرّيج هارفرد، الاعلامي سليمان الهتلان، جاء برسم تحريضي يدعو لاعدام قيادات ايران، وقال ان ما يجري بداية النهاية لمخطط ايران بالسيطرة على العالمين العربي والإسلامي. ودعا الهتلان الى دعم الاحتجاجات مباشرة.

ترى أي عاقل يعتقد أن بإمكان ايران او أي دولة في العالم، السيطرة على هذين العالمين.

 

من جانبه خاطب نواف الميموني الشعب الايراني بلغة عربية ناصحاً ومستنهضاً، ومتناسياً وضع بلده المزري: (على الشعب الايراني القيام بأي شيء يحفظ ماء وجهه أمام العالم). في حين تمنت سما القحطاني عودة حكم الشاهنشاهية الى ايران، ولن يتحقق ذلك الا بزوال النظام القائم.

أخيرا، كانت هناك تغريدات مميزة، للمعارض الدكتور حمزة الحسن. ابتداءً يحاول الحسن بصورة علمية التفريق بين الشغب والاحتجاجات من جهة، وبين الثورة من جهة اخرى، فالاختلاف بينهما كبير جداً. وهو يرى ان ما جرى في ايران شغب مفيد لأي دولة يقع فيها. وبعد ان يوضح الفوارق التفصيلية يرى ان عدم وقوع الشغب وخنقه لا يعني ان البلد المعني بخير، فقد يتحول الناس الى الإحتجاج عنفاً. واكد الحسن بان هناك استماتة سعودية إسرائيلية أمريكية لتحويل الاحتجاجات في ايران الى ثورة وذلك عبر توفير مناخ اعلامي وسياسي يخدم تطويرها. وأضاف بان الشغب شأن محلي، لأن كل دول العالم يحدث فيها ذلك بما فيها الدول الديمقراطية، اما الثورات فلها ابعاد خارجية نظراً لتأثيراتها الهائلة على الصعيدين الإقليمي والدولي. ويعتقد الحسن بان التدخل الغربي الصريح في الشأن الايراني مفيد وله اثر عكسي، بسبب الروح الوطنية الايرانية العالية، وان امراً تؤيده إسرائيل والسعودية وامريكا لا يمكن ان يكون ذا فائدة للإيرانيين. هكذا يفكر الشعب هناك. وزاد الحسن بانه لا توجد مقومات ومبررات ثورة في ايران، واما الشغب فحدث ويحدث وسيحدث مستقبلاً وهو مفيد للأنظمة لتصويب سياساتها واكتشاف اخطائها. وتابع بأن غياب الشغب هو الخطير وليس وقوعه بالضرورة. والتفت الحسن الى حماسة المغردين السعوديين في دعم الاحتجاجات بايران وقال ان الحماسة لا تغني عن قراءة الواقع، وان الأحلام في تويتر لا تصنع ثورات في بلدان أخرى.

وعموماً توقع الحسن نهاية سريعة للاحتجاجات في ايران، فالشغب بنظره عمره قصير، لا يتجاوز أياما ً او أسابيع على الأكثر.

الصفحة السابقة