السعودية في مواجهة التحديات القادمة

سعد الشريف

جذبت سلسلة الحوادث الأخيرة خصوصاً الإنتفاضة الشعبية في تونس ومصر الاهتمام الدولي لاحتمالات تأثيرها العنيف على الاستقرار والأمن في السعودية. قبل ذلك، وفي 22 نوفمبر، غادر الملك عبد الله لتلقي العلاج الطبي في نيويورك. وبعد بضعة أيام، أعلنت الحكومة، بأن 149 شخصاً على صلة بتنظيم القاعدة تم اعتقالهم على مدى الأشهر الثمانية الماضية. وعلى نحو منفصل، تمّ الكشف عن مؤامرة القاعدة الناشئة في اليمن لتفجير طائرات. وأخيراً، كشفت برقيات دبلوماسية أمريكية نشرها موقع ويكيلياكس القلق الخاص المتزايد لدى الملك بشأن القوة المتصاعدة لإيران. وقد شكّلت هذه الحوادث بمثابة منبّه لطائفة من التحديات المحلية والدولية التي تواجه المملكة السعودية على مدى السنوات القليلة المقبلة. بيد أن التجربة الماضية تشير إلى أنه من الخطأ أن نقلل من شأن القوة والقدرة على التكيف للنظام السياسي والاجتماعي في السعودية.

خلافة الأمراء

الشفافية غير المألوفة للاعلان في 22 نوفمبر الماضي من قصر الملك عبد الله عن غيابه الوشيك لعملية ذات صلة بالظهر في الولايات المتحدة اثارت تكّهنات بأن حالته الصحية المحلية لابد أن تكون أسوأ من المعلن عنه. وقد ذكّرت شخصية عربية تقيم في أوروبا وهي مقرّبة من الملك عبد الله بأنه أرجأ زيارته للأخيرة في منتجعه بمدينة أغادير المغربية بناء على طلب الجهة المنظّمة للمواعيد، وقد فهمت الشخصية العربية بأن ذلك يعني أن الحال الصحية للملك ليس على مايرام. قبل اسبوع من مغادرته، سلّم الملك البالغ من العمر 86 عاماً، قيادة الحرس الوطني، القوة التقليدية بيد الملك والقائمة على تجنيد القبائل، أي الحرس الوطني ، لإبنه الأمير متعب، مع رتبة وزير دولة.

ولي العهد ونائب رئيس الوزراء سلطان ، يعاني نفسه من اعتلال الصحة، وهو يقل عمره سنة واحدة فقط عن أخيه غير الشقيق، أي الملك، وهو يحتل المرتبة الثانية في خط التوارث على العرش. وتمشياً مع المتطلبات السعودية، عاد من النقاهة في المغرب عشية مغادرة الملك. وبسبب غياب ولي العهد السابق الذي لا مفر منه، كان على الملك تعيين وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز نائباً ثانياً لرئيس الوزراء في مارس 2009، ما يضعه في المركز الأول لوراثة شقيقه سلطان باعتباره ولي العهد المقبل.

بموجب النظام الأساسي لعام 1992، فإن الخلافة تقع بين الأبناء وأبناء أبناء العاهل المؤسس الملك عبد العزيز بن سعود. في عام 2006 ، تولى قانون الخلافة الجديد تحديث عملية الإختيار التقليدية التي كان يشارك فيها كبار الأمراء والعلماء. وهذا القانون ينص على نظام (أمير واحد صوت واحد) داخل هيئة البيعة التي تضم 35 عضواً حال وفاة الملك، دون دور رسمي لرجال الدين، على أن يشرف الأمير مشعل على العملية، بوصفه رئيس الهيئة، وستدخل حيز التنفيذ بعد أن يتولى ولي العهد الأمير سلطان العرش، أو إذا مات قبل الملك. وستحدد الهيئة تعيين ولي العهد القادم على أساس ثلاثة ترشيحات من قبل الملك. ويثير هذا الاحتمال، بعد 15 سنة من الاستقرار في ظل الملك الحالي، أولا كولي العهد، وثانياً كوصي وأخيرا ملكاً، من عدم اليقين بشأن الخلافة بين عدد متضائل من الأمراء المسنين. الآلية لا تزال هي لضمان الانتقال السلس، أي الخالي من المتاعب، ولكن يبقى مجال للصراع والانقسام داخل بيت آل سعود. قانون الخلافة يغطي أيضاً الحالة التي يكون فيها كل من الملك وولي العهد غير مؤهّلين للحكم. والسؤال هو عند أي نقطة سوف تذهب الخلافة إلى الجيل القادم في عائلة آل سعود، 19 منهم يتبوؤن مقاعدهم في المجلس، وعندما تؤول إقطاعيات وزارية رئيسية إلى أبناء الأمراء الذين يسيطرون الآن عليها. قد يشجّع تعيين الأمير متعب على بدء العملية التالية.

الأمير نايف.. ملكاً

يمارس الأمير نايف، وزير الداخلية، حالياً دور الملك بالرغم من تحفّظات كبار الأمراء ومحاولات الملك وولي العهد منعه من الإضطلاع بدور قد يوحي للأمراء الآخرين بأن الأمر بات محسوماً وكأن ثمة اتفاقاً قد تمّ بينه وبين الملك وولي العهد بما يمهّد لمعركة داخل العائلة المالكة، خصوصاً من قبل الأجنجة التي مازالت تشكو من التهميش المتعمّد من قبل الجناح السديري، وقد يؤسس ذلك الى انشقاق خطير.

في القراءة العامة لمستقبل الخلافة في السعودية، يعتبر الأمير نايف أحد أبرز المرشحّين الأوفر حظاً في العائلة المالكة، بالرغم مما يقال عن ترجيح لأمراء آخرين مثل الأمير سلمان، الذي يعاني من أمراض القلب، فيما يجري الحديث عن إعادة تقسيم السلطة داخل العائلة المالكة على خلفية رفض تركيز السلطة في الجناح السديري.

بصفته وزيراً للداخلية ونائباً ثانياً في مجلس الوزراء، فإن الأمير نايف يعد في وضع قوي لإعتلاء العرش في حال تعرض الملك وولي العهد لمشاكل صحية خطيرة، وهو ماحصل في الفترة الأخيرة، حيث بات الأمير نايف يدير شؤون البلاد، وقد ظهر في موضوع كارثة السيول في جدة وكأنه الملك الفعلي، حيث وعد بمحاسبة المسؤولين عن الكارثة، ومعاقبة الفاسدين.

الأمير نايف ولد في مدينة الطائف في الحجاز قرابة عام 1934، وهو أخ غير شقيق للملك عبد الله وابن الملك عبد العزيز بن سعود، وأصبح أميراً على الرياض، وهو في العشرين من عمره. وشغل منصب وزير الداخلية منذ العام 1975، وتمت ترقيته لمنصب النائب الثاني لرئيس الوزراء عام 2009 حين كان الأمير سلطان ولي العهد خارج البلاد للنقاهة بعد خضوعه للعلاج.

لعب نايف دوراً مركزياً في الحرب على الإرهاب، من أجل كسب دعم الإدارة الاميركية في ترشيحه للعرش، وكان المسؤول عن التعامل مع سلسلة من هجمات تنظيم القاعدة على مجمعات سكنية يسكنها مغتربون ومنشآت نفطية وصناعية داخل المملكة منذ العام 2003 إلى العام 2006 .

عززت المواجهة دور نايف المحوري في المملكة وساعدته في بسط سيطرته لتمتد إلى السياسة الخارجية والشؤون الدينية والإعلام. بعد ترقيته اضطلع بمهام إضافية حين رأس اجتماعات مجلس الوزراء أثناء غياب الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل السعودية وولي عهده الأمير سلطان.

الملك الفعلي

الأمير نايف هو أحد أكثر القوى ميلاً للاتجاه المحافظ في الأسرة الحاكمة، ويهابه الليبراليون والإصلاحيون. وقبل ترقيته بفترة وجيزة قال الأمير نايف إنه لا يرى حاجة إلى وجود أعضاء نساء بمجلس الشورى أو إلى إجراء انتخابات من الأساس، كما يرفض السماح للمرأة بقيادة السيارة، وساند هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراراً. وقد (اكتسب ثقتهم بامتداحهم كثيراً في البداية ثم طلب التغيير. لو كان انتقد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من البداية لما استمعوا إليه).

أما عن موقف الأمير نايف من الإصلاحات، فيقول دبلوماسيون إن من غير المرجح أن ينفذ الأمير نايف الكثير من الإصلاحات الاجتماعية أو السياسية إذا أصبح ملكاً ذات يوم. ويرون أن وزارته كانت وراء منع إقامة أول مهرجان للسينما في صيف 2009، وهي خطوة صدمت الليبراليين.

وفي حين لا يتوقع أن يلغي الأمير نايف الإصلاحات الاقتصادية الضرورية لتوفير فرص عمل، فإن دبلوماسيين يتوقعون أنه قد يبطىء من خطط إصلاح القضاء لأنها ستعني كبح نفوذ رجال الدين الذين يتمتعون بصلاحيات واسعة النطاق كقضاة.

وستقلل مثل هذه الخطوة من جاذبية المملكة للمستثمرين لأن البلاد تفتقر لإطار قانوني متسق. ويستند رجال الدين في إحكامهم إلى تفسيراتهم الشخصية للشريعة. وينطبق نفس الشيء على الإصلاحات الجارية لنظام التعليم الحكومي الذي يركز على الدين ولا يفرز خريجين قادرين على الحصول على وظائف في القطاع الخاص. وقد يرضخ الأمير نايف لمطالب رجال الدين بوقف أو على الأقل إبطاء العملية. ويقول دبلوماسيون غربيون إن من المشاكل العامة الكبيرة في تطبيق الإصلاحات أن رجال الدين والمحافظين الذين يهيمنون على الوزارات يحجمون عن تنفيذ الأوامر العليا، وإذا تولى الأمير نايف الحكم، فقد يتشجعون لوقف المزيد من الخطط. يقول دبلوماسيون آخرون في الرياض إن الأمير نايف لن يكون لديه خيار سوى مواصلة تنفيذ بعض الإصلاحات لأن المملكة تحتاج إلى جذب المستثمرين لتوفير آلاف من فرص العمل لمواطنيها الذين تتزايد أعدادهم لكن الشكوك بشأن مسار الإصلاح لا تزال قائمة.

على أية حال، فإن الأمير نايف الذي يشعر بأن ثمة مؤامرة تحدق بما يراه حقاً له في الوصول الى العرش، سوف يعمل ما يمكن من أجل تمهيد الطريق اليه، فقد كشفت وثائق ويكيليكس أن نزعة الخصومة لديه إزاء التدخل الأجنبي وخصوصاً الأميركي في الشؤون الأمنية للمملكة لم تكن سوى بضاعة (للإستهلاك المحلي)، وأن الأمير نايف كما إبنه الأمير محمد بن نايف، المرشّح لتولي وزارة الداخلية، على استعداد لتسليم الأميركيين مهمة إدارة الأمن في البلاد، وليس المنشئات الحيوية والنفطية فحسب.

تهديد القاعدة

في 26 نوفمبر الماضي أعلنت وزارة الداخلية أنه خلال الأشهر الثمانية الماضية ، اعتقلت السلطات 149 فراداً، معظمهم، لكن ليس كلهم، من المواطنين السعوديين -- لضلوعهم في 19 خلية إرهابية منفصلة تابعة لتنظيم القاعدة. وكانت السلطات صادرت أيضا 600 ألف دولاراً تمّ جمعها لتنظيم القاعدة خلال موسم الحج في نوفمبر 2010. وفي مارس 2010 كشفت وزارة الداخلية بأنه في الأشهر السابقة قامت بتفكيك عديد من شبكات سعوديين ويمنيين كانوا يخططون للهجوم على منشآت اقتصادية سعودية رئييسية.

غياب الهجمات المحلية الكبرى على مدى الأشهر الـ 15 الماضية هو دليل على الإحتراف والفعالية المتزايدة من وحدات وزارة الداخلية ، وساعد على استغلال للبيانات الفاعلة. ومع أنه من الواضح أنه لم يتم تقويض جذري للتهديد المحلي من تنظيم القاعدة، فإن الوضع الحالي بعيد كل البعد عن نمط هجمات المتمرّدين على المجمّعات السكنية والقنصلية الأميركية في جدة خلال 2003-04. كما عطلت وزارة الداخلية جيل القاعدة الذي تخرّج أفرادة من مدرسة الجهاد في أفغانستان، فقد انسحبت قيادة القاعدة ـ السعودية إلى اليمن لتشكيل (تنظيم القاعدة في جزيرة العرب) في يناير 2009. ينعكس هذا الانسحاب نجاح نسبي في عملية مكافحة الإرهاب، مالم تدخل دوافع أخرى في قرار المجموعة، في ضوء تجارب سابقة كان التنظيم قرر نقل عملياته الى الخارج بناء على طلب توافق مع مشايخ الصحوة.

القاعدة، بما لديها من أيديولوجيات وإعجاب شديد من قبل الشباب الساخطين والمغتربين، لا تزال مكرسة لإطاحة نظام الحكم في السعودية، والتي تعتبره غير شرعي. إنها تحتفظ بالقدرة على شن هجوم حتى على الأمراء في منازلهم، كما يتضح من محاولة سعودي يقيم في اليمن، الذي حاول، تحت ذريعة الاستسلام الشخصي، قتل نائب وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بتفجير انتحاري مخفي في جدة في أغسطس 2009. اليمن لا يزال مصدراً رئيسياً من مصادر التهديد لمكوّنات البنية التحتية الضعيفة في الاقتصاد السعودي، مثل المنشآت النفطية، حيث أن هجوماً ناجحاً موجّهاً توجيهاً جيداً يمكن أن يكون لها تأثير اقتصادي عالمي.

وقد ذكر بأن السعوديين شرحوا لأجهزة إستخبارية على نحو فعال هذا التهديد بما يدل على استخلاص المعلومات الخاصة بهم من القاعدي جابر الفيفي، المتطرف سابقاً والذي كان في اليمن. ويقال انه قدّم تحذيراً حيال قنابل القاعدة في جزيرة العرب، والتي أرسلت عن طريق الشحن الجوي وكانت متوجّهة إلى الولايات المتحدة التي تمّ تحديدها وأبطل مفعولها في دبي والمملكة المتحدة في 29 أكتوبر الماضي. إجتذب هذا ثناءً دولياً لعمل المخابرات السعودية، والذي ساهم أيضا في تنبيهات أخيرة لهجوم للمتمردين على فرنسا أو ألمانيا.

وقد اثار البرنامج السعودي لتقويض الراديكالية لدى المتطرفين الاهتمام الدولي، ولكن يستهدف أعضاء القاعدة والمتعاطفين في الهامش، وليس أيديولوجيا النواة الصلبة، وليس من السهولة تكرارها في مجتمعات أخرى. وقد عانت أيضا حالات نكوص. المشكلة على المدى الطويل هي أن القاعدة تستقطب أعضائها من جميع مناطق البلاد وجميع الفئات الاجتماعية ، وتكسب التعاطف من الذين يكرهون وجود الأجانب، والمستائين من هيمنة آل سعود، والذين يعتبرون كبار العلماء قد باعوا أنفسهم للمؤسسة السياسية. إنه ليس وارداً أن السياسات الأمنية العدوانية وحدها ستنزل الهزيمة بالقاعدة في العربية السعودية.

التهديد من التطرف والحاجة للحفاظ على المؤسسة الدينية المحافظة في جانب يفسر حذر الملك فيما يتعلق بالإصلاح السياسي والاجتماعي. على الرغم من أنه أبعد بعض رجال الدين الأكثر إثارة لحرج في فبراير 2009، فإن ثمة أقاويل تبرر له نكوصه في طريق الاصلاح، ويقول المؤمنون بنزوعه الاصلاحي بأن الملك لا يزال يواجه معارضة محافظة قوية لرغبته في تحسين حصة النساء عبر التعليم العالي والتوظيف في المحال التجارية. ومع ذلك فقد باركت المؤسسة الدينية مرسوم الملك الأخيرة ضد إصدار فتاوى دينية من قبل غير المؤهلين دينياً. وفي محاولة للحد من قوة دفع التطرف من الفتاوى الصادرة عبر الإنترنت، والأثر الخطير للمواعظ الذاتية، قرر الملك بأن الفتاوى ينبغي أن تصدر فقط من هيئة كبار العلماء، المعتمد رسمياً. هذا من شأنه الحد من نفوذ رجال الدين المحافظين، وأسفر عن إغلاق بعض المواقع التي تصدر منها فتاوى. ومع ذلك، إنها مجرد خطوة واحدة في جهد سعودي أوسع لمكافحة التطرف في الفضاء مفتوح وواسع لا تسيطر عليه الحكومة.

احتواء اليمن

كان لدى السعودية مصدر قلق منذ فترة طويلة حول الهجرة غير الشرعية والتهريب والتخريب السياسي التي تنشأ في اليمن. هذا يساعد على تفسير تحفظاتها حول رفع الحظر المفروض على تلقي اليمنيين تأشيرات للعمل في دول مجلس التعاون الخليجي الذي تم فرضه منذ عام 1990 - رغم أن هناك نحو 70 ألف مقيماً يمنياً بصورة قانونية في المملكة. وجود عناصر لتنظيم القاعدة على مقربة من الجانب اليمني من الحدود وتورط قوات سعودية في أعمال ضد حركة المعارضة الحوثية في شمال اليمن في أواخر 2009، أوائل 2010، أقنع الرياض بالحاجة الى عزل السعودية من العناصر المتسبّبة في زعزعة الاستقرار في اليمن.

وعليه، قامت السعودية ببناء سياج أمني مع وجود منطقة عازلة على طول الحدود 2000 كم، ما تسبب في إحداث اضطراب إجتماعي وإقتصادي للسكّان المحليين. سوف يمنع السياج، بلا شك، التهريب ولكنّه نادراً ما سيضع حداً نهائياً لعبور الحدود بطريقة غير مشروعة. كما أنها لن توقف الجهود الإبتكارية من قبل القاعدة لمهاجمة النظام السعودي.

وفي غضون ذلك،فإن محاولات السعودية الطويلة لاستخدام المساعدات الاقتصادية لاستكمال المقاربة الامنية هذه، سواء على المستوى الثنائي وكذلك ضمن الإطار الأوسع للمجموعة الدولية لأصدقاء اليمن واجهت صعوبات. صرف الأموال بطريقة غير فعالة تحول دون قدرة السكان الأصليين الفقراء في اليمن لإدارة وتنفيذ المشاريع. على الرغم من السياج الحدودي، ويعترف السعوديون بأن ليس لديهم خيار سوى البقاء على اتصال مع اليمن، وممارسة التأثير والضغط على النظام في صنعاء من خلال الآليات التقليدية القبلية وغيرها.

تهديدات الأمن الإقليمي

النزاع في العراق بعد 2003، اجتذب العديد من المتطرفين السعوديين الى الشمال حيث صفوف تنظيم القاعدة. لقد بدوا كما لو أنهم يمثلون أقل تهديداً على المدى الطويل، أكثر مما كانت السلطات السعودية تخشاه في البداية. ومع ذلك، فحتى السعوديين الكبار الذين يستاؤون من أن يكون في العراق حكومة يهيمن عليها الشيعة ، والقلق من أن عدم إعطاء حزب اياد علاوي الذي يدعمه السنة دوراً كافياً عندما تستقر بغداد في نهاية المطاف على تشكيل حكومة جديدة ستؤدي الى استجابة السنة العراقيين المحبطين مرة أخرى إلى نداء القاعدة.

وجود حكومة شيعية في العراق قد عزز أيضا القلق السعودي حول ايران وطموحاتها الاقليمية. ليس البرنامج النووي وحده القضية، إنه الضرر الذي تسعى طهران لإلحاقه بالمصالح (السعودية) في لبنان ومحاولات الرئيس محمود أحمدي نجاد المستمرة للتأثير في (الشارع العربي) وتقويض الحكومات العربية المعتدلة. وهناك أيضا خطر أن ايران ستحاول إثارة موضوع الاستياء المستمر بين السكان الشيعة في المنطقة الشرقية من المملكة في علاقاتها مع نظام الحكم في السعودية. إن أيديولوجية الكراهية المتبادلة بين طهران والرياض متأصلة بعمق وتساعد على تفسير تشجيع الملك القاسي – بحسب ما كشفت تسريبات ويكيلياكس -- للإدارة الأميركية لقطع رأس الأفعى من خلال مهاجمة المنشآت النووية الايرانية.

تسريبات أخرى من ويكيليكس تسجّل قلق الأميركيين طويل الأجل إزاء التمويل الخاص السعودي للتطرف، ولكن يبدو أن العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية قد تغلب على البقعة الحرجة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة ، حيث كان 15 من من أصل 19 إرهابياً كانوا سعوديين. سيتم تعزيز الإعتماد المتبادل بواسطة مشتريات الأسلحة السعودية من الولايات المتحدة ، كالتي أعلن عنها في 20 أكتوبر 2010، التي تبلغ 60 مليار دولار، وتشمل طائرات، وطائرات الهليكوبتر والصواريخ. صفقات الأسلحة هذه ، الممولة في المدى القصير عن طريق انتعاش أسعار النفط على نحو متزايد ، يؤكّد عزم السعودية على التفوق الجوي على إيران.

استمرار الحذر

إن هذه المجموعة الواسعة من التحديات الصعبة للرياض تؤكد على أهمية الخلافة الملكية. وكذا الحال بالنسبة للعديد من القضايا الداخلية الطويلة الأجل التي تواجه الحكومة، بما في ذلك بطالة الشباب، وإصلاح التعليم. ومع ذلك، وفي حين أن مسألة الخلافة سوف تلقي بظلالها على االمواقف الدولية من العربية السعودية في المستقبل المنظور، فإنه من غير المحتمل أن السياسات السعودية تتأثر كثيراً بالتغيرات في الأعلى. ومن المرجح أن الأمراء الكبار سوف يستمرون في توخي الحذر، وعدم المغامرة في مواجهة مشاكل غير تلك التي واجهها الذين سبقوهم في الحكم.

ولكن نجاح الثورة في تونس ورحيل الرئيس السابق زين العابدين بن علي الى جدة على البحر الاحمر، وانفجار الثورة في مصر التي لم تحقق حتى كتابة هذه السطور أهدافها الكاملة، وبوادر تفجّر ثورات أخرى في الجزائر واليمن وغيرها والخشية من وصول هبّات الثورة الى منطقة الخليج تحمل مخاوف جديّة وكبيرة لدى آل سعود.

الصفحة السابقة