ما معنى أن تكون سعودياً؟

قراءة في الذات السعودية المشروخة

موجز من الألم المحفور داخل كل مواطن

عمر المالكي

(معرفة الذات): أول المعرفة السياسية. والمواطن المسعود تعوّد أن يتعرّف على ذاته من خلال الدعاية الرسمية، التي تقول له بأنه الأفضل والأحسن والأرقى، والأكثر تديّنا، والأطيب عرقاً، وأنه لديه حكومة من أفضل الحكومات وأكثرها التزاماً بأهداب الدين وإخلاصاً في الأداء، وأن آل سعود هم صفوة الخلق، وسياستهم جعلته في أمن وأمان، فصار محسوداً من العالم كلّه على ما لديه من نعم! شعار معرفة الذات عبر القناة والدعاية الرسمية عبّر عنها خالد الفيصل في بيت شعر استعلائي فوقي عنصري يقول: (ارفع راسك انت سعودي/ غيرك ينقص وانتَ تزودي)!

الذات المتضخّمة نبتت واستطالت في عالم من الجهل والجهالة، وانعكست على شخصية عدد غير قليل من المواطنين، ممن يرون أنفسهم فوق الكون، وأن الاخرين كفار ومشركين لا يفهمون في الدين، وأن الأموال تصنع كلّ شيء، وتأتي لهم بالإحترام. اصبح بعض هؤلاء يعتقد بأنه يحرّك الكون، وأن حكومته تمثّل (الأقوى) في المنطقة، وأنه مسؤول عن تغيير الناس وتحويلهم الى (الدين الصحيح) الذي يعتنقه، رغماً عنه، وأنه اذا ما رفضوا يجوز حينها هدر دمهم، فصار الإستسهال في الدم سمة عامة لدى فئات محددة من المجتمع.

تضخم الذات لم تصنعه الدعاية الرسمية فقط، وإنما صنعه قبل ذلك: الجهل بما لدى الآخرين علماً ومعرفة وتطوراً ومادّة وفكراً وصناعة وسيادة واستقلالاً وحريّة وغير ذلك. أيضاً، فإن المذهب الرسمي (الوهابي) ذا الصفة المناطقية النجدية، يحوي ترفّعاً على الآخر وتكفيراً له، كما أن القبلية ألقت بظلالها على الذات فتورّمت، حتى أحسّ البعض بأنه أصل العرب العاربة والمستعربة معاً، وأنه هو ابن القبيلة والحمولة والأصالة، والباقي حتى من بين المواطنين مجرد (طرش بحر) ووافدون من خارج الحدود!

الإستعلاء والفوقية لدى هذا القسم من السعوديين بالذات، والنابعة من التضليل الإعلامي، والعنصرية المتأصّلة في الثقافة القبليّة، وتشريعها في الدين الوهابي (الصحيح)، خلقت طبقات داخل المجتمع، وأصبحت الفوقية تمارس في شكلها الأعم بين النجديين، على نظرائهم من المواطنين، فضلاً عن العرب والمسلمين الآخرين، بل يمكن ترجمتها حتى على العمالة الوافدة، مسلمة وغير مسلمة التي تهتضم حقوقها ويمارس بحقها أبشع صور الإستغلال والإحتقار والإمتهان والظلم، اللهم إلا أن تكون (بيضاء)! البشرة قادمة من الغرب المتقدم صناعياً. هنا يتراجع صاحب الدين الصحيح، ويتعاطى مع الآخر بدونيّة.

النظرة الى الذات ومعرفتها لا تتم إلا عبر معرفة الآخر، والآخر مجهول في الثقافة المحليّة، رغم انفتاح العالم على بعضه البعض لسنين طويلة خلت. عام 1991 شكّل صدمة للمواطنين السعوديين، حين توافد نصف مليون عسكري أجنبي لحماية السعودية وتحرير الكويت من العراق. فجّر ذلك التدخل أسئلة شتّى للذات السعودية المتضخمة، لكن النظام التفّ عليها بمقولة: أن الله سخّر لنا القوات الأجنبية! (هذا القول اصلاً نقل عن الملك فهد لعدد من المشايخ مبرراً استقدام القوات الأجنبية، قبل ان تتداوله الصحافة المحليّة).

الأسئلة المفجّرة يومها: لماذا لا نستطيع حماية انفسنا؟ أين المليارات التي تُنفق على الأسلحة؟ لماذا سوّغت الثقافة الوهابية المعادية (تنظيراً) للغرب، التدخل الأجنبي ومنحته الشرعية؟ لماذا نهبت مليارات الدولارات بحجة الدفاع عن الوطن؟ ماذا عن شرعية نظام الحكم الذي فشل في توفير الحماية للوطن؟ أين هي الإصلاحات السياسية رغم مرور عقود على التصريح بها دون الفعل؟.. الخ.

وجد يومها ان هناك (شعب الله المختار!) خلق الله له كل ما في الكون ليستخدمه، بمن في ذلك البشر أنفسهم! وبما في ذلك منتجات العلم والحضارة. وفي الطرف المقابل، هناك في هذا الكون من يفكر ويبدع ويصنّع لشعب يدّعي الخصوصية ويستهلك كل ذلك ويضمنه بالآية الكريمة: (سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين)!

في تلك الفترة، نشرت صحيفة أمريكية (هيرالد تريبيون) قصة مجنّدة امريكية قدمت مع 300 الف جندي الى السعودية، حيث أوقفها وهي تحمل السلاح، أحد مشايخ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، طالباً منها أن ترتدي حجاباً! فما كان منها إلا أن شرعت السلاح بوجهه، واستسخفته، وقالت له بأنها هناك لحمايته هو وعائلته، لأن رجال السعودية غير قادرين على حماية نسائهم!

لم توضع الذات المسعودة على المحكّ، وعلى طاولة التشريح والمراجعة، بشكل تلقائي. الذي حدث منذ التسعينيات وحتى ما قبل الربيع العربي، هو أن الأزمات التي تواجه النظام والمجتمع سريعاً ما يتم تغيير عنوانها، دون أن تؤدي الى تغيير جوهري في السياسات، بحيث تحدث تحوّلا نوعياً في معرفة الذات اولاً، ومعرفة الاخر ثانياً، وهما أمران متلازمان في كثير من الأحيان.

ما بعد تفجيرات القاعدة في سبتمبر 2001، بدا وكأن مراجعة ستتم، سياسية وفكرية وعقدية. لكن النظام، ومعه طواغيته من وعاظ السلاطين حرّفوا الأمور: فكل ما جرى من تفجيرات هو نتيجة مؤامرة على الإسلام، وعلى بلد الإسلام، وعلى النظام الإسلامي الصحيح الذي تمثله المملكة، وعلى الدين الصحيح الذي ترفع رايته الوهابية المسالمة! كما قال وزير التعليم العالي يومها. قيل ان مراجعة ستتم للنظام السياسي من اجل اصلاحه، وانتهينا الى حقيقة ان النظام لم يتغير ولا يريد ان يتغير. حتى كلمة الإصلاح مُنع استخدامها؛ والملك عبدالله كما نايف واخوانه لم يستخدموا الكلمة، على الأقل منذ عام 2005 وحتى الآن. فالإصلاح حسب تصريح لنايف ولي العهد، يوضع مقابل الفساد، والبلاد هي في مسيرة اصلاحية مستمرة! اذن فليستعاض عنها بكلمة (تطوير)!

ويومها قيل ان هناك مراجعة لمناهج التعليم التي توفر قاعدة نظرية للإرهاب والتكفير والقتل، ولكن الفكر الوهابي سلسلة مترابطة من المفاهيم العنفية والتكفيرية لا يمكن التخلّي عنها إلا بالتخلّي عن المذهب الوهابي نفسه.

وقيل أن المشايخ يتم تدريبهم على التسامح! وها هي اليوم نتائج ذلك الفعل: موجة تكفير وحرب طائفية اعلامية غير مسبوقة تاريخياً، يروج لها من منابر سعودية او منابر ممولة منها.

الحرب على الإرهاب والتطرف وغيره، استعيض عنها بحشد الصفوف لمواجهة (قاعدة جزيرة العرب) التي انقلبت على الساحر الصانع لها فعمدت الى تفجيرات في الرياض ومدن سعودية أخرى. حشد النظام المجتمع وراءه في مواجهتها كيما تدوم (نعمة الأمن والأمان)، فلما فرغ من ذلك انثنى على طلاب الإصلاح واتهمهم بالإرهاب وملأ سجونه منهم!

لكن السنوات الماضية أيضاً، فعلت فعلها تدريجياً في فضح الذات السعودية المتهورة والمتضخمة أمام نفسها! أيعقل أن العالم كله مشركون وكفار، بما في ذلك أكثرية المواطنين، عدا أتباع الفرقة الناجية الوهابية؟ أيعقل أن نكون على الطريق الصحيح اقتصادياً وتنموياً، في حين أن مواطني الخليج الآخرين يعيشون بحبوحة أفضل منّا؟ أيعقل أن يكون هذا الفساد المستشري الذي لا يستطيع أحد ان ينكر ضخامته، غير متصل بطبيعة النظام السياسي، وأن لا علاقة لهذا الأخير بوجود 30% من المواطنين تحت خط الفقر، ونحو 28% من البطالة؟ أيعقل أن الديمقراطية كفر والحاد، فيما سلفيون مجاورون في الكويت وغيرها، يمارسونها؟! أيعقل أننا على خطّ الإسلام، وأمراء آل سعود يلعبون بمقدرات البلاد، ويعتقلون المعترضين، حتى أضحى في الزنازين ما يقرب من ثلاثين ألف معتقل؟ أصحيح أننا الأفضل والأحسن، وأننا محسودون من الآخرين، في حين أن حياتنا هي الأدنى في الخدمات والحريات السياسية والإعلامية والفكرية والدينية؟

هذه الأسئلة أُدخلت قسرياً على ذهن المواطن المشبع بكل (أفعل التفضيل)؛ وقد أُتيح له أن يعقد المقارنة بينه وبين الآخرين المجاورين والبعيدين، في ظرف أخذ فيه الحضور السعودي بالتراجع اقليمياً سياسياً واقتصادياً لصالح دول أخرى؛ وفي وقت بدأت فيه أدوات التواصل الإجتماعي تفعل فعلها في النفوس والعقول، حتى توّج الأمر بربيع الثورات العربية، فما أبقت الجاهل جاهلاً، ولا المرتاب مرتاباً، ولا القانع بما لديه مقتنعاً!

إرهاصات التحوّل في ذهنيّة المواطن المُسعود، جاءت متأخرة جدّاً؛ ولكنها البداية لتشهد التحوّل على شكل ممارسة على الأرض. الان هنالك أعداد تتزايد في ممارسة نقد الذات، فكراً وسلوكاً، وحكماً، ومذهباً واقتصاداً، وغيره. لم يبق شيء من مسلمات الماضي على حاله. قد يعتبر هذا مؤشر سخط اجتماعي متصاعد؛ وهو كذلك بلا شك. ولكن الأهم، هو أن (تنزيه الذات) و(فوقيتها) أدّت الى ابقاء التخلّف بشتّى أشكاله، في حين أن المراجعة وتشريح الذات، مؤشر وعي، وعدم رضا بالواقع السياسي والمعاشي والفكري، وهذه اول درجات التغيير.

في كل حقل يمكنك ملاحظة التغيير فيه. لا مسلّمات أبداً. بدءً من اسلامية النظام، وعدله، وأمنه المزعوم. لا أحد يشك اليوم في فساد آل سعود في سلوكهم الشخصي وممارساتهم السياسية. النظرة اليهم اختلفت، كما للسيستم بكامله، كما للمؤسسة الدينية التي يغطي بها النظام سوءته، كما لعلاقات النظام وتحالفاته الخارجية. ماذا يقول المواطن اليوم؟ ما هي قراءته لذاته؟ يمكنك كشف ذلك في مواقع الإتصال الإجتماعي، فهي مختبر التحول الثقافي والنفسي والسياسي.

سنحاول تتبع هذا التحول من خلال ما كتبه المغرّدون السعوديون في تويتر، ليس في كل شيء، ولا هو استقصاء لما يكتب، وإنما في جزئية واحدة، عبرها عنها هاشتاق (#) حمل عنوان: ماذا يعني أن تكون سعودياً؟. وهاشتاق آخر: ماذا لو حدثت ثورة في السعودية؟

هل السعودي بئر بترول متنقّل؟!

السعودي بنظر العالم غنيّ، هو بئر بترول متنقل، يبعثر الأموال أينما حلّ وارتحل. هو صيدٌ ثمين للصوص والأفاقين، وبائعي المتعة الحرام. لكن هذا السعودي اليوم يعيش ضائقة مالية، إفلاساً وبطالة، وتشيع فيه حالات الإنتحار، هو لا يمتلك تأميناً صحياً، ومعظمهم لا يمتلك بيتاً (80% منهم) والفقراء في تزايد، والطبقة الوسطى تنكمش بشكل سريع. ربما كان السعودي ينظر الى نفسه يوماً كـ (قارون)، ولربما حطّ من شأن غيره بسبب امتلاء جيوبه، لكنه اليوم بدأ بتغيير نظرته لذاته. يسخر من أنه محسود على ما فيه من (نعمة) ويتألّم من الصورة النمطية التي رسمت حوله، والتي ساهم هو فيما مضى بصنعها. هو يعرّف نفسه على الوجه التالي:

معنى أن تكون سعودياً: (أن تشمّ رائحة النفط، وترى دخان تكريره، وتسمع بالمليارات.. وأن تبحث عن سلف 10 ريالات، فلا تجدها)! ولكي تكون سعودياً يجب (أن ترضى بالقليل، وتكتفي بقول: حنّا أحسن من غيرنا) في تبرير للذات الفاشلة في تغيير الأمر الواقع. ومع ان العاطلين عن العمل قد بدأوا باستلام راتب شهري (2000 ريال) عبر نظام أقرّ مؤخراً باسم (حافز) واعتبر ذلك كرشوة مؤقتة إثر إفشال تظاهرات مارس 2011، ويستفيد منه نحو مليون وثلاثمائة الف عاطل عن العمل حتى الآن. 86% من العاطلين عن العمل نساءً! احصائية حكومية حديثة تقول ذلك. وهناك أكثر من ألف شخص يحمل الدكتوراة وهم عاطلون عن العمل! هذه احصائية اخرى حكومية، هذا غير الآلاف من حملة الماجستير، وعشرات الألوف من خريجي الجامعات، كلهم على ابواب البطالة، لم ينقذهم من الجوع سوى (حافز)، الذي أنقذ هو الآخر النظام، من ثورة فقراء محققة!

مع هذا.. فإن (حافز) صار مثار سخرية أيضاً، فـ (أنت تستلم حافز وغيرك من الدول الخليجية ما عندها حافز. بس عنده بيت مُلك، ووظيفة، وهو ما تجاوز الـ٣٠ من عمره) بعكسك أنت أيها السعودي. معنى أنك سعودي: (أن تكون عاطلاً عن العمل. ويكون أخوك معتقلاً بدون محاكمة؛ وأبوك متقاعد براتب زهيد. أما أمّك فلا تجد لها سريراً للعلاج، وهي تسكن بالإيجار). لا بدّ للسعودي أن (يحمل ملف علاّقي أخضر، يرافقه أكثر من ظلّه) يدور به على المؤسسات الخاصة والعامة للبحث عن وظيفة. يستمر البحث مدّة طويلة، يعني (أن تكون عاطلاً عن العمل لبضع سنين) على الأقل؛ وأن يصبح (همك الاسبوعي تحديث بياناتك في حافز تفادياً لتخفيض قيمتك كعاطل!). حافز صار سمة للمواطن، فليس مواطناً من لم يقدّم على حافز، والمحظوظ من يحصل على راتب العطالة (يذلّونك بحافز أبو 2000، ويسرقونك بساهر)!

(ساهر) هذا، هو نظام المرور، الذي يسجّل الغرامات على السائقين، وكثير منها غير صحيح، بسبب البرمجة أو غير ذلك.

هناك حلّ آخر للسعودي، أن تكون لديه واسطة (فيتامين واو) فـ (‬‏واسطتك اهم من شهادتك)؛ وضمن سياسة الإستجداء للأمراء، لا بدّ أن (تجيد فن صياغة المعاريض) لأصحاب السمو وأتباعهم حتى تحصل على حقك البديهي، حتى ولو كان سريراً في مستشفى!

ورغم هذا كله، فأنت بنظر الآخر الخارجي: (برميل بترول متنقل؛ ودولارات $ تمشي على الارض؛ ومطمع لكل جنسيات العالم. ولكن الواقع عكسة تماماً). معنى ان تكون سعودياً (أن تفرح وترقص طرباً بمكرمة ملكية تأخذ فيها أقلّ من حقّك. سيارتك وبيتك أجار، وزواجك أقساط، وهندي البقالة يطلبك فلوس)! إنك (تفتقد الحروف التالية: س/ سكن يؤويك؛ ع/ عيش يكفيك؛ و/ وطن يحميك؛ ويكون شعارك د/ دَين؛ ي/ يا حسرة).

ما أصعب أن تكون سعودياً! (أن تكون فقيراً: لا وظيفة، ولا سكناً؛ ولا زوجة. وحين تفتح فمك وتقول: لا تصبح خارجياً رافضياً تكفيرياً تفجيرياً تفخيخياً.. إرموه بسجن الحائر)! (إنك تعرف من يسرق البلد مثلما تعرف نفسك؛ ومع ذلك تقول للملك: دامك بخير حنّا بخير! ثم تلتمس له الاعذار: البطانة؛ تراه طيب!؛ ما يدري!).

مسكين أنتَ أيها السعودي! المُسعود!، تبحث عن (واسطة) للعلاج في مستشفى، فإذا نجحت (تموت بخطأ طبّي)! أنت محسود على ما بكَ من نعمة، وكنتَ بالأمس تعتقد (بأنّك تشتري الناس بدراهم)، واليوم (تنسى الرقم السرّي لبطاقة الصرّاف الآلي حتى يحين موعد راتب حافز)! الذي هو ما تبقى لك كـ (حافز في الحياة). إن شتمت الوضع (اتهموك بكفر النعمة)!. أنت (في عين الغرب: بئر نفط متنقل؛ وفي عين العرب: خروف) ولا يعلمون أنك لم تستطع تسديد فاتورة الكهرباء والماء! وأنك فشلت في ايجاد الواسطة كيما يحصل ابنك على مقعد في الجامعة، وأن ما يتبقى من راتبك بعد خصم القروض مجرد (شسع نعل كليب؛ يعني الزير سالم يكدّ عليك أصرف)!

أنت (ترى المليارات تطير بين عينيك للأردن والمغرب) فتموت قهراً؛ وترى الأراضي وقد نُهبت وسيّجت بـ(الشبوك)! ومليارات النفط المتصاعدة لم تحسّن بعد من وضعك. لك الفخر فأنت سعودي، غيرك ينقص وأنتَ تزودي!

هل السعودي عنصري وملتزم دينياً؟

تعلّم السعودي، النجدي الوهابي خاصة، بأن دينه هو الصحيح، وغيره في ضلال! تعلّم أن مشايخه هم أكفأ الناس وأنزههم! تعلّم أن الجنّة محجوزة له وحده، حتى وإن فسد ولم يعرف الإلتزام الديني يوماً، فالمهم أنه محسوب انتماءً على (العقيدة الصحيحة)! هذا تغيّر كثيراً، فالمرتدّون عن الإسلام كثر! بعضهم صاروا ملاحدة، وبعضهم صاروا مسيحيين، وبالخصوص أولئك المنتمين الى معقل التطرّف الديني. المشايخ سقطت هيبتهم، وهم قد فشلوا في اثبات استقلالهم عن الحاكم، كما فشلوا في تبرئة أنفسهم من الفساد الذي جرّهم الى مستنقعه، فصاروا شركاء (في الجملة) فيه. لكن لاتزال الروح الطائفية متّقدة؛ يؤججها الصراع في سوريا؛ والطائفية لا تعني التزاماً دينياً، وانما انحيازاً لهويّة، يجري تثميرها سياسياً لصالح النظام. ماذا يعني أن تكون مواطناً سعودياً؟ هل ستكون الأكثر ايماناً وتديّناً؟ كلاّ. فقد غمر النفط، الدين، وضيّعه، بالتواطؤ مع نظام يبتعد سريعاً عن معاقله وأهدابه وقيمه. ماذا بقي من الدين؟ هل نحن متديّنون؟ هل ممارساتنا لها علاقة بالدين؟

أن تكون سعودياً يعني أنك تحتكر الإسلام لك، مثلما تحتكر الجنّة ولصحبك، فغيرك ليس مسلماً، أو في إسلامه خلل؛ أما الجنّة فمحجوزة لك! أن تكون سعودياً يعني (أن تعتقد أنك المرجعية في الإسلام؛ وتنسى ان الإسلام يخصّ كل المسلمين) وأن الإسلام صار (سعودياً)، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام (حمل البطاقة الشخصية السعودية، فصار سعودياً)، كما قال أحدهم! يُغبط السعودي لقربه من مكة المكرمة والمدينة المنورة، فـ(يزرع ذلك بداخله وهم أنه مركز الكون، والعالم يطوف حوله) ولكن تديّنه ليس على بصيرة، بل خوف المشايخ والمجتمع، فإذا انتفى تفلّت ففسد وأفسد. أن تكون سعودياً يعني (أن تعبدالله كأن الهيئة تراك، فإن لم تكن تراك، فإن الله غفور رحيم)!

والسعودي بسبب الإستبداد، أصبحت له شخصيتان: المظهر تديّن، والمخبر فاسق!؛ في الداخل هو مؤمن، وفي الخارج يطلق الإسلام. هو يتحدث عن الإسلام كثيراً، ولكن فعله يناقضه تماماً. هو (يعيش الرأسمالية وفق الضوابط الشرعية) و(لديه قناعة في قرارة نفسه أن السعوديين لهم باب خاص يدخلون منه الى الجنة)؛ وأنه ينتمي الى (شعب الله المختار)؛ وأنت أيها السعودي (تعتقد بأنك من أبناء الصحابة؛ وأن الدين سعودي، ولن يدخل الجنة من يخالف شيخ سعودي) كما أن (الجنة مخلوقة لك وللناس الذين تختارهم معك، والنار لمخالفيك). السعودي يعيش التناقض حيث (يحتقر الآخرين من المسلمين ويتعالى عليهم) وفي نفس الوقت، وفيما هو ينعم بمنتجات ومخترعات غير المسلم (يذهب للصلاة ليدعي على ذلك المخترع بالدمار والموت بدلاً من الهداية)!

وأن تكون سعودياً، خاصة ان كنتَ وهابيّا، فأنت ضدّ الخرافة، وضدّ تقديس الأشخاص من الناحية النظرية العقدية؛ ولكنك (إذا مرضت قلت: عين؛ وإذا طال واشتد المرض قلت: مسحور). أنت (تلاحق الجنّ؛ وغيرك يصنع طيارات). على ارض الواقع أنت مسكون بحكايات الجنّ والعفاريت والسحر والكهانة وغير ذلك. و(عنصري في النظرة الى الذات) تقدّس (المشايخ وآل سعود وتطبل لكل ما هبّت به رياح الأخبار)!

العادات عند السعودي (تطغى على الدين وتصبح هي الدين) وتكون قداسة القبيلة لديه أهم من تعاليم الدين (والعصبية القبلية المنتنة أحسن من أساس التفاضل بالتقوى). الدين والفتاوى (يجري تحديثهما كل خمس سنوات! اليوم حرام، وبعد خمس سنوات حلال). ورغم قلّة الملتزمين، فإن المواطن وبالقوّة (أسيرٌ للإسلام السعودي المتشدد؛ وأسير للعادات والتقاليد)؛ تأخذه المظاهر فـ (طول لحيتك يدلّ على قوّة إيمانك)؛ وتستمتع بأسئلة الجهل لشيخك: (هل في الجنّة غنم أم لا؟)! أنت لا ترى قيمة لعلماء الأمة عدا مشايخك (كأن أولئك اخذوا علمهم من التوراة والإنجيل).

ورغم تعصّبك الديني، تعيش (مسربتاً) طيلة أيام الأسبوع، و(فجأة تصبح مطوعاً يوم الجمعة)! أنت لا تعبد دين الله، مذ قبلت (أن تكون عبداً ذليلاً مؤمناً بعبوديتك لآل سعود، وأنهم الآلهة الحق، تتقرّب اليهم بالتذلل والطاعات، وتسبّح بحمدهم وشكرهم). لا يؤخذ تديّن السعودي على محمل الجدّ في الغالب فهو (أكثر شخص يدافع عن الدين والمشايخ والهيئة؛ وهو في الحقيقة داشر، صائع، أكبر معاكس في العالم). هو (متناقض، كل شيء حرام في السعودية يصبح حلالاً خارجها). ان تكون سعودياً يعني أن تكون (متشدد دينياً في بلدك وسكراناً خارجه) فـ (ما لا يجوز داخل المملكة، يصبح فجأة مسموح به خارجها؛ كأن الدين مربوط بالموقع الجغرافي). أنت ترى الإسلام (وكأنه من ممتلكاتنا)، تحافظ على الشعائر والعادات في الداخل (ولكن بمجرد ركوبك الطائرة مغادراً البلاد تصبح بلا دين) (دينك تركته في دولاب الملابس)، وتصبح (مكروهاً من كل الجنسيات الأخرى، بسبب أفعالك وأفعال أمثالك).

العنصرية والفوقية لا تتماشى مع الدين، معنى أن تكون سعودياً (أن تكون عنصرياً حتى النخاع، وتعتقد أنك من شعب الله المختار، وأن تحتقر وتزدري الوافد الهندي والباكستاني، وأنت تعلم بأن دولهم تصنع الإلكترونيات، وأنت فاشل تعجز عن صناعة سيكل)! أنت (ترى نفسك الافضل في كل شيء، والواقع أنك الأدنى في كل شيء). انت تمارس عضلاتك على الأدنى من الضعفاء والأغراب من المسلمين والعالمثالثيين و(‬أن تستعبد البشر وتعتقد أن الشغالات مجرد جاريات اشتريتهم، وأن لك حرية التصرف بهن).

هل السعودي شجاع في مواجهة آل سعود؟

كيف يقرأ المواطن آل سعود. لقد تغيّرت الصورة، وصار من الذم إعلان الولاء لهم أو الدفاع عن حكمهم. نقد الذات تعني تحفيزاً لها لمواجهة النظام المستبدّ، وفساد العائلة المالكة المستشري. ذمّ الذات هو في واقعه ذمّ للنظام السياسي وسياساته وولاءاته للخارج، ولأيديولوجيته (في الغالب) وبالتالي هو نقدٌ للذات التي قبلت هكذا حكماً ونظاماً ورجالاً!

ابتداءً، فإن (معنى أن تكون سعودياً): (أن تعتقد أن مرحلة ما قبل ولاة الأمر/ آل سعود: جاهلية - عبادة اوثان؛ وما بعد مرحلة ولاة الأمر: حرب أهلية - تقسيم للبلاد). آل سعود أخرجوك من الشرك الى الإيمان، وإذا ما فكّرت في التخلّص منهم، أو حتى معارضتهم طلباً للإصلاح، فأنت تقود البلاد الى حرب أهلية والتقسيم.

لكي تكون مواطناً صالحاً، عليك (أن تخاف من الحكومة كأنك تراها. فإن لم تكن تراها فإن مباحثها تراك). وأن (أن تدعو للملك ولإخوانه، ولأبنائهم، وذرياتهم، وآبائهم، ولخادميهم، ولاعقي أحذيتهم، ومطبليهم كل جمعة بعد الخطبة). وأن (تحفظ هذه العبارات عن ظهر قلب: أمن وأمان؛ الله لا يغيّر علينا؛ فتنة؛ حنّا أحسن من غيرنا). وأن تعتقد جازماً بالمثل القائل: (خلّك مع قردك/ آل سعود لا يجيك من هو أقرد منهم) (ابق على السارق لا يجيك أسرق منه) (اقضب الردي لا يجيك الذي أردى منه).

لهذا، فمعنى أن تكون سعودياً (أنك تجيد صنع الديكتاتورية)؛ وأن (تسمع بالبيعة وتكتشف أنك تبايع نفسك مع نفسك)!؛ وأنك (لا تعرف الوطنية إلا في اليوم الوطني وهبالته)؛ وأن (تكون شبيحاً نبّيحاً تحارب كل من يريد الإصلاح)، وفي النهاية (أن تكون سعودياً يعني أن تكون أضحوكة للملأ). لماذا؟ لأنك (من الشعب الوحيد الذي ملكه: لا يقرأ، لا يكتب، لا يفهم. والذي مفتيه الديني: أعور، أعمى، أحول)! ولأنك قبلتَ (أن تكون عبداً لولي الأمر، الذي يحلل ما يشاء، ويحرّم ما يشاء. ليس لك رأي كالبهيمة) حتى أضحيت (عجينة في يد الحاكم يقلبها كيف يشاء تحت مصطلح: تقديس ولي الأمر).

لقد صنعتَ ديكتاتوريتك حين رضيت (أن تنتسب لغيرك) أي ‬‏ (أن تكون جنسيتك مرتبطة بعائلة) آل سعود؛ و(أن تكون أبسط حقوقك هي أحلامك العظيمة)؛ وحين حفظت التوصيات الثلاث للعائلة المالكة: (لا تسمع؛ لا ترى؛ لا تتكلم!)؛ وحين (تنازلت عن جميع حقوقك كمواطن محترم جداً)؛ وصرتَ تتفادى انتقاد (أي شخص ينتهي اسمه بآل سعود، مهما وصل من مرحلة في الفساد والظلم).

أنتَ تستحق ما يحدث لك، مذ قبلت (أن تكون مهاناً ليس من الأمراء فقط، ولكن من معارفهم، وسواقيهم، وطباخيهم، وكل من يرتبط بهم من قريب أو بعيد)، ومذ قبلت بعيش ذليل (وتقول يا آل سعود زيكم ما فيش/ تهايط بالقصمنجي)، ومذ صدّقت (الجرايد أم ريالين، ماركة ابو ديناصور، والقلم الرصاص أبو تمساح)، ومذ نافقت آل سعود وقلت لهم: (نحن خدامكم وتحت أمركم). أنت تستحق ما يجري عليك إذن.

الآن: ما أنت إلا شخص (مسلوب العقل والإرادة والحرية من الإستبداد الأيديولوجي والسياسي) (تقول: سمعاً وطاعة سيدي) وحين تتكلم في السياسة يصبح (صوتك منخفضاً جداً)، وحين تكتب في (تويتر) (تشعر أن خطّك ليس واضحاً)! تتمنّى اليوم (أن تكون خليجياً غير سعودي)؛ (تحلم بالهجرة)؛ تخجل حين تُسأل من أي بلد أنت فـ (تلزق نفسك بقطر أو الإمارات)؛ تعجز في الردّ على الآخرين الذين يقولون عن دولتك بأنها (ليست دولة قانون) وبأنك تنتمي الى شعب (بلا حقوق، عكس شعوب العالم الأخرى).

لكن (في حال فكرت أو حاولت أن تفكّر في نقد أي كائن من الطبقة الطوالعمرية، فأنت من الخوارج بإجماع المتبطحين، ويصبح سحق جمجمتك واجب بفتوى سعد البريك). إن لم (تمجّد الملك كأنك تراه، فإن لم يكن يراك فالمباحث وراءك) وإن لم تعتبر ذلك من (أعلى مراتب الوطنية السعودية) وأصرّيت على نقد حكامك أو طالبت بـ (التحسين) و(التطوير) لحقوقك (فأنت تتبع أجندة خارجية) أو (أنت من الخوارج، بل من المفسدين في الارض) تقطع يداك ورجلاك من خلاف!

بالمختصر المفيد: أن تكون سعودياً يعني (أن تكون مُطيع، وتمشي كالقطيع) و(أن تأكل تبن وتسكت) و(أن تكون مكبوتاً، تعيش في قلق دائم كالغريب في وطنه، فما أن يصل عمرك الخامسة والثلاثين إلا وأمراض الضغط والسكر والقلب تنخر في جسدك) و(أن تعيش طول عمرك تتمنى أنك ما ولدت سعودياً)، وأن أمامك خياران: (إما أن تكون طويل عمر/ أمير؛ أو طويل صبر/ مواطن)!

ماذا لو اندلعت ثورة في السعودية؟

أن تكون سعودياً يعني أن تخاف (من رحلة وراء الشمس) ان تحدثت بالحقيقة، أن (تسجن وتحاكم على النيّات التي لا يعلم بها إلا الله)؛ أن (تبكي في تويتر قهراً، ولا تستطيع أن تسيّر تظاهرة كبيرة في الشارع)؛ ولذا تصرف وجهك لقضية أو قضايا أخرى بحيث (تنشغل بعيوب غيرك وتنسى عيوبك)، وأن (تعطي لنفسك الحقّ في التدخّل بشؤون الدول الأخرى، ولو تدخّل الآخر أوقفته عند حدّه وقلته له: أيش دخلك يا كافر يا عميل؟)! بهذا أنت (أعمى محسود على كبر عينيه!).

لكن لنفترض أنك أيها السعودي لستَ راضياً عن حالك، وأنّك تتمنّى التغيير، وأن تستعيد هويّتك وانسانيتك. تخيّل: ماذا سيحدث لو قامت ثورة في السعودية؟ وكيف سترى الأمر حينها؟ لنقل أنك تريد أن تحلم. احلم وقلْ لنا كيف سيكون شعورك؟ هذا هاشتاق (#) في تويتر، أجاب عليه المغرّدون السعوديون، فماذا قالوا، أو قال أكثرهم؟

لقد أثار سؤال: (ماذا سيحدث لو قامت ثورة في السعودية) جنون رجال المباحث (الإستخبارات) المجنّدين في تويتر. أصل السؤال كان مشكلة، هو أمرٌ محرّم. إذا كان التظاهر أمراً محرّماً شرعاً بنظر مشايخ السلطة، فكيف بالخروج على النظام وإزالته عبر الثورة؟! السؤال حمل ـ بنظر أتباع النظام ـ جرأة غير معهودة، واعتبروه جزءً من التبليغ للثورة على آل سعود، وشعروا بالقلق من تحققها حتى ولو كان في الحلم!. لذا حضر التوتر والشتم والإهانة والتهديد والدعاء بالويل والثبور على المشاركين.

لقد حدثت ثورة في تويتر، قسم يقول بوجوبها ويبشّر بوقوعها؛ وقسم آخر يقول بأن السيف من نصيب الثائرين، وأن الثورة حرام شرعاً. المغردون في كلا الإتجاهين في معظمهم من (نجد) المنطقة التي ينتمي اليها النظام، والمنطقة التي تسيطر على كل مفاصل الدولة وأجهزتها. هذا يؤشر الى حقيقة أن ما يسمّى بالبيت الداخلي لآل سعود لم يعد موالياً، وأن التوتر في تويتر في موضوع افتراضي في الأساس، إنما يكشف عن أن إمكانية قيام ثورة او اعتراض كبير ممكن وغير بعيد، والجميع يشعر بأن في الأجواء ارهاصات واضحة لذلك.

(الهاشتاق خبيث) قال أحد طبّالي النظام. ونوايا القائمين عليه (يطبخون على نار هادئة) أي يهيئون الشعب لها؛ كما قال آخر. ثالث قال هو (هاشتاق ما له داعي، يعمل على الفتنة وزعزعة الوضع). وتزايدات الردود المضادّة من جماعة المباحث: (الهاشتاق هذا هو خلاصة جمع معرفات الخوارج كلهم. عليشة تنادي يا خوارج. الحائر يشتكي الوحدة/ اسماء سجون). وأن السيف وجب على رقاب الخوارج ومن وضع الهاشتاق أولهم! وقد وصفوه بأنه (جبان يحرّض صغار العقول) وأن للهاشتاق (أثر خبيث على مشاعر وآراء معظم المشاركين فيه!).

لقد روّع محبّو النظام بالثورة عليه: (فال الله ولا فالكم! وش هالهاشتاق السمج)، (اقضبوا ارضكم واحمدوا ربكم. الله يلعن من عمل هذا الهاشتاق، الله يحمي آل سعود)، (الله يثوّر براسك أنت وهالهاشتاق)، (الله يجعل كيدكم في نحوركم)! (وجع وش الهاشتاق ذا؟)، (أيش هذا الكلام الفاضي؛ تعوذوا من الشياطين، قال ثورة قال!).

لاحظ أحدهم (أن أكثر المطبلين للثورات العربية هم أكثر الرافضين لثورة محليّة. صحيح الدم السعودي الأسود أغلى)! فيما تفاجأ الجميع من عدد المباحث (يسمّون البيض والدبابيس وغير ذلك) فعلقت إحداهن: (أحب أقول هاي للإستخبارات المتسترين هنا في الهاشتاق)؛ وتساءلت أخرى: (كم نسبة المباحث في تويتر؟ أتوقع 60%).

الدعاء بأن الله (يخلّي نايف/ وزير الداخلية وصقوره، ويقطع سرّ الخونة السنّة والشيعة) و (حسبي الله عليكم!!) وتسخيف مجرد الحديث عن ثورة ضد آل سعود او حتى الحلم بها (أحلامكم مرّة بعيدة. احلموا على قدّكم) لم يكن كافياً. فقد نزل صقور نايف (البيض) ميدان تويتر مهددين (السفهاء، أصحاب التكتلات النفعية) الذين لم يرعووا ويخافوا.

قال صقور وزير الداخلية في تويتر: (سنقطع اليد التي تحاول إشعال الثورة قبل أن تمتد وتفكر فيها. نحن نختلف عن كافة الشعوب والأجناس). واستعار احدهم كلمة للحجاج: (إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها) واتصل آخر بالسجن ساخراً: (ألو فندق وراء الشمس، تعال خذهم)! وتجاوب معه غبيّ آخر من البيض فقال: (ألو نايف بن عبدالعزيز، تعال شوف وش يقولون)!

مخزون سخط ينفجر كلاماً وتهديداً بالقتل!

وفيما كانت الأصوات تدعو لسحق آل سعود وزبانتيهم ومشايخهم، وتتهكم عليهم، ازدادت أصوات التهديد. حاول البعض تهدئة المشاعر: (من جد، الله يستر) فهذا مؤشر على مخزون من السخط قابل للإنفجار. قال آخر: (الله يستر علينا يا ناس، صلّوا عالنبي)، فيما قال الآخر بأن ما يجري مجرد وخزة أولى سيعتاد عليها آل سعود وطبّالوهم: (ردود الافعال في الهاشتاق ‬‏ تدل على ان فكرة قيام ثورة أمر صعب، ولكنه مع مرور الوقت ستكون حقيقة لا مفر منها).

لكن عواطف البيض فلتت أمام سخرية البقية بهم وبآل سعود، فتصاعد التهديد: (سأجعل ابني القعقاع ينضم الى كتيبة الفدائيين للدفاع عن قمر آل سعود الأمير مشعل! جربوا ياخوارج)! والأمير مشعل لمن لا يعرفه هو وزير دفاع أسبق، ومن أكبر لصوص آل سعود، وهو أكبر أبناء عبدالعزيز الأحياء بعد الملك، ورئيس هيئة البيعة، ويعرف شعبياً بـ (ابو شبوك) أي أنه أحاط مساحات شاسعة جداً من الأراضي بالشباك واعتبرها من أملاكه، لذا أطلق البعض على السعودية بأنها (المملكة الشبوكيه). وأخذت الحماسة أحد مشايخ السلطان وهو يدخل المعركة: (حيّ على الجهاد، ها هم كلاب النار، طوبى لمن قتلهم أو قتلوه، إن في قتلهم لأجراً)!

تزايدت أعداد شبيحة النظام في تويتر، وقال أحدهم أنه اذا قامت ثورة (ساعتها ما عندي مانع الشبيحة يسوون فيهم مثل ماسووا في السوريين). وتبرع آخر: (سأكون شبّيحاً على الرافضة وإخوانهم الليبراليين)‏، ونصح ثالث من يريد الثورة بأن (يجتمعوا في ميدان الصفاة) وهي الساحة العامة التي تقطع فيها الرؤوس! وقال رابع: (سأكون أول شبّيح) وخامس: (راح نسرف بقطع الرقاب وسنكون شبيحة بإذن الله). ردوا عليه: (توجّه الى سوريا. يوجد وظائف شبيحة شاغرة هناك) (فهو كالجزّار أضحى/ يذكر الله ويذبح)!

ارتاعت إحداهن: (إن شاء الله ما يجي هاليوم/ يوم الثورة)! فهدّأها شبّيح يطلق الصواريخ يميناً وشمالاً وعلى نفسه: (ثار بطنك، ما هنا ثورات. انضبطوا عمى يعميكم. الله يحفظ أبو متعب. المُلك لله ثم لآل سعود يا خسيس). ردّ عليه ساخر: (لعبتم كثير، لمّوا وطنيتكم وقوموا ناموا، حتى لا تصبح الثورة جدّاً بعد هزل). وسخر آخر من بيض نايف فقال مذكراً بكلام إحدى الأميرات سابقاً: (والله لو ما لميتوا أنفسكم، أكلّم عمّي نايف يطفيء عنكم الكهرباء)!

المعركة الكلامية لم تنته: (سيتم تطهير القطيف وترحيل الخونة. سيتم تطهير المملكة من الخارجين على ولاة الأمر ودفنهم في مقابر جماعية وحرقهم)! تبرّع أحد الشبيحة فوضع صورة (لصقور نايف/ القوات الخاصة)! وتبرع آخر فوضع صورة لنايف وهو عابس الوجه وعلّق: (سنطهّر بلادنا بدماء الخوارج الفاسدة وضرب الأعناق)!

بالطبع فإن مشايخ الغفلة التابعين لوزارة الداخلية كانوا حاضرين المشهد، وكل مشهد، كما هي العادة. بدأوا بترويج عدم فائدة الثورات، وعدم شرعية المظاهرات، وكذلك عدم شرعية الخروج على (ولاة الأمر!) الى آخر اسطوانتهم المشروخة. حذّر أحدهم: (من يواجه الدولة السعودية إنما يواجه الأمة الإسلامية بأجمعها)! وبدأت نصوص الأحاديث تترى في خدمة السلطان: (من أتاكم وأمركم جميع... يريد شق عصاكم... فاقتلوه)! شيخ جلاّد قال: (هنا شعب يطبّق الشرع ولا يرتضي بالثورات، ومن يحاول ذلك فسيفصل رأسه عن جسده، وترتاح الأمّة من شرّه). قيل له يا مولانا، أنت في تغريداتك تؤيد ثورة سوريا! وتظاهراتها! وحمل السلاح على ولاة الأمر هناك! فما عدا مما بدا؟! هل هناك حلال وهنا حرام؟! وبشّر واعظ سلطاني: (سوف تمتلئ السجون بالثيران الثائرة. لا يجوز الخروج على السلطان إلا بكفر بواح).

وبدأ المشايخ يأتون بنصوص ابن تيمية التي ترى في الخروج على السلطان فساداً، ووضعت روابط لـ (عشرة أوجه في فساد المظاهرات)، والشيخ ابن باز وحكم المظاهرات، ورابط ثالث: المظاهرات خلاف للسنّة ومفض الى المفاسد والشرور؛ ورابع: فتاوى العلماء في المظاهرات والإعتصامات، وخامس: جماع الكلام في المظاهرات على الحكام، وعشرات مثلها!

مغرّدون يستفزّون آل سعود بحتمية الثورة ضدّهم!

لكن ماذا قال المغرّدون حتى استفزّوا (بيض وصقور) نايف؟ ما هي الأحلام التي نثروها في إجابتهم على سؤال: ماذا لو حدثت ثورة في السعودية؟ ما هي سخرياتهم؟ ما هي امكانيات قيام الثورة بنظرهم، وماذا ستغيّر فيهم ولهم؟ وما هي المخاوف التي تنتابهم من الثورة لو قامت؟

لو حدث ونجحت فـ (لن تكون هناك سعودية، سنولد من جديد، ونستعيد هويتنا العربية)، وحينها ستتزلزل أمريكا واسرائيل لسقوط (خادم القطبين الخبيثين). ولكننا كشعب (سنحتار ماذا سنسمي الدولة؟ لقد سموا البلد باسم عائلتهم، ونبلش نبحث لها عن اسم، سيقال قد وقعت ثورة في البلاد اللي ماتتسماش).

بمجرد أن تندلع شرارات الثورة، (سيؤكد الملك أنه يحبكم، وأنه لا ينام حتى تناموا، ونايف سيتبرع بدخل ساهر لإرضائكم لأنكم تستحقون الإحترام). لكن خالفه أحدهم موضحاً ان الشعب مرن وسهل الضحك عليه: (سيأمر الملك بيوم سبت إجازة وسيتنازل الشعب عن الثورة وعن مطالبه وعن الإجازة حتى!)؛ وقد يخرج الملك على شاشة التلفزيون ويقول: (الحين فهمتكم)! بعض آل سعود على الأقل (سيحملون حقائبهم فقط، ويهربون الى سويسرا. أموالهم تنتظرهم هناك). لذا وجب ابتداءً (أن لا تقلع طائرة من طائرات آل سعود. أن تغلق الحدود حتى لا يهربون. نريد فلوسنا من حساباتهم في الخارج، والمحكمة بانتظارهم). صحيح (سيهرب الكثير منهم.. سيتنازلون.. ولكن بعد فوات الأوان). حينها (سنصادر كل أملاك آل سعود ونجعلهم يعيشون فقراء للأبد)، و(سأحضر محاكمات آل سعود، وآتي بعيالي معي ليروا نهاية الطغاة. يا لها من محكمة، ستكون هنالك زحمة، وسيبيعون تذاكر حضورها)، وسيكون الحكم عليهم هكذا: (أكثر آل سعود ومعهم آل ابراهيم يحكمون بالمؤبد، ومن يخرج منهم من السجن يذهب يستجدي عند أبواب المساجد). لكن ليس مؤكداً أن تقبل سويسرا الهاربين من آل سعود، سيواجه العائلة سؤال محيّر: (لمن ستلجأ؟ وبمن ستستجير؟ وهل ستأخذ معها زين العابدين؟) سؤال بريء!

لكن يوم الثورة على آل سعود يوم فرح، كلّ واحد سيعبّر عن فرحته ببدايتها أو نهايتها المظفرة! بطريقته: (سأسافر عرياناً من الرياض الى الظهران وأسبح في البترول)، (سأشتري مقاضي شهرين، وأجلس في البيت أتابع الوقائع عبر قناة الجزيرة)، (سأحلق حاجبي بحلاوة)، (سأشتغل مراسلة في قناة العربية، وأستمتع بنقل الأحداث)، (سأرقص سامري بالشوارع)، (سأركب سيارة وأفحّط)، (سأقول هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية)، (سأحتلّ مبنى مجلس الشورى المعيّن، وأحوّله الى بوفيه، أكثر فائدة من ذي قبل). أما آخر:(سأتجه الى قصر المصمك مع أربعين من الأصدقاء وأحاول احتلاله وأبدأ تاريخي مع المملكة العربية الكلثمية من ذلك القصر). ثالث رأى انه بمجرد أن تندلع الثورة فـ (سأذهب الى قصر عزّوز/ عبدالعزيز بن فهد/ وأسوّي حمام مغربي ابشوف وش يستخدم عشان أصير أحمر مثله)!

(ما أجمل هذا الحلم)! لو تحقق، تكون الأمة (قد بلغت من العزّ ذروته). سنصير (موب سعود،،يين)، وأول ما ستنطلق الثورة: (السلاح عليّ!) أنا أتكفّل به!

الثورة على آل سعود وأحبارهم مرغوبة مرهوبة!

هل الثورة ممكنة؟ هل سيتحقق الحلم؟ ربما! وبشروط أيضاً.

ليس هو الشعب الذي سيستبدل حكامه، بل آل سعود سيغيّروا شعبهم! هي ثورة الأمراء اذن! لماذا؟ (لأنهم ملّوا من صمت شعبهم، يريدون شعباً حركياً مثقفاً يناسب القرن الواحد والعشرين)! (تذكرت المثل الحجازي: حتى الخنفسان طلعلو لسان، مو باقي إلا الشعب بعد! احمد ربك أنت وياه أننا حكمناكم/ لسان حال الأمراء).

لو عدل آل سعود: (لما خشوا حدوث ثورة. أعطوا كل ذي حق حقه لتنعموا بالاستقرار).. نصيحة لم يفت وقتها تماماً ربما. لكن لن تحدث ثورة بنظر البعض، والأسباب كثيرة، لأن الشعب خراف يحبون آل سعود (نحب حكّامنا: باااااع، بااااع، بااااع)! ولأن هناك (الكثير من الخونة). ولأن الشعب ما عنده إلا الكلام (شعب مهايط يقول ما لا يفعل. لو جاء الجد ما شفت ولا واحد بالشارع) ولذا (أتحدّاكم تسوونها/ ثورة).

الثورة لن تحدث بنظر آخرين لأسباب أخرى: (طالما تسمون أنفسكم سعوديين، وأرضكم سعودية. تخلصوا من هذه التبعية أولاً). وهي لن تحدث (قبل أن تقولوا: لا للطائفية، لا للعنصرية، لا للبيض/ المباحث وتوابعهم)! وهي لن تحدث لأنه (خل يصير عندكم كرامة بالأول). لذا سخر البعض وقال يمكن تحدث (جحشة) بدل (ثورة) فالوقت غير كافٍ لإنضاجها، وطالب أحدهم (بطرح الثورة على شكل مناقصة، كون الشعب يعتمد على الآخرين في كل شيء، على أن تكون ترسيتها على شركة سعودي أوجيه)!

ستحدث ثورة بنظر البعض بسبب (الفقر والظلم والبطالة والفساد). ‬‏(عوامل الثورة متوفرة، وعوامل الإصلاح غير متوفرة، ستتغلب عوامل الثورة على عوامل الجمود والإستبداد). (الثورات تكون في الجمهوريات، وفي الأنظمة الأسرية تتبدد بنفسها. الدولة ستنتهي على يد جيل الأحفاد من العائلة المالكة، فالترف والدعة والفساد والخلافات انتشرت بينهم). اذا لم تتنبه العائلة المالكة لحال الشعب، فستحدث ثورة (وبعدها يصعب الرجوع الى الخلف).

السؤال حول الثورة وقيامها لا بدّ أن يفتح الأفق للحديث عن موقف مشايخ السلطة (الوهابيين/ النجديين في أكثريتهم) منها. فهم جزء من السلطة، وهم المشرعنون لطغيان آل سعود، وهم من طبقة المنتفعين من السلطة، وبالتالي لا بدّ أن يكونوا من حماتها والمدافعين عنها. وإذا ما قامت ثورة، فستكون رغماً عنهم، باعتبارها عملاً محرّماً! ضد ولي الأمر، ولا يستبعد أن ينتقم منه المواطنون لشرعنتهم القتل والظلم والبغي والفساد. لكن هناك بين المشايخ من هو معارض يقبع في السجون، أو خائف صامت، أو انتهازي لديه الإستعداد للعب على الحبال، الى حدّ ركوب الموجة إذا تيقّن من انتصارها ليقطف ثمارها. هذا هو الرأي السائد.

حين تنجح الثورة (سينتهي التلاعب بالدين) (ستتحطم أصنام آل سعود وينتهي حكم الأسر التوارثي، ويسقط أحبار الحكام وينكشف تضليلهم للناس وتسقط أقنعتهم). (سنشنق آخر شيخ جامي/ موالي لآل سعود/ بأمعاء آخر أمير حرامي). (سينكشف للمسلمين أن آل سعود لا علاقة لهم بلا إله الا الله وأنهم صهاينة لا علاقة لهم بالإسلام) وسيهرب مع آل سعود أحبارهم الملتحين من الوعّاظ (ويطلبون اللجوء الى فرنسا وأمريكا كونهم مضطهدين!).

الثورة التي ستقع ضد آل سعود ليست ضد الإسلام بل (ثورة الخلود والنهضة للإسلام والمسلمين ونهاية الظلم والطاغوت) مع حرية للمذاهب بدون فرض (مذهب واحد بعجره وبجره). وهي ثورة سيعارضها مشايخ السلطان منذ بدايتها (سيقولون أن الشعب مسحور، وسيحولون الثورة الى شيخ راقي ليبطل السحر)! الثورة (ستكشف القناع عن العلماء الخونة المخادعين لله ورسوله وسيكون لهم العار في الدنيا قبل الآخرة). سينتهزها فرصة بعضهم (سيأتي العريفي ويقول أنا أقنعت الشعب بالخروج في دقيقتين)! أما البريك والعتيق والربيعي وابن زاحم، فـ (سيشهرون أسلحتهم على الشعب وسيظهر وجههم الحقيقي) وفتوى الشيخ البريك (أبو الجماجم) سيكون نصّها: (من قتل متظاهراً فله الجنة) (من كسر جمجمة ثائر فله ألف من الحور العين).

قيام الثورة بالنسبة لهؤلاء المشايخ هزيمة طائفية، هزيمة لمنافعهم الخاصة، هزيمة لمكانتهم، وليس نصراً شعبياً ضد الإسلام الأميركي، وضد الإستبداد السياسي والديني. هو من وجهة نظر وعاظ السلطان (إعلان سقوط دول السنّة وسيطرة الرافضة الأنجاس)، واذا نجحت سترى (الرافضة والصوفية وأهل البدع يصولون ويجولون في الحرمين الشريفين وينشرون البدع ومظاهر الشرك). الثورة بالنسبة لهؤلاء المشايخ كافرة ونتائجها كافرة! لا إسلام إلا لديهم، ولا موحّد إلاّ هم!

حتى المشايخ المتسمين بـ (الصحويين) سيعارض أكثرهم حرية الشعب، وسيحرمون الثورة عليه ضد آل سعود، ولكنهم سيكونوا (أول من يأتي بعد نجاح الثورة لينافسوا على السلطة) (ثم ينقلب الوضع فيصبحوا هم رموزها) وستكون المنافسة الشريفة في أول انتخابات رئاسية بين مرشح الفلول (العسّاف/ وزير المالية) مع الشيخ الباحث عن الأضواء (العريفي)!

هذا استنساخ للتجربة المصرية يلقي بظلاله على رؤية المغردين السعوديين للمستقبل.

الثورة (مرغوبة) ولكن هناك خشية من أن لا تكون نتائجها طيّبة بالضرورة.

هي مرغوبة لأن عيشاً هنيئاً سيتحقق؛ ثقافة جديدة ستسود؛ كرامة وحرية ينعم بها المواطن: (سيتم الإفراج عن المعتقلين، وسيخرج العلماء والمشائخ من السجون)، (ستنتهي البطالة والجريمة التي سبّبها آل سعود)، (ستنتهي معاناة المواطن وتبدأ معاناة آل سعود)، (ستمحى ثقافة تقديم المعاريض لطويل العمر)، (سيتوقف النهب، والدعم للدول الثانية)، (سينتهي الإعلام السعودي الكاذب والهابط)، (ستوزّع الثروة بالعدالة بلا واسطة أمير حقير أو معروض استرحام ملك خائن)، (سأتمكن من الحصول على وظيفة وأستطيع الزواج)، (ستصادر أملاك الأمراء خاصة الأراضي، وستوزع على المواطنين، أو تباع لخزينة الدولة بعشرات المليارات من الريالات)، (سيكون الجميع سواسية بدون: سم طال عمرك)، (سيحصل المواطن على حقوقه وكرامته ويربّي أبناءه على العزّ والإباء)، (سينتهي فساد القضاء والقضاة)، (وستنتهي مخصصات الأمراء المالية، ويتحقق توزيع الثروة بالعدل، وتختفي الشبوك، ويصبح الشعب هو الآمر الناهي، ويظهر العدل والإنصاف). ستقوم الثورة (بتغيير العملة وشطب صور آل سعود منها) و(تحقيق الأمن عبر العدل ومحاسبة الفاسدين وتضمن الحريات العامة كحرية التعبير). سيكون للثورة (علم جديد باللون الكحلي وطبعاً بدون سيف آل سعود الصدئ/ انظر الصورة). و (سينتهي النفاق السياسي والديني، وتتحسن أوضاع المواطنين المعاشية)، (سيختار المواطن حاكمه الكفوء عبر الإنتخاب). (زوال آل سعود سيأتي لنا بالكرامة والعزة والشهامة). أكثر من هذا، فـ (البيض/ رجال المباحث سيتكسر، وسيفقس الصقور وتصبح دجاجاً)؛ (سيمحى الفقر وتظهر المواهب والإبداع)؛ (سيموت قارون هذا العصر)؛ (لن نصبح سعوديين وسيُمحى آل سعود من ذاكرة جزيرة العرب).

لكن ماذا عن المخاوف من الثورة. قال أحدهم: (لقد أثرت القنوات المضادة للثورات العربية في وجدان الناس بتغطيتها المضادة للثورات وتقبيحها). وقال آخر بأن المواطنين اتفقوا (على مبدأ الثورة، بس المشكلة عندهم: ما بعد الثورة). ترى مالذي يخشونه بالضبط؟ هم يقررون حقيقة الواقع السيء الذي يعيشونه، واختلفوا في طريقة المعالجة عبر الثورة، أو عبر الإصلاح، أو ضدّ كليهما، والقول بأن كل شيء على ما يرام، وهذا القسم الأخير هو التابع للنظام و(البيض/ صقور نايف التويتريين)!

الخوف يأتي من أن ثمن الثورة سيكون كبيراً، فآل سعود لديهم شبّيحة نبّيحة من المشايخ والإعلاميين والمسلّحين. عبّر المغرّدون عن ذلك بقولهم أنه في حال اندلعت الثورة، فـ (سنسمع عن مجازر شبيحة نايف مستوحاة من شبيحة ماهر، ويقطعون النت، وسيقف معنا اخواننا المصريون بهاشتاقات بطلة!) و(لرأيتم شبيحتنا لا يضاهيهم أحد) و(سنرى موقعة الجمل تتكرر في السعودية) و(سنجد شبيحة سعوديين مغيبي العقل والعقيدة يسجدون لصورة عبدالله، وكأنّي أراهم) و(ستقف قناة العربية مع النظام، والجزيرة مع الثورة) و(سوف يحجب تويتر/ تتر كما يسميه المفتي!)، وستجد حملة اعلامية حكومية تقول: (هذه ليست ثورة، وإنما ثور انتفض في حديقة اسمها السعودية، ولكن المحرر اضاف التاء المربوطة خطأً). بالتأكيد (سيحدث بنا مثلما حدث بسوريا)، حتى لو أردت (ثورة محترمة مسالمة) فآل سعود لن يجعلوها كذلك. المباحث ستحقق مع كلمة (لو) بتهمة (تأليب الرأي العام)، والمشايخ سيحرمونها لأنها (تفتح عمل الشيطان).

بيد أن أمرين آخرين يقلقان المغرّدين، وهما يتعلقان أشدّ التعلق بانتماءاتهم المناطقية والمذهبية وبمصالحهم الذاتية التي لا يشاركهم فيها بالضرورة بقية المواطنين. المسألة الأولى، هي أن غياب آل سعود سيفجّر القبليّة لتحلّ مكان الدولة، ربما لأنه ليس هنالك من هوية وطنية جامعة، فغياب آل سعود يعني صعوداً صاروخياً لدور القبيلة التي لاتزال حيّة كهويّة. ولأن قضية الأمن هي ما زُرع في ذهن المواطنين، ويذكرون بانعدامه قبل حكم آل سعود قبل اكثر من مائة سنة!!، ويعدّ اكبر فضيلة لهم، وأدخل في روعهم أن الأمن لا يأتي به إلا ببقاء آل سعود في السلطة. لهذا كان الخوف من القبلية على الأقل في محيط المغردين (من نجد بالذات). ربما تحكم القبيلة وتصبح (المملكة العربية العتيبية/ نسبة لقبيلة عتيبة) بالتعاضد مع سيطرة أشباه العلماء (وكأنك يا بو زيد ما غزيت) ولا قمتَ بثورة!

وقد تتقاتل القبائل، والسعودية ليست قبائل، فهناك مجتمعات مدينية في الحجاز والشرق وغيرها لا علاقة لها بالقبلية. تقاتل القبائل على الحكم سيكون دموياً (كأني أرى لسان حالهم يقول: والله ما يمسك الحكم إلا قبيلة فلان)! فينعدم الأمن ويحدث النهب، بل قد تتجاوز القبائل الحدود فتغير على الدول المجاورة في إعادة تجربة آل سعود قبل قرن، أي قبل قيام الدولة القطرية. وهذا كلّه من المبالغات التي يراد منها (التخويف من الثورة والإعتراض على النظام).

ومما يزيد المخاوف لدى البعض أن هذا المجتمع حديث عهد بالسياسة، فضلاً عن الحريات والفكر الحديث الديمقراطي. المواطنون يعيشون (سنة أولى فكر ونقد وسياسة وحقوق، لكنه ليس مبرراً لعدم الثورة، فلم يشهد التاريخ بقاء مملكة أو امبراطورية) للأبد، و (شعب قُمع مئة سنة لن يعرف معنى الديمقراطية). على الأقل ليس سريعاً.

الخوف الأكبر ليس القبيلة وليس عنف آل سعود. بل هو من تفكك الدولة، فما يربط أجزاءها هو القوة، وليس الرضا، وحين تتقسم الدولة يخسر الحاكمون ومن هم مقرّبون منهم امتيازاتهم في الدولة. الدولة شأن نجدي، وحكمها نجدي، ومذهبها نجدي. حكم أقلّوي، لا يستطيع فرض هويته الخاصة ويعممها كهوية وطنية. الهوية الوطنية لم تنشأ بعد، ولذا السعودية أقرب الى التفكك في حال سقط آل سعود، حيث تعود الممالك والإمارات المستقلة القديمة لتشكّل دولا جديدة. هذا يعني خسارة كبرى لأكثر المنتفعين من الوحدة. ومن هنا فإن خوف المغردين من ذوي خلفية مناطقية واحدة، أن تأتي الثورة بالتقسيم حقيقي، ولكنه أمرٌ لا يخيف مواطنين آخرين، ولن تتفكك البلاد إلا في حالة واحدة: اذا استمرت سياسة الإحتكار المناطقي للثروة والدولة بيد أقلية.

الخشية من التقسيم هو الطاغي بين المغردين إذا ما اندلعت الثورة: (سيتم تقسيم السعودية‬‏ لثلاثة أقسام، وكلّن ينهش على راحته، بس إن شاء الله الإصلاح والتغير للأفضل يتم بدون ثورات وفوضى) و(‬‏سوف تقسّم الى الشرقية بالبترول للشيعة تحت وصاية امريكية؛ ومكة والمدينة للدول الاسلامية تحت ولاية الأشراف، ونجد تصبح نهباً) و(سنجد الرافضة تسيطر على النفط) و(ستقسم البلاد بلا أدنى شك، وستكون منابع النفط بأيدي معممي المجوس) و(ستتقسم السعودية لمناطق الشمال لشمّر، ونجد وجزء من الحجاز لعتيبة؛ الشرقية للمرّي؛ والحجاز للأشراف؛ والجنوب: لا أعرف!). وشرح آخر الأمر هكذا: (شعبنا مفكك قبلي وعنصري وطائفي، والخطر من الخارج قوي.. نحتاج إصلاح فقط لا أكثر).

وبسبب هذا الخوف ـ على الأقل لدى مواطني الوسط النجدي ـ فإن الكثير منهم لا يريد معارضة آل سعود خشية خسارة امتيازاته باعتباره مواطن الدرجة الأولى، وما يتمنّوه هو: إصلاح بوجود آل سعود يقومون به. لكن التجربة لا تخدم هذه الفرضية حتى الآن. لا يجتمع الإصلاح وآل سعود. والأخيرون لن يقدموا عليه، ولم يعدوا به، وخاصة الإصلاح السياسي؛ وقدرتهم على الإصلاح اصلاً مشكوك فيها إن لم تتطور معارضة ضاغطة قوية في الشارع. وكلّما تأخر الإصلاح ازدادت القناعة بأن الإصلاح التدريجي أمرٌ غير ممكن مع بقاء آل سعود.

الصفحة السابقة