خفايا الإذلال السعودي للحجاج النيجيريين

ناصر عنقاوي

في كل موسم حج تقريباً هناك قضية ما مرتبطة بالحجاج النيجريين، تارة تحت عنوان أمراض معدية يخشى انتقالها الى بقية الحجاج، أو فايروس خطير قد ينتشر في الديار المقدسة، أو أسباب أخرى تبرر إجراءات صارمة تتخذها الحكومة السعودية ضد الحجاج النيجريين.

بطبيعة الحال، ليس الحجاج النيجيريون وحدهم من يطالهم مثل هذه العقوبات، فهناك الكثير من الحملات العربية والاسلامية تتعرض لتدابير وشروط صارمة ومضايقات غير مبررة.. فقد عانى مئات الحجاج المصريين والعراقيين والشاميين من اجراءات السفر في مطار الملك عبد العزيز بجدة، ووقعت عشرات حالات الاغماء في صفوف الحجاج بسبب إبقاء الحجاج والمعتمرين في أماكن تفتقر الى وسائل التهوية والراحة. يضاف الى ذلك، إجراء قديم جديد بمنع مواطنين من دولة مسلمة من القدوم الى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج، بسبب خلاف الحكومة السعودية مع حكومة بلادهم، كما حصل مع الحجاج السوريين هذا العام، وكما حصل مع حجاج قطاع غزة طيلة السنوات الماضية.

في قضية الحجاج النيجيريين ثمة فصل آخر..

حاجات نيجيريات في مطار المدينة المنورة

فقد كان 171 حاجة من ولايات كاتسينا وتارابا النيجيرية قد تعرّضن للإهانة بعد وصولهن للديار المقدسة لأداء مناسك الحج على يد قوات الأمن السعودية، وتم ترحيلهن بعد احتجاز دام ثلاثة أيام دونما طعام وتمت إعادتهن الى بلادهن قبل أن يؤدين مناسك الحج عبر مطار المدينة المنورة. عدم التواجد في المطار مع أولياء أمورهم (الأزواج أو الشركاء الذكور) أي المحرم، كان الجريمة الوحيدة التي ارتكبوها.

وتم اعتقال 1000 إمرأة نيجيرية في السعودية لعدم اصطحابهن محرماً. وتروي عائشة تو اسماعيل من ولاية تارابا للصحافيين بعد وصولها الى بلادها تجربتها مع الأمن السعودي (لقد رأينا الجحيم لأن رجال الأمن في المدينة المنورة إحتجزونا مدة ثلاثة أيام دون طعام أو رعاية). وقالت السيدة اسماعيل بأن (السلطات السعودية وضعتنا في قفص على مسافة واحدة مفتوحة دون السماح لنا بالتحرك شبراً وحداً، ولم تقدّم لنا أي طعام، ولم يسمح لنا شراء الطعام من أموالنا. وكما ترون الآن قضينا ثلاثة أيام دون طعام في مطار المدينة المنورة).

وعبّرت السيدة اسماعيل عن أسفها حيال اعتقالهن (لم يأت أي مسؤول في الحكومة الاتحادية أو الدولة لإنقاذنا؟ حضر إلينا شخص في المدينة المنورة وحملت المسؤولين الامنيين المسؤولية عن وضعهم في قفص ولم يسمحوا لهم بالتواصل مع اقربائهم..) وتضيف (كان اذلالاً مريعاً من قبل السلطات السعودية لنا) وكانت تأمل السيدة اسماعيل بأن تسوّى القضية بين حكومتي البلدين كيما يعدن لتأدية مناسك الحج ولكن المعاناة استمرت..

فبصرف النظر عن الدين والعقيدة، فإن الاحراج الواقع على مئات من النساء النيجيرات من حجاج بيت الله الحرام لهذا العام، ليس خرقاً دبلوماسياً فحسب، ولكن تحد لنزاهة نيجيريا بكونها دولة ذات سيادة بالنسبة لهم..

فلم تعد القضية مجرد أنباء عادية عن قضية صحية، حتى أن الهيئة الوطنية للحج في نيجيريا تقف في الدفاع وتسحب موقفها الذي ترك آثره على الحجاج كافة، والذين جرى حشدهم في معسكرات تشبه السجون في مطارات المملكة قبل ترحيلهم، رغم أنهم حصلوا على تأشيرات سفر من القنصلية السعودية في نيجيريا قبل الشروع في رحلة الحج، فالسلطات السعودية أنكرت حق الحجاج، خصوصاً أولئك الذين في عمر الشباب، دخولهم الى الديار المقدسة.

إن سن المرأة التي تنوي الحج لابد أن تكون مصطحبة من قبل محرم بناء على الحكم الديني، والذي تم اقراره سلفاً من قبل السعوديين أنفسهم. فماذا كان يتم ملاحظته خلال الحج دائماً لأن العدد الأكبر من الحجاج خصوصاً من قبل الدول الغنية بالنفط مثل نيجيريا، كان بأن مسؤولي الحج الاصليين المدرّبين يحرسون ويرشدون عدداً من الحجاج النساء خلال رحلة الحج ضمن الفترة المحددة التي تغطي موسم الحج.

كل تلك، ولأسباب غير معروفة لملايين من النيجيريين وأصدقائهم في المجتمع الدولي، لم تؤخذ بنظر الاعتبار من قبل السلطات السعودية التي وبدون سابق إخطار، نكثت وأخضعت النساء النيجيريات غير المتهمات لسلسة من التوترات الصادمة والاضطراب النفسي وأسوأ شكل من الاذلال الذي نادراً ما يمكن أن نلحظه في القرن الحادي والعشرين. تقارير تفيد بأن بعض من خضع لتلك الاجرءات القمعية مازال يعيش الكوابيس، فيما فقد البعض شهية الأكل بسبب التغذية السيئة ونقص مرافق المياه، ما جعل الأطباء مشغولين في مطار كانو ومطارات أخرى حيث وصل الحجاج النيجيريات.

جهود دبلوماسية مكثّفة من قبل السفير النيجيري في السعودية، الحاج ابو بكر شيهو بونو وفريقه، لم ترقق قلب السلطات السعودية. فقد راقب الفريق الدبلوماسي النيجيري النساء اللاتي كن بلا حول ولا قوة وهن يحشرن لإعادتهن الى نيجيريا، فيما تم السماح للنساء المسنّات بالبقاء لاداء مناسك الحج بعد اخضاعهن لفحص وتفتيش دقيق. والمحزن، حنى الزوجين الذين لم يظهر إسماهما مسجّلين قد تم إرجاعهما دونما مراعاة لدلالة هذا الفعل.

الآن، السؤال هو: مالذي دفع السعوديين لاتخاد مثل هذا القرار القاسي ضد نيجيريا بالرغم من العلاقات الحميمية التي تعود لعقود عديدة؟ فبالعودة الى التاريخ، فإن البلدين، خصوصاً في الستينيات من القرن الماضي، كانا أفضل صديقين، حيث يعتمد كل منهما على الآخر بطرق مختلفة.

علاقات المصالح المشتركة بين رئيس شمال نيجيريا، السير أحمدو بيلو ساردونا والملك السعودي، أفضى الى تدفق كثير من النيجريين الى المملكة حيث وفّروا عمالة رخيصة وانخرطوا في الاعمال البدائية. مع الوقت وكعائلة، مئات من أصول نيجيرية ولدوا في المملكة، وفي أغلب الاحيان من أبوين مختلطين.

الجريمة ميزة عالمية في كل المجتمعات الانسانية، ولكن بسبب أفضلية كونها تمارس من قبل نيجيريين في الديار المقدسة، فإن السود الآخرين الذين يجدون طريقهم الى الجزيرة العربية يدعون بأنهم نيجريون في وقت لاحق، فإن التناقضات المحلية للحياة والصعوبة المتّصلة بالفقر في بعض البلدان الأفريقية قادت الى نزوعات إجرامية ومثل هؤلاء الأفريقيين، بوعي أو خلافه، استوردوا هذه التصرفات السلبية الى السعودية. وما يبعث على الحزن، فإن كل شيء سيء أصبح ظاهرة نيجيرية في السعودية، ربما بسبب قوة نيجيريا، السكان وامكانيات القوة العظمى لديها، والتي تثير حسد البلدان الأخرى.

في 14 مارس 2003 أو نحو هذا التاريخ، قررت السلطات السعودية ترحيل ما يربو عن 3 آلاف نيجيري من الذي أقاموا في المملكة بعد المدة المسموح بها بعد أداء العمرة. وقد أعلن حينذاك بأن المرحّلين، الذين يضمون 500 إمرأة و255 طفلاً، قد تم احتجازهم في مكة. سلطات الهجرة فرضت أيضاً غرامات على الشركات التي جلبت الحجاج بواقع 3 آلاف ريال لكل شخص بسبب عدم إبلاغ السلطات حول اختفائهم.

خلال شهر رمضان المبارك اعتقلت الشرطة السعودية في الفترة ما بين بداية نوفمير وديسمبر نحو 20400 أجنبياً على خلفية الاقامة غير القانونية في المملكة. وبحسب مسؤولين في وزارة الداخلية فإن السعودية تقوم بترحيل ما يربو عن 700 ألف مهاجر غير قانوني كل عام. المهاجرون غير القانونيين يتم ترحيلهم فيما يواجه ملاّك المساكن التي يتم تأجيرها لهم السجن والغرامات.

بالرغم من القيود الصارمة المفروضة على حركة أولئك الحجاج غير القانونيين في أغلب الأوقات تتخفف خلال موسم الحج، فإن صحيفة (ساترداي تريبيون) النيجيرية نقلت بأن النساء لم يتم توفيرهن حيث كان من المألوف أن ترى الشرطة السعودية في ملاحقة حامية لاعتقال النساء السود، من المحزن، أن بعضهن ولدن وتربين في الديار المقدسة وحين تم ترحيليهن، وجدوا من الصعوبة بمكان إعادة الاندماج في المجتمع النيجيري وسوف ينغمسون لاحقاً في أي شيء ولم يكن من الناحية الانسانية ممكناً إرجاعهم الى المملكة. وبحسب الشيخ غمي في مقابلة من مكة المكرمة، فإن هؤلاء النيجيريين أو السود يدعون بالتكرونيين وليسوا جاهزين للعودة الى بلدانهم لأن الحياة جيدة في المملكة. الغذاء بأنواعه من السهولة توفيره والحصول عليه.

ليس من غير المألوف بأن تكون مثل هؤلاء النساء دائماً يتحركن بكل أمتعتهم ومتعلقاتهم الثمينة مثل الذهب والأشياء الثمينة الأخرى. وهذا لأنهم اذا كانوا سوف يتعرضون للاعتقال في نهاية المطاف ثم سوف يتم ترحيلهم، فإن فرصة لملمة أمتعتهم، التي جمعوها وحفظوها على مدى سنين طويلة، تكاد تكون صفراً. يكاد يساق هؤلاء النسوة الحجاج الى المحاكم، وفور انتشار أخبار عن اعتقالهم، بدا وكأنهم عصابة من الصبية السود يطلق عليهم أنغولا، التي قامت، بحسب المزاعم، بالسطو على ذلك العقار المحظور. بالنسبة لهؤلاء النسوة ذوات السترة الرياضية، اللاتي نجين من الاعتقال، فإنهن في الغالب يهربن الى الجبال ويلتحقن بسود آخرين كثرحيث يشكلون مستعمرة.

من شارع المنصور، حيث يقطن نحو 69 بالمئة من جنسيات أفريقية نيجيرية وأثيوبية، وبإمكان المرء أن يقوم بجولة في مستعمرة المهاجرين غير القانونيين في المملكة حيث تباع الملابس المستخدمة وأشياء أخرى. في الحقيقة، الحياة في هذه المنطقة كما الحياة في العاصمة كانو وأن الكثير من الحجاج من غرب أفريقيا غالباً ما يقومون بزيارة هذه المنطقة لوجود أنواع مختلفة من الأكلات الأفريقية، بما في ذلك اكلة اليام واللحم المجفف. وفي المساء، يختفي السود الواحد بعد الآخر ويمكن العثور عليهم فحسب في الجبال حيث تكون الأماكن الرئيسية التي يشكلون فيها أنفسهم كقادة للمستعمرة ويجب تقديم الطاعة لهم.

وبحسب ابراهيم تيكاري، الذي يقول بأنه ولد في السعودية، فإن العساكر ليسوا متسلقين جيدين للجبال ويخافون العقارب والزواحف الاخرى. ولذلك، فإن السود يفيدون من ذلك للجوء الى الجبال. يمكن العثور على كل شيء يحتاجه المرء في هذه المستعمرة وحتى احتفالات الزواج يمكن أن تتم هناك.

الرئيس النيجيري الدكتور جودلك جوناثان كان بعيداً في الولايات المتحدة حين تقطعت الرابطة الدبلوماسية الحالية، ولكن البلاد أعلنت منذاك بأن المتحدث بإسم البرلمان أمينو وزيري تامبوال سوف يغادر الى السعودية للقاء المسؤولين السعوديين بخصوص القضية الخلافية. وقد التقى المتحدث بالسفير السعودي في نيجيريا، خالد عبد ربه، في أبوجا حيث تم التأكيد على حسم سريع للقضية.

سلطان سوكوتو وأمير الحج، الحاج محمدو سعد شجب التصرف السعودي، الذي وصفه بأنه بمثابة إهانة لنيجيريا ولملايين المسلمين في البلاد. وقال بأن الفعل السعودي كان بمثابة صدمة لسلطات الحج النيجيرية لأنه خلال الاجتماعات العديدة التي انعقدت بين المسؤولين النيجريين والسعوديين للتحضير لحج هذا العام، فإن موضوع المحرم بالنسبة للحجاج النساء لم يكن مطروحاً.

وبحسب الأمير (لم يثر هؤلاء الموضوع ولم يطلبوا بتاتاً بأن لابد للحجاج النساء من محرم. لم يجعل هؤلاء ذلك ضمن متطلبات استصدار التأشيرات. فقد كانوا يصدرون التأشيرات لكل هؤلاء الحجاج، فقط لإحراج، لاعتقال، وللتهديد بترحيلهم حين وصلوا الى الديار المقدسة. فكيف بإمكانهم فعل ذلك؟ فقد طمأن رئيس هيئة الحج الوطنية بأن السعوديين لم يطلبوا قط ذلك خلال الاجتماعات التي كانوا يعقدونها. وهذا لسوء الحظ. لقد قمنا بعمل كبير خلال السنوات الماضية لتحسين عمل الحج ولا نستحق هذه الإهانة).

الصفحة السابقة