بشاعة واستباحة لتراث الإسلام

انقذوا مقدساتكم في بلد المقدسات

لكِ الله يا مـكّـة!

عمر المالكي

شاءت الأقدار أن يتسلّط على الحرمين مجموعة من البدو، التكفيريين لكل العالم الإسلامي، ليفرضوا فقههم البدوي (كما يسميه المرحوم الشيخ محمد الغزالي)؛ وليفرضوا سلطة سياسية طاغية على أهل الحجاز وعلى مقدسات المسلمين عامة على حد سواء.

مأساة حقاً ألمّت بالحجاز وأهله منذ سيطر آل سعود على ربوعه، فعمدوا الى (مذبحة ثقافية) تكاد تقضي على كل خصائصه؛ وعلى الجزء الأعظم من تراثه، تراث الإسلام.

بشاعةٌ هي أن يعبث أعراب جهلة، بتراث الأمة، ويشرعوا مقابله معاول الخراب والتدمير منذ أن وطأت أقدامهم الحجاز عام 1924، ولازالوا لم يتغيروا منذ ذلك التاريخ، وكأن عقولهم المغلقة لم تتفتح على حضارة، ولم تتطور الى الحدّ الذي ترى فيه قيمة للآثار الإسلامية، والى الحد الذي دمرت فيه بيت أم المؤمنين خديجة، رضي الله عنها. البيت الذي أمضى فيه رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم معظم سني عمره في مكة، وهو البيت الذي ولدت فيه فاطمة الزهراء.. وأن تقيم مكانه (مراحيض عامّة)!

أي استهانة برسول الله، وبمشاعر المسلمين أعظم من هذه؟.

وأي جريمة يقترفها الوهابيون التكفيريون حين يعمدون ليس فقط الى طمس البيت الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ومسحه من الوجود نهائياً؟.

فما بالك بمئات من المواقع الأثرية، من مساجد ومنازل الصحابة ومواقع تاريخية، تمّ تدميرها على يد الوهابيين، حتى لم يبق سوى النزر اليسير الذي لا يزيد بأية حال عن 3% من مجمل التراث الإسلامي في الحجاز.

وحتى هذه الـ 3% تكثّفت أعمال التدمير لتزيلها نهائياً، فمحى النظام السعودي المتآمر وبتشريع وتحفيز من جهلة الوهابية التكفيريين ـ خلال العامين الماضيين ـ الحارات القديمة لمكة المكرمة، بعد أن فعل الأمر ذاته في المدينة المنورة، واقتلع الجبال المحيطة، وطمس هوية بئر زمزم، ولازالت البلدوزرات تفعل فعلها بحجة توسعة الحرم، ولكن لتقيم فنادق 5 نجوم واستثمارات للعائلة المالكة وشياطين وهابيتها.

ومع كل هذا التدمير الممنهج، لم يلتقط لنا الجهلة بل الحاقدون على رسول الإسلام وتراثه وتراث أصحابه شيئاً مما وجدوه من كنوز أثرية تحت الأرض ـ ان كانت حجتهم في التوسعة صحيحة. فأضاعوا كل شيء، وقبل ذلك فعلوا الأمر نفسه مع الكعبة المشرفة نفسها، التي اقتحمها جهلهم، فنزعوا ما بجدرانها ورموه في البحر بفتاوى شيوخ الضلالة والجهل الوهابيين!

العين الوهابية العمياء التي تزعم الحرص على صفاء توحيد المسلمين وعدم وقوعهم في الشرك، فعمدت الى تدمير آثار الرسول وصحابته وأهل بيته والتابعين، ثم انثنت على كل المواقع الإسلامية التاريخية بما فيها المساجد كما في المدينة المنورة، وبقايا الخندق، وأهملت ما شاءت ان تهمله، ومنعت الناس من مجرد الإطلال على تلك المشاهد التاريخية لتاريخ ورجال الإسلام.. العين الوهابية العمياء هذه، كيف تقبل، وبذات الحجّة التي تزعمها، أن يتم تقديس تراث شيوخها كابن عثيمين، فتحفظ نظارته وقلمه وسجادته وهاتفه ومروحته وغيرها، ويقام لها متحف؟ كيف تدمر كل الآثار المتعلقة بالنبي صلى الله عليه وسلم وتصبح محبته والتعلّق بآثاره بدعة وشرك، في حين تعرض آثار ابن عثيمين على الناس ويروج لها؟ كيف تقبل الوهابية ان تقام المتاحف لنظارة الملك عبدالعزيز وسلاحه وملابسه وحتى نعله، في حين بيت الرسول ومحرابه والرحى التي طحنت الزهراء رضي الله عنها بها الحبّ، والغرفة التي صلّى فيها بمكة، تدمّر وتهان؟

هل الوهابية عمياء حقّاً؟!

وهل الحكام المنافقين في الرياض جاهلين بقيمة تراث الإسلام في الحجاز، أم أن هناك قضايا أخرى تشغل بالهم ويستهدفونها؟

ما يحرّك الوهابية وآل سعود ليس الدين، ولا الخوف على المسلمين من الشرك! ولا الوقوع في الفتنة. فآل سعود ليسوا متدينين أصلاً، ومخازيهم قد ملأت الكون، وهم يعرفون قيمة التراث والآثار، ولذلك حافظوا على آثار اليهود في خيبر، وعلى آثار الوهابية في عمق نجد، كبيوت الدرعية والعيينة، وحافظوا على قصر (المصمك) بالرياض وصرفوا المليارات على ذلك. وآل سعود ومن معهم هم من وقع الفتنة (ألا في الفتنة سقطوا)؛ كيف لا وهم منذ نشأة نظامهم السياسي، يتنقلون من حضن غربي بريطاني الى حضن غربي أمريكي، ومن حماية غربية الى أخرى.

ما تريده الوهابية وآل سعود ليس مجرد فرض مذهب تكفيري أقلّوي (هو كذلك حتى في السعودية) ورؤية ضيّقة باسم الدين على الأكثرية، لمجرد ان السلطة السياسية تدعمها. بل أن ما يجري هو (مذبحة ثقافية) لأهل الله في الحجاز، تستهدف إضعافهم وإخضاعهم لسلطان الحكم النجدي، وثقافته الجاهلية التكفيرية. تدمير التراث الإسلامي (في الحجاز) يستهدف في المقام الأول إضعاف الهوية الحجازية، وتشريد أهل الحجاز من بيوتهم، ليقام عليها فنادق يتملكها طغاة نجد والوهابية، وتصبح بذلك المدينتان المقدستان تحت السيطرة الكاملة للأقلية النجدية الحاكمة، وبحيث لا يعود هناك شيء إسمه شعب الحجاز الذي كانت له دولة مستقلة قبل أن يدهمها الوباء السعودي الوهابي في عشرينيات القرن الماضي.

لا تكشف مذبحة التراث الإسلامي في الحجاز عن استهانة آل سعود بالإسلام والمقدسات وتطويع الأماكن المقدسة لخدمة السياسة السعودية المتأمركة فحسب.. بل تستهدف بعمق أكبر ديمومة الحكم النجدي الأقلّوي (20% من السكان)، عبر استئصال الهويّة الحجازية، كيما تحتل الهوية النجدية الوهابية مقعد الهوية الوطنية، وأنّى لها ذلك؟ هذا من المستحيلات.

الآن، تدكّ البلدوزرات ما تبقى من تراث اسلامي، وتطمس معالم المدينتين المقدستين. ليس فقط حارات مكّة القديمة التي تحوي بيوت الصحابة والتابعين، بل الحرم المكي نفسه، والحرم المدني نفسه. أروقة الحرم المكي وأعمدته التي ابتنيت في العهد العباسي يجري تدميرها بدم بارد، ولا يحتفظ حتى بالنقوشات التي عليها والتي تؤرخ زمان بنائها قبل اكثر من سبعة قرون. أقبية الحرم التي تحوي تحتها كنوزاً تراثية، تطمس ولم يحفظ منها شيء فيوضع في متحف مثلاً! القبّة الخضراء التي تظلل قبر المصطفى عليه السلام وصاحبيه رضي الله عنهما، والتي طالما حلمت الوهابية بتدميرها، وفصل القبر عن مسجده صلى الله عليه وسلم، والذي يعد بقاءها وبقاء القبر ضربة لصميم المعتقد الوهابي.. هذه القبّة التي تشكل رمزاً للمدينة المنورة، وللمسجد النبوي، قد اتخذ قرار بإزالتها، الى جانب قبب صغيرة أخرى، بُديء بتدميرها.

كل هذا يجري في ظل غياب تام للمسلمين، المأخوذين بالصراعات السياسية، والمماحكات الطائفية، اللهم إلا من أصوات قليلة من مجاوري البيت العتيق في مكة المكرمة، ومجاوري المسجد النبوي في المدينة المنورة.

بعض الأصوات ظهرت كالعادة على تويتر وقد بلغ السيل الزبى، من أفعال الوهابية الشنعاء. حيث يتناقل المواطنون مقاطع الفيديو التي توضح التدمير الممنهج والمريع للحرم المكي وغيره، ببشاعة قلّ نظيرها، واستخفاف فاق كل حدّ، بل ويمكنك أن تشعر بالحقد على تراث الإسلام وأنت ترى مشهد التدمير والبلدوزرات، والتي لا بدّ أن تصيب المطلع عليها بالقشعريرة حقاً؛ فضلاً عن الصور المتكررة للتدمير والهدم.

هذان رابطان مصوران للإطلاع:

https://www.youtube.com/watch?v=b2LaDTIbtI4

https://www.youtube.com/watch?v=21NdYKGVklg

تدمير ما تبقى من تراث المسلمين في مكة والمدينة الذي يجري على الأرض الآن صفعة بوجه كل مسلم موحّد محبّ لله ورسوله وصحابته الأخيار.

أما آن للعرب والمسلمين أن يستيقظوا؟!


الصفحة السابقة