حملة ٢٦ اكتوبر انعطافة تاريخية

قريباً... المرأة تقود السيارة

خالد شبكشي

التطورات الجديدة في السعودية تشير الى حقيقة أن المرأة ستقود السيارة رغماً عن النظام، وأن الأخير بدأ العدّ التنازلي متراجعاً، خاصة بعد الضغوطات المحلية الأخيرة والحملة النسائية المنظّمة لممارسة القيادة تحدياً لأوامر الحظر يوم ٢٦ اكتوبر الجاري.

النظام السعودي ضعيف امام الانتقادات الخارجية والمحلية. هو لا يستطيع ان يقنع المواطن بأن منع المرأة من قيادة السيارة، حيث انها الوحيدة بين العالم لا يسمح لها بذلك، بأن ذلك مخالف للشرع، او للعرف، أو أن المنع لصالح المرأة، كما يقول المفتي آل الشيخ.

لا منطق ولا عقل ولا مصلحة ولا شرع وراء حظر قيادة المرأة للسيارة. كل القضية مرتبطة بحقيقة ان قيادة السيارة ستؤدي الى تحولات اجتماعية وسياسية ليست في صالح حكم آل سعود وطغمة المشايخ وعاظ السلاطين التابعين لهم.

ومع ان النظام يزعم في الخارج بأنه لا يمانع من قيادة المرأة للسيارة، وان المجتمع هو الذي لا يريد ذلك، او أن السبب وراء المنع هم مشايخ الوهابية وليس هو، فإن هذا ليس فقط غير صحيح، ولكنه أيضاً لا يرفع عنه المسؤولية، اذ لا سلطة في الدولة أعلى من سلطة الأمراء.

وبالرغم عدم وجود قوانين مكتوبة تحظر قيادة المرأة للسيارة، إلا ان من تتجرأ وتقود توضع في السجن، ويؤخذ عليها وعلى زوجها وعائلتها التعهدات بعدم تكرار ذلك. فضلا عن تعرضهن للتهديد بالقتل وغيره.

لكن الحملات المتتابعة المنددة والمتحدية من قبل النساء أنفسهن المترافقة مع ضغط المنظمات الحقوقية الدولية، وسمعة السعودية السيئة في المحافل الدولية، أثرت على النظام.

وهناك اعتقاد راسخ بين الناشطين الحقوقيين، المحليين على الأقل، بان النشاط النسوي في السعودية، سواء فيما يتعلق بمساندة المعتقلين السياسيين وعموم معتقلي الرأي، حيث الوقفات المتعددة المستمرة منذ اكثر من عام ونصف، او فيما يتعلق بالضغط من اجل حقوق المرأة في قيادة السيارة وتغيير الأنظمة المتعلقة بحقوقها هي وأطفالها وما تتعرض له من معاناة.. هذا النشاط النسوي، يُنظر اليه على أنه مفتاح التغيير الاجتماعي والسياسي في السعودية.

فالمرأة في السعودية التي يُنظر اليها ككائن ضعيف، أثبتت خلال السنوات القليلة الماضية أنها أكثر شجاعة من الرجل، وأن لديها القابلية والإستعداد للتضحية بأكثر مما يظن الكثيرون. زد على ذلك، فإن الثقافة الرسمية تجاه المرأة، جعلت أجهزة الأمن غير قادرة على كسر الأعراف ان تم التعامل بخشونة مع النساء اللاتي يطالبن بحقوق لا يختلف عليها البشر. وتجد حكومة آل سعود نفسها بأن يدها مقبوضة غير قادرة على التصدي للزخم النسوي، وهي ان ارادت المعاقبة فتحوّل جزءً منها الى الرجل نفسه الذي يخضع لسلطاتها وقوانينها ويتعرض لبطشها أكثر من المرأة نفسها، فتفرض عليه أن يضبط زوجته او ابنته او أخته وإلا فالعقاب يوجه له، وهذا ليس فقط مخالف للقانون ان تعاقب شخصاً بجريمة آخر، بل هو مخالف للإسلام وحكم الشرع الذي يزعم آل سعود انهم يطبقونه: (لا تزر وازرة وزر أخرى).

حملة ٢٦ اكتوبر انعطافة تاريخية

حملة ٢٦ اكتوبر

حيث دعا ناشطون وناشطات النساء الى الاحتجاج العملي على منع قيادة السيارة للمرأة، وذلك عبر كسر حاجز المنع الرسمي وقيادة سياراتهن في يوم ٢٦ اكتوبر القادم. وافتتحت الناشطات موقعاً على الإنترنت لبداية الحملة والتي اختارت عنواناً يقول: (قيادة المرأة للسيارة: اختيار وليس إجباراً).. وبيان شرحن فيه أهداف الحملة ومبرراتها.

وقال البيان: (لا يوجد مبرر يقتضي منع الدولة المواطنات البالغات اللواتي يتقنّ قيادة السيارة من القيادة) وأضاف بأن قيادة السيارة تشكل اعترافاً بكينونة نصف المجتمع، ومنحها حقاً طبيعياً منحه الخالق لعباده، وإذا كانت الصحابيات يركبن الخيل والإبل ويتنقلن، حسب آليات عصرهن، فمن حقنا الأصيل القيادة حسب آليات عصرنا، وأنه لا يوجد نص شرعي واحد او مانع فقهي يحظر علينا ذلك. وان الحكومة ليست أما أو أباً والمواطنون ليسوا أطفالاً أو قصّراً.

واضاف البيان بأن ارجاء منح المرأة حقها في قيادة السيارة لحين اتفاق المجتمع على ذلك يزيد من الفرقة، وليس من المعقول والمنطق اجبار الناس ان يتفقوا على امر واحد، ورأى البيان ان نقل الحكومة المسؤولية الى المجتمع انما كان للتبرير.

وطالب البيان في خاتمته الحكومة بأن ترفع الحظر عن قيادة النساء للسيارة، وإبداء مبررات رفضها، وتوفير آلية يعبر فيها المجتمع عما يريده.

وحتى الآن، وقع ما يزيد على خمسة عشر الف شخص تأييداً للبيان. وهذه هي الحملة النسوية الثالثة في هذا المضمار لكسر الحظر؛ وكانت الاولى قد بدأت عام ١٩٩١ في الرياض، والثانية في يونيو من العام قبل الماضي ٢٠١١، حين قامت عشرات النسوة بقيادة سياراتهن تحت عنوان (حق القيادة) وعلى اثرها تم تهديد الناشطات واحتجازهن وأخذ تعهدات عليهن بعدم تكرار ما قمن به، وكان في طليعة اولئك النسوة منال الشريف ونجلاء الحريري، حيث قالت الأخيرة بأنها مع تأييدها للحملة الجديدة فإنها لا تستطيع المشاركة بسبب التعهدات التي وقعتها تحت الضغط الرسمي وما يترتب عليها من اعتقال دائم وإيذاء لعائلتها.

وقالت الناشطة الحقوقية نسيمة السادة لوكالة فرانس برس: (سأقود سيارتي في ٢٦ اكتوبر)؛ وأضافت بأن هناك عشرين سيدة من المنطقة الشرقية سيشاركن في حملة التحدّي للحظر الحكومي.

ويعتقد الكثير من الناشطين السعوديين بأن قيادة المرأة السعودية للسيارة سيطلق تحولات عميقة في البنية السياسية والإجتماعية تهدد في محصلتها السلطة المطلقة للعائلة المالكة وحلفائها من المتشددين من مشايخ المؤسسة الدينية. ولهذا السبب ـ يضيفون ـ بأن الأمير نايف وزير الداخلية الأسبق، صرح منذ بداية نقاش قيادة المرأة للسيارة في ثمانينيات القرن الماضي، وفي مجلس الوزراء، قال.. بأن المرأة لن تقود السيارة وهو على قيد الحياة.

والحملة الجديدة التي أطلقت جاءت في أعقاب تصريح عبداللطيف آل الشيخ، رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتشددة، لوكالة رويترز والتي قال فيها بأن منع المرأة من قيادة السيارة لا يدعمه نصّ شرعي، وحوّل المسؤولية على الأمراء، حين قال بأن الهيئات مجرد منفذ للقانون، وأنه شخصياً لا يمتلك سلطة تغيير سياسة الدولة.

وصار في حكم المؤكد بأن العائلة المالكة تتخفّى في فرض سياسة حظر قيادة السيارة على المرأة وراء مزاعم رفض رجال الدين أو عدم قبول المجتمع بالنظر الى أعرافه وتقاليده، وهو أمرٌ غير صحيح في المطلق.

والحملة الجديدة لازالت تلقى اعتراضاً من التيار السلفي المتشدد الذي يمثّل أقليّة في المملكة، وإن كان عالي الصوت؛ وقد هدد بعض المتشددين بالإعتداء على النسوة اللاتي يقدن سياراتهن، بل والتحرّش الجنسي بهن أيضاً!

التغطية الرسمية لمناقشة الشورى موضوع قيادة المرأة للسيارة

موقف السلطة القمعي

من جانبها، حجبت السلطات السعودية موقع الحملة (www.oct26driving.com) على الإنترنت والذي مثّل ملتقى للمطالبين بقيادة المرأة للسيارة، ومكاناً لحشد الجهود لخرق الحظر الرسمي، في اشارة الى أن السلطات السعودية تقف ضد قيادة المرأة للسيارة بشكل مباشر، وليس زعمها بأن الجهات الدينية ترفض ذلك، أو أن المسألة لا علاقة لها بالقانون بل بالاعراف.

وقد وضع القائمون على الحملة، موقعاً آخر للتواصل والتحشيد. وشعرت السلطات الأمنية بأن مواقع التواصل الاجتماعي والاستخدام الواسع للتقنية الحديثة في الإتصالات قد أثر بشكل حاد على قدرتها في ضبط المجتمع الذي ليس فقط اخذ يعبر عن رأيه، بل وينتج المواد التوجيهية والثقافية والسياسية، ويستخدم تلك الوسائل في تحشيد قواه لمكافحة القمع الرسمي.

وتشير الإحصاءات الى أن السعودية تمثل أكبر مستخدم لليوتيوب في العالم، حيث يتداول المواطنون نحو ٩٠ مليون فيديو يومياً. وقد تجاوز عدد مستخدمي الإنترنت في السعودية ١٣ مليون شخص، اكثر من نصفهم يتابع تويتر باستمرار، و٤٢ بالمئة منهم يتفاعلون بشكل دائم مع الفيس بوك وان عدد مستخدمي الهواتف الذكية يمثل ٦٠٪ من السكان.

وفي الوقت الذي تتحفز فيه مجاميع من النساء لقيادة السيارة في اليوم الموعود، يزداد القلق الرسمي، وتتصاعد تهديدات السلطات الصريحة والمبطنة في مواقع التواصل الاجتماعي عبر ما يسمى بجيش تويتر، والذين يطلق عليهم (البيض).

وكان الشيخ صالح اللحيدان قد أثار سخرية المجتمع، حين قال بأن قيادة المرأة للسيارة يؤثر على حوضها وعلى مبايضها، دونما دليل علمي كما اعترف هو بنفسه على إحدى الشاشات التلفزيونية في حوار مع أحد الأطباء الأكاديميين.

بل ان وكالات عالمية كرويترز وصحفاً كالغارديان، أغرتها تصريحات اللحيدان فكتبت معلقة على الحدث بأن دعوة الناشطات المطالبات بقيادة السيارة في السعودية اكتسبت زخماً كبيراً من الدعم ما ادى الى حجب السلطات موقعهن على الأنترنت، واشارت الغارديان الى تصريحات اللحيدان التي قالت انها غير مدعومة بدراسات بحثية، والى ان السلطات تجرم من يقدن السيارة وتعتقلهن على اساس ان ما يقمن به يمثل اعتراضاً سياسياً للنظام السعودي. ولاحظت الغارديان، ان تصريحات اللحيدان تتناقض مع تصريحات سابقة لرئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي قال فيها بان قيادة المرأة لا يوجد ما يمنعها من نصوص دينية.

مؤشرات تراجع رسمي

قبل الموعد المضروب لتحدي حظر قيادة السيارة على المرأة، كانت الأخبار المنشورة على شكل مقاطع فيديو تتواصل بأن احداهن قادت سيارتها للتو، مطلقة حماسة اكبر للأخريات لاستنساخ تجربتها، وكأن ما يجري مجرد تسخين استعداداً لليوم الأكبر، يوم ٢٦ اكتوبر.

وفجأة، بدأت الصحافة السعودية ـ الموجهة رسمياً ـ ومنذ الأسبوع الثاني من اكتوبر، بنشر أخبار حملة قيادة المرأة للسيارة، وكان عنوان احداها مثلاً: (سعوديات يستبقن ٢٦ اكتوبر ويقدن سيارات في الرياض وجدة والخبر) و(اليوسف: النساء كسرن حاجز الخوف وطوق المنع) كما في صحيفة الحياة، اضافة الى كتابات متعاطفة معها، بل ظهرت مقالات تؤيد قيادة المرأة للسيارة على صفحات الجرائد، بشكل يوضح أن العائلة المالكة لا يمكن أن تتسامح مع هذه الكتابات لولا انها كانت وراءها، ربما بغرض تهيئة الرأي العام وخاصة مشايخ السلفية بقبول الأمر الواقع.

أكثر من هذا حصل.. ففي اجتماع لمجلس الشورى المعيّن، قدمت عضو المجلس الدكتورة هيا المنيع وبالتضامن مع ثلاث أخريات دراسة تطالب بالسماح للمرأة بان تقود السيارة. وقالت المنيع حسب صحيفة الرياض (٩/١٠/٢٠١٣): (جميعنا يدرك أنه لا يوجد مستند شرعي يمنع المرأة من قيادة السيارة، وكذلك عدم وجود مستند نظامي يمنعها من ذلك) واشارت الى النظام الأساسي للحكم بأنه يؤكد على مبدأ المساواة بين الأفراد وعلى حماية حقوق الإنسان.. وان منع المرأة من قيادة السيارة لأسباب عرفية ترتب عليه سلبيات عديدة شرعية وغيرها، اضافة الى الأضرار الاجتماعية والاقتصادية.

عضو الشورى لطيفة الشعلان شرحت لصحيفة الحياة ـ الطبعة السعودية ـ الدوافع وراء احتمال قبول السلطات بقيادة المرأة فقالت ان الأمر: (أصبح محرجاً على المستوى الرسمي وفي المحافل الدولية، ووسائل الإعلام الغربية التي تستخدمها بطريقة مغرضة للإساءة إلى المملكة).

وحتى لو كان الدافع وراء هذه الكتابات بغرض امتصاص النقمة الشعبية، أو لتضليل الرأي العام؛ فإن المرجح ان يكون يوم ٢٦ اكتوبر مشهوداً، وأنه إن لم يلزم الامراء ووعاظهم بالتراجع، فإن ما سيجري فيه يمثل خطوة متقدمة اكتسبت زخماً أكبر، وفاتحة لكسر الحظر نهائياً رغماً عن السلطات وقمعها.

الصفحة السابقة