حملة 26 أكتوبر

قيادة المرأة للسيارة.. حتميّة!

سامي فطاني

لا تكاد عينك تفارق كل مفردة في بيان حملة قيادة المرأة للسيارة المقررة في 26 أكتوبر الجاري دون أن تتأمل فيها وفي أبعادها، بل ومقارنتها ببيانات سابقة صدرت عن شقيقاتهن في الوطن في مراحل سابقة..

سوف نضع نص البيان كما هو قبل التعليق عليه بصورة إجمالية:

حملة شعبية بمشاركة سيدات ورجال الوطن. نظرا لكثرة الجدال في السنوات الأخيرة حول موضوع قيادة المرأة للسيارة فقد قررنا أن نعبر عن موقفنا ازاء هذا الأمر، حيث نطالب فيها بما يلي:

1ـ في خضم هذه التطورات الاقليمية والدولية وما يدور في العالم الحديث من تسارع في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكوننا جزء لا يتجزاء وشريحة بشرية من هذا الحاصل الكلي يسعى في فطرته ومن طموحه للتطور والتغيير نحو إنسان ووطن أفضل. نرى وبما انه لا يوجد مبرر واضح يقتضي منع الدولة المواطنات البالغات اللواتي يتقنّ قيادة السيارة من القيادة، ضرورة توفير السبل المناسبة لإجراء اختبارات قيادة للمواطنات الراغبات وإصدار تصاريح و رخص للواتي يتجاوزن هذا الاختبار. و في حال عدم تجاوز أي مواطنة لاختبار القيادة فلا يتم إصدار رخصة قيادة لها، بحيث تكون متساوية مع الرجل في هذا الشأن، فيكون المعيار القدرة على القيادة فحسب، بغض النظر عن جنس المواطن او المواطنة.

2ـ خصوصاً وان هذا المشروع يتجاوز النظرة الشكلية والجدلية التي يخوضها المجتمع فيه، وانه ليس مجرد مركبة بداخلها امرأة وأنما مضمون يقر بالاعتراف والكينونة لنصف مجتمع وحق طبيعي منحه الخالق لعباده.وأعتراف بحقها الشرعي والمدني في التواكب مع الأحداث والتطورات،وكما كانت الصحابيات يركبن الخيل والإبل في التنقل والترحال حسب إليات عصرهم،فمن حقنا الأصيل بالقيادة وحسب آليات عصرنا الحديث. وبما انه لا يوجد نص شرعي واحد او مانع فقهي يحظر علينا ذلك،وأن كانت هنالك مبررات ممانعة فأنما تنطلق من موروثات وعادات ما انزل الله بها من سلطان. لذا نرى أن كثرة الجدال حول قيادة المرأة للسيارة لن يُحسم إلا بقرار حازم يقتضي بما طالبنا به في البند الأول، و نذكر بأن النساء لن بجبرن على القيادة إن لم يرغبن بذلك. فحتى لو سمحت الدولة بقيادة النساء للسيارة، فسيبقى المجال مفتوحا للمستغنيات عن القيادة بأن يمتنعن عن القيادة بكامل إرادتهن.

3ـ إرجاء أمر كهذا لحين (اتفاق المجتمع) عليه ليس إلا زيادة في الفرقة وليس من المعقول والمنطق إجبار الناس بالإتفاق على رأي واحد، و نحن مجتمع كغيرنا يجب عليه الرضى باختلاف وجهات النظر، خاصة في أمر لم يحرمه نص صريح من القرآن أو السنة.

4 ـ في حال رفضت الدولة أن ترفع الحظر الحالي على النساء، نطالبها بأن تقدم للمواطنين و المواطنات مبرراتها للرفض، راجين ألا تنقل مسؤولية قرار كهذا للـ (مجتمع) كبديل التبرير.

5ـ في حال لم ترفع الدولة الحظر عن النساء، و لم تقدم مبررات لاستمرار الرفض، نطالبها بأن توفر آلية يتمكن (المجتمع) من خلالها أن يعبّر عما يريده و نحن إذ نطالب بهذا الأمر، فلا نطالب به من باب تبني فكر معين أو استيراد قيم من الخارج أو شيء من هذا. إنما نطالب به لأننا لا نرى مبرراً معتبرا تمنع من أجله الدولة النساء من قيادة السيارة، فالدولة ليست أم أو أب و المواطنون ليسوا أطفال أو قصّر.

قراءة إجمالية للبيان

بيان بهذا المضمون يلفت الى عناوين كبرى:

  • الوعي السياسي لمن يقف وراء البيان، فالذين أداروا الحملة منذ البداية على وعي تام بالتحولات السياسية الاقليمية والدولية وما تفرضه من تحديات وحاجات وفرص ما يجعل الارتقاء الى مستوى التحوّلات ضرورة حتمية. فأن تعيش في القرن الحادي والعشرين ثم تتصرف على أساس قرنين الى الوراء يصبح الأمر مناقضاً ليس للواقع بل قد ينطوي على أخطار وجودية، لأن ما هو متوفر اليوم قد يكون مستحيلاً في الغد، بل سوف يترك آثاراً وتداعيات خطيرة.
  • استيعاب القائمات على الحملة للرؤية الدينية في موضوع قيادة المرأة للسيارة وبالتالي فإن التذرع بالنص الديني لا يجعل الحكم قطعياً بقدر ما هو استغلالاً له لتبرير موقف لدى فئة من رجال الدين قد تكون مستفيدة من قرار المنع، أو أن لديها عقدها التي تعكسها على النص الديني..
  • إسقاط ورقة الذرائع الاجتماعية من يد السلطة، فقد كانت الأخيرة تحتج بمبررات اجتماعية كالقول بأن المجتمع غير مؤهّل ولا مهيئ لقيادة المرأة للسيارة، أو أن هذا الموضوع يخالف الأعراف الاجتماعية.جاء البيان ليكون واضحاً وشفافاً في التعامل مع هذه النقطة بالقول بأن الاحتجاج بالمجتمع لم يعد مقبولاً ولا يجب تحميله مسؤولية قرارات سياسية ودينية صنعت مسبقاً..
  • جرأة القائمات على الحملة في التعبير عن مواقفهن، فهن لم يمدحن أحداً من رموز النظام كما جرت العادة لأخذ البركة أو لشراء صمتها وعبورها الآمن الى المجتمع، بل على العكس شجبت طريقة تعاطي الحكومة مع مطالب الناس من حيث تصحيح رؤية الحكومة عن مواطنيها، فلا هي تلعب دور الأب والأم في مقام التربية ولا المجتمع في موضع الطفل الصغير في مقام السمع والطاعة بل هي علاقة حاكم ومحكوم وحقوق وواجبات، وهذا جوهر ما لفت اليه البيان..

رجال دين بلا حياء ولا دين!

برغم من الاحتجاج الشديد ضد خروج مشايخ الوهابية عن حدود الحياء والأدب والدين في رد فعل على تظاهرة قيادة النساء للسيارة في شوارع الرياض في 6 نوفمبر 1990 بمشارركة نحو 50 إمرأة، بهدف المطالبة بالسماح للمرأة بقيادة السيارة وجرى ايقافهن من قبل الشرطة واتخذت اجراءات صارمة بحقهن من قبيل الفصل من الوظيفة، والمنع من السفر، وتوقيع ازواجهن تعهدات بعدم السماح بتكرار الفعل.

وكانت وزارة الداخلية أصدرت بياناً نشر في الصحف المحلية في 27 ربيع الثاني 1411هـ الموافق 15 نوفمبر 1990 نصّ على أنه: بناء على الفتوى الصادرة بتاريخ 20/ 4/ 1411هـ من كل من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد وفضيلة الشيخ عبدالرزاق عفيفي نائب رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء وفضيلة الشيخ صالح بن محمد بن اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة وعضو هيئة كبار العلماء.. بعدم جواز قيادة النساء للسيارات ووجوب معاقبة من يقوم منهن بذلك بالعقوبة المناسبة التي يتحقق بها الزجر والمحافظة على الحرام ومنع بوادر الشر لما ورد من أدلة شرعية توجب منع أسباب ابتذال المرأة أو تعريضها للفتن ونظراً إلى أن قيادة المرأة للسيارة يتنافى مع السلوك الإسلامي القويم الذي يتمتع به المواطن السعودي الغيور على محارمه..فان وزارة الداخلية توضح للعموم تأكيد منع جميع النساء من قيادة السيارات في المملكة العربية السعودية منعا باتا ومن يخالف هذا المنع سوف يسبق بحقه العقاب الرادع.

بطبيعة الحال، فإن ما يصبح حراماً لدى الدولة قد يصبح حلالاً ومن خسر حياته أو وظيفته أو حتى سمعته جراء مثل هذه البيانات الصادرة عن الحكومة ومن أهم أجهزتها السيادية، لا يتم تعويضه حتى بالاعتذار..

المشكلة اليوم، ومع اقتراب موعد انطلاق حملة قيادة المرأة للسيارة في 26 أكتوبر الجاري، بدأت تلك اللغة الهابطة التي لا يجوز صدورها من رجل دين يفترض فيه الورع عن محارم الله، والنأي عن كل ما يسيء الى عباد الله ولو بكلمة سوء. في الحملة الأولى وصف بعض المشايخ النساء اللاتي شاركن في حملة قيادة السيارة بأوصاف تمس الشرف والعرض ولو كان هناك قانون يحكم هذا البلد لخضع كل من قام بعبارات التشهيروالاساءة والقذف وإشاعة الكراهية لعقوبة صارمة حتى يكون رادعاً وزاجراً لهم ولأمثالهم، ولكن لأن ذلك كله غير متوفر، عاد بعض المشايخ الى اللغة نفسها، بل والى أسوأ منها كما ورد على لسان الداعية الوهابي أبو زيد السعيدي.

الذي وصف في تغريدة له على موقع (تويتر) النساء اللائي سيقدن السيارات في شوارع المملكة في يوم 26 أكتوبر احتجاجاً على حظر قيادة المرأة للسيارات بـ (العاهرات) وحرَّض الشباب وبخاصة (الدرباوية) على التحرش بهن. وقال ما نصّه: (إذا حصل وقادت بعض النساء العاهرات في هذا اليوم فأتمنى من الشباب وبخاصة الدرباوية القيام بالواجب). والدرباوية مصطلح شعبي يطلق على فئة من الشبان العاطلين عن العمل والذين هجروا أسرهم ويعيشون في الغالب مع أقرانهم وأعمارهم تتراوح بين 15-30 عاماً، ينظمون أنفسهم ضمن (شلل)، ويتميزون بطول الشعر والممارسات المتمردة على المجتمع، وهي ظاهرة جديدة برزت مؤخراً وبدأ الإعلام السعودي بالإشارة إليها، ويشبهها مختصون بظاهرة (الهبّيز) التي انتشرت في الولايات المتحدة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

الأهم في الموضوع، أن الداعية السعيدي لم يتورّع وهو يكتب مثل هذه العبارات المسيئة لآلاف النساء المحصنات الغافلات اللائي رماهن وبصورة جماعية بأحكام لا تليق بداعية بل ولا بإنسان عادي، فمثل هذه الوصف لا يصدر الا عن رجل أصيب في عقله وإيمانه، لأن المؤمن ليس فحّاشاً ولا بذيء اللسان وكما قالت ناشطات على توتير أنها (لا تخرج مِن مَن ادعى العلم والدعوة إلى الإسلام، والدفاع عنه بحسب ما يذكر في حسابه على تويتر).

داعية آخر، وإن حمل صفة علمية حديثة، وقع في ما هو أطم وأعمى. فقد نصح الشيخ الشيخ صالح بن سعد اللحيدان، المستشار القضائي الخاص والمستشار النفسي للجمعية النفسية في دول الخليج، المشاركات في حملة قيادة المرأة للسيارة بأن يقدمنَّ العقلَ على القلب والعاطفةَ والهوى وميل الرغبات، وأن ينظرن إلى هذا الأمر بعين واقعية؛ لأن مردود هذا الأمر سيئ، ويجب التريث والنظر إلى مضار وسلبيات هذا الأمر.

وأكمل نصيحته الذهبية بالقول: (من خلال الدراسات النفسية الإكلينيكية، ومن خلال النظر المادي الميداني، فإن هناك حوادث سيارات للمرأة في دول عربية متعددة، والأمور الأخلاقية الواقعة تشكل ما يقارب 33 في المائة، خلاف الرجال الذين يشكل الخطر عليهم من قيادة السيارات تسعة في المائة فقط). وتابع: (إلى جانب أن المرأة إذا قادت السيارة لغير الضرورة – كما تقدم – قد يؤثر ذلك عكسياً على الناحية الفسيولوجية؛ فإن علم الطب الوظيفي الفسيولوجي قد درس هذه الناحية بأنه يؤثر تلقائياً على المبايض، ويؤثر على دفع الحوض إلى أعلى؛ لذلك نجد غالب اللاتي يقدن السيارات بشكل مستمر يأتي أطفالهن مصابين بنوع من الخلل الإكلينيكي المتفاوت لدرجات عدة).

وكما في المثل الشعبي (أراد يكحلها عماها)، فقد أتى اللحيدان بالعيد في موضوع قيادة المرأة للسيارة، ودخل في تخصص قد لا يعنيه كثيراً، ولا نعلم طبيعة الدراسات التي رجع اليها وأثبتت له ذلك، وإذا صدق ـ وهو كاذب ـ ما يقول فلا بد أن تستقر المرأة في بيتها لأنها تستقل السيارة والقطار والطيارة في تنقلاتها القصيرة والطويلة، ولا ندري هل له فتوى في هذه المسألة أيضاً.

على أية حال، لم يطل الوقت في الرد على فتوى تأثير السيارة على مبايض النساء، فقد تعرّضت لسخرية واسعة طار صيتها في أرجاء الشبكة العنكبوتية وتلقفتها كبريات المواقع والقنوات الفضائية، لأن اللحيدان نطق بحكم غفل عنه الأولون والآخرون من الجنّة والناس أجمعين في قيادة المرأة للسيارة.

وعلّقت الناشطة الحقوقية، عزيزة يوسف، على تصريحات اللحيدان في مقابلة مع سي إن إن قائلة: (هذا هو رده على الحملة.. لكنه رأي فردي)، مضيفة: (عرض نفسه للسخرية.. فالحقل الطبي ليس من اختصاصه). أما مي السويحان وهي من أوائل الموقعات على العريضة الالكترونية التي شارك فيها اكثر من عشرة آلاف إمراة فوصفت تصريحات اللحيدان بأنها (سخيفة)، وأضافت: (أنا محبطة بحق كيف لشخص أن يصدر مثل هذا التصريح).

العريضة التي وضعت على الانترنت لتكون متاحة لكل النساء اللائي يردن المشاركة في حملة المطالبة بقيادة المرأة للسيارة في 26 أكتوبر كانت واضحة في مواقفها، والأهم أنها أحبطت الذرائع التي كانت الحكومة تلوذ بها في قرار المنع، وطالبتها بموقف واضح كما في النص التالي: (في حال رفضت الدولة أن ترفع الحظر الحالي على النساء نطالبها بأن تقدم للمواطنين والمواطنات مبرراتها للرفض راجين ألا تنقل مسؤولية قرار كهذا للمجتمع كبديل التبرير..الدولة ليست أما أو أبا والمواطنون ليسوا أطفالاً).

وقد قامت الحكومة بإغلاق الموقع الالكتروني للحملة من داخل السعودية، في سياق إحباط القائمين على الحملة ومنع الدعم الشعبي عنها.

الصفحة السابقة