تنقيح لا تصحيح

مناهج التعليم الديني وإنتاج التطرّف والتكفير

(1 من 2)

سعد الشريف

أجمعت التحقيقات المحلية والأجنبية على أن مناهج التعليم الديني الرسمي مسؤولة عن إنتاج التطرف، وتالياً الإرهاب، الأمر الذي يستوجب مراجعة شاملة ونقدية للمناهج من أجل تصحيحها وزرع قيم التسامح الديني، واحترام معتقد الآخر، وإرساء أسس التعايش بين المعتقدات..

تأخرت المراجعة طويلاً، وجاءت النتائج مخيّبة، وكأن الفريق الذي وضع منهج التعليم الديني في المدارس الحكومية هو نفسه من قام بالمراجعة، فكان دوره شكلياً، فيما أبقى على المضمون ذاته، فلا يكاد تجد في المنطلقات والنتائج أدنى تغيير..وهذا ما سوف نلحظه في الدراسة التي بين أيدينا حول منهج التعليم الديني، وبالاستناد على مقرر (التوحيد) بدرجة أساسية في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، في آخر طبعة صادرة عن وزارة التربية والتعليم، أي لعامي 2012/2013 ـ2013/2014.

قدّمت جهات عدّة خارجية مطالعات نقدية في منهج التعليم الديني الرسمي، من بينها دراسة أكاديمية أعدّها فريق من الجامعيين والخبراء التربويين بإشراف المحامي عبد العزيز القاسم بعنوان (مناهج العلوم الشرعية في التعليم السعودي..استقراء، تحليل، تقويم) راجع فيها مواد العلوم الدينية/الشرعية في التعليم السعودي في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وتوصّل الى أن (مقررات «التوحيد» غير متوافقة مع المعايير العلمية لنمو الطالب)، وطالب الفريق بأن تنفتح مناهج العلوم الشرعية على مرجعيات جديدة، بالإضافة الى كتابات الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتوسيع دائرة النظر واكتشاف مظاهر التنوع والثراء في الفكر الإسلامي (لوقاية الناشئة من مخاطر التشدّد وأحادية الخطاب). المشروع كما يبدو كان طموحاً الى حد أن القائمين عليه اعتبروه (لبنة أولى من مشروع إصلاحي واسع يطمح إلى بناء رؤية أكثر استجابة لتطلعات القيادة والشعب السعوديين في مجال تدريس المواد الدينية، يبدأ بإجراءات التقويمات الضرورية، ويفضي إلى وضع تصوّر جديد للمناهج والمقررات والفلسفة التي تحكمهما).

ومن بين أهم ما توصل إليها الفريق أن (اختلال تنظيم القيم في المقررات الشرعية للمرحلة الابتدائية، خاصة في قيمتي المسؤولية والاعتدال، ما يؤسس في الطالب معرفة جدالية لا يتخلق معها بمكارم الأخلاق، وتساهم في انقطاعه عن محيطه الإنساني وتفقده التوازن في إدارة الاختلاف والتنوع).

أنظر: صحيفة المدينة، الجمعة 24/06/2011 أنظر الرابط:

http://www.al-madina.com/node/311648

محمد يوسف، أستاذ التربية بجامعة الملك عبد العزيز والذي ألّف كتاباً عام 2004 حول إعادة هيكلة نظام التعليم السعودي، كتب ما نصّه (بات واضحاً أن أحد أهم أسباب الإرهاب هو احتكار مجموعة معينة من الناس لصياغة المناهج التعليمية في المملكة)، فيما قال أحمد المعدي خبير الشريعة والكاتب (أن هناك افراداً بعينهم لهم آراء متطرفة في الاسلام وإنه يجب إدخال التغييرات على الكتب المدرسية برؤية واقعية هي أن الاسلام دين مودة).

دوايت بشير، كبير المحللين السياسيين بالمفوضية الأمريكية للحريات الدينية في العالم التي زارت المملكة عام 2007 وأصدرت تقريراً عن الكتب المدرسية السعودية، كتبت ما نصّه (قلقنا من هذه الكتب يكمن في أن التفسير محافظ بشدة وينطوي على فهم ضيق (الافق للاسلام) يشجع عدم التسامح في بعض الحالات).

وخلال ملتقى الحوار الوطني الثاني بمكة المكرمة بتاريخ 27 كانون الأول (ديسمبر) 2003، تحت عنوان (الغلو والاعتدال..رؤية منهجية شاملة)، قدّم الباحثان إبراهيم السكران والمحامي الإصلاحي عبد العزيز القاسم بحثاً رصيناً حول المناهج الدينية تحت محور (المقررات الدراسية الدينية، أين الخلل؟) وكان عنوان البحث (قراءة في فقه التعامل مع الآخر والواقع والحضارة في المقررات).

كرّس الباحثان الورقة لمراجعة مناهج العلوم الدينية في التعليم الحكومي للبنين لعدد من وسائل التقويم الفقهية منها: (قراءة عناية المنهج بالمشاركة المدنية التي تقدم للمتلقي قنوات التعبير السلمي البناء عن قناعاته ومصالحه، بحيث لا يتركز المنهج على تكوين قناعة المتلقي بالانفصال عن مؤسسات مجتمعه؛ الأمر الذي يؤدي إلى أن ينفرد بمبادرات خارج قنوات المجتمع المشروعة).

وتكشّفت لدى الباحثين من خلال دراسة المقررات (أن اضطراباً شديداً يموج بمحتوياتها، في قضايا جوهرية تمس طمأنينة الطالب، وحقوق المسلمين، وأصول التعامل مع غير المسلمين من أهل الكتاب والمشركين، وقواعد التعامل مع المعارف والحضارات، وهو اضطراب يخالف أصول الشريعة..).

يلفت الباحثان الى أسس الرؤية الدينية المطلوبة، مثل القبول بمبدأ الاختلاف باعتباره سنّة (كونية الاختلاف الإنساني، وتعميق الإيمان بالتعددية المشروعة أو المعذورة داخل دائرة الإسلام، وترسيخ التواضع للحق ونبذ الزهو المذهبي، وتكريس القيم الشرعية للتعايش والمحبة والمودة، وتقرير أخلاقيات إنصاف المخالف واجتناب بخسه حقه أو غمطه ما معه من الصواب، وتعليم النشء وتدريبهم على مراعاة معيار القدرة والوسع الشرعي في الاجتهاد، وبيان أعذار المجتهدين وغير ذلك من قضايا الاختلاف المقررة في الكتاب والسنة وفقه الأمة). هذه الرؤية الغائبة في مقررات التعليم العام هي المسؤولة عن تنامي نزوعات التطرّف، ووقوع القطيعة بكل أشكال الكراهية المدسوسة فيها. ولذلك فإن (مقرراتنا المدرسية لم تنجح في تقديم رؤية متسقة في هذه القضايا، بل كان الاضطراب والتناقض هو السائد في ما عرضته المقررات من أصول وتعليمات..) حسب الباحثين.

حتى عام 2006 كانت مقررات التعليم الديني الحكومي مليئة بالنصوص المباشرة المحرّضة على التطرّف والعنف والتي يمكن استعراض بعضها بصورة عاجلة.

ففي مقرر التوحيد والفقه للصف الثاني الابتدائي للسنة الدراسية 2005 ـ 2006، جاء في باب الشرك (أن من صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله كالدعاء، والذبح، والسجود، وغير ذلك، فهو مشرك كافر، ولو صلى وصام وحج واعتمر وزعم أنه مسلم).

وتكرر الحكم بصيغة أخرى في (ص 19) كتاب التوحيد والفقه للصف الثالث الابتدائي للعام نفسه.

وجاء في (التوحيد والحديث والفقه والتجويد ـ ص18) للصف السادس الابتدائي للفصل الدراسي الاول للسنة الدراسية 2007 ـ 2008 أن طلب الشفاعة من الأوثان أو من أصحاب القبور بالاتجاه اليهم بالدعاء وطلب الشفاعة باطل وهو من الشرك بالله.

وتكرر الحكم بصياغة أخرى في الفصل الدراسي الثاني من المقرر نفسه لسنة 2007 ـ 2008 في باب نواقض الاسلام (ص 10)، وجاء فيه (من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم، كفر). وتكرر حكم التكفير في الصفحة التالية.

وجاء في مقرر التوحيد للصف الأول المتوسط لسنة الدراسية 1427/1428 ـ 2007 ـ2008 في (ص49): (وهذا هو الواقع أيضاً في بعض من ينتسبون إلى الاسلام، فيعبدون الله، ويعبدون معه غيره من أصحاب القبور بالذبح لها، والطواف حولها، وغير ذلك فوقعوا في الشرك الأكبر).

وجاء في المقرر نفسه في ص 52: (أن من بين من لا تنفعهم كلمة لا اله الا الله: من عبد الله، ولم يعتقد أن عبادة القبور باطلة).

وجاء في مقرر التوحيد للصف الثاني المتوسط للسنة الدراسية 1437 ـ 1438/2007 ـ2009 وفي مدخل باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده؟ ص28: (عبادة الله عند قبر رجل صالح وسيلة الى الشرك الأكبر).

وتكرر الحكم في مكان آخر في (ص 35)، حين الحديث عن الغلو في قبور الصالحين، حيث جاء في المدخل: (الغلو في تعظيم قبور الصالحين يجعلها أوثاناً تعبد من دون الله سبحانه).

وجاء في مقرر التوحيد للصف الثالث الثانوي قسم العلوم الشرعية العربية بنين للسنة الدراسية 1427 ـ1428/2006 ـ2007، وفي باب أنواع الشرك: (شرك أكبر يخرج من الملة ويخلد صاحبه في النار)..(ص 13 ـ14) ومثاله: (ورجاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من قضاء الحاجات وتفريج الكربات مما يمارس الآن حول الأضرحة المبنية على قبور الاولياء والصالحين). وتكرر الحكم في الصفات التالية (17، 18،19).

وفي الردّة بالقول (ص31): دعاء غير الله أو الاستغاثة به فيما لا يقدر عليه الا الله أو الاستعاذة به في ذلك.

والردة بالفعل: كالسجود للصنم والشجر والحجر والقبور والذبح لها. ص31

ومن المعلوم أن حكم الردة يصل الى القتل بعد استتابة صاحبها.

وفي حكم البدعة في الدين بجميع أنواعها، ذُكِرَ منها (ص127): (ما هو كفر صراح، كالطواف بالقبور تقرباً الى أصحابها، وتقديم الذبائح والنذور لها، ودعاء أصحابها والاستغاثة بهم،وكأقوال غلاة الجهمية والمعتزلة. ومنها ما هو من وسائل الشرك، كالبناء على القبور والصلاة والدعاء عندها).

تلك عيّنة عشوائية من النصوص الواردة في مقررات التعليم الديني الرسمي، وهي كفيلة بأن تغرس مشاعر الكراهية في أبناء الوطن الواحد وأن تحيل أتباع المذهب الرسمي الى عناصر متطرفة وقد يتم توظيفهم من قبل الجماعات الارهابية أو أن ينتقلوا الى مشاريع قتال خارج الحدود..

فالرؤية الكونية القائمة على قاعدة أن الآخر بكل أنواعه وانتماءاته الدينية والمذهبية كافر، فإن الترجمة العملية لذلك هو تحويل الاخر الى هدف جهادي، على أساس أن مقاتلة الكفّار واجبة، بحسب النصوص الأصلية للمدرسة الوهابية..

كلام طويل قيل عن تنقيح المقررات الدينية في التعليم الرسمي السعودي، ولكن هل حقاً تم سحب فتيل التطرف من خلال هذه العملية، وهل المشكلة مقتصرة على التنقيح أم أن المطلوب هو تصحيح وليس تنقيح، خصوصاً إذا ما عنى التنقيح مجرد الاختصار أو إضافة جمل اعتراضية يسبغ عليها مفردة (إثرائية) لتجميل العبارة وليس بهدف تصحيح الفكرة..

ما هو جدير بالالتفات أيضاً أن من يتولى تدريس المقررات الدينية في المدارس الحكومية هم من تشرّب المعتقدات الأصلية للمذهب الرسمي، أي أنهم ينتمون لنفس المدرسة الفكرية وهم أمناء عليها بل يعتبرون من واجبهم نقل ما لديهم من هداية الى من هم مسؤولون عن هدايته بحسب التعاليم المذهبية التي تلقوها هؤلاء في الجامعات الدينية، وفي أدبيات المذهب، وفي حلقات الدرس الديني..

لا يكترث مدرس المادة وهو المؤتمن على حراسة المذهب وصون مبادئه ونشر تعاليمه لكل تنقيح طرأ على مناهج التعليم الديني في المدارس الحكومية، فهو يتحرر من كل ذلك في حال شرح عقيدة التوحيد، ويبوح بما يستره المنهج.

في السابق، كان المقرر يعرض عقيدة التوحيد ويصوّر أتباعها بأنها الفرقة الناجية، وأن ماعداها فرق الهلاك، ولا بد من مقاتلتها، والآن يبقى كل شيء على حاله ماعدا حكم المقاتلة الصريحة التي يتولى الإفصاح عنها مدرّس المادة، أو خطيب المسجد، أو الدعاة الذين يجوبون مناطق المملكة لإبلاغ رسالة المذهب.

باختصار، في السابق تؤسس المقررات الدينية في التعليم الرسمي لعقيدة تكفير الآخر وتختتم بحكم وجوب مقاتلته، أما بعد التنقيح المزعوم فهو يؤسس لتكفير الآخر مع وقف تنفيذ حكم المقاتلة، إلا بشروط كما سيأتي.

يتشكل الوعي العقدي لدى الطالب على قاعدة التمايز عن الآخر، الذي يبدأ بزملائه في الصف ثم ينسحب الى الناس خارج حريم المدرسة ليصل الى المجتمع برمته وصولاً الى العالم بأسره..

يتعلّم الطالب في الأول الابتدائي عقيدة التوحيد، في أنواعه الثلاثة، ويبدأ بتوحيد الربوبية. فقد خصّص كتاب الطالب لمقرر (التوحيد) المطبوع من قبل وزارة التربية والتعليم للصف الاول الابتدائي، وفي الفصل الدراسي الاول، للسنة الدراسية 1433 ـ 1434 / 2012 ـ 2013، لتدريس (توحيد الربوبية) وهو من بين ثلاث وحدات انفردت فيها المدرسة الوهابية (توحيد الربوبية، وتوحيد الالوهية، وتوحيد الاسماء والصفات). أنواع التوحيد هذه سوف تؤسس في نهاية المطاف لحكم التكفير، حيث يراد للطالب أن يستوعب هذه الانواع بتفاصيلها الدقيقة، حتى يكتسب دمغة (أهل التوحيد)، وإلا أصبح في مكان آخر، وهو الشرك أو الكفر بأحد مستوييه الأكبر والأصغر.

وفي النوع الثالث من التوحيد، أي توحيد الاسماء والصفات، يراد من الطالب حديث السن، أن يستوعب أن الله سبحانه وتعالى جسم لا كالأجسام، من خلال، أولاً: تحديد مكانه سبحانه وتعالى ثم صفاته المادية جلّ وعلا مثل (البصر والسمع والرجل والساق، والاستواء وغيرها).

في سؤال ورد في الصفحة 10 من المقرر: أين الله؟ وكان الجواب: الله فوق السماء.

قد يبدو جواباً عاماً، ولكّنه يؤسس لما بعده من أحكام حيث يحسم أي جدل عقدي داخل المجال الاسلامي، ويلغي الاعتقادات الأخرى، والأخطر أنه يؤسس لنفي الآخر.

وفي كتاب الطالب لمقرر (التوحيد) الصادر عن وزارة التربية والتعليم للصف الثاني الابتدائي، وفي الفصل الدراسي الاول، للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/2013 ـ 2014، جاء في الوحدة الثالثة من المقرر بعنوان (العبادة وما يضادها من الشرك)، ومن موضوعاتها (ص27): عبادة غير الله شرك.

وساق مثالين على الشرك (ص28): السجود لغير الله ودعاء الأموات.

لا يتعامل واضعو المنهج مع الطالب باعتباره شريكاً في صنع الوعي، أو حرّاً في التفكير، أو حتى مختاراً، بل هو هدف لتوجيه عقدي، لا إرادة له فيه ولا يجوز له ذلك، فقد حسم المقرّرون ما يجب عليه أن تكون النظرة إزاء الآخر، فقد أريد تلقين الطالب قسمة المسلمين الى موحّدين وغيرهم من تنطبق عليهم أحكام الشرك والكفر والنفاق والردّة. ويبدأ الطالب بالتعرّف على مواصفاتهم في وقت مبكر من حياته، حيث يوضع عنوان جدلي يستحضر صورة المشركين الأوائل الذي عبدوا غير الله، كيما تضفى مشروعية على الحكم الذي سوف يصدر على المشركين في هذا الزمن. ولذلك بدأ بالكبرى: أن عبادة غير الله شرك، ومثّل لذلك على أساس أنه حقيقة بأن ثمة من يسجد لغير الله أو يدعو الأموات دونه سبحانه، وهنا تفترق الحقيقة الفعلية والأخرى المتخيلة.

وتتدرّج عملية التلقين العقدي، في عملية تصاعدية وتفصيلية. ففي كتاب الطالب لمقرر (التوحيد) الصادر عن وزارة التربية والتعليم، للصف الرابع الابتدائي، وفي الفصل الدراسي الأول للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/2013 ـ 2014، يتم تقديّم خلاصة العقيدة الوهابية في التوحيد، والتي على أساسها يتم تصنيف من هو المسلم وغير المسلم، بين من هو من (أهل السنة والجماعة) ومن هو خارجها، دع عنك التمايز داخل المجال الاسلامي عموماً.

في الوحدة الاولى بعنوان (التوحيد)، يعرّف التوحيد على أنه: إفراد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته. وفي التفصيل، يقسم أنواع التوحيد الى ثلاثة (ص8):

ـ توحيد الربوبية: أي الاعتقاد بأن لا خالق الا الله ولا مالك الا الله..

ـ توحيد الألوهية: أن لا نصلي الا لله ولا نتصدق الا لله، ويطلق عليه توحيد العبادة.

ـ توحيد الاسماء والصفات: الايمان بأن الله هو السميع والبصير والحكيم.الخ

يلي ذلك النتيجة أو الحكم: وهذه الأقسام مترابطة، فمن آمن بواحد منها دون الآخر لم يكن موحداً.

ومن هنا تبدأ رحلة تكفير المسلمين.

فتحت عنوان توحيد الربوبية، ثمة عنوان فرعي: إقرار الكفّار بتوحيد الربوبية. ولهذا العنوان حكاية في التكفير، حيث يتساوى المسلمون مع الكفّار في هذا التوحيد ويفترق المسلمون عن الموحّدين عما عداه، أي في توحيد الألوهية وتوحيد الاسماء والصفات.

ففي (ص 11) من المقرر جاء ما نصّه:

(هذا التوحيد أقرّ به الكفَّار على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يدخلهم هذا الإقرار في الاسلام لأنهم يعبدون مع الله غيره، فقد كانوا إذا سئلوا: من الذي خلقهم ورزقهم؟ يجيبون: بأن الله هو الخالق الرازق..فهم يقولون ذلك ويعبدون مع الله غيره).

هي الصورة التي سوف تتكرر في كل مقررات التوحيد، ويبنى عليه الحكم بتكفير غالبية المسلمين.

ويرسم المقرّر حدوداً فاصلة بين من هم الموحّدون ومن هم المشركون في ضوء النوعين الآخرين من التوحيد: توحيد الالوهية، وتوحيد الاسماء والصفات.

تحت عنوان: موقف الكفار من توحيد الألوهية:

جاء في (ص 16) ما نصّه:

(كان المشركون يعترفون بأن الله رب كل شيء، ولكنّهم لا يوحدون الله بالعبادة، بل يشركون معه غيره، فيعبدون الأصنام أو الأموات في قبورهم أو الشمس أو الجن أو غيرها من المعبودات).

وبإمكان المطلّع على أدبيات المدرسة الوهابية أن يكشف هوية الكفّار المقصودين هنا، فبحسب هذا التعريف فإن الكفار قد يكونوا أغلب المسلمين الذين يزورون قبور الأولياء من أنبياء وأئمة وصالحين.

ويوضّح الدرس الرابع من المقرر بعنوان (حكم صرف العبادة لغير الله)، حيث جاء:

(من صرف شيئاً من العبادة لغير الله، مثل: أن يدعو غير الله، أو يذبح لغير الله فقد وقع في الشرك الأكبر، لأنه صرف العبادة لغير الله. وأما في الآخرة فهو من أصحاب النار المخلّدين فيها إذا مات على ذلك).

في الدرس الثامن مقرر التوحيد بعنوان (شروط قبول العبادة ـ ص28)، وردت قصة حمل الإمام زين عبد العابدين علي بن الحسين الطعام الى بيوت الفقراء في المدينة. والغرض من ذكر القصة عن زين العابدين، بوصفه رمزاً علوياً من أهل البيت وله مكانة خاصة عند عموم المسلمين ويعتبر رابع الأئمة الاثني عشر، لإيصال رسالة محدّدة وهي التدليل على توحيد الألوهية.

وهو ما ظهر بوضوح في الدرس الثامن (ص 29) حيث يشترط لقبول العبادة شرطان هما: الاخلاص لله وحده ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.

سوف تبقى دورة الوعي العقدي مقتصرة على حدي التوحيد والشرك، وهو ما يعيشه الطالب في كل المراحل الدراسية. فالناس إما موحّدين أو مشركين. فكل ما سوف يواجهّه الطالب في رحلته التعليمية لا يتجاوز الايمان والكفر.

ففي مقدمة كتاب الطالب لمقرر (التوحيد) الصادر عن وزارة التربية والتعلية للصف الخامس الابتدائي، وفي الفصل الدراسي الاول للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/2013 ـ 2014، جاء: وهذا الكتاب شرح لمسائل التوحيد، من كتاب الأصول الثلاثة للإمام الشيخ: محمد بن عبد الوهاب..

وفي الدرس السابع من المقرر بعنوان: استحقاق الله للعبادة. وفي عنوان فرعي بعنوان: حكم من جعل شيئاً من العبادة لغير الله تعالى. وجاء في (ص 30) ما نصّه:

جعل شيء من أنواع العبادة لغير الله، مثل دعاء الأموات والاستغاثة بهم، لقضاء الحاجات، وتفريج الكربات، فهو:

شرك وكفر والدليل قول الله تعالى: (ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به، فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون).

ومن وقع في الشرك فقد حبط علمه والدليل قول الله تعالى (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا ما يعملون).

فالمقرر هنا يتعامل مع وقائع محسومة من وجهة نظر واضعيه، فهو يصرف زيارة قبور الأنبياء والأولياء والصالحين الى ممارسة شركية، أي إشراك غير الله سبحانه في العبادة، وهذا ما يستوجب نقاشاً جديّاً، لأن الأصل في المسلم صحة إعتقاده وسلامته، وإن إثبات ما عداه يتطلب دليلاً، وفحصاً إفرادياً وليس جماعياً، بالرجوع الى قاعدة المعيّن والعموم المعتمدة في عقيدة تكفير الآخر في المدرسة الوهابية.

في الدرس الثامن بعنوان: بعض أنواع العبادة، نقل المقرر في (ص 32) عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قوله:

(وأنواع العبادة التي أمر الله بها مثل: الاسلام والايمان والاحسان ومنه الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والخشية، والإنابة، والاستعانة، والاستعاذة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها كلها لله تعالى.والدليل قوله تعالى: وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا). وبصرف النظر عن تطابق الدليل مع الموضوع، الا أن الغاية واضحة وهو ما يلي ذلك:

(فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر والدليل قوله تعالى (ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهن له به فإنما حسابه عنده ربه إنه لا يفلح الكافرون)..

حين توضع أسس التمايز بين الموحّد والمشرك، والمؤمن والكافر، لا يعود الحديث عن مذاهب داخل المجال الاسلامي، بل عن من هو المسلم الحقيقي ومن هو غير ذلك.

يكتسب إطار (أهل السنة والجماعة) خصوصية تضع كثيراً من المسلمين السنة خارجه. وسوف نجد أن أهل السنة والجماعة يصبح بحسب الأدبيات الدينية الوهابية، ومنهج التعليم الديني الرسمي جزء منها، ينطبق حصراً وفي هذا الزمن على أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

فقد خصص كتاب الطالب لمقرر (التوحيد) للصف السادس الابتدائي الصادر عن وزارة التربية والتعليم، وفي الفصل الدراسي الثاني للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/2013 ـ 2014 للتعريف بمنهج أهل السنة والجماعة، وبيان منهج أهل السنة نحو الرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته، وحب آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم.

وفي الدرس الأول بعنوان: منهج أهل السنة والجماعة في الواجب على المسلم نحو الرسول صلى الله عليه وسلم.

ويعرّف المقرر (ص 10) أهل السنة والجماعة: (وهم الذين على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه).

ما يعني أن ما عداهم ليسوا على ما كان عليه النبي ولا أصحابه. وسمّوا بأهل السنة لأنهم يعملون بقول النبي صلى الله عليه وسلم (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضّوا عليها بالنواجذ). وسموا بالجماعة: لأنهم اجتمعوا على الحق ولم يتفرّقوا عليه، استجابة لوصية النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (عليكم بالجماعة وإيّاكم والفرقة).

وجاء في الدرس الثالث: منهج أهل السنة والجماعة في الواجب على المسلم نحو زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم.

وبصرف النظر عن اجتهادات المقررين للمقصودين بآل البيت إن كان محصوراً في بيت واحد أو بيوتات عدّة، فإن ثمة تعريضاً بطوائف من المواطنين يرون غير ما يرى المقرّرون، والتشديد على أم المؤمنين عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ضمن آل البيت، يراد منه الغمز في قناة من يرون غير ذلك.

وفي الوحدة الثانية: الواجب نحو الصحابة رضي الله عنهما. وبيّن المقررون في (ص 19) أهداف الوحدة:

ـ بيان منج أهل السنة والجماعة نحو الصحابة.

ـ بيان منهج أهل السنة والجماعة نحو الخلفاء.

ـ بيان منهج السنة والجماعة نحو أئمة المسلمين.

وتحت عنوان: الواجب على المسلم نحو الصحابة رض (في ص 21) أن:

ـ يترضى عنهم عند ذكرهم..

ـ يعتقد أن الصحابة كلهم عدول..

ـ يتبع طريقتهم في تعلم الدين وفهمه والعمل به، فهو وسط بين الافراط والتفريط.

ـ يحذر من الغلو في الصحابة ورفعهم فوق منزلتهم وعليه سلوك التوسط والاعتدال.

هنا يتعامل المقرر مع طلاّب من صنف مذهبي محدد، بالمعنى الواسع، قبل أن ينقسم الصنف الى من تنطبق عليهم مواصفات أهل السنة والجماعة.

وفي الدرس الثالث بعنوان: منهج أهل السنة والجماعة في الواجب على المسلم نحو أئمة المسلمين، ويعرّفوا بأنهم: الذين يتولون أمور المسلمين من الولاة والعلماء وأهل الرأي والمشورة.

وتحت الواجب علينا نحو ولاة المسلمين يرد في (ص 26، 27) ما نصّه:

ـ السمع والطاعة، ما لم يأمروا بمعصية.

ـ تحريم الخروج عليهم، لما في ذلك من الفرقة وحدوث الفتنة ووقوع المفاسد العظيمة.

ـ النصيحة لهم بالرفق والحكمة، وإعانتهم على الخير والدعاء لهم بالتوفيق والسداد.

ـ إقامة الحج والجمع والاعياد معهم.

إن غاية ما يتمناه أي حاكم مستبد أن يحظى بمثل هذه الأحكام التي يحصّن بها حكمه ويكفل باسم السماء بقاء ظلمه. وبهذا يصبح أهل السنة والجماعة من يشكّلون البيئة الحاضنة للسلطة، عادلة كانت أم جائرة، والحجة في ذلك جاهزة: درء الفتنة والمفاسد العظيمة من وراء الخروج.

تبدو المواقف الناعمة المتسامحة ظاهرة مع السلطة بالنصيحة لأهل الحكم بالرفق والحكمة، واعانتهم على الخير والدعاء لهم بالتوفيق والسداد، بعد السمع والطاعة، في مقابل التشدّد والصرامة في المواقف إزاء المجتمع الذي يكاد يقع في مهاوي الكفر لفرط ما يحيط به من أحكام صارمة.

ولأن العلماء هم الموكلون بتوفير الأدلة الدينية على بقاء الحاكم المستبد لابد من تحصين موقع العلماء أنفسهم. فتحت عنوان: الواجب علينا تجاه علماء المسلمين وأهل الرأي والمشورة يسرد في (ص 27) ما هو مطلوب من الطالب:

ـ محبتهم وتوقيرهم واحترامهم.

ـ أخذ العلم عنهم وسؤالهم عما أشكل في أمور الدين.

ـ تجنب الكلام في أعراضهم وسبّهم وتنقّصهم.

كتاب النشاط لمقرر (التوحيد) الصادر عن زارة التربية والتعليم للصف السادس الابتدائي وفي الفصل الدراسي الأول للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/2013 ـ 2014، قسّم الى وحدات:

وفي الوحدة الأولى في (ص 7): وحدة أنواع الشرك.

ويرد تحت: النشاط الأول:

ـ أبيّن ما نواقض التوحيد وما منقصات التوحيد؟

ويرد في:

نواقض التوحيد: شرك أكبر.

ومنقصات التوحيد: أصغر.

وفي النشاط الثاني (ص8):

ـ أقارن بين نواقض التوحيد ومنقصات التوحيد.

وفي جدول يوضع نواقض التوحيد ومنقصات التوحيد والحكم فيهما على ضوء: أثره على التوحيد، وجزاء مرتكبها في الآخرة.

وفي النشاط الثالث (ص9):

ـ أحدد أنواع الشرك الأكبر هل هو في الربوبية أم الألوهية فيما يلي:

المثال/// نوع الشرك الأكبر

ـ من يعتقد أن أحداً يشارك الله تعالى في الخلق.

ـ من يستغيث بأحد الأموات أن يشفي مريضه.

ـ طاعة من يحلل ما حرم الله تعالى.

ـ محبة غير الله محبة الخضوع والتذلل.

السؤال: مالغرض من عرض هذه الانواع بالأمثلة الموجّهة فيها والتي تختتم بإصدار حكم بتكفير الآخر، لمجرد تصوّرات مسبقة عنه؟

ولئن تأملنا مليّاً في هذه النشاطات المطلوبة من الطالب، أليست كفيلة بأن تحيل منه الى حكم، ومكفراتي، وما يعقب ذلك من آثار سلوكية؟ فحين يراد من الطالب القيام بتطبيق الأمثلة على أشخاص وطوائف بعينها، نكون قد درّبنا الطالب على تكفير الآخر، خصوصاً مع الصيغ المعلّبة والتصوّرات الجاهزة عن الآخر، التي تسهّل على الطالب تطبيقها على مصاديق في الخارج.

ومن أجل تثبيت هذه المنهجية في التفكير لابد من رؤية كونية تؤسس لأيديولوجية إقصاء الآخر وتنزيه الذات. ففي كتاب الطالب لمقرر (التوحيد) للصف الأول المتوسط الصادر عن وزارة التربية والتعليم، وفي الفصل الدراسي الأول للسنة الدراسية 1433 ـ 1434/ 2012 ـ 2013 جاء في المقدمة (ص 9):

كان العالم الاسلامي في القرن الثامن عشر الذي نشأ فيه الشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب يعيش أوضاعاً سيئة للغاية من جميع الجوانب الدينية والدنيوية. وعاد الاسلام غريباً كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين قال (بدأ الاسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدا فطوبى للغرباء).

وتتجلى غربة الاسلام بمظاهر كثيرة منها:

1 ـ كثرة البدع والشركيات كبناء القباب والمشاهد على القبور وتعظيم الأشجار والأحجار، وتقديس الاشخاص الأحياء والأموات.

2 ـ غربة أهل السنّة المستمسكين بالحق، وبالمجانين للبدع.

3 ـ غلبة الجهل على عامة المسلمين، لاسيما الجهل بالعقيدة، ومهمات الأحكام.

4 ـ إعراض كثير من الناس عن الدين، لا يتعلمونه ولا يعملون به، إلا ما يوافق أهواءهم.

5 ـ شيوع التقليد الأعمى والتعصّب المذهبي المقيت.

ثم يقول:

(وتفرّقت الأمة الى فرق وطرق مبتدعة وشعوب متناحرة، مما ادى الى استحكام العدو بالمسلمين، وتمكنه من تحقيق أغراضه في غزو عقائدهم وعقولهم وأفكارهم وديارهم، وتحكمه في مصالحهم وأحوالهم، مما جعل الأمة تصاب بحياة الذل والهوان والشتات. في هذه الظروف الصعبة والأحوال السيئة شرع الإمام محمد بن عبد الوهاب بالنهوض بدعوة التوحيد والسنة).

صورة مكثّفة عن الرؤية الكونية للمذهب الوهابي، والنزعة الاصطفائية والرسولية لدى مؤسسه والمتحدّرين من مدرسته وتكفير لأمة بأكملها. (تفرقت الامة الى فرق وطرق مبتدعة وشعوب متناحرة..).

وتبدو النصوص اللاحقة أكثر وضوحاً. تحت عنوان: نصرة الامام محمد بن سعود للشيخ محمد بن عبد الوهاب جاء في (ص 10) ما نصّه:

(عندما رأى الشيخ ما حلَّ بالبلاد من مظاهر الشرك والبدع بدأ دعوته الى التوحيد، وعرف أنه لا بد من جهاد وصبر وتحمّل الأذى).

وفي (ص 11) عدَّ الشيخ ابن عبد الوهاب (مجدداً لدين الإسلام حيث وضع المنهج الصحيح الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صلى الله عليه وسلم..)، حيث يتحوّل مؤسس المذهب الى وارث عقدي وتاريخي للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد جاء تحت عنوان: آثار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص11):

ـ نشر التوحيد ومحاربة الشرك والبدع.

ـ تحكيم شرع الله في أنحاء الجزيرة.

وفي الجانب التعليمي والثقافي:

ـ نبذ التعصب المذهبي والعودة بالأمة الى مصادر الدين الحق ـ الكتاب والسنة ـ وكتب السلف الصالح.

إذاً بات واضحاً أن العقيدة الصحيحة هي ما جاء بها محمد بن عبد الوهاب، وأن ما سبقها وما عداها لا يكتسب صفة العقيدة الصحيحة ولا يدخل في أهل السنة والجماعة، دع عنك في جماعة المسلمين، من أي مذهب كانوا.

وفيما يلي سوف يتأسس الدين وفق الرؤية التوحيدية كما صاغها الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

في الدرس الثاني من مقرر (التوحيد) يجري الحديث عن التوحيد وأنواعه. ويبدأ كما هي العادة بوضع التعريف الشرعي للتوحيد كما وضعه ابن عبد الوهاب وهو: إفراد الله بالربوبية والالوهية والأسماء والصفات. ثم ينتقل تلقائياً للحديث عن أنواع التوحيد (ص19): توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية ويسمى (توحيد العبادة)، وتوحيد الأسماء والصفات، ولا بد من الإيمان بها جميعاً، فمن آمن بواحد منها دون الباقي لم يكن موحداً.

وعلى أساس تعريف التوحيد وأنواعه، ينقسم الناس على ثلاثة أقسام (ص21):

ـ الموحدون: فاستقاموا على هذه الفطرة، وأقروا الله بربوبيته وألوهيته.

ـ وأما المشركون: فقد انحرفوا عن هذه الفطرة، فلم يقرّوا إلا بربوبيته وأنكروا توحيد الألوهية.

ـ وأما الملحدون: فأنكروا الربوبية والألوهية، إلا أنهم في باطنهم يقرِّون بتوحيد الربوبية..

فالموحدون هم أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والمشركون هم غالبية المسلمين وأما الملحدون فبعضهم من المسلمين وبعضهم من غيرهم، كما سيأتي.

ولأن التوحيد هو أساس الدين، وأصله، ومرتكزه، وركنه الأصيل، فلابد أن تكون لأهل التوحيد مكانة متميّزة تليق بالعقيدة نفسها.

في الوحدة الثانية بعنوان: ( مكانة التوحيد وأهله)، وتحت عنوان فرعي: (توحيد العبادة هو الأساس الذي تبنى عليه جميع الأعمال)، جاء في (ص29): (مهما اجتهد المرء في العبادات، وصرف في أدائها من الأوقات، فإن الله لا يقبلها منه إلا إذا كانت مبنية على التوحيد).

ولكن: أي توحيد؟ إنه التوحيد بأنواعه الثلاثة كما جاء في الأدبيات الوهابية.

وحتى يميّز أهل التوحيد عن سواهم، فإنه يفرد صفاتهم، كما جاء في الدرس السادس (ص47):

ـ أنهم لا يشركون بالله: فهم يحذرون الشرك صغيراً كان أو كبيراً.

هي صفة تختزل باقي الصفات، وترسم حداً فاصلاً بينهم وبين الآخر، في ضوء معرفتنا السابقة واللاحقة لخصائص أهل التوحيد وخصائص أهل الشرك. وهناك صفات تبدو ثانوية وربما ساذجة، كتلك المستندة على الحديث النبوي (ص49):

ـ أنهم لا يسترقون، أي لا يطلبون الرقية، مع أنها جائزة، لقوة توكلهم على الله.

ـ أنهم لا يكتوون، أي لا يسألون غيرهم أن يكويهم بالنار للعلاج مع أن الكي جائز، لقوة توكلهم على الله.

ـ أنهم لا يتطيرون، أي لا يتشاءمون بالطيور ونحوها، لأن التطيّر شرك.

ـ أنهم على ربهم يتوكلون.

تبدو شروط الانتماء للإسلام ليست هي كما قرأها المسلمون في التاريخ أو في الكتب القديمة، فقد اكتشفوا أن الدعوة المفتوحة التي أطلقها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأن يقول الناس لا اله الا الله يفلحوا، ليست هي ذاتها لدى الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه، فثمة شروط ثمانية لا يعلم إلى أي مرجعية تحيل أو أي سيرة تضيء.

يقول مقررو الكتاب: كلمة التوحيد «لا إله إلا الله» لها فضل عظيم، لكنها لا تنفع قائلها إلا إذا اجتمعت فيها ثمانية شروط (ص 58) ومن بينها:

ـ الكفر بالطاغوت المنافي للإيمان بالله: فلا بد لمن قال: «لا اله الا الله» من أن يتبرأ من كل معبود سوى الله وإلا لم تنفعه هذه الكلمة، لأنه لم ينكر الشرك.

ـ العلم المنافي للجهل: فيعلم أن معنى «لا اله الا الله» هو: لا معبود بحق إلا الله، وبهذا يعلم أن عبادة ما سوى الله باطلة.

ـ اليقين المنافي للشك: بأن يعتقد أنه لا معبود بحق إلا الله، لا يشك في ذلك، فإن شكّ فهو غير مسلم.

ـ الاخلاص المنافي للشرك: بأن لا يقصد بقول هذه الكلمة أيَّ غرض من أغراض الدنيا، وإنما يقصد رضا الله وحده.

ـ المحبة المنافية للبغضاء: فيحبُّ هذه الكلمة، ويحب ما تدل عليه من توحيد الله، ويحب الموحدين العاملين بها، ويبغض ما ينافيها من الشرك.

ـ القبول المنافي للرد: بأن يسلم بقلبه لما توجبه من عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه.

وبالتأمل في هذه الشروط التي تغيب عن أدبيات المذاهب الاسلامية قديماً وحديثاً، تجدها من خصوصيات المذهب الوهابي، ولا تخرج عن حدي الايمان والكفر.

ولأن التعليم الديني الرسمي يتمحور في مجمله وتفصيله حول عقيدة التوحيد، فإن كل ما يلي ذلك مجرد تفاصيل.

فقد جاء في كتاب الطالبة لمقرر (التوحيد) للصف الأول المتوسط الصادر عن وزارة التربية والتعليم، وفي الفصل الثاني للسنة الدراسية 1433 ـ 1434/ 2012 ـ 2013، في الدرس الأول: إثبات أسماء الله وصفاته والنهي عن الإلحاد فيها.

وتحت عنوان: عقيدة أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته، يراد التأسيس للنوع الثالث من التوحيد، أي توحيد الاسماء والصفات، ويتمّ تعريفه (ص13):

فلو أن شخصاً أو طائفة لم تؤمن بالجهوية أي تحديد جهة وجود الله سبحانه، كالقول بالاستواء على العرش أو أنه في السماء، أو أنه يسمع بآلة، ويرى بآلة، وله ساق، وغير ذلك من الصفات الجسدية، فينطبق عليه صفة الشرك أو الكفر بصفة من صفات الله سبحانه..

فالالحاد في أسماء الله كما جاء في الكتاب (ص14) هو: (هو الميل بها عما تدل عليه من المعاني الحقيقية العظيمة، إلى معان باطلة). أي أن يتم حمل كل الأسماء والصفات الواردة في القرآن على أنها حقيقة لا يمكن تأويلها، مثل كلامه سبحانه وتعالى لموسى فإنما كلّمه بآلة وكذا باقي الحالات.

وهنا يبدو التمايز بين المؤمن والملحد واضحاً في النوع الثالث من التوحيد، حيث جاء تحت عنوان: أنواع الإلحاد ومنها (ص15):

1 ـ إنكار شيء من الأسماء، أو مما دلت عليه من الصفات، كمن ينكر إسم الرحمن.

وفي حقيقة الأمر، أن الخلاف ليس متعلقاً بكون الله هو الرحمن أم لا فذاك عليه إجماع المسلمين قاطبة، وإنما يدور الخلاف حول الصفات الأخرى التي يتم حملها على معانيها المادية، كالسميع والبصير والاستواء على العرش وغيرها.

وفي الوحدة الخامسة من الكتاب: الدعوة الى التوحيد، ينتقل واضعو المقرر بالطالبة من التعليم الى الدعوة، حيث يراد منها أن تتحوّل الى داعية لعقيدة التوحيد، بحسب المفهوم الوهابي، وليست مجرّد متعلّمة. فقد جاء من أهداف الوحدة (ص25):

ـ أن يبين الطالب فضل الدعوة الى التوحيد.

ـ أن يبين الطالب أهمية البدء بالدعوة الى شهادة (أن لا اله الا الله).

ـ أن يحرص الطالب على الدعوة الى التوحيد.

فكما يبدو ان الهدف من الكتاب هو تخريج دعاة فحسب.. ويبدو ذلك واضحاً أيضاً في العناوين اللاحقة. فتحت عنوان (طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة)، يحدِّد الكتاب أصول طريقة الرسول (ص) في الدعوة (ص27) مثل: الاخلاص والعلم والحكمة والصبر. ثم ينتقل الى وسائل الدعوة في عهد الرسول ص ومنها: الخطابة والوعظ.

ومن الوسائل (ص28): كتابة الرسائل الى الملوك والزعماء والى وجهاء الناس والاهالي يدعوهم الى الله ويبين لهم شرعه، وإرسال الدعاة، والقدوة الحسنة، وضرب الامثال.

ثمة ما تستدعيه هذه الوسائل، فهي تذكّر بطريقة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الدعوة للإسلام وسط المشركين، وهو ما يراد إسقاطه على الواقع الذي عاشه الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأهل دعوته، حيث يتقمص الشيخ شخصية النبي. يضيف المقرّرون وسائل عصرية للدعوة ومنها (ص28): وسائل الاتصال الحديثة، ووسائل الاعلام، والمؤسسات والجمعيات ونحوها.

وعلى غرار دعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في قومه من المشركين، يراد استنساخ الوضع في كل زمان.. ويقدم الكتاب (ص31): أدلة وجوب البدء بالدعوة الى شهادة أن لا إله الا الله، من القران والسنة.

الصدع بالدعوة بات إذاً مهمة الطالب والطالبة من أهل السنة والجماعة، أي من أتباع مذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب. فهناك أسباب تدعو الى الاضطلاع بهذه المهمة، وكما جاء في الدرس الثاني (ص46): أسباب الهداية وموانعها، ومن موانعها الجهل، حيث جاء ما نصّه (ضلَّ كثير من الناس عن الطريق المستقيم، بسبب جهلهم بالحق ـ وإن علموا ما علموا من الدنيا ـ فوقعوا في الشرك والبدع والخرافات والمعاصي).

وكيما يعمل الطالب/ الداعية على هدى فلا بد أن يتسلّح برؤية كونية، في سبيل وضع خارطة عمل مناسبة. فقد حدّدت الوحدة السابعة بعنوان (معنى الشرك وأنواعه) طائفة أهداف منها (ص49):

ـ أن يذكر الطالب معنى الشرك ويبيّن خطره.

ـ أن يجتنب الطالب الشرك ويحذر عواقبه.

ـ أن يذكر الطالب أنواع الشرك من حيث مناقضته لأصل التوحيد وكماله.

ـ أن يحدد الطالب سمات المشركين.

ـ أن يمثّل الطالب لبعض صور الشرك في الواقع المعاصر.

وأكّد الدرس الأول من الوحدة السابعة: الشرك وأنواعه، على الانواع الثلاثة للتوحيد: توحيد الربوبية، توحيد العبادة، توحيد الاسماء والصفات.

وفي أنواع الشرك (ص51): الشرك الأكبر وهو تسوية غير الله بالله في ربوبيته، أو عبادته، أو أسمائه وصفاته.

ويذكر من الأمثلة على الشرك في العبادة: أن يسجد للقبر أو الصنم.

ونتيجة الشرك الأكبر (ص52): يحبط جميع الأعمال، يخرج عن ملّة الإسلام، ويوجب الخلود في النار.

ويحدد الدرس الثاني: صفات المشركين، الذين لا يحتاج الطالب/الطالبة الى مزيد جهد كيما يكتشف من هي الجهات المعنيّة سواء كانت خارج نطاق الاسلام أو في داخله. فمن صفات المشركين المذمومة كثيرة، ومنها (ص54):

ـ الغلو: وهو تجاوز الحد المشروع ومنه تعظيم أحد من الخلق.. والغلو من أعظم أسباب الوقوع في الشرك قديماً وحديثاً.

لمزيد من التحديد، يلفت عنوان: من مظاهر الشرك في عصرنا (ص56) الى الجهات المعنيّة:

ـ دعاء غير الله.

ـ الذبح لغير الله، كالذبح للأصنام والقبور والأحجار.

ـ الطواف بالقبور والأضرحة والأوثان.

وحين تطبيق هذه الأمثلة نصبح أمام طوائف من المسلمين يراد الحكم عليهم بالشرك. لا بد من التذكير أن هذه المظاهر لا تصبح شركية ما لم يتم تعريفها بطريقة محددة، بصرف النظر عن الواقع الخارجي، أي بصرف النظر ما اذا كان هناك من يسجد لغير الله، أو يذبح لغير الله، أو يطوف بالقبور والاضرحة والاوثان كتعبير رمزي عن عبادة غير الله!

يكاد واضعو المقرر الافصاح عن الجهات المعنيّة بالشرك، لفرط ما أسهبوا في ذكر أوصافهم بما يدّل عليهم. فتحت عنوان فرعي (فتنة القبور ص58) جاء:

(من أعظم الطرق الموصلة الى الشرك الفتنة بالقبور، فإن الغلو في القبور وأصحابها هو الذي جر الناس في قديم الزمان وحديثه الى الشرك ولذا حمى النبي صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد، فنهانا أن نجعل قبره عيداً، أي: مكاناً يجتمع عنده للعبادة، لأن القبور ليست محلاً للعبادة. فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن جعل قبره عيداً ـ وهو قبر سيد الأولين والآخرين ـ فقبر غيره أولى بالنهي، كائناً من كان).

وهنا يرد السؤال: فهل يحتاج قرار إخراج قبر النبي من مسجده أكثر من هذا، وكذلك هدم قبته!

تتعدد مداخل الحديث الى الشرك. ففي الوحدة الثامنة: الرياء وإرادة الإنسان بعمله الدنيا، جاء في الدرس الأول: شروط قبول العبادة، حيث يتم تقسيم الناس (ص65) الى:

1 ـ المشرك: وهو من أشرك في عبادة الله غيره، فهذا لم يحقق شروط قبول العبادة.

2 ـ المبتدع وهو الذي عبد الله، لكنه أحدث عبادة من عنده، ليست في دين الله، فهذا قد يوجد عنده الإخلاص، ولكن لم توجد عنده المتابعة.

3 ـ المتِّبع: وهو الذي عبد الله وحده، وتمسّك بسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا قد حقق شروط قبول العبادة: الإخلاص والمتابعة.

فبينما يندرج أغلب المسلمين في خانة المشركين، بسبب المواصفات المتخيّلة التي تفترضها مقررات التوحيد في التعليم الحكومي، من قبيل زيارة القبور، والدعاء لها، والسجود للأموات، وطلب الحاجات منهم.. فإن وحدهم أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب هم المتّبعون المخلصون.

وهذا ما يكشف عنه النص التالي حين يتحدث عن سوء الظن بالله تعالى، ويقول ما نصّه (ص73):

(وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختّص بهم وفيما يفعله بغيرهم ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته وموجب حكمته وحمده).

لا يكف واضعو مقرر التوحيد عن تسمية الأشياء بأسمائها تدريجاً، والالتفاف على ما أخفاه التنقيح لضخ المزيد من الأمثلة كيما يتعرف الطالب/ الطالبة على هوية الفرقة والطائفة المقصودة عبر ذكر أوصافها..

في مقرر (التوحيد) المخصّص لطلاب الصف الثاني المتوسط، والصادر عن وزارة التربية والتعليم، وفي الفصل الدراسي الأول للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/2013 ـ2014، يرد ذكر الفرق بين المساجد ومعابد المشركين، ويقول ما نصّه (78):

لا مشابهة بين المساجد ومعابد المشركين ..محرّفة مبدّلة.

وهنا لا يحمل الفرق بين المساجد ومعابد المشركين على ما القسمة النمطية أي بين المساجد والكنائس المسيحية واليهودية أو حتى المعابد الهندوسية، وإنما تستوعب القسمة حتى مساجد المسلمين المصنّفين في خانة المشركين.

من صور الشرك التي يعالجها مقرر (التوحيد) سلوك المسلمين إزاء رسول الله المصطفى محمد صلى الله عليه وآله. ففي المقرر الخاص بطلاب الصف الثاني المتوسط، وفي الفصل الدراسي الثاني، للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/2013 ـ2014، وفي باب التبرّك (ص56)، حيث يقسّم التبّرك الى مشروع وممنوع. والمشروع منه هو ما كان في حياته صلى الله عليه وآله وسلم (ص57):

ـ التبرك بذات النبي صلى الله عليه وسلم وآثاره في حياته أو بآثاره بعد موته (وقد اندرست آثاره، وأما غيره فلا يتبرك به، ولهذا لم يؤثر عن السلف التبرك بأفاضل الصحابة رضى الله عنهم والتابعين).

ـ التبرك بما ورد من الأقوال والأفعال المشروعة..

ـ التبرك بالهيئات المشروعة.

ـ التبرك المشروع ببعض الأمكنة..

ـ التبرك ببعض الأزمنة..

ـ التبرك ببعض المأكولات والمطعومات.

من أحكام التبرك المشروع: يثبت بالدليل الشرعي ولابد من اتباعه حرفياَ.

التبرك الممنوع (ص58): التبرك فيما لم يأذن به الشرع. وحكم هذا التبرك يختلف بحسب اعتقاد صاحبه:

ـ فإن اعتقد أن ذلك الشيء يمنح البركة فهذا شرك أكبر، وهذا حال المشركين.

ـ وأما ان اعتقد أن زيارة ذلك الشيء والتمسح به، سبب لحصول البركة من الله، فهذا شرك أصغر لأنه تعلق بشيء لم يجعله الشرع سبباً للبركة.

حين يذكر وصف (المشركين) فلا يقصد بهم غير المسلمين فحسب، فقد ينضمّ إليهم كثير من المسلمين، ولكن لضرورة التنقيح تلوذ الهيئة المسئولة عن وضع المقررات بالمواربة والتمويه..

وفي السياق نفسه يأتي تسليط الضوء على الغلو في الأنبياء والأولياء والصالحين. فقد بدأ مقرر (التوحيد) لطلاّب الصف الثالث المتوسط، وفي الفصل الدراسي الاول للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/2013 ـ2014، بوحدة الغلو لتحقيق الأهداف التالية (ص9):

بيان معنى الغلو، والاستدلال من الكتاب والسنة على ذم الغلو، والاستنتاج بأن الغلو في الصالحين قد يفضي الى الكفر، والتحذير من الغلو في المخلوق، وذكر صور الغلو في الانبياء، والتحذير من تعظيم القبور والتعلق بها، والتحذير من دعاء الأموات، وتطبيق مفهوم الغلو وأحكامه على ما يواجه الطالب من مواقف.

وفي باب (أسباب الغلو) يذكر عدّة أسباب من بينها:

ـ تعظيم قبور الصالحين بالبناء عليها (وهذه ظاهرة في بلاد المسلمين عامة وينسحب على قبر النبي صلى الله عليه وسلم).

والحكم في ذلك: الكفر.

وفي باب صور الغلو (ص16):

ومنها الغلو في الانبياء عليهم السلام ومثاله:

ـ الغلو في خاتم الانبياء عليه السلام.

وأمثلة ذلك (ص17):

ـ الغلو فيه صلى الله عليه وسلم باعتقاد أنه يعلم الغيب.

ـ الغلو في مدحه صلى الله عليه وسلم.

ـ الغلو في قبره صلى الله عليه وسلم.

ويمضى المقرر في تنضيد قصة الغلو في قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، بالقول أنه حذّر أمته من الغلو في قبره وتجاوز القدر المشروع حتى لا يعبد ومن صور ذلك التحذير (ص18):

ـ التحذير من أن يتخذ قبره مسجداً. الخ

ـ سأل الله عز وجل بألا يجعل قبره وثناً يعبد من دون الله..

ـ نهى صلى الله عليه وسلم أن يتخذ قبره مزاراً يعتاد الناس زيارته في أزمنة محددة..

وفي الجواب عن سؤال: ماذا يشرّع للمسلم عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟

يحدد واضعو المقرر للمسلمين عامة ما يجب فعله حين يأتون لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله: المشروع للمسلم فيما يتعلق بقبر النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوره ويصلي ويسلم عليه صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه، ولا يعتاد زيارته في أزمنة محددة، ولا يجوز أن يسافر بقصد زيارته إذ لا تشد الرحال الا الى المساجد الثلاثة (المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى).

ثم يضيف (ص19): ومن الأخطاء العظيمة والأمور المحرمة أن يتوجه بعض الزائرين لقبره صلى الله عليه وسلم فيدعونه صلى الله عليه وسلم من دون الله فهذا شرك بالله، كما لا يجوز أن يقصد دعاء الله عزوجل عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد أن يدعو فإنه يتجه للقبلة ويدعو الله عز وجل.

وهنا يبدو التوصيف مشوّهاً، فليس هناك من مسلم يزور قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يدعوه من دون الله، بل الدعاء لله وحده لا شريك له. فالآية الكريمة: (..ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً)، كفيلة بتوضيح أن الاستغفار هو لله وحده، وأنه هو التوّاب الرحيم، وأن استغفار الرسول صلى الله عليه وآله لا يجعله ربّاً بل هو خاتم أنبيائه وأقرب خلقه إليه، وهو شفيع الأمة، وإن من احتجّ على أن طاعته صلى الله عليه وآله تكون في حياته، بحسب المقطع الأول من الآية (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله..)، والصحيح أن طاعته في حياته كطاعته بعد مماته لأنه نبي الاسلام، الذي به ختم الله الأديان، وأن سنته باقية الى قيام يوم الدين.

من الواضح أن مقرر (التوحيد) في كل المراحل الدراسية، يعكس العقيدة الوهابية في زيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يخفي نيّته في إخراج قبره من المسجد، كما هو واضح في النص السابق، بل يعتبر إن قصد زيارة قبر المصطفى من باب الشرك، وهو يعكس بأمانة عالية موقف مشايخ المذهب، حتى أن الشيخ ناصر الدين الالباني قطع عهداً على نفسه بعدم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله، بذريعة أن الزيارة بدعة.

سوف يظهر ذلك بوضوح في باب زيارة القبور، حيث يذكر أحوالها (23):

ـ يضع الزيارة اتباعاً للسنة، بالدعاء للميت، وتذكر الآخرة في خانة سنّة يؤجر عليها.

ـ التمسح بالقبر والصلاة عند القبر، في خانة بدعة ووسيلة الى الشرك.

ـ دعاء الميت والاستغاثة به، والذبح له، واعتقاد أن الميت أو القبر ينفع أو يضر، في خانة: شرك أكبر.

وهنا ينطلق واضعو المقرر من تصوّر نمطي يفترض أن زيارة المسلمين للقبور هي لدعاء الميت والاستغاثة به والاعتقاد بأنه ينفع ويضر، وبالتالي فإن غالبية المسلمين واقعون في الشرك الأكبر!

ومن صور الغلو كما يذكرها المقرر (ص23،24،25):

ـ اتخاذ القبور مساجد، ببناء المساجد على القبور أو دفن الموتى في المساجد، وقصد الدعاء عند القبر أو الصلاة عنده.. ـ شد الرحال بقصد زيارة القبور..

ـ التبرك بالقبر بالطواف به والتمسح به..

ـ دعاء صاحب القبر والاستغاثة به، واللجوء اليه لقضاء الحوائج وزوال الكربات، وهذا شرك أكبر.

ـ رفع القبور..

ـ تجصيص القبور.

ـ اسراجها وتزيينها.

ومن الغريب ما جاء في النتيجة، فالمقرر يؤسس لحكم الكفر ثم يعتبر الحكم ذاته من صور الغلو. كما في النص التالي:

(كلما ابتعد الناس عن عصر الرسالة، كثر المخالفات الشرعية، وقل العلم بالدين، وهذا أنتج صوراً عديدة من الغلو والجفاء.

ومن صور الغلو المعاصرة (ص25):

ـ تعظيم الأولياء والصالحين، الأحياء والأموات.

ـ تكفير المسلمين واستباحة دمائهم وأموالهم.

تناقض يعكس أن من قرر تنقيح المناهج هو نفسه المنتمي للمدرسة الفكرية المتشدّدة نفسها، ولكن أراد أن يستجيب لطلب الدولة الخاضعة لضغوطات خارجية بكون مناهجها التعليمية مسؤولة عن تنشئة التطرّف فاضطر لإقحام جملة تكاد تكون خارج السياق، بدليل ما سبق وما لحق.

في باب مفاسد الغلو يذكر عدداً منها (ص26):

1ـ أن المغلو فيه إن كان حياً، فإنه يزهو بنفسه ويعجب بها بسبب الغلو فيه.

2ـ أنه يقود الى الوثنية وتأليه البشر، كما في قصة قوم نوح، وكما وقع من بعض الغلاة في الصالحين.

5ـ انتشار البدع في المجتمعات الاسلامية.

فالمقرر يسرد مبررات التكفير، أوصافاً، وصوراً، ونماذج ثم بعد أن يصدر حكم الكفر على من تنطبق عليه مواصفات الكافر، يضع الحكم نفسه في باب الغلو، ثم يعود لاحقاً لنهج التكفير في الأبواب اللاحقة، وكأن التحذير من الغلو ليس سوى جملة اعتراضية أو خارج السياق التكفيري الذي رسمته كل مقررات التوحيد في منهج التعليم الرسمي.

(..يتبع)

الصفحة السابقة