تفجيرات الوهابية في مسجدي الامام علي والإمام الحسين في القديح والدمام

سماته.. دوافعه وأهدافه

العنف السعودي الوهابي

عبد الوهاب فقي

لم يعد العنف ظاهرة محلية بل عابرة للمناطق والطوائف ولكن ليس على قاعدة تضييع المسؤولية والأدلة الجنائية، فهناك اليوم عقيدة مسؤولة عن تطويرخطاب العنف وتنميته وتعميمه. إن عبارات من قبيل (الارهاب لا دين له) وأضرابها هي المسؤولة اليوم عن تعويم الأيديولوجية الدينية المسؤولة عن أكثر من 90 بالمئة من العمليات الارهابية في العالم..حين نقول بأن العنف ظاهرة كونية لا يعني سوى توصيف المدى الجغرافي الذي بلغته وليس تبرئة جهة ما بعينها أو تعميم التهمة لتشمل جميع المعتقدات.

في الحديث عن أشكال العنف المألوفة نحن أمام الشكل الأقصى والأقسى للعنف، إذ ثمة معنى متعالياً لممارسته أولاً، وثانياً للتضحية بالذات بناء على محرّضات ذات طبيعة غير بشرية وإن كانت تحقق غايات بشرية.. إذن هناك رسالة من العنف وهناك معنى يفصح عنه نوع الفداء عن تلك الرسالة. ولا بد من التفريق بين العنف كأداة للتعبير عن معتقد، والموت من أجل العقيدة. دراسات عديدة تناولت مسألة لجوء الأفراد الى وسيلة العنف لتظهير ما يروّجون له بأنها مدعيات دينية، ولكن في جوهرها تخفي غايات أخرى قد لا تكون دينية، وإنما دنيوية ولكن بغطاء ديني.

قد لا تكون دوافع العنف واضحة دائماً أو تعبّر عن نفسها في نشاطات معروفة، وخصوصاً في حالات يكون فيها العامل الشخصي والخاص سبباً لمزاولة العنف. الفرد الذي واجه مشكلات عائلية واجتماعية ضاغطة أو حتى نفسية، لا ريب أنه سينأى عن البوح بتلك المشكلات كمحرّضات على الفداء بالنفس، وبالتالي فهو بحاجة الى عناوين متعالية تتناسب ونوع التضحية التي سوف يقدم عليها.

حين نقارب العنف في المملكة السعودية من زاوية الدوافع الدينية والأهداف السياسية، فإننا نقف أمام العقيدة المولّدة لهذا العنف والمشرعنة له.

لم يعد سرّاً أن فئة الانتحاريين أو الانغماسيين كما يشاؤون تعريف أنفسهم ليست مجهولة الهوية المذهبية، فحوادث من هذا القبيل، أي العمليات الانتحارية وسط حشد من الناس في المساجد ودور العبادة والشوارع والأماكن العامة، يقوم بها أفراد ينتمون للعقيدة الوهابية حصراً، ما يجعل أي كلام عن نزاع مسلّح سني شيعي مجرد ملهاة وتضليل للرأي العام.. فمن يتواجه اليوم ليس السنّة والشيعة، وانما مقاتلون من جماعات مسلّحة معروفة (وبدرجة أساسية داعش) يعتنقون المذهب الوهابي وبقية الناس من مذاهب متعددة وهذا ما يحصل في مصر، والعراق وسوريا وليبيا واليمن.

إن مجرد وجود مكوّن مذهبي واضح في بلد ما يتواجه مع هذه التنظيمات المحسوبة على الجانب السنّي لا يغيّر من حقيقة أن الطرف الفاعل في معادلة القتل هم المقاتلون من المذهب الوهابي..

إن نزوع هؤلاء المقاتلين والمجتمع الوهابي الذي خرجوا منه على إضفاء طابع مذهبي كلّي (أي سني ـ شيعي) هو محاولة للاحتماء بالأغلبية، وتصوير قتالهم على أنه دفاع عن «أهل السنّة» لاكتساب مشروعية دينية وشعبية، لأن الافصاح التام عن الهوية المذهبية الخاصة، أي الانتماء للمذهب الوهابي يفضي الى خسارة المشروعية والشعبية معاً.

نقول ذلك لأن الوهابية تأسست كعقيدة وجماعة على أساس منابذة الآخر دينياً واجتماعياً، فالأضلاع الثلاثة التي يقوم عليها مثلث الوهابية هي: التكفير والهجرة والجهاد. والتكفير كما يعرّفه علماء الوهابية وعلى من ينطبق يخرج غالبية المسلمين من دائرة الاسلام، وهذا ما يكشف عنه مؤسس المذهب في تحديده لنواقض الإسلام العشرة.

التكفير يبدأ من تعريف ابن عبد الوهاب للتوحيد، والمنقسم الى: توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات. ومن أجل أن تكون مسلماَ موحّداً فعليك أن تؤمن بهذه الأنواع الثلاثة، وبالتالي فإن الايمان بأن الله جسم، وأن له يد وساق وله مكان يجلس فيه، هو جزء من الايمان ودون ذلك الكفر، لأن التوحيد هو كليّة موحّدة لا تقبل التجزئة، فإما إن تقبل كاملة أو تُرفض كاملة.

في نواقض الإسلام العشرة يضع محمد بن عبد الوهاب ناقضاً يمثل الباب الواسع الذي يدخل منه التكفير على نطاق واسع. فالتكفير لا يطال من لا يؤمن بالانواع الثلاثة من التوحيد فحسب، ولكن أيضاً من لم يكفّره حتى لو كان يؤمن بهذه الانواع، إذ من مقتضى التوحيد «من لم يكفر الكافر فهو كافر».

التكفير ليس وجهة نظر أو مجرد مزاولة لحرية التعبير، فالقضية ليست مسألة ثقافية ولا تقف عند حد، بل ثمة ما يترتب عليها من سلوك ومواقف عملية.

وهنا يجدر الالتفات الى تراث التكفير في تاريخ المسلمين، ومنذ مرحلة مبكرة منه، ولعل أشهر قصة في هذا التراث هي قصة أسامة بن زيد الذي أقدم على قتل شخص بعد أن نطق الشهادتين، بذريعة أنه (إنما قالها تعوّذاً)، وهناك وقائع كثيرة في تاريخ المسلمين بدءً من حروب الردة والتي وضعت في سياق المناجزة السياسية بين مؤيّدي الخليفة أبي بكر ومعارضيه، ثم تبلورت بشكل واضح في حركة الخوارج، التي اعتبرت أول حركة تكفيرية في تاريخ الإسلام. وقد اشتهرت مقولة أحدهم في أمير المؤمنين علي بن ابي طالب حين كان يخطب في أصحابه وقد مرّت بهم إمرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم فقال: (إن أبصار هذه الفحول طوامح وإن ذلك سبب هبابها، فإذا نظر أحدكم إلى إمرأة تعجبه فليلامس أهله، فإنما هي إمرأة كإمرأته)، فقال رجل من الخوارج: قاتله الله كافراً ما أفقهه.. يعني علياً.

والتكفير لم يقتصر على طبقة دون سواها، أو من العالم للعامي، أو بالعكس، فقد سرى التكفير بين العلماء، فصاروا يكفّرون بعضهم بعضاً، فقال الشيخ عبد القادر الجيلاني بضلال الحنفيّة وإنهم من الفرق الهالكة في النار، وقال الغزالي في كتابه (المنخول من تعليقات الأصول) بفساد مذهب أبي حنيفة في الصلاة وقال عنه (ص 499): (وأبو حنيفة نزف جمام ذهنه في تصوير المسائل وتقعيد المذاهب فكثر خبطه لذلك.. ولذلك استنكف أبو يوسف ومحمد من اتباعه في ثلثي مذهبه لما رأوا فيه من كثرة الخبط والتخليط والتورط في المناقضات). ثم يخلص للقول: (وأما أبو حنيفة رحمه الله فقد قلب الشريعة ظهراً لبطن وشوّش مسلكها وغيّر نظامها).

وقال الغزالي عن الإمام مالك: (فأما مالك رحمه الله، فقد استرسل على المصالح إسترسالاً جرّه إلى قتل ثلث الأمة لاستصلاح ثلثيها، والى القتل في التعزير، والضرب بمجرد التهم إلى غيره.. ورأى أيضا تقديم عمل اهل المدينة على أحاديث الرسول عليه السلام وقد نبهنا عليه). وقال أبو سفيان الثوري كلاماً قاسياً في الإمام أبي حنيفة وأنه نقض الإسلام عروة عروة.

وقال ابو المؤيّد الخوارزمي في (جامع الأسانيد) بضلال سفيان الثوري ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وشريك والحسن بن صالح ونسبهم الى مذهب الخوارج، وكفّر أبو شكور السلمي الحنفي الأشاعرة والكراميّة كما في كتابه (التمهيد في بيان التوحيد)، ونقل شهاب الدين الكازروني في (رسالة علم الباري) آراء لأئمة المذاهب تخرج بعضهم بعضاً من الدين. وقال ابن حجر المكي في (شرح الشمائل) بضلال إبن تيمية وابن القيم لإثباتهما الجهة والجسميّة لله تعالى، وقال: (ولهما في هذا المقام من القبائح وسوء الاعتقاد ما تصم عنه الآذان ويقضي عليه بالزور والبهتان). في المقابل، أصدر الشيخ إبن تيمية أحكاماً في التكفير ضد طوائف وأئمة مذاهب أخرى حتى بات علماً بارزاً في هذا الميدان.

واشتملت كتب المذاهب الاسلامية عموماً على أحكام بالتكفير والتضليل المتبادل، ولكن يمكن أن نلحظ أن هذه الظاهرة توارت في العصور المتأخرة وباتت مجرد آراء في كتب ولا أثر عملي لها، فيما أحيا المذهب السلفي والشق الوهابي منه على وجه الخصوص، هذا التراث وأمدّه بصلاحية زمنية مفتوحة، نلحظ ذلك من قاموس المصطلحات المرتبطة بتاريخ السجال المذهبي، والأخطر من ذلك أن ثمة مترتبات عملية للتكفير، إذ ليس مجرد وجهة نظر وحسب.

ولا بد من الإشارة الى أن التكفير الوهابي للآخر بدأ بالمسلم قبل غيره، ولحظنا كيف أن الوهابية في تأسيسها الأول قامت على أساس تكفير الدولة العثمانية وشمل رعاياها عامة.. ففي رسالة بعث بها الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (ت1293هـ) إلى «الاخوان» من بني تميم جاء ما نصّه: (وقتال الدولة ـ يعني الدولة العثمانية ـ والأتراك، والإفرنج وسائر الكفار، من أعظم الذخائر المنجية من النار)؛ بل عدّ آل الشيخ قتال العثمانيين جزءاً من عقيدة التوحيد: (ومن يعرف كفر الدولة ـ العثمانية ـ ولم يفرّق بينهم وبين البغاة من المسلمين، لم يعرف معنى لا إله إلا الله، فإن اعتقد مع ذلك أن الدولة مسلمون، فهو أشدّ وأعظم، وهذا هو الشك في كفر من كفر بالله أو أشرك به، ومن جرّهم أو أعانهم على المسلمين بأي إعانة، فهي ردّة صريحة). بل وضع آل الشيخ حكماً عاماً في قتال الخصوم وقال إن (هؤلاء الذين قاموا في عداوة أهل التوحيد، واستنصروا بالكفار عليكم، وأدخلوهم إلى بلاد نجد، وعادوا أهل التوحيد وأهله أشدّ العداوة، وهم « الرشيد» ومن انضمَّ إليهم من أعوانهم لا يشك في كفرهم، ووجوب قتالهم على المسلمين، إلا من لم يشم روائح الدين، أو صاحب نفاق، أو شك في هذه الدعوة الإسلامية).

وسُئل مجموعة من علماء الوهابية عن خروج العجمان، وفيصل الدويش، زعيم قبيلة مطير والقائد الميداني لجيش «الإخوان» وآخرين من نجد إلى بلاد واقعة تحت حكم الاتراك، فجاء الجواب: (هذا من ضلالهم، ومن الأسباب الموجبة لكفرهم، وخروجهم من الإسلام، بعد ما انتسبوا اليه). وفي تعليق على قول السائل أنهم باتوا رعيّة الأتراك في الماضي، ولم يدخلوا تحت أمر ابن سعود وطاعته الا مغصوبين قالوا: (فهذا أيضاً من أعظم الأدلة على ردتهم، وكفرهم). وكذا حال من دخل في ولاية الشريف حسين في مكة، فقد عدّهم علماء الوهابية: (دعاة إلى الدخول تحت ولاية المشركين، فيجب على المسلمين جهادهم وقتالهم، وكذلك من آواهم ونصرهم، فحكمه حكمهم).

فالتكفير ليس مجرد موقف عقدي نظري، بل ثمة أثر عملي لذلك، يبدأ بالتكفير ثم بالهجرة ثم إعلان الجهاد، وما قامت الدولة السعودية في أطوارها الثلاثة الا على أساس هذا التسلسل العقدي الذي ينتهي بإعلان الجهاد والقتال واستباحة دماء الكفّار والمخالفين لعقيدة سيد المرسلين كما يتصوّرونها.

الملفت أن التكفير حين يصبح متاحاً للعالم والعامي، لا ينجو منه لا كبير ولا صغير، فقد كفّر قادة من القاعدة ابن باز وابن عثيمين. وبحسب القائد القاعدي أبو مصعب السوري: (العلماء أمثال ابن باز وابن عثيمين، قد خانوا الله ورسوله وأمانة العلم وخانوا الأمة.. وأنهم مرتكبون لكبيرة من أعظم الكبائر وفسق من أشنع الفسوق، بل إن كثيراً من فتاواهم ومواقفهم هي أعمال نفاق يصل بعضها لأن تكون عملاً من أعمال الكفر). ورغم أنه لا يكفّرهم بسبب صحة معتقدهم والتأوّل المانع من التكفير، إلا أنه (لا يعترض على من كفّرهم بدليله لأنها أدلة قوية). مع التذكير بأن هؤلاء جميعاً المكفِّر والمكفَّر ينتمون الى العقيدة الوهابية.

خصائص العنف وأهدافه

لعل من أبرز خصائص العنف الدائر في المشرق العربي اليوم هي:

1ـ إنه عنف مؤسس دينياً، وان كانت أهدافه السياسية غير مغفولة. فهناك فتاوى عامة وخاصة صدرت من شيوخ وعلماء ينتمون للمذهب الوهابي حول التعامل مع الكفّار، حتى أن بعضهم لا يميّز بين الكافر الحربي أو غير الحربي وسواء كان من المسلمين أو غير المسلمين بل يضع كل هؤلاء هدفاً مشروعاً، وقد كشفت إحدى رسائل بن لادن التي عثر عليها في مجمّعه السكني في آبوت آباد في باكستان عن خطة لارتكاب أعمال إرهابية ضد الشعب الأميركي، أي المدنيين، بحجة الضغط على الادارة الأميركية من أجل إخراج قواتها من أفغانستان.

إن العنف في شكله الارهابي الحاصل في العراق وسوريا ولبنان واليمن والمنطقة الشرقية السعودية يتم بغطاء ديني، بمعنى أن من يمارسه يفعل ذلك على أساس التقرّب الى الله، ولذلك لن تجد عنفاً الا وقد سبقه موقف تكفيري، فالمقاتل قبل أن يمارس العنف يوفّر مبرراته الدينية، فهو إنما يقتل كفّاراً وخارجين عن الدين، فإن انتحر أو قتل في مواجهة مسلّحة فهو شهيد، هكذا يحصل على الضمانة الدينية الأكيدة الى أنه لن يخرج خاسراً في كل الأحوال، فهو يمارس العنف بطمأنينة ولا يساوره أدنى شك بانه يطبّق شرع الله.

2 ـ إنه عنف عابر للطوائف والدول، فهو وإن استهدف في الغالب طائفة بعينها الا أنه لا يستثني أحداً. بدأ العنف الطائفي في العراق على يد الزرقاوي حين بعث برسالة الى بن لادن والظواهري يقدّم فيها مشروع حرب أهلية طائفية في العراق ويكون هذا المشروع شرطاً لمبايعته لهما. نقرأ في الرسالة التي نشرت في فبراير 2004 (إن استهدافهم ـ أي الشيعة في العراق ـ وضربهم في العمق الديني والسياسي والعسكري سيستفزهم ليظهروا كلبهم على أهل السنة). ويشرح الزرقاوي أبعاد الحرب الطائفية: (الحل الوحيد ان نقوم بضرب أهل الرفض ـ أي الشيعة ـ المدنيين منهم والعسكريين وغيرهم من الكوادر الضربة تلو الضربة، حتى يميلوا على أهل السنة). والهدف من ذلك بحسب الزرقاوي: (واذا نجحنا في جرّهم ـ أي الشيعة ـ إلى ساحة الحرب الطائفية، أمكن ايقاظ السنّة الغافلين، حين يشعرون بالخطر الداهم، والموت الماحق على ايدي هؤلاء السبئية). وعدّ ذلك (السبيل الوحيد لإطالة أمد القتال بيننا وبين الكفار).

ولكن لحظنا كيف أن هذا الحريق الطائفي لم يتوقف عند طائفة بل تمدّد ليشمل كل الطوائف الدينية والقومية، بل طاول كل مكوّنات الشعب العراقي ثم السوري، وانتقل الى دول أخرى مثل مصر وليبيا واليمن وتونس والجزائر وغيرها.

3ـ أن العنف مرتبط بمشروع سياسي كبير، فالعنف ليس من أجل العنف بل هناك مشروع كبير يريد أن يحكم، وهو ما يسمونه إعادة إحياء الخلافة الاسلامية. ولهذا السبب، فإن العنف قد يبدأ في مكان، ولكن نهايته هي آخر نقطة في العالم، أي أنه عنف متنقل ويعتمد على قدرة من يمارسونه على التمدد.. وهنا يبدو الفارق بين القاعدة وداعش، فبينما الأولى تريد استهداف القوات الأميركية في كل مكان وخصوصاً في بلاد المسلمين، فإن داعش تخطط لإقامة الدولة الاسلامية. وفي إحدى رسائل بن لادن الواردة في الدفعة الأخيرة من وثائق آبوت آباد ينصح أتباعه في شمال أفريقيا بأن يكفوا عن التفكير في إقامة الدولة الاسلامية والتركيز على ضرب المصالح الأميركية.

4 ـ أن هذا العنف لا يستثني أحداً ولا مكاناً ولا زماناً، فليس هناك مدني وعسكري ولا مسجد أو ثغر أو قاعدة عسكرية أو معسكر، ولا يوم الجمعة أو باقي الأيام أو حتى الأشهر الحرم. ثمة تبريرات دينية لذلك أيضاً. مفهوم التترّس في التراث الفقهي الاسلامي جرى تشويهه وتوظيفه بما يخدم آلة العنف والإرهاب، حيث يصبح المدنيون هدفاً مشروعاً على أساس هذا المفهوم. وتغيير عنوان المسجد إما الى مسجد ضرار أو معبد أو أي شيء آخر غير المسجد يجعله مستباحاً أمام نشاطات إرهابية.

5ـ أن العنف لا يستهدف طوائف ومجتمعات فحسب بل الأخطر من ذلك أنه يهدد وحدة الكيانات الجيوسياسية، أو بالأحرى الدول، فاليوم يتفشى العنف في البلدان التي تبدو فيها الدولة ضعيفة وهشة، وكلما أصاب الدولة الوهن كلما ازدادت وتيرة العنف. ولذلك فإن الجماعات المسلّحة والتكفيرية على وجه الخصوص، تمثّل الاداة النموذجية لمشروع الفوضى الخلاّقة حيث تنهار الكيانات والدول وتصبح عرضة للانقسامات، بما يجعل فكرة إعادة تشكيل الخرائط الجيوسياسية في الشرق الأوسط قابلة للتحقّق.

ماهو مطلوب اليوم ليس مجرد الكشف عن المصالح السياسية من وراء العنف بدوافعه الدينية، بل إعادة تفعيل حركة المراجعات في التراث الاسلامي عموماً، وفي التراث الوهابي على وجه التحديد من أجل التوصل الى تشخيص دقيق يبنى عليه كل علاج مقترح.

الصفحة السابقة