الوزير الحقيل: الإسكان مشكلة فكر

أزمة السكن قنبلة موقوتة في البلد (القارّة)!

يحي مفتي

الإسكان في المملكة السعودية قنبلة موقوتة.

فنسبة الذين يتملكون مساكن لهم لا تتجاوز الـ ٢٢٪ فيما يدفع ٧٨٪ من المواطنين معظم رواتبهم في الإيجارات، ما فاقم أزمة الفقر التي أصابت نحو نصف عدد السكان السعوديين.

ولأن المشكلة متراكمة، ولأن الحل بيد الأمراء لا سواهم، ممن سيطروا على اقطاعات اراضي حكومية بملايين الأمتار المربعة، واحتكروها لأنفسهم، وتحكموا في الأسعار حتى ضاهت اسعار اراضي القرى السعودية، اسعار نظيرتها في عواصم غربية.. لا يبدو في الأفق حلّ للأزمة، التي قد تنفجر بوجه آل سعود، في أي لحظة.

ورغم ان الملوك المتعاقبين وعدوا بحل الأزمة، إلا أن شيئاً لم يحدث أكثر من تقديم الوعود، وتغيير وزراء الأسكان، حتى ان اربعة وزراء اسكان تعاقبوا على الوزارة خلال عامين فقط!

لكن المشكلة ليست في الوزراء كما يعلم المواطنون، وهو ما يريد آل سعود ان يوهموهم به.

المشكلة بدأت منذ منتصف الستينيات الميلادية، وتفاقمت في السبعينيات، حتى بلغت ذروتها اليوم.

من صنع الأزمة هو الملك فيصل، الذي اعتقد أنه سيحلّ مشكلة، فأوقع البلاد والشعب في مشكلة أكبر منها.

الملك فيصل وجد الخزينة فارغة بسبب أخيه الملك سعود، وتعدّي الأمراء عليها حدّ تصفيرها، إذ لم يبق فيها سوى بضع مئات من الريالات فقط!

يومها، لم يأخذ فيصل على يد إخوته الناهبين، بل أوجد لهم بديلاً عن التعدّي على الميزانية.

البديل كان منحهم إقطاعات من الأراضي الشاسعة التي يمكنهم بيعها، وقد تصاعدت اسعارها منتصف السبعينات بنسب ألفية وليست مئوية. ومع هذا، لم يستطع فيصل منع اشقائه من النهب، فصارت الميزانية تُنهب، كما الأراضي، كما العقود الحكومية وغير الحكومية حتى، حتى استحوذ الأمراء على كل شيء تقريباً.

ولهذا صعب اليوم، وفي ظل الفساد الكبير الذي يشمل الملك ومن هم دونه من الأمراء وحاشيتهم.. صعب السيطرة على تصرفاتهم، او إيقاف غائلة تعدياتهم، أو وضع قوانين تخفّض من أسعار الأراضي التي احتكروها، أو توقف النهب للأراضي البيضاء، والتي تسمى الأراضي الرحمانية ايضاً، وهي الأراضي المملوكة للدولة.

لا يريد ولا يستطيع الملك في ظل انهيار الدولة، واحتكار المنافع السياسية لأبنائه وحاشيته، وعزل بقية امراء العائلة المالكة.. لا يستطيع ان يسدّ الملك على هؤلاء الأخيرين ابواب السرقة والنهب، ولا أن يقوم بإجراءات استعادة المنهوبات من الأراضي، او تخفيف أسعارها، فهذه امتيازات مادية تستمر كتعويض للأمراء عن إبعادهم عن شؤون السياسة المحتكرة من قبل سلمان وأبنائه.

بمعنى آخر، فإن الفساد والنهب والسيطرة على الأراضي تخدم أهدافاً سياسية للملك ضمن صراع الأجنحة القائم، ولا يهم الملك تصاعد أزمة الإسكان التي نقطع بأنه لا يوجد لها مثيل في أي بلد في العالم، سواء كان العالم المتقدم أو العالم شديد التخلف!

أزمة السكن في السعودية ليست عادية، ونجزم بأن حدّتها لا توجد في أية دولة في العالم قاطبة.

السعوديون هم أقل من يمتلك مساكن في بلدهم بين دول العالم. ومن سخرية القدر أنها بلد غنية، وأن مساحتها تزيد على مليوني وربع المليون كيلومتر مربع (فقط!)!

٢٢٪ من المواطنين السعوديين يمتلكون منازل.

في الكويت ٨٤٪ يمتلكون مساكنهم ولا يعيشون بالإيجار، وفي الإمارات ٩٤٪، وفي سلطنة عمان ٩٣٪؛ وقطر ٧٩٪، والمغرب ٦٤٪، وتونس ٧٨٪، والفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة ٨٤٪، والباكستان ٧٥٪، والهند ٨٦٪، واندونيسيا ٦٩٪، والصين ٨٥٪، وسنغافورة ٩٠٪، وسيريلانكا ٨٢٪، وهكذا!!

ومشكلة السكن في السعودية تسبب مشكلات كبيرة أخرى، ومن أهمها تصاعد الفقر، ذلك أن معدل الرواتب للموظفين يلامس الثلاثة آلاف ريال شهرياً، يذهب ثلثاها كإيجار سكن، ما يؤثر على مستوى المعيشة للعوائل، ويمنع الشباب من الإقدام على الزواج، لهذا زادت العنوسة، وصار هناك اكثر من اربعة ملايين عانس في السعودية. وهذا ايضاً قاد الى تصاعد الجريمة، بما فيها جرائم السرقات المسلحة، وتزايد حالات الإعتداء الجنسي، وقاد في نهاية الأمر العديد من الشباب الى الإنضمام الى التنظيمات التكفيرية كالقاعدة وداعش وهكذا.

إذن هي ليست مسألة اعتيادية، أن يكون ما يقرب من ٨٠٪ من الشعب يعيش في مساكن مستأجرة.

ومع ان المواطنين ينتقدون أداء وزراء الإسكان، إلا أنهم في واقع الأمر يوجهون التهمة والفشل والشتائم للأمراء الذين لا يستطيعون نقدهم والتعرّض لهم، أي أن نقدهم من باب: (إياك اعني واسمعي يا جارة).

وزير الإسكان الجديد ماجد الحقيل، والذي هو في الأساس مجرد مهندس يمتهن العمل في العقارات والأراضي، وصديق لمحمد بن سلمان، ابن الملك ووزير الدفاع. هذا الوزير قال في اجتماع مع مطورين عقاريين ان ازمة الإسكان ليست بسبب شح الأراضي، ولا قلّة الأموال المخصصة، وإنما في (الفكر).

كانت هذه الجملة الأخيرة كافية لفتح الجراح اكثر فأكثر، وتعريضه للنقد والشتم الشديدين، على مواقع التواصل الاجتماعي، من مختلف فئات المجتمع. 

الشيخ عادل الكلباني، إمام الحرم المكي الأسبق، علق: (هالحين اذا دقّ عليك راعي العقار يبغى الأجار، كيف تقنعه إن المسألة ثقافة وأفكار؟)؛ واقترح أن يكون شعار وزارة الإسكان، هذه الآية: (وما الحياة الدنيا إلا متاعُ الغُرور). والشاعر الداعية عبدالله المقحم ردّ شعراً:

على قدرِ أهل (الفكر) تأتي المنازلُ

وتأتي على قدْرِ الغباءِ المهازلُ

واضاف:

إذا احتجتَ يوماً الى مسكنٍ

فبادِرْ الى الفِكْرِ ثم اكتَفِ

على شارعينِ اتّخذْ فكرةً

وأسكِنْ عيالكَ في الأحرُفِ

والشيخ محمد الشنار، يسخر على العمالة الأجنبية والوزير: (أيس كلام إنتا؟)، يقصد الوزير؟ والصحفي جمال خاشقجي يسخر بطريقته: (سوف أعالج فكري اعتباراً من اليوم إسهاماً مني في حل أزمة الإسكان)؛ والكاتب الإقتصادي عصام الزامل يخاطب المواطنين: (لا تحلمون بحلّ أزمة الإسكان، مادام الوزير لا يعتقد بأن الأراضي هي السبب الرئيس في الأزمة). واضاف: (يبدو أن الوزير أعجبته كذبة: نحتاج اصلاح التعليم لحل مشكلة البطالة. والآن: نحتاج اصلاح التعليم لحل مشكلة الإسكان)، عبر الفكر طبعاً. واعتبر الزامل كلام الوزير بأن مشكلة الاسكان سببها الفكر، فكرة عظيمة، واضاف: (سأذهب لأطبقها بأول أرض بيضاء أشوفها).

أيضاً اعتبر المحامي والحقوقي عبدالعزيز الحصان كلام الوزير الحقيل إفلاساً مرتبطاً بفشل الحكومة. واضاف: (المطلوب باختصار استرداد الأراضي المسروقة). اي استردادها من السرّاق ولا أحد يجرؤ على سرقة آلاف الكيلومترات إلا الأمراء!

زكي الصدير، الكاتب والشاعر، سخر بطريقته فقال: (راحت عليه الوزير، لو لحق المتنبي على وزيرنا لقال: على قدر أهل الفكر تأتي المنازلُ/ وتأتي على قدر العقول المساكنُ). والدكتور تركي الحمد أكد ان أزماتنا بما فيها الإسكان، لا تعود اسبابها الى نقص في المال او قصور في الثقافة فـ (هي بكل بساطة أزمة ضمير) وسأل: (هذه من يحلّها؟)؛ وتساءل: (لماذا نعقّد ما هو بسيط، فحل مشكلة السكن يتلخص في نقطة واحدة: مسكن لكل مواطن) كما يفعل الصهاينة. فماذا ينقصنا، يسأل الحمد؟

عبدالحميد العمري، الصحفي والإعلامي، والمتخصص في اقتصاد الأراضي، نصح شركة العلاقات العامة التي تدافع عن الوزير، أن تستمع للقائه مع المطورين العقاريين كاملاً، حتى (لا يجيبون العيد)، واقترح مناظرة على الهواء مباشرة مع مسؤولي وزارة الإسكان. وخاطب العمري الوزير: (اذا كنت لا ترى الأراضي البيضاء التي تشكل ستين بالمئة من مساحة المدن، وأن لا أهمية لـ ٢٥٠ مليار ريال لحل أزمة السكن؟ فلا يعني ذلك أن أعيننا عمياء!).

ومن سخرية لاذعة الى أخرى، ولكنها قصة حقيقية هذه المرة، يرويها الكاتب والمسؤول السابق جميل فارسي فيقول: (أنا أعرف واحد عرف يفكّر صحّ، فأصبح عنده كيلومتر مربع من الأراضي، فاتحلّت مشكلة سكنه، وزادت مشكلة سكن الناس). وأيّدت الحقوقية عزيزة اليوسف قول الوزير بأن المواطن لم يفكّر في أزمة السكان، وأرفقت بتعليقها صورة الشبوك التي تسوّر مساحات ضخمة من الأراضي لأحد الأمراء.

الإخواسلفي محمد الحضيف يرى أن مشكلة الإسكان سببها عدم وجود إرادة للدولة، يعني الحكومة لا تريد للمواطن ان يمتلك مسكناً. لكن السؤال: لماذا لا تريد؟ ولماذا لم تكن لديها ارادة؟ اما الصحفي خلف الحربي فسخريته كانت كالتالي: (بكرة اذا رحت تخطب، سيسألك أبو البنت: عندك مشكلة فكر، ولاّ مضبوط فكرك؟). والكاتب خالد الوابل يرى التالي: (لا علاقة للفكر بالسكن. نحن لم نصل للعشرين مليون بعد، ووطننا قارّة. هناك مشكلة اسمها غياب العدالة الإجتماعية). واقترح الصحفي هاني الظاهري فكرة جيدة وأنيقة للإيجار: النوم في الشارع، ولكن في شقة ارتسمت فكرياً على الجدار. بارك الله فيك.

من جانبه علق الطبيب والصحفي ايمن بدر كريّم على مشكلة فكر وزير الاسكان فقال: (انا في فكر.. أنا ما في سكن)! عندي فكر، ولا عندي سكن يا وزير! وفي السياق يقول الدويش: (أنا أفكّر إذن أنا أسكن). ومنه الى سخرية علي الظفيري، الإعلامي في قناة الجزيرة: (الأزمة ـ طال فكرك ـ أكبر وأعقد وأطول). والإعلامي سلطان الجميري رأى ان وجود الحقيل في منصبه (هي بذاتها مشكلة فكر. فقد كان صعباً على عقاري أن يقف مع الناس ضد رَبْعِهْ وأخوياه).

الاعلامية والناشطة خلود الفهد أحصت كلمة فكر وقالت انها تكررت في خطاب الوزير ٥٦ مرة، ما يدل على أن لديه وسواس قهري مع الفكر والأفكار.وأشواق الحمد، وصفت الوزير بأنه (أبو نُكَتْ) حيث كانت تغريداته قبل ان يصبح وزيراً مليئة بالنكات، والآن (جالس يتفلسف علينا)؛ ومن نكات الحقيل قبل ان يصبح وزيراً هذه: (قالت له زوجته وهي خائفة: لقد نسيت ان أضعَ الملحَ في المَرَق. فلاحظ الزوج قلقها، وهمس لها: لا تقلقي فأنتِ ملح حياتي، وأمسكَ برأسها وحَطّهْ في المَرَقَهْ).

المفكر محمد المحمود قال: (بما أنني من المشتغلين بشؤون الفكر، فإنني غير محتاج للبحث عن سكن؛ مع أنني لا أملكُ أيّ عقار، لا أرضاً ولا سكناً)؛ وقال في موضع اخر: (من اليوم فصاعداً، سيصبح المفكرون من كبار العقاريين بقدر ما لديهم من أفكار. هو زمن أرباب الفكر، ولا عزاء للتجار). وزاد: (إنْ لم يدعم وزير الإسكانِ الإسكانَ؛ فعلى الأقل يدعم الثقافة. لأن حلّ مشكلة السكن بات يمرّ من خلال معرض الكتاب)!

الناشطة نوال الهوساوي رأت المشكلة في الفكر الذكوري، واضافت: (آن الأوان أن تتولى إمرأة هذه الحقيبة الوزارية. لقد أخذ الذكور فرصتهم، وحان وقت السيدات). والصحفية بشائر محمد لديها أفكار سوداء كثيرة، وتريد أن (تُشَبِّكَها) ولكنها خائفة من الرسوم او الضرائب الحكومية (وقصدها أنه لا توجد ضرائب على أراضي الهوامير). وتساءلت بأن افكارها سوداء فهل تشملها الرسوم، ام ان الأمر يشمل الأفكار البيضاء فقط (اي الأراضي البيضاء).

المتطرف الداعشي الدكتور صنهات العتيبي، يرى ان الاحتكار من اهم مشاكل الإسكان، وأنه نتج اساساً بسبب هِبات ضخمة من الأراضي لمن لا يستحق. يعني الملك منح الأراضي للأمراء، والبلد كلها ملك أبوهم، وهذا سبب الازمة. وهذا هو رأي الدكتور مرزوق بن تنباك، حيث انتقد بيع الاراضي على أمراء بسعر المتر ريالاً واحداً، ليبيعه بعشرة آلاف ريال: (من يبيع المَوات من الأرض على الأحياء من البشر، فتجارته شرّ، وربحه مرّ، وعمله خيانة للدين)؛ واضاف: (لم يحدث في تاريخ الشعوب أن اصبحت الأرض الموات ملكاً يُباع على المواطنين، وتُمتصُ به جهودهم، ويبلغ حدّ العوز والفقر لهم). وتابع ابن تنباك: (بيع الأرض الموات، وحجزها بأيّ حجّة، بغيٌ على الشعب، وقهرٌ للمحتاج، واستغلالٌ للقادر؛ ونهبٌ للمال من أيدي أهله. نحن الشعب شركاء في الوطن، ولسنا أُجراء لأحد).

وهنا ينقل لنا عبدالسلام الوايل قصة أمير: (حصل على ستة ملايين متر مربع مجاناً؛ سيكلّف تطويرها ٩٠٠ مليون ريال، وستباع بعشرة مليارات ريال. ستدفع الأُسَر ثلث دخلها لمليونير ولسنوات، مقابل أرض حصل عليها مجاناً).

في نهاية المطاف كما يقول بدر الراشد، فإن أزمة السكن تحولت الى أزمة ثقافة وبعدين صارت أزمة فكر، (الله يستر لا تصير فلسفة ونحتاج الانطلوجيا والفيمنولوجيا عشان نحلّها). ومن السخريات التي وردت على موقع التواصل الاجتماعي:

* روى محدّث ثقة أن وزارة التعليم ستستبدل مادة الوطنية بمادة الفكر. تكبير!

* لعبها صح الوزير الحقيل، وحلق شاربه (في حين ان رئيس فنزويلا قال سأحلق شاربي إن لم يتم بناء مليون وحدة سكنية نهاية العام الجاري).

* الوزير ماجد الحقيل استحق عن جدارة ان يكون اكثر وزير يتهشتق بالرغم من أنه حديث عهد بالوزراة.

الصفحة السابقة