مطالبات بإلغاء هيئات المنكر

حزبا آل سعود الديني والليبرالي يتصارعان خدمة لهم!

فريد أيهم

تجاوزات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكل المؤسسات الدينية الوهابية الرسمية، بما فيها مؤسسة القضاء، والتعليم الديني، تصاعدت بشكل صاروخي منذ تسنّم الملك سلمان العرش قبل نحو عام. ولا غرابة في ذلك، فقد انتهج الملك الجديد سياسة التصاق مع التيار الوهابي، وأزال كل الحواجز أمام شرعنة إرهاب هذا التيار ومؤسساته، بقوة سلطان الدولة، وبموافقة من الأمراء الساعين الى تعضيد اللحمة الداخلية النجدية، في ظل أزمة متعددة الجوانب: سياسية وأمنية ومالية واقتصادية وتنموية وغيرها.

لهذا نجد تجاوزات هيئة الأمر بالمنكر تتكرر وتتصاعد نوعاً وعدداً، وكان آخرها اعتقال الاعلامي علي العلياني، الذي كان أحد اشد المنتقدين لرجال الهيئة، فما كان منهم الا ان اعتقلوه، بحجة السكر والعربدة وحضور نساء في حفل ماجن. وفي اللحظة نفسها، قام رجال الهيئة وانصارهم المتطرفون ببث الخبر وإشاعته خلاف القانون. ثم بعد ايام تبين ان كل الدعاوى كاذبة، وأن رجال الهيئة ليس فقط يتجسسون على الناس، بل ويزيفون الإتهامات، بلا رادع من قانون او دين او ضمير.

حكومة الأمراء، اعتادت ان تشغل المجتمع بصراع داخلي، بين مؤيدي الهيئة ومعارضيها، وهو شكل من أشكال الصراع بين المؤسسة الدينية الوهابية بكامل اطقمها، مع من يسمون بالتيار الليبرالي، وكلاهما يمثلان السلطة، بل هما في الجملة حزباها. وقد استمر هذا الصراع بينهما بمسميات مختلفة لعقود طويلة، حيث يستمد كل طرف أدواته من السلطة السعودية نفسها، ولصالحها، وأصبح كل طرف يزعم انهم احرص من الآخر على حفظ عرش آل سعود؛ بل ان كل طرف يحرّض النظام على خصمه.

هذه معارك لم تنته، غرضها اشغال المواطن، وتنزيه آل سعود، وجعل التغيير والإصلاح امراً مستحيلاً، عبر تغيير الأولويات، وافتعال الأزمات، ليصبّ كل ذلك في جيب الأمراء، الذين يقفون مع هذا الطرف تارة، ومع ذاك تارة أخرى.

بعد التجاوزات الكثيرة من قبل رجال الهيئة، طالب مواطنون كثر بإلغائها، ولكن هؤلاء يتناسون أن آل سعود لا يستغنون عن هيئة المنكر كقوة قامعة للداخل، تعمل لصالحهم، وان الهيئة مجرد جهاز رسمي، لكنه على صلة بقضية أهم وهي دعم التحالف الوهابي السعودي.

 

المفكر محمد علي المحمود يرى أن (الهيئة غير قابلة للإصلاح. لاحلّ لها إلا بإلغائها)؛ والكاتب الدكتور توفيق السيف ينسج على ذات المنوال: (قلتها منذ سنوات وأعيدها اليوم: لا يوجد حل لمشاكل الهيئة. الخيار الوحيد هو حل الهيئة، وإراحة المجتمع السعودي من هذا الهمّ الثقيل). والكاتب سعيد السريحي يرى أن (إلغاء هيئة الأمر بالمعروف أخفّ ضراراً من تعريض أمن المواطنين للخطر، وسمعة بلادنا للسخرية). ومثلهم الدكتور عبدالعزيز بن فوزان يرى: (لا حلّ للهيئة إلا بحلّ الهيئة).

لكن الواقع المرّ هو ان ميليشيا الهيئة تحظى بصلاحيات واسعة، وتتمتع بحصانة كبرى، والحكومة لن تلتفت لهذه الدعوات. الهيئة عبارة عن بلطجية يعملون لصالح الحكومة؛ فهي راضية عن كل جرائمهم ضد الشعب.

المحامي محمد الجذلاني، أكد ان رجال الهيئة يزيفون الوقائع ولا يلتزمون بالضوابط الدينية، وقال ضمنياً بان هناك ارادة حكومية فعلية لتركهم على وضعهم. وقال: (الدولة تمرّ حالياً بمأزق اتهامها أنها الحاضنة لفكر داعش، ومثل هذه الممارسات وبعض الفتاوى تورّط الدولة وتحرجها أكثر). لكن المحامي خاف من رجال الهيئة او من رجال المباحث لا فرق، فتراجع عما قاله خشية ان يصنّف بانه (عدوٌ للدين) حسب تعبيره! لم لا، فهذا الشيخ عبدالكريم الخضير، عضو هيئة كبار العلماء، يقول بأن (التطاول على الهيئات بمنزلة قتل الأنبياء)؟!

الصحفي قينان الغامدي وصف الوضع كالتالي: (هذا عصر طغيان الهيئة، ووقت انتهاك خصوصيات الناس وحرماتهم، وهتك حرياتهم. هذا عصر لا نظير له حتى في القرون الوسطى المظلمة). لكن قينان، ينسى أن هذا هو العصر السلماني الذي يطبّل وآخرون له!

لا مانع لدى رجال الهيئة من التجسس وسوء الظن والقذف وانتهاك الخصوصيات والضرب والتعذيب والتهديد والإذلال والبذاءة والإنكار في الخلافيات وكشف المستور، وشهادة الزور، كما يرى أحمد العواجي. وقد أدى هذا الى قيامهم بأعظم منكر، وهو تشويه الدين والمساهمة بالإرتداد عنه. ويعتقد الشيخ سليمان الطريفي، بأن ما تقوم به الهيئة من تصوير المتهم بجناية، مخالفة صريحة لدين الله، ولكل القوانين. التشهير كما حدث للعليان.. عقوبة تحتاج الى حكم قضائي. لكن عدوانية رجال الهيئة وأخطائهم لن تتغير، حسب الكاتب عبدالله ثابت.

والقضية هنا ليست مسألة توجيه فكري، أو ضبط قانوني لممارسات رجال الهيئة، بل القضية هي أن هناك ما يشبه الكلاب أطلقهم الملك سلمان بأكثر مما فعل أسلافه، كي يثيروا الرعب في المواطنين، وينتهكوا حقوقهم، ويردعونهم عن معارضة من منحهم السلطة والمال وزكّى أفعالهم، وهم آل سعود.

وجود هيئات المنكر حاجة لنظام الحكم، وهي واحدة من مؤسساته القمعية، وستبقى الى أن يزول آل سعود.

الصفحة السابقة