السجن ثمان سنوات و800 جلدة

القضاء المُسعوَد يلغي حكم الإعدام

ناصر عنقاوي

أشرف فيّاض، شاعر وكاتب فلسطيني، مقيم في السعودية. حدث وأن تشاجر مع أعضاء هيئة الأمر بالمنكر، كما يحدث دائماً مع المواطنين والمقيمين. فتّش الظالمون عديمي الإيمان فيما كتب ونشر خارج السعودية وفي غير صحافتها وإعلامها، فوجدوا أبياتاً من الشعر، لم نعرف حتى الان ما هي، فسّروها على أنها إلحادٌ وردّة عن الدين، وساقوه ـ انتقاماً لذواتهم المريضة ـ الى قضائهم الفاسد، وحكموا عليه بالإعدام. هكذا بكل بساطة وسهولة.

ضجّ المثقفون والكتاب المحليون والعرب من هذا الحكم القراقوشي العجيب، وتدخلت هيئات حقوقية محلية واقليمية ودولية إزاء هذا التعدّي على أرواح البشر، وكأنّ من يقيم في السعودية لا بدّ ان يكون صحيح الإيمان، على الطريقة الوهابية السعودية. 

ويتناسى هؤلاء المشايخ الوهابيين التكفيريين الداعشيين، أن أكبر نسبة إلحاد في العالم الإسلامي هي في السعودية. وكل ذلك بسبب فجورهم وتعديهم بإسم الله ودينه على ابسط حقوق الناس، مواطنين او مقيمين. ورغم هذا، لم نسمع يوماً انهم ساقوا احدهم الى المقصلة. ولكن لأن اشرف مجرد فلسطيني، فيجوز سفك دمه بإسم الله.

 

وحتى لو افترضنا أن الرجل كان ملحداً، فهو لا يحمل جنسية البلد، ولا نشر شيئاً ضدّها، والسعودية يأتيها من كل أجناس الخلق، ومن كل الأديان، وبينهم صهاينة كفريدمان الذي زارها مؤخراً. فهل نصدّق أن هؤلاء المستهترين بالدماء، من مشايخ الضلال والتكفير، يمكن أن يؤتمنوا على دين الناس، وعلى أعراضهم، وعلى حقوقهم، وهم الذين فرّطوا في الأساس بأغلى شيء، وهو حياتهم ودمهم؟ ثم كيف نصدّقهم في دعاواهم، وللمواطنين تجارب عديدة في تفسير المقطوعات الشعرية والأدبية والروائية وفق هواهم وخاطرهم، ثم الحكم على الكاتب بالكفر والضلال؟

أياً كان الحال.. فإن الضجّة العالمية الكبرى التي اثيرت قبل بضعة أشهر،  بعد إعلان حكم الإعدام بحق أشرف فياض، كان لها أثر، بحيث أعيدت محاكمته، وتفضل القضاة الوهابيون وبأوامر من أسيادهم الأمراء، فتنازلوا وحكموا على أشرف فياض بالسجن ثمان سنوات، وبجلده ثمانمائة جلدة.

فهل هذا من العدل في شيء؟

ولا ننسَ هنا مأساة قد وقعت، فحين علم والد اشرف بالحكم بإعدام ابنه، أصابته جلطة وتوفي على إثرها مباشرة. فما أقبح الظلم خاصة إن جاء من رجال يزعمون تطبيق شرع الله، ومن قضاء يزعم أحدهم فيقول بأنه (الأنزه عالمياً)!

الحكم الجديد، على اشرف فياض اثار اعتراضات وتعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي.

فحين نشر المحامي عبدالرحمن اللاحم بياناً عن الحكم الجديد الصادر من محكمة أبها ـ جنوب المملكة ـ في الثاني من فبراير الجاري، بدأت الصحف السعودية تطرح الخبر الجديد لتهدئة المثقفين العرب والفلسطينيين بالذات حتى داخل الأرض المحتلة. لكن حكم الجلد والسجن أثار الإشمئزاز.  وكان الشيخ الدريهم المتطرف قد رد على المحامي اللاحم بأنه (مادامك دخلت فيها، فالإعدام ثابت ثابت). أي مادمت انت المحامي، فالإعدام مؤكد لأشرف؛ يقول ذلك سخرية، والدريهم يعلم بأن القضاء بيد أمثاله من المستهترين بالدماء.

المعارض الدكتور حمزة الحسن علق على الحكم الجديد فقال: (فلسطينيٌ مقيمٌ لديكم. نشر كتاباً ومقالات خارج دياركم. فسّرها فقهاؤكم بالإلحاد، فيحاكم ويُسجَن. يحيا العدل السعودي السلماني!)؛ واضاف: (بعض الناشطين صرخوا بعد الغاء حكم إعدام أشرف، وقالوا: يحيا العدل. أية عدلٍ مُسَعوَدٍ هذا؟ ثمان سنوا سجن، وثمانمائة جلدة؟!).

حقاً.. لم يكن الإعدام عدلاً، ولا السجن والجلدُ إنصافاً. واختلطت مشاعر الكثير من المتعاطفين فما يدرون أيفرحون لأن الحكم الجديد أهون من الإعدام، أم يحزنون، لأنه مازال حكماً ظالماً؟. الكاتبة رؤية الغامدي خاب املها فيمن تظن انهم كانوا رجال حق، واذا بهم يدافعون عن حكم الإعدام، ويصفونه بالحكم العادل، وأن القضاء السعودي لا يُخطئ، وتسأل: ماذا سيكون كلامهم الان بعد تغيير الحكم؟

العدل هو الإفراج الفوري عن اشرف وتعويضه رداً للإعتبار لما جرى له ولعائلته بسبب الظلم الذي وقع عليه. فالطغاة فجعوه بأبيه المتوفى، وثمان سنوات سجن. هذا حكم داعشي، فداعش هي المستوى الثاني من السعودي. داعش هي المراهق المتسرّع. اما السعودية فهي داعش الكبير الذي علّمهم الإرهاب، كما يقول أحدهم.

لكن ماذا عن والد أشرف؟ الكاتبة هيلة المشوح تسأل: (من يُبشّر والد أشرف في قبره) من أن حكم الإعدام قد أُلغي عن ابنه أشرف فياض الذي كان منتسباً لجامعة الأزهر بغزة، وقد أسلم على يديه أجنبيين، في حين ان الشيخ المتطرف البرّاك يطالب بقتله بحدّ الردّة. ويخاطب الكاتب عبدالله ثابت أشرف فيقول: (تُرفعُ يدٌ عن عُنُقِكَ، وتهوي الأُخرى بسوطها على ظهركَ وسنينَ عُمُرِك. لكَ الله يا أشرف).

الصفحة السابقة