بلومبرغ تكشف:

سرّ الحظر النفطي بعد 41 عاماً

كثـرت الأسئلة عن الحجم الحقيقي للاستثمارات السعودية وسبب إبقائه سراً طوال هذا الوقت

إعداد هيثم الخياط

كنز مدفون لأكثر من أربعين عاماً يظهر أخيراً للعلن، وهو من أخطر أسرار العائلة المالكة..فقد كشفت وزارة الخزانة الأميركية في مايو الماضي حجم استثمارات السعودية في سندات الخزينة الأميركية، للمرة الأولى، بعدما أبقتها سراً أكثر من أربعة عقود. فما حكاية هذا الدين، ولماذا أبقي سراً؟

 

أعلنت الوزارة الامريكية في حينه أن حيازة السعودية من السندات الأميركية بلغت 116.8 مليار دولار حتى مارس الماضي، في مقابل 1.3 تريليون دولار لحيازة الصين من السندات الأميركية، و1.1 تريليون دولار لليابان. واضطرت الوزارة إلى كشف الأرقام المتعلقة بالحيازة السعودية، بناء على طلب استند إلى قانون حرية المعلومات، بعدما نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير هدد الادارة الأميركية بسحب وتسييل الاصول والسندات والاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة والبالغة قيمتها 750 مليار دولار، في حال إقرار الكونغرس قانوناً يسمح لأهالي ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001 بمقاضاة المملكة السعودية أمام محاكم أميركية للحصول على تعويضات مالية.

ومذذاك، كثرت الأسئلة عن الحجم الحقيقي للاستثمارات السعودية وسبب إبقائه سراً طوال هذا الوقت. وفي تحقيق طويل شمل وثائق من الأرشيف الوطني الأميركي وبرقيات ديبلوماسية، روت الصحافية أندريا وونغ في موقع «بلومبرغ» الأميركي حكاية الدين الأميركي الذي بقي سراً طوال 41 سنة، وكيف استطاع تاجر سندات إقناع المملكة بصفقة كانت بمثابة اتفاق « حياة أو موت» لأميركا وأعادت رسم العلاقات السعودية - الأميركية لأجيال.

لم يكن تخفيض انتاج النفط العربي التدريجي، بدءاً من ١٧ اكتوبر ١٩٧٣​، شيئاً عابراً بل حدثاً خلّف نتائج تضخمية حادة على الاقتصاد الامريكي أوقعت بورصة الأسهم في وهدةٍ عميقة وفاقمت من اّثار حرب فيتنام.

وبحسب المفكر العربي كمال خلف الطويل كان «حظر» التصدير الى أمريكا أقل فعاليةً بكثير، باستثناء رمزيته والتي جعلت الشغل الشاغل لنيكسون - كيسنجر رفعه بأسرع وقت. وكان فيصل يحاول منذ قمة الجزائر في نوفمبر ٧٣ التنويه لحافظ الأسد انه لا يستطيع حمل «الحظر» على كتفيه لأكثر من شهر أو شهرين وإلا ناصبته أمريكا العداء المطلق، وهو ما لا قبل له باحتماله..كان الأسد يجيبه أن الرفع مشروط بإعلان واشنطن التزامها بتنفيذ القرار الأممي 242 على كل الجبهات.

ألقى نيكسون خطاب «حالة الاتحاد» في 20 يناير1974، وفيه أنذر وتوعّد ما لم يوقف الحظر بالعجل..هلع فيصل وجنّد أنور السادات - الذي كان قد نام في حضن عزيزه هنري منذ7 نوفمبر 1973 لكنّه ارتطم بعناد الأسد الذي أصر على أن وعيد نيكسون فارغ ويمكن مط الحظر شهوراً أخرى.

 
نانسي كيسنجر بين زوجها ووزير الخزانة وليام سيمون

استنجد فيصل بهواري بومدين دون معرفة الحسابات التي كانت تدور في عقل فيصل، ولكن الأكيد أنّه لبّى النداء ودعا لقمة رباعية عنده في مارس 1974 ، شهدت حواراً صاخباً بين فيصل والأسد انتهى بضغط بومدين على الأخير أن يماشي الأول لقاء «ضغط» الأول على حلفائه الأمريكان أن يؤمّنوا للأسد اتفاق فصل قوات على وزن اتفاق يناير المصري.. وهكذا كان في 31 مايو 1974 .

استطاعت واشنطن الالتفاف على «تضخمية» ارتفاع سعر النفط بأن «أمرت» فيصل بتدوير فوائضه في السندات الأمريكية (والأسهم والعقار تلواً)، والإكثار من شراء السلاح الأمريكي، واعتماد الدولار الأمريكي عملة تسعيرٍ للنفط: أي بكلمة، ما خسرته امريكا بالتضخم عوضته مراتٍ بالتدوير. كل ما اشترطه فيصل كان سرية الشراء، وهو العليم بفضيحة وضع أموال وطنه رهينةً أبدية.

لم يكن الإخفاق خياراً..حدث ذلك في يوليو 1974. في أحد صباحات ذلك الشهر، الذي عتمّ رذاذ الفجر المتواصل سماءه، صعد ويليام سايمون، وزير الخزانة الأميركي المعين حديثاً آنذاك، ونائبُه غيري بارسكي، على متن الرحلة المنطلقة من قاعدة أندروز للقوات الجوية. في الطائرة، كان الجو متوتراً. ففي ذلك العام، كانت أزمة النفط قد ضربت الولايات المتحدة. وارتفعت أسعاره أربعة أضعاف جراء الحظر الذي فرضته الدول العربية في مجموعة «أوبك» ردّاً على الدعم الأميركي لإسرائيل في حرب أكتوبر 1973، ما أدى إلى ارتفاع نسبة التضخم، وانهيار سوق الأوراق النقدية، وما جعل الاقتصاد الأميركي يعاني بشدة.

رسمياً، سُجّلت جولة سايمون، التي استمرت لأسبوعين، على أنها جولةٌ ديبلوماسية اقتصادية تشمل أوروبا والشرق الأوسط، على أن تكون حافلةً باللقاءات التقليدية الرسمية والولائم المسائية. لكن المهمة الحقيقية، التي ظلّت محصورة فقط بالحلقة الضيقة للرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، كان من المخطط لها أن تتم في الأيام الأربعة التي سيزور خلالها سايمون وبارسكي مدينة جدة السعودية.

الهدف: تحييد النفط الخام كسلاحٍ اقتصادي، وإيجاد سبيل لإقناع مملكةٍ عدائية بتمويل العجز الأميركي المتفاقم بأموال البترودولار. وبحسب بارسكي، كان نيكسون واضحاً حول ضرورة عدم عودة الوفد خالي الوفاض. فالفشل لن يُعّرض فقط الوضع المالي لأميركا للخطر، بل قد يعطي الاتحاد السوفياتي مجالاً لإيجاد مسالك إضافية للتوغل إلى العالم العربي.

وبحسب بارسكي (73 سنة)، أحد المسؤولين القلائل الذين رافقوا سايمون في تلك الرحلة، «لم يكن السؤال أبداً مطروحاً حول ما إذا كان بالإمكان القيام بالمهمة أو عدم القيام بها».

للوهلة الأولى، لم يبدُ سايمون وكأنه الشخص المناسب للقيام بمثل تلك المهمة الديبلوماسية الحساسة. فقبل أن يستخدمه نيكسون، أدار سلسلة مكاتب سندات الخزانة لدى «سلومون براذرز». وقبل أسبوع فقط من وصوله إلى السعودية، انتقد شاه إيران، الحليف الإقليمي الوثيق آنذاك، واصفًا إياه بأنه «مجنون».

 
فيصل يستقبل نيكسون في الرياض، يونيو 1974

لكن سايمون كان يدرك، أفضل من أي شخص آخر، خطورة الدين الحكومي الأميركي، وكيفية التسويق للسعوديين فكرةَ أن أميركا هي المكان الأكثر أماناً في العالم لوضع البترودولارات فيه. متحصنة بتلك المعرفة، حاكت الإدارة الأميركية «خطة حياةٍ أو موت» أثّرت في ما بعد على جميع أوجه العلاقة السعودية ـ الأميركية تقريباً في العقود الأربعة التالية (توفي سايمون في العام 2000 عن 72 عاماً).

خطة العمل الأساسية كانت بسيطة للغاية. الولايات المتحدة تشتري النفط من السعودية وتؤمن المساعدات والتجهيزات العسكرية للمملكة. في المقابل، على السعودية أن تستثمر المليارات من عائداتها النفطية في شكل سندات الخزانة وتمول الإنفاق الأميركي.

وبحسب بارسكي، فقد احتاج الأمر لاحقاً إلى لقاءات متابعة أخرى سرية لحياكة كل التفاصيل. ولكل في نهاية عملية تفاوض امتدت لأشهر، بقي هناك أمرٌ واحد صغير، لكن مفصلي: الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود طلب أن تظل مشتريات سندات الخزانة «سرية جداً» وفقاً لبرقية ديبلوماسية حصلت عليها «بلومبرغ» من قاعدة بيانات الأرشيف الوطني.

وظل الأمر سراً بين عدد قليل من مسؤولي وزارة الخزانة و»مجلس الاحتياطي الاتحادي» لأكثر من أربعة عقود ـ حتى الآن. ففي استجابة لطلب مقدم من «بلومبرغ» وفقاً لـ «قانون حرية المعلومات»، كشفت وزارة الخزانة الأميركية حسابات السعودية للمرة الأولى هذا الشهر، بعدما «خلصت إلى أن ذلك يتفق مع الشفافية وقانون الإفصاح عن البيانات»، وفقاً للمتحدثة باسم الوزارة ويتني سميث. ويجعل الكنز، الذي تبلغ قيمته 117 مليار دولار، من السعودية، أحد أكبر الدائنين الأجانب للولايات المتحدة.

ولكن في جوانب كثيرة، أثارت المعلومات الكثير من الأسئلة، أكثر مما أعطت أجوبة. مسؤولٌ سابق في وزارة الخزانة، متخصصٌ في احتياطيات المصرف المركزي، والذي طلب عدم الكشف عن هويته، يقول إن الرقم الرسمي يقلل إلى حد كبير من الاستثمارات السعودية في السندات الحكومية الأميركية، والتي قد تكون ضعف هذا الرقم أو أكثر.

ويمثل الرصيد الحالي 20 في المئة فقط من 587 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية، وهو أقل بكثـير من ثلثي ما تحـتفظ به المصارف المركزية من الأصول بالدولار عادةً. ويُخّمن بعض المحللين أن تكـون المملكـة النفطـية قد أخفت ما لديها من ديون أمـيركية من خلال تجميع سـندات الخـزانة عبر مراكز مالية خارجية «أوفشور»، والتي تظهر في بيانات دول أخرى.

وتحديداً، كم من الدين لدى السعودية على الولايات المتحدة، هو اليوم أمرٌ مهم أكثر من أي وقت مضى.

وفي حين عمَّق انهيار أسعار النفط المخاوف من أن السعودية ستحتاج إلى تصفية سندات الخزانة لجمع الأموال، فقد برز هّمٌ مقلقٌ أكثر، وهو خطر أن تستخدم المملكة حجمها الهائل في أكثر أسواق الديون أهمية في العالم كسلاحٍ سياسي، بشكل كبيرٍ كما فعلت مع سلاح النفط في السبعينيات من القرن الماضي.

في نيسان الماضي، حذّرت السعودية من أنها ستبدأ ببيع ما يقارب 750 ملياراً من سندات الخزانة وأصول أخرى، إذا أقرّ الكونغرس مشروع قانون يحملها المسؤولية أمام المحاكم الأميركية حول هجمات الحادي عشر من أيلول، وفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز». ويأتي التهديد السعودي وسط دفعٍ جديد من قِبل مرشحين رئاسيين، ومشرعين من كلا الحزبين الديموقراطي والجمهوري، لرفع السرية عن قسم يشمل 28 صفحة من تقرير للحكومة الأميركية يعود للعام 2004، ويُعتقد بأنه يشمل تفاصيل حول علاقات السعودية بالهجمات الإرهابية التي ضربت الولايات المتحدة. ويُناقش مشروع القانون هذا، والذي أقرّه مجلس الشيوخ في 17 أيار الماضي، حالياً في مجلس النواب.

 
فيصل يصافح نيكسون، الرياض، يونيو 1974

ورفضت وزارة المالية السعودية التعليق على البيع المحتمل لسندات الخزانة. كما لم تجب مؤسسة النقد العربي السعودية فوراً على طلبات للحصول على تفاصيل عن الحجم الكلي لسندات ديون الحكومة الأميركية.

وقال الرئيس العالمي لاستراتيجية العملات في مؤسسة «براون براذرز هاريمان»، مارك تشاندلر، إنه «دعنا لا نفترض أنهم يخادعوننا حول التهديد بالرد. إن السعوديين تحت ضغطٍ كبير. سأقول إننا لا نحقق العدالة لأنفسنا عندما نقلل من شأن التزاماتنا للمالكين الكبار».

وتواجه السعودية، التي طالما قدمت الرعاية الصحية المجانية ودعم البنزين وزيادة الرواتب الروتينية لمواطنيها عبر ثروتها النفطية، بالفعل، أزمةً مالية عنيفة.

وفي العام الماضي وحده، بدّدت السلطة المالية 111 مليار دولار من الاحتياطات، لتصل إلى أكبر عجزٍ في ميزانيّتها خلال ربع قرن، حيث دفعت ثمن حروبٍ مكلفة لهزيمة تنظيم «داعش»، وإطلاق حروب وحملات بالوكالة ضد إيران. ورغم أن النفط استقر عند حوالي 50 دولارا للبرميل (بعدما هبط سعر البرميل إلى أقل من 30 دولارا بداية العام الحالي)، إلا أنه لا يزال أقل بكثير من الأعوام التي وصل فيها سعره إلى 100 دولار للبرميل.

هكذا، أصبح وضع السعودية سيئاً لدرجة أنها تبيع اليوم قطعةً من تاجها الملكي: شركة النفط المملوكة للدولة، «أرامكو».

وما هو أكثر من ذلك، فإن الالتزام بسياسة «الاعتماد المتبادل» بين الولايات المتحدة والسعودية، والتي انبثقت من «اتفاق سايمون» للديون، أي التي يمتد عمرها لعقود، بدأت تظهر إشارات بأنها تتآكل، إذ اتخذت الولايات المتحدة خطواتٍ مبدئية للتقرّب من إيران، أبرزها تجسد بالاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس باراك أوباما مع طهران. كما أنّ طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة، جعلت الأخيرة أقلّ اعتماداً بكثير على النفط السعودي.

«إن شراء السندات، وكل ذلك، كان استراتيجيةً لإعادة تدوير البترودولارات وإعادتها إلى الولايات المتحدة. لكن سياسياً، كانت دائماً علاقةً غامضة ومقيدة». هذا ما قاله ديفيد أوتاواي، الباحث في شؤون الشرق الأوسط في مركز «وودرو ويلسون الدولي» في واشنطن.

ولكن وفقاً لبارسكي، الذي يشغل اليوم منصب رئيس «مجموعة أورورا كابيتال»، وهي شركة للأسهم الخاصة في لوس أنجلوس، فإن تشكيل تلك العلاقة في العام 1974 (والسرية التي تطلبتها) لم يحتج إلى تفكير، حيث كان الكثير من حلفاء الولايات المتحدة، بمن فيهم اليابان وبريطانيا، يعتمدون بشدّة على النفط السعودي ويتنافسون بهدوء لجعل السعودية تعيد استثمار الأموال في اقتصاداتهم.

وقال غوردن براون، الذي كان ضابطاً اقتصادياً لدى وزارة الخارجية في السفارة الأميركية في الرياض بين العامين 1976 و1978: «كان الجميع، بمن فيهم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا واليابان، يحاولون وضع أيديهم في جيوب السعودية».

 
السيارات الأمريكية تصطف على محطات البنزين بعد الحظر النفطي

أما بالنسبة إلى السعوديين، فقد لعبت السياسة دوراً كبيراً في إصرارهم على أن تظل جميع استثمارات الخزانة مجهولة.

وظلت التوترات مشتعلة بعد عشرة أشهر من حرب أكتوبر، وفي جميع أنحاء العالم العربي كان هناك عداءٌ كبير تجاه الولايات المتحدة بسبب دعمها لإسرائيل. ووفقاً لبرقية ديبلوماسية، تمثل الخوف الأكبر لدى الملك فيصل في انتهاء أموال النفط السعودي، بشكل مباشر أو غير مباشر، في يدي عدوّ المملكة الأكبر على شكل مساعدات أميركية إضافية.

ولكن مسؤولي وزارة الخزانة الاميركية حلّوا المعضلة عن طريق السماح للسعوديين بالدخول من الباب الخلفي. وضمن ترتيبٍ كان الأول من ضمن عددٍ من الترتيبات الخاصة، سمحت الولايات المتحدة للسعودية بتجاوز عملية تقديم العطاءات التنافسية المعتادة لشراء سندات الخزانة من خلال خلق «إضافات». هذه المبيعات، التي استُبعِدت من مجاميع المزادات الرسمية، أخفت أي أثرٍ لوجود السعودية في سوق سندات الحكومة الأميركية.

وقال براون: «عندما وصلت إلى السفارة، قال لي الناس هناك إن هذا هو عمل الخزانة. وتم التعامل مع كل ذلك بسرية تامة».

وبحلول العام 1977، كانت السعودية قد راكمت 20 في المئة من مجموع سندات الخزانة في الخارج، وذلك وفقاً لكتاب البروفيسور ديفيد سبيرو من جامعة كولومبيا «اليد الخفية للهيمنة الأميركية: توظيف إيرادات إعادة التدوير والأسواق الدولية».

وتم ترتيب استثناءٍ آخر للسعودية، عندما بدأت «الخزانة» بإصدار تفاصيل شهرية حول مُلكية ديون الولايات المتحدة لكل دولة. فبدل الكشف عما تحوزه المملكة النفطية، جمعتها وزارة الخزانة مع 14 دولة أخرى، كالكويت والإمارات ونيجيريا، تحت العنوان العام «الدول المصدرة للنفط»، وهي ممارسةٌ استمرت 41 عاماً.

وجلب هذا النظام معه حصته من المشكلات. فبعدما أُتيحت خدمةُ «إضافةٍ وزارة الخزانة» لمصارف مركزية أخرى، هدّد الطلب الأجنبي غير المعلن والخاطئ بدفع الولايات المتحدة فوق حد ديونها في مناسبات عدة.

وفصّلت مذكرة داخلية بتاريخ تشرين الأول 1976، كيف جمعت الولايات المتحدة من دون قصد أكثر من الـ800 مليون دولار التي كانت تعتزم اقتراضها في مزاد علني. في ذلك الوقت، استخدم مصرفان مجهولا الهوية «الإضافات» لشراء مبلغ إضافي قدره 400 مليون دولار من سندات الخزانة لكل واحد منهما. وفي النهاية، حصل مصرفٌ واحد على حصته بتأخر يومٍ واحدٍ لإبقاء الولايات المتحدة دون تجاوز الحد.

معظم هذه المناورات والهفوات بقيت مخبأة، وذهب كبار مسؤولي وزارة الخزانة بعيداً في جهودهم للحفاظ على الوضع الراهن، وحماية الحلفاء في الشرق الأوسط، في الوقت الذي ارتفعت فيه المراجعة والتدقيق في أكبر دائني الولايات المتحدة.

وعلى مرّ السنين، تحولت وزارة الخزانة مراراً وتكراراً إلى الاستثمار والتجارة الدولية في «قانون مراجعة الخدمات للعام 1976» ـ والذي يحمي الأفراد في الدول التي تحتفظ بسندات الخـزانة ـ كخط دفاع أول.

هذه الاستراتيجية استمرت حتى بعدما اكتشف مكتب محاسبة الحكومة، خلال تحقيق أجراه في العام 1979، أنه «لا أساس إحصائي أو قانوني» للتعتيم. لم يكن لدى المكتب سلطةً لإجبار وزارة الخزانة على تسليم البيانات، لكنه خلُص إلى أن الولايات المتحدة أقامت «التزامات خاصة من السرية المالية للسعودية»، وربما لدول أخرى أعضاء في «أوبك».

واعترف سايمون، الذي كان عاد في ذلك الوقت إلى «وول ستريت»، في شهادته أمام الكونغرس، أن «التقرير الإقليمي كان السبيل الوحيد الذي ستوافق عليه السعودية» للاستثمار في بلاده.

اليوم، يقول بارسكي إن «الترتيب السري مع السعوديين كان ينبغي تفكيكه منذ سنوات»، وأنه فوجئ بأن وزارة الخزانة أبقته في مكانه لهذه الفترة الطويلة. ولكنه رغم ذلك، لا يشعر بأي ندم.

الصفحة السابقة