أولى ثمرات رؤية 2030

نهب تريليون ريال من خزينة الدولة

توفيق العباد

خلال ثمانية عشر شهراً اختفى تريليون ريال من خزينة الدولة.

كانت هذه صفعة كبيرة للمواطن المُبتلى بالضرائب وتخفيض الراتب، وفي وضع يقال أنه وضع تقشّف، وان الدولة على حافة الإفلاس.

 

فقد كتب الإقتصادي الدكتور حمزة السالم مقالتين في الصحيفة الالكترونية (الرياض بوست): الأولى بعنوان: الحقيقة في تناقص الاحتياطيات المالية الأجنبية للدولة؛ والثانية بعنوان: ما هي حقيقة اختفاء تريليون ريال من خزينة الدولة.

بيّن د. حمزة السالم، ومن خلال الأرقام الرسمية أن هناك نهباً غير عادي لخزينة الدولة، وان النهب في عهد الملك سلمان اكبر بكثير منه في عهد الملك عبدالله. فقبل موت الملك عبدالله، كان تناقص الاحتياطي المالي في الربع الأول من ٢٠١٥ بمعدل ملياري دولار شهرياً. ثم جاء سلمان في الربع الثاني واصبح النزف المالي ستة مليارات شهرياً؛ وفي الربع الثالث من ٢٠١٥، واصل النزف والنهب في الإرتفاع الى ثمانية مليارات دولار شهرياً، وفي الرابع ١١ مليار دولار شهرياً.

وملخص ما يقوله الخبير الإقتصادي الدكتور حمزة السالم، هو أن دخل الدولة في عام ٢٠١٥ والتسعة اشهر الأخيرة من ٢٠١٦ ، سواء كان من النفط او غيره او حتى الاستدانة، بلغ تريليون وتسعمائة مليار، وهو اعظم دخل مالي في تاريخ السعودية. اما الانفاق في نفس الفترة، وحسب الأرقام الرسمية ففي حدود ثمانمائة مليار، وهو يسأل: أين اختفى التريليون والمائة مليار.

وتساءل د. حمزة السالم: (كيف لا يُشد الانتباه، والوزير المستشار محمد آل الشيخ، يشيد بحال الثمانية عشر شهراً، وقد كان معدل متوسط تناقص الاحتياطات ٣٧ مليار ريال شهريا).

حمزة السالم توقّع حصول متاعب له من قبل السلطات الأمنية، مع ان موالٍ للسلطة السعودية؛ وقد صدق توقّعه. وقد استحثّ السالم المواطنين وهيئة النزاهة للبحث عن التريليون المنهوب الذي يقارب نصف دخل البلاد.

المقالة الصدمة أنتجت هاشتاقاً بعنوان: اختفاء تريليون من خزينة الدولة. وتداول المواطنون في مواقع التواصل الاجتماعي التعليقات، المشككة في رؤية محمد بن سلمان، وفي نزاهته، وفي قدرة الدولة على الإستمرار بهكذا حكام ومسؤولين.

الدكتور محمد القنيبط علّق: (أرقام مالية مُخيفة جداً، فهل ممن يؤكدها أو ينفيها؟) ويقصد من المسؤولين. والمعارض عماد حوّاس يقول ان آل سعود يعتبرون النفط ملكٌ لهم حصرياً، يستثمرونه لانفسهم، ويمولون بأمواله الحروب، ويخربون الثورات، ويتآمرون به ضد مصالح الأمة، ويصرفون بعضه على أهواء وملذات الأسرة المالكة، ويشترون به الذمم.

ومن بين التعليقات المثيرة قول احدهم بأنه ليس التريليون هو الذي اختفى فحسب، بل كرامة الشعب اختفت قبل ثروته. والمعارض خالد الجهني يقول ان العائلة المالكة عملت بجد على تجهيل المواطن، وتخوين الناصح، وشيطنة من يكشف جرائمها؛ فيما سخر المعلق عسكر الميموني بأن (الجنّي) هو الذي أخفى التريليون، في اشارة الى حادثة تزوير صك بمائتي مليون ريال من قبل احد المشايخ الوهابيين في المدينة المنورة، ثم ألقى باللائمة على (جنّي) قال انه تلبّسه، وطلب منه ان يسرق، وفعلاً تمت تبرئة الشيخ، كما تمّت إدانة الجنّي.

علق احدهم على اختفاء التريليون الريال ساخراً بأن ما يقال مجرد (إشاعة من الحاسدين لعنة الله عليهم، ضد الدولة السعودية). ومن السخرية ما قاله مطلق الدوسري من أن (هناك تناسباً طردياً بين حجم الإنسان وكُبْرِ لُقمَتِهِ) ويقصد ان محمد بن سلمان ضخم الجثة، وبالتالي فإن لقمته (اي سرقته) كبيرة. ونالت هيئة النزاهة تقريعاً فهي المكلفة بمكافحة الفساد ولكن وجودها أضحى دليلاً على الفساد بعينة، إذ كيف (يطير تريليون؟) في حين أن الحكومة تلاحق المواطنين في أرزاقهم بالضرائب وتخفيض الرواتب، وسنّ سياسات تقشفية، وبعد هذا كله، إذا بمئات المليارات، او ما يمثل نصف الدخل.

الحكومة لم تهتم بما قاله الخبير حمزة السالم إلا من زاوية واحدة: أنه فضحها، وأنه شهّر بها، وأنه بذلك استحق لعنها، وعقابها.

جنّدت الحكومة كتابها ليشتموا حمزة السالم في مقالات بالصحافة المحلية، تتهمه بالجنون، والغباء، والجهل، وشخصنة المواقف، وغيرها. وانثنى معلقو الجيش الالكتروني يرسلون التهديدات تباعاً اليه، ويطالبون بمحاكمته، وجنّدت صحيفة سبق الإلكترونية التابعة لوزارة الداخلية، مجموعة من عملاء المباحث ليقوموا بالطعن في علمية وشخصية وأخلاق حمزة السالم، الذي مضى عليه زمن وهو يكتب في صحيفة الجزيرة مقالات اقتصادية، طعن في بعضها في رؤية محمد بن سلمان بصورة ملتوية خشية الاعتقال والمنع من السفر، والفصل من الوظيفة.

لم يناقش أحد الأرقام ولا التحليل الذي تقدم به حمزة السالم. الأرقام كلّها رسمية، من مؤسسة النقد السعودي، ومن تصريحات المسؤولين، ومن وزارة المالية نفسها. اما التحليل فالأرقام تكشف التلاعب بوضوح، كما تكشف النهب الصريح، والتلاعب في مقدرات البلاد.

قرر وزير الدولة محمد آل الشيخ رفع دعوى قضائية ضد السالم، وقال أنه تعدّى عليه شخصياً في مقالاته، وانه شهّر به وكذب عليه. مع ان الوزير شخصية عامّة، ويحق اتهامه ومحاسبته وتحليل تصريحاته، ثم ان السالم لم يتهجم عليه شخصياً كما سنرى فيما كتب، فضلا عن ىل الشيخ لم يشأ مناقشة السالم، فحول الموضوع شخصياً لردعه، بناء على طلب السلطات الأمنية، من ان يكتب مجدداً، ومنع غيره من القيام بمثل ذلك.

عبدالعزيز الحربي اعتبر مقاضاة حمزة السالم اعترافا ضمنياً من الوزير بعدم قدرته على الرد على تساؤلات السالم. وحين نشرت صحيفة سبق التابعة لوزارة الداخلية مقالاً يطعن في الدكتور حمزة السالم ويتهمه بالجهل والكذب، ردت الاعلامية إيمان الحمود بأن السالم والبرجس والصبّان وآخرون اقتصاديون وطنيون وأن (الإستماع اليهم ضرورة وطنية ملحّة).

وقال كتاب رسميون بأن مقالات حمزة السالم تسبب الفتنة، رد عليهم كثيرون بأن الفتنة تكمن في اختفاء تريليون ريال من خزينة الدولة ولا يوجد أحد يحاسب ويتابع ويسأل. السكوت يُنذر بكارثة.

الصفحة السابقة