السعودية.. بلد المليون ملحد

ضابط سعودي يترك الإسلام

يحي مفتي

مرة اخرى يعود الحديث عن الإلحاد في بلد المليون ملحد.

عسكري ضابط صف يعلن إلحاده، ويعزو ذلك الى جرائم آل سعود في اليمن ضد الإنسانية، ويقرر اللجوء الى ألمانيا، ويثير ـ كما هي العادة في حوادث سابقة ـ ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي.

 
العسكري السعودي عبدالواحد عبدالمحسن يعلن إلحاده!

لم يكن العسكري عبدالواحد عبدالمحسن الأول في اعلان إلحاده. فظاهرة الإلحاد في السعودية تتضخم يوماً بعد آخر، بفعل المؤسسة الوهابية العنفية والمتخلفة التي تغطي الجرائم وسيل الدماء والقمع الرسمي؛ وكذلك بفعل نظام سياسي يتستر في كل أفعاله القبيحة بستار الاسلام، ما جعل الكثيرين ملحدين، خاصة في الوسط الوهابي المبتلى أكثر من غيره بضغط المؤسسة الوهابية.

أتباع المذاهب الأخرى في الحجاز وفي الجنوب وفي الشرق وفي الشمال، والذين يمثلون أكثرية السكان في المملكة، لا يتأثرون بفتاوى المؤسسة الأقلوية الوهابية، ولا يرونها ممثلاً للإسلام، ولا يعتقدون ـ في الأكثر ـ بأن ما يقوم به آل سعود يمثل الإسلام، أو مُغطّى شرعياً. ولهذا، فإن الإلحاد ليس ظاهرة كما في نجد (قرن الشيطان كما وصفها رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام)؛ مثلما هو العنف ظاهرة وهابية نجدية في الأساس، ولا علاقة لها بالمناطق والمذاهب الإسلامية الأخرى سواء في المملكة أو خارجها.

في عام ٢٠١٢، أجرى معهد غلوب الدولي، الذي يتخذ من زيورخ بسويسرا مقرّاً له، بحثاً ميدانياً على مستوى العالمي لقياس مستوى الإلحاد والتدين، فكانت النتائج صاعقة في إدهاشها، حيث وجد ان السعودية بها أكبر نسبة إلحاد على مستوى العالمين العربي والإسلامي، وقد سبقت نسب الإلحاد مثيلاتها حتى في تلك الدول التي قطعت شوطاً في العلمنة، كما هي تونس. بل وجد البحث الميداني، ان نسبة التديّن في تونس أعلى منها في السعودية.

وقال التقرير ان نسبة الإلحاد في السعودية تتراوح بين خمسة وتسعة بالمائة؛ وهي نسبة تقترب من نسب الإلحاد في الغرب، وهي بلغة الأرقام تمثل اكثر من مليون ملحد في السعودية، ما أثار ضجة في حينها، وعدم تصديق لهذه الصفعة المؤلمة. وطفق الكتاب السعوديون يكتبون المقالات مستغربين من هذه النسبة في بلدٍ يحتضن الحرمين الشريفين؛ وفي بلد تزعم انها الأولى ـ وربما الوحيدة ـ في تطبيق الشرع الإسلامي؛ وانها البلد الأكبر في الحفاظ على مظاهر التدين، ولو كان ذلك بالقمع المباشر؛ وفي بلد لا يوجد له مثيل في التعليم الديني، حيث تقتطع المناهج الدينية النسبة الأكبر من ساعات التعليم؛ وأيضاً في بلدٍ يتخرج منه عشرات الألوف من الجامعات الدينية.

فكيف ـ إذن ـ أصبح الإلحاد شائعاً في هذه البلاد المُسعودة؟

ويزداد العجب أن الحكومة السعودية اعتبرت الإلحاد عملاً إرهابياً، يستحق عليها الملحد (الإعدام) قتلاً بالسيف، باعتباره مرتدّاً عن الدين الإسلامي. ما يعني ان الذين يفصحون عن إلحادهم، يمثلون نسبة أقل بكثير مما هي الحقيقة، إما خشية من العقاب الرسمي، أو خشية من الضغط الاجتماعي، على الأقل.

 
هيفاء الشمراني وعائلتها تعلن الإلحاد

في العام الماضي ٢٠١٦، أعلنت مبتعثة سعودية للدراسات العليا في بريطانيا، هيفاء الشمراني، إلحادها هي وزوجها، وأطفالها، وطلبت اللجوء؛ وتبيّن أن ضغوطات كبيرة مارستها الحكومة السعودية، لإنهاء بعثة الطالبة هيفاء، بلا مبرر، وقطعت عنها مصاريف الدراسة، وقد حدث هذا للعديد من الطلاب، بسبب سياسة التقشف التي تنتهجها الحكومة. وقد رفضت المبتعثة العودة، وأعلنت الحادها، وخروجها من الإسلام.

وفي العام الماضي أيضاً، ظهر شاب نجدي (وهابي) اسمه عبدالله الحميد، على شريط فيديو في مواقع التواصل الاجتماعي يشتم فيه الإسلام، وقال انه هو سبب تخلّف مملكة آل سعود وشعبها، ما دفع كثيرين الى المطالبة بإعدامه، ولكن لأنه نجدي قصيمي على صلة نسب مع الشيخ صالح الحميد، امام الحرم المكي، فقد اعلنت السلطات القبض عليه، وقالت انه (مريض نفسياً).

والأكثر من هذا، فإن ظاهرة الإلحاد المتفشية في السعودية، تتوازى مع ظاهرة أخرى مسكوت عنها، وهو تحوّل الكثير من النجديين الوهابيين الى المسيحية، وهناك على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو كثيرة لوهابيين نجديين تحولوا الى المسيحية. الأمر الذي يشير الى حقيقة لا لبس فيها، هي أن مشايخ الوهابية وآل سعود بأفعالهم المنكرة، وبنسبة كل فعل عنيف وقبيح وظالم الى الإسلام والشرع، قد أخرج النجديين ـ بالذات ـ من دين الله أفواجا؛ حتى أنه صار واضحاً اليوم، أن نجد لا تصدّر وتنتج العنف والتكفير الداعشي والقاعدي فحسب، بل وتنتج أيضاً الملحدين، وربما صدّرتهم للخارج.

تجدر الإشارة الى أن أشهر الملحدين على الإطلاق في السعودية وربما في العالم العربي، هو الشيخ الوهابي النجدي عبدالله القصيمي، الذي كتب ما يزيد عن عشرة كتب دفاعاً عن الوهابية، وشتماً للمذاهب الاسلامية الأخرى، بما فيها الصوفية والشيعة، بل انه ألف كتابين ضد الأزهر في الثلاثينيات الميلادية الماضية. ولكنه، فجأة، تحوّل الى الإلحاد، وألف كتباً عديدة فيه، اشهرها كتابه: (الكون يحاكم الإله) وكتابه الآخر: (العرب ظاهرة صوتية). ولا يبرر هذا التحوّل العنيف، الا التطرّف نفسه، وانكشاف فساد ممارسات مشايخ نجد ومداهنتهم لآل سعود الفاسدين، وطغيان هؤلاء جميعاً باسم الدين. 

وبإعلان لعسكري السعودي عبدالواحد عبدالمحسن من الرياض، إلحاده، وعزمه اللجوء الى ألمانيا، ونشر وثائق جرائم آل سعود وقواتهم الجوية ضد المدنيين في اليمن، باعتباره يعمل سكرتيراً للواء طيار ركن علي سعد آل مرعي.. يُفتح فصلٌ جديد لمناقشة ظاهرة الإلحاد وارتباطها بالوهابية والمجتمع الوهابي والحكم السعودي الوهابي.

الصفحة السابقة