قُبحُ التبرير السعودي

سعدالدين منصوري

قبح النظام السعودي لا حدّ له.

هو نظام مجرم يوجه الطعنات للخصوم وحتى الحلفاء (من العرب)، ويتخفّى وراء ما يفعله، متهماً غيره بأنه سبب المشكلة.

لم يكن النظام السعودي في يوم ما يتحمّل مسؤولية خطأ.

ولا يقبل أمراء العائلة المالكة توجيه نقدٍ لهم على الأخطاء وإن اعترفوا مضطرين بوقوعها.

التبرير للنهب والفساد في الداخل يُلقى على كاهل ما يُسمّى (البطانة)، أي الحاشية، حاشية الأمراء والملك وولي عهده، وولي ولي عهده!

في كل منعطف، تكون البطانة هي المسؤولة ان كان الموضوع سيئاً.

اما اذا كان منجزاً، فلا فضل فيه للبطانة، من وزراء او مدراء أو غيرهم. الفضل لآل سعود، والمنجز منجزهم هم، فلولاهم لم يحصل الإنجاز. بعكس ما يحدث تماماً في الأخطاء والجرائم التي تُرتكب ويكتشفها الشعب المسعود.

العنف الوهابي الذي يضرب الدول العربية والإسلامية، بل كل دول العالم، ليس سببه المصنع الوهابي التكفيري، ولا الأموال السعودية، ولا شباب الوهابية النجديين، الذين يتنقلون في سوح الجهاد بزعمهم من بلد الى بلد..

كلا..

المسؤول عن العنف برمّته هم (الإخوان المسلمون)!

اما هم اي آل سعود ومشايخهم وايديولوجيتهم الوهابية، وأموال نفطهم وشبابهم، فلا علاقة لها بالأمر.

هذا ما قاله الأمير نايف وزير الداخلية السابق، الذي لم يعترف حتى أن مات بأن من قام بتفجيرات سبتمبر هم سعوديون سلفيون وهابيون تكفيريون عنفيون ممولون من أمراء في بعض الأحيان! بل كان يقول علناً ـ في الصحافة وغيرها ـ بأن الإخوان المسلمين هم سبب المشكلة في كل الارهاب العالمي، حتى ذاك الذي يقع داخل المهلكة السعودية نفسها.

الغريب ان الملك سلمان في مكالمته الأخيرة مع ترامب، وحسب ما نشرته وكالة رويترز، فإن الملك قال لترامب، بأن الإرهاب ليس سعودياً وهابياً، وإنما جاء من الإخوان المسلمين، الذين ارادوا ضرب العلاقات السعودية الأمريكية، فجنّدوا سعوديين لهذه الغاية!

وبالطبع، فإن سبب الإرهاب الى جانب الإخوان، إيران، التي يتم حشرها في كل شيء. بل أن الأمراء السعوديين وإعلامهم، والى هذا اليوم، يروجون بأن من فجّر أبراج نيويورك هم الإيرانيون المتحالفون مع القاعدة!

نحو ثمانين بالمئة من الشعب لا يمتلك مسكناً، فما السبب؟

السبب ليس الأراضي المنهوبة من الأمراء بآلاف الكيلومترات المربعة (الشبوك)؛ ولا السبب يعود الى فشل حكومي في التمويل والتخطيط وغيره.. ولا حتى في البطانة (الوزراء الذين يجري تغييرهم)؛ بل السبب هو ان هناك (أزمة فكر) قادت الى (أزمة السكن) كما يقول وزير الإسكان الذي عيّنه محمد بن سلمان، ابن الملك!

لماذا تراجع دور الرياض السياسي اقليميا ودولياً؟ إنها إيران واسرائيل!

لماذا تتحالفون مع اسرائيل ولوبيها في امريكا؟ السبب ايران وسياسات أوباما!

لماذا صدر بحقكم قانون جاستا كدولة راعية للإرهاب؟ انها المؤامرة الخبيثة على الإسلام ـ هكذا يقول اعلام آل سعود.

حسناً.. لماذا أنتم تتحالفون مع عدو الإسلام والمسلمين ترامب، وتحرضونه على خوض حرب اليمن معكم، وعلى ضرب ايران؟ السبب يعود الى إيران وأطماعها.

لماذا وصلنا الى حافة الإفلاس اقتصادياً؟ ومن المسبب في انهيار اسعار النفط، وتالياً التراجع الحاد في الدخل القومي؟ السبب ايران ايضاً.

لماذا البطالة متصاعدة في بلد العشرين مليون مواطن، وبلد الاحد عشر مليون عامل أجنبي؟ السبب هو الشعب غير الكفوء.

ولماذا لم يجر تاهيل الشباب؟ لأنهم لا يريدون العمل اصلاً، كما يقول وزير العمل!

ولماذا الضرائب التي تثقل كاهل المواطنين، في حين لم تنقص مخصصات الأمراء، ولم تخف وتيرة النهب؟ لأن الحكومة ـ حسب رؤية ابن سلمان العمياء ـ تريد تنويع مصادر الدخل.

من المسؤول عن هبوط مستوى التعليم؟ وفساد القضاء؟ وتراجع الخدمات العامة؟ الجواب: المشكلة ليست في الأمراء وآل سعود، وإنما في البطانة الفاسدة!

ومَن يختار البطانة الفاسدة، أليس هم الأمراء أنفسهم؛ إن كان الإدعاء هذا صحيحاً؟ الجواب ان ولي الأمر (الملك) لا يعلم ما تقوم به البطانة، او كان مغشوشاً بها! اما الأمراء (فعداهم العيب)!

وهكذا، ففي كل أمر تجد أن آل سعود لا يقبلون بتحمل مسؤولية أبداً.

حتى حرب اليمن التي شنوها بالبغي والعدوان، وحاصروا البلد الفقير براً وبحراً وجواً، ووصل الى حد الانهيار، والى مجاعة تسعين بالمائة من الشعب، فإن المسؤول هو (عصابات الحوثي)، وليس صاحب الطائرات والصواريخ والذي يحاصر شعباً كاملاً بالتعاون مع امريكا وبريطانيا واضرابهما.

حتى قصف صالة العزاء الشهيرة في صنعاء، ومقتل وزراء ومسؤولين وضباط كبار، لم تشأ الرياض ان تعترف بالجريمة الا مضطرة، وحين اعترفت بذلك، قالت ان الخطأ ليس خطؤها، وإنما خطأ عبدربه هادي وحكومته المستقرة في احد فنادق الرياض، فهما قدما احداثيات ومعلومات خطأ للرياض.

مع هذا، فإننا اذا ما أردنا رؤية الوجه الآخر للحقيقة، فهي كالتالي:

الشعب المسعود، مسؤول عن بقاء آل سعود على كرسي السلطة. ذلك أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

ان لغة التبرير وعدم تحمل المواطنين لمسؤولية التغيير، أدت الى تمادي آل سعود في الإفساد والقمع والقتل والإعدامات. ولعلّ ما يقوم به مشايخ الوهابية جزء من المخطط، فهم الوحيدون الذين لا يدعون لآل سعود بالهداية، بل يدعون الله ان يوفّر لهم البطانة الصالحة. على اعتبار ان آل سعود صالحين في الأساس ولا يحتاجون الى دعاء. كما لا يحتاجون الى تقويم من قبل الشعب، بالسيف والكلمة.

بديهي أن العائلة المالكة لا تريد ان تعترف بمسؤولية، ولا أن تُحاسب على جريمة، ولكن لماذا لا يعترف الشعب المسعود نفسه بمسؤوليته في التغيير، وفي اصلاح المعوج من الأمور، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وهل هناك منكر اكثر مما يفعله آل سعود، ملوكاً وامراء وأميرات، فضلاً عن حاشيتهم؟

الصفحة السابقة