هيومن رايتس ووتش في تقريرها عن أوضاع العمال الأجانب في السعودية (يوليو 3004)


أحلام مزعجة

استغلال العمال المهاجرين وانتهاك حقوقهم في السعودية


استغلال العمال

يتضمن كل فصل من فصول التقرير شهادات من العمال المهاجرين الذين دخلوا المملكة بصورة قانونية، ملتزمين تمام الالتزام بتعليمات الحكومة السعودية. وكان كثيرون منهم قد دفعوا مبالغ باهظة لشركات توظيف العمالة في بلدانهم الأصلية للحصول على تأشيرات عمل قانونية، الأمر الذي جعلهم في كثير من الأحيان يتحملون ديونا طائلة أو يبيعون ممتلكاتهم لتدبير التكلفة المالية اللازمة. وفور وصولهم إلى المملكة، وجدوا أنفسهم تحت رحمة الكفلاء القانونيين وأرباب العمل الفعليين الذين يتمتعون بسلطة فرض ظروف عمل قمعية عليهم، في غياب واضح للإشراف الحكومي الفعال. ولما كان هؤلاء العمال لا يعرفون حقوقهم، أو يحجمون عن الجهر بالشكوى مخافة أن يفقدوا أعمالهم، فقد تعرض أغلبيتهم لاستغلال فادح في مجال العمل.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، أجرينا مقابلات شخصية مع عمال مهاجرين من بنغلاديش كانوا يضطرون إلى العمل ما بين عشر ساعات واثنتي عشرة ساعة يوميا، وأحيانا طوال الليل دون تقاضي أجر عن ساعات العمل الزائدة، وذلك في إصلاح مواسير المياه تحت الأرض في بلدية تبوك. ولم يحصل هؤلاء على رواتبهم في الشهرين الأولين فاضطروا للاستدانة من مواطنيهم لشراء الطعام. وقال مهاجر هندي إنه كان يتقاضى 133 دولاراً في الشهر ويعمل 16 ساعة يوميا في المتوسط في مدينة حائل. وقال مهاجر من الفلبين إنه كان يعمل من 16 إلى 18 ساعة يوميا في مطعم في الهفوف، إلى أن يستبد به التعب لدرجة أن يشعر وكأنه ''متخلف عقليا''، على حد قوله. وذكر مهاجر من بنغلاديش كان يعمل جزارا في الدمام أن صاحب العمل أجبره على مغادرة المملكة دون دفع راتبه المتأخر عن ستة أشهر كاملة.

العاملات المهاجرات

كانت بعض النساء اللاتي قابلناهن لا زلن يعانين من الصدمة من جراء تعرضهن للاغتصاب والانتهاك الجنسي على أيدي مخدوميهن السعوديين، فلم يستطعن قص رواياتهن دون إظهار الشعور بالغضب أو البكاء. ونظرا لتعودهن على حرية الحركة في بلادهن، فقد وصفت هذه النساء وغيرهن الأبواب المغلقة في الرياض وجدة والمدينة والدمام التي كانت تجعلهن في واقع الحال كالسجينات داخل الورش والبيوت والمساكن المقامة على طريقة عنابر النوم التي توفرها لهن شركات توظيف العمالة من الباطن. وبسبب العيش تحت وطأة هذه القيود القسرية أو العزلة الشديدة يصبح من الصعب أو من المستحيل على هؤلاء النساء طلب النجدة أو الإفلات من ظروف الاستغلال والانتهاك والسعي للحصول على تعويضات قانونية.

وقد علمنا أن مئات من الآسيويات اللاتي يتقاضين أجورا زهيدة نظير القيام بأعمال النظافة في مستشفيات جدة يعملن 12 ساعة يوميا بدون طعام أو فترة راحة، وأنهن يعشن حبيسات عنابر النوم في غير أوقات العمل. كما أخبرتنا بعض الحائكات الماهرات من الفلبين أنهن غير مسموح لهن بمغادرة متجر الملابس النسائية الذي يعملن به في المدينة 12 ساعة يوميا، وأنه يحظر عليهن مخاطبة العميلات والمالكين السعوديين إلا بكلمات قليلة.

وأفادت العديد من النساء اللاتي يعملن خادمات في مدن شتى عبر أنحاء المملكة أنهن يعملن 12 ساعة يوميا أو أكثر، ومعظمهن يعشن حبيسات في البيوت على مدار اليوم، بأمر من مخدوميهن الخصوصيين، في عزلة عن العالم الخارجي. ووصفت امرأة فلبينية لم يكن مخدوموها في الدمام يعطونها ما يكفيها من الطعام أنها طلبت العون من السائق الهندي لدى تلك الأسرة، الذي كان ممنوعا عليها الكلام معه، وأنها كانت تكتب قوائم بحاجياتها وتلقيها من النافذة للسائق، الذي يقوم بشرائها و''توصيلها'' إليها بإلقاء العبوات على سطح المنزل لتلتقطها من هناك. وقالت فلبينية أخرى كانت تعمل لدى أسرة في الدمام إنها كانت تراقب دائما بوابة البيت الأمامية المغلقة في انتظار فرصة للهرب بعد أن اغتصبها مخدومها في يونيو/حزيران 2003.

انتهاكات حقوق الإنسان في إطار نظام القضاء الجنائي

تعرض بعض العمال المهاجرين لمعاملة مروعة في إطار نظام القضاء الجنائي السعودي. وفي حالة المهاجرين الذين أعدموا بعد محاكمات جائرة ليست من الشفافية في شيء، كانت الأسر، التي مازالت تتجرع غصص الكرب والحزن على أبنائها، هي المصدر الذي استقينا منه المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع.

وفي كثير من الحالات، لم يكن المحكوم عليهم بالإعدام يعلمون بالحكم، ولم تكن سفاراتهم تبلغ إلا بعد تنفيذ الأحكام. وقال دبلوماسي هندي في مقابلة تليفزيونية في عام 2003 ''إننا لا نتلقى أية معلومات مسبقة قبل إعدام مواطنينا الهنود، بل نعرف هذه المعلومات عموماً من الصحف المحلية بعد الإعدام''.

وفي حالات الإعدام الموثقة في هذا التقرير، لم تُرَد الجثث إلى الأهالي، وأخبر الأقارب منظمة هيومن رايتس ووتش أنهم لم يتلقوا أي معلومات رسمية عن مكان رفات ذويهم في المملكة العربية السعودية.

وجدير بالذكر أن هناك عددا غير محدد من الأجانب محكوما عليهم بالإعدام في المملكة، ولم ينفذ فيهم الحكم بعد. وتُحاط التفاصيل الخاصة بمحاكماتهم والأدلة المقدمة لإدانتهم بستار من السرية وكأنها من أسرار الدولة العليا.

ولا زالت المملكة العربية السعودية تتشدق بالتزاماتها المنبثقة عن المعاهدات المبرمة في ظل القانون الدولي والمحلي. ومع ذلك فالمسؤولون القنصليون لا يخطرون فورا بالقبض على مواطنيهم؛ كما أن المشتبه فيهم جنائيا لا يبلغون بحقوقهم التي يكفلها لهم القانون. وينزل محققو وزارة الداخلية صنوف التعذيب بالمشتبه فيهم، دون أن ينالوا أي عقاب على أفعالهم التي يرتكبونها وراء ستار الحجز الانعزالي الطويل الأمد، بغية انتزاع اعترافات يمكن أن توصف مصداقيتها بأنها واهية على أفضل تقدير. وقد أخبر عدد من العمال المهاجرين هيومن رايتس ووتش أنهم أجبروا على توقيع اعترافات لا يستطيعون قراءتها، وذلك تحت وطأة التهديد بمواصلة تعذيبهم. ووصف لنا خياط هندي عمره 23 عاما كيف تعرض للضرب على مدى يومين في حبس الشرطة؛ وفي اليوم الثالث أعطاه المحققون صفحتين مكتوبتين بخط اليد بالعربية، وأمروه بتوقيع اسمه ثلاث مرات على كل صفحة منها. وقال ''كنت خائفا جدا، فلم أجرؤ أن أسأل عن هذه الأوراق وما كتب فيها''.

وتعد روايات المهاجرين عن محاكماتهم أمام المحاكم الشرعية بمثابة دليل على وجود نظام قضائي لا يتفق مع المعايير المعتمدة دوليا للإنصاف القضائي. فلم يكن من بين من قابلناهم من أتيحت له المساعدة القانونية قبل محاكمته، أو من تمكن من توكيل محام يتولى الدفاع عنه عند مثوله أمام المحكمة. وقال لنا أحد العمال الهنود المهاجرين إن قاضياً رماه بالكذب مرارا عندما رد على أسئلته في أثناء المحاكمة. وذكر عامل فلبيني، كان قد سجن خمس سنوات قبل مثوله أمام المحكمة للمرة الأولى، أن قاضيا حكم عليه بالجلد 350 جلدة لأن المحققين انتزعوا منه اعترافا كاذبا. وبرر القاضي هذا العقاب البدني بأن الاعتراف القسري الذي انتزع بالتهديد والتعذيب لم يكن صحيحا. وكشفت المقابلات التي أجريناها مع المهاجرات في سجن النساء بالرياض أن معظمهن لم يُبلغن بحقوقهن، ولم يفهمن الأساس القانوني للقبض عليهن، ولم يعرفن وضع قضاياهن، ولم يستطعن الاستعانة بمحامين أو بغير ذلك من أشكال المساعدة القانونية.

ضرورة اتخاذ إجراءات حكومية

تؤكد الروايات التي يضمها هذا التقرير على الحاجة الملحة لاعتراف الحكومة السعودية بأن قوانينها ولوائحها تسهل استغلال وانتهاك العمال المهاجرين المستضعفين، وعلى ضرورة إصلاح قوانينها وممارساتها بناء على ذلك. وسوف نورد فيما يلي بعض التوصيات الرئيسية في هذا الصدد، بينما يضم الفصل التاسع مجموعة كاملة من التوصيات الموجهة لمسؤولي الحكومة السعودية والأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي.

ومن أكبر الجوانب المأساوية في هذه الأوضاع أن العديد من المهاجرين يتقبلون الاستغلال والحرمان من حقوقهم في صمت لأنهم يعتبرون أنهم لا حيلة لهم ولا سبيل أمامهم للانتصاف الفعال. وهؤلاء العمال يأتون إلى المملكة العربية السعودية وهم يجهلون الحقوق التي يكفلها لهم القانون السعودي، أو لا يعرفونها إلا لماما، مثلما يجهلون الإجراءات التي يمكن اتخاذها في حال تعرضهم للظلم أو الإساءة.

وهذه مشكلة يجب على حكوماتهم معالجتها، ومن سبل ذلك التوعية الفعالة والموسعة لهؤلاء العمال قبل سفرهم إلى السعودية. لكن حكومة المملكة العربية السعودية تتحمل المسؤولية الأساسية في تعزيز واحترام حقوق الجاليات المهاجرة الضخمة في المملكة على نحو أكثر حزماً وقوة وعلانية، تمشياً مع التزاماتها بموجب القانون الدولي. وعلى السلطات أن تقدم بياناً واضحاً بالحقوق المكفولة تحديدا للعمال المهاجرين، في ظل قوانين المملكة ولوائحها. وعليها أن توضح الواجبات القانونية المفروضة تحديدا على الكفلاء وأرباب العمل، وإعداد قائمة شاملة بالممارسات غير القانونية، وإعطاء تعليمات مفصلة عن كيفية قيام العمال بالإبلاغ عما قد يتعرضون له من الانتهاكات ومكان التبليغ. ويجب أن تكون هذه المعلومات عملية، لا نظرية، ويجب أن تستند إلى الانتهاكات المحددة التي يمكن أن يتعرض لها المهاجرون، مثل تلك المشار إليها في هذا التقرير، وأن تقدم تعليقات ونصائح يعتد بها في هذا الصدد. كما يجب ترجمة هذه المعلومات إلى لغات البلدان الأصلية للعمال المهاجرين، وتقديمها لكل عامل فور وصوله إلى المملكة كإجراء روتيني من إجراءات الهجرة. كما يجب على الحكومة أن تجد سبلاً أخرى لتوصيل هذه المعلومات إلى الجاليات المهاجرة في شتى أنحاء المملكة باعتبار ذلك دليلاً آخر على التزامها بحماية حقوقهم على نطاق واسع.

كما يجب على السلطات السعودية أيضا أن تعترف بأن الكثيرين من العمال المهاجرين يخشون الإبلاغ عما يلاقونه من سوء المعاملة مخافة إغضاب كفلائهم أو أصحاب العمل بحكم الواقع، مما يجر عليهم وبال العقاب انتقاما منهم، ويفقدهم وظائفهم. ويجب على مسؤولي الحكومة اتخاذ ما يلزم من خطوات للاتصال مباشرة بالعمال المهاجرين في المملكة، باستخدام كل السبل المتاحة، بمافي ذلك الوسائل المذاعة والصحافة المطبوعة للإعراب عن تأكيدهم على أن أحدا لن يفقد وظيفته ولن يتعرض للترحيل الفوري إذا ما تظلم من الممارسات غير المشروعة ومن ظروف العمل التي تنطوي على انتهاكات لحقوق العاملين(1).

وتقول الحكومة السعودية إنها تخطط لتخفيض عدد العمال الأجانب بنسبة 50% على مدى العقد القادم. إلا أن هذا الهدف لا يقلل من الضرورة الملحة على الدولة لمعالجة استغلال العمال المهاجرين الموجودين الآن في المملكة، ولوضع حد للممارسات التمييزية التي تقلص من حقوقهم بشدة في ظل القانون السعودي. وحتى لو تحقق تخفيض العمالة الذي تخطط له الحكومة خلال عشر سنوات، فلا يزال يتعين على المملكة بموجب القوانين المحلية والدولية أن تحمي حقوق هؤلاء العمال المهاجرين الباقين فيها. وإذا لم تتخذ السلطات السعودية إجراءات جادة لمعالجة أنماط انتهاك حقوق العمال المهاجرين، فسوف تظل القضية موضع التحقيق والتمحيص، وستظل موضوعة على جداول أعمال منظمات حقوق الإنسان الدولية ومنظمات حقوق المهاجرين غير الحكومية في البلدان الأصلية وائتلافات منظمات حقوق المرأة ومنظمات حقوق الإنسان في العالم الإسلامي وخارجه.

وجدير بالذكر أن هناك شعورا عاما يسود في المملكة وفي غيرها من دول الخليج بالتعاطف مع محنة العمال المهاجرين، ليس أقله أن أعلى سلطة دينية إسلامية في المملكة، وهو المفتي الأكبر الشيخ عبد العزيز الشيخ، قد اعترف بأن المهاجرين يعانون ''من الاستغلال والقمع''. (2) وتضمنت تصريحات له نشرتها الصحيفة السعودية اليومية ''المدينة'' عام 2002 قوله ''إن الإسلام لا يسمح بهضم حقوق العمال بغض النظر عن دينهم... فكما نطالبهم بأداء واجباتهم فعلينا أن نفي بواجبنا وأن نلتزم بشروط التعاقد''. وانتقد المفتى الأكبر ترهيب العمال الأجانب قائلا إن حجب رواتبهم أو التأخر في سدادها مع تهديدهم بالترحيل ''ليس أمرا مشروعا، ويمثل نوعا من الغش''. وأفتى بأن الإسلام يحرم ''ابتزاز العمال )الأجانب) وتهديدهم بالترحيل إذا رفضوا شروط أرباب العمل المخالفة للعقد''.

وثمة مثال آخر نجده في دولة البحرين المجاورة حيث ينظم مركز البحرين لحقوق الإنسان، وهو منظمة غير حكومية، حملة لرفع مستوى الحماية للخادمات، حيث وصف أحد مسؤولي المركز هؤلاء النساء في عام 2003 بأنهن ''الأكثر تعرضا للانتهاك من بين القوى العاملة بأكملها''، واتهم الحكومة بأنها لا تتخذ ما يكفي من خطوات ''لكسر أصفاد الاستغلال التي تقيدهن''. وحث المركز منظمات المجتمع المدني في البحرين، ومن بينها منظمات حقوق المرأة، على الاهتمام بهذه القضية(3).

المنهج

جمعت الشهادات الواردة في هذا التقرير من مقابلات شخصية مع عمال مهاجرين من بنغلاديش والهند والفلبين بعد عودتهم إلى بلادهم من المملكة العربية السعودية، وبعضهم عاد منذ عهد قريب في ديسمبر/كانون الأول 2003. وقد اضطرت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى إجراء بحوثها حول هذا الموضوع خارج السعودية لأن المملكة ظلت حتى وقت كتاب التقرير مغلقة أمام باحثي منظمات حقوق الإنسان الدولية.

وقد اخترنا بنغلاديش والهند والفلبين لإجراء البحث الميداني لعدة أسباب.

أولا: أن العمال المهاجرين من هذه البلدان الثلاثة من أكبر الجاليات المهاجرة في المملكة العربية السعودية. ففي عام 2003 قدرت الحكومة السعودية أن هناك ما يتراوح بين مليون و1.5 مليون من الهنود في المملكة إلى جانب نفس العدد من مواطني بنغلاديش. وأفادت حكومة الفلبين في العام نفسه بأن أكثر من 900 ألف من مواطنيها يعملون ويعيشون في المملكة.

ثانيا: أن هذه البلدان تمثل التنوع الذي كنا نبتغيه بين من أجرينا معهم المقابلات الشخصية، حيث يشمل العمال الذين ترد رواياتهم في هذا التقرير مسلمين من بنغلاديش وهندوساً ومسلمين من الهند ومسيحيين ومسلمين من الفلبين.

وقد تبين لنا أن المهاجرين البنغاليين هم الأقل حظاً من التعليم، وأنهم عادة ما يكونون شبانا غير مهرة من الريف يتقاضون أقل الأجور التي سجلناها في السعودية. كما أجرينا مقابلات مع مهاجرين هنود في المدن الكبرى والصغرى والقرى الزراعية في الريف في كيرالا، وهي ولاية صغيرة في جنوب غرب الهند تعدادها نحو 33 مليون نسمة وتقع على ساحل المالبار بين المحيط الهندي وبحر العرب. وأغلب المهاجرين من كيرالا قد تلقوا قسطا من التعليم يفوق حظ نظرائهم البنغالاديشيين، ويعملون في مجموعة أوسع من وظائف العمال المهرة وغير المهرة. أما المهاجرون من الفلبين فيتمتعون بأعلى مستوى من التعليم، ومنهم نساء تلقين قسطا من التعليم الجامعي ويتقاضين رواتب تصل إلى 200 دولار في الشهر عن العمل خادمات في المنازل. أما معظم الرجال الفلبينيين الذين أجرينا مقابلات معهم فكانوا من العمال المهرة، من الميكانيكي إلى المهندس، ويتقاضون أعلى الرواتب النسبية. وعلى الرغم من هذا المزيج المتنوع من العمال المهاجرين، فقد سجلنا وجود مشاكل متشابهة بدرجة مدهشة، بغض النظر عن الجنس والعرق والديانة والمستوى الاجتماعي والاقتصادي، ومن بينها نمط انتهاكات حقوق الإنسان في القضاء الجنائي بالمملكة.

وتبين الموضوعات التي يغطيها هذا التقرير أن أفضل سبل التوثيق الشامل للظروف التي يواجهها العمال المهاجرون في المملكة العربية السعودية هي إجراء الأبحاث داخل المملكة. فبالإضافة إلى مزية التحدث مباشرة مع المسؤولين والكفلاء وأصحاب العمل، فإن هذا الأبحاث تسمح لنا بمقابلة عدة آلاف من المهاجرين والمهاجرات في السجون ومراكز الترحيل بالمملكة أصحاب القصص التي تحتاج لمن يسمعها ويرويها.

وجدير بالذكر أن هناك عددا غير محدد من العمال المهاجرين الذين حكم عليهم بالإعدام، وما زالوا ينتظرون التنفيذ. وينبغي هنا السماح للمحققين المستقلين في مجال حقوق الإنسان بالتحدث إلى هؤلاء المحكوم عليهم، بشأن التحقيقات والمحاكمات التي مروا بها. كما أن هناك أكثر من 30 من مكاتب العمل الحكومية في شتى أنحاء المملكة يرفع إليها بعض العمال شكاوى عن ظلم أصحاب العمل لهم، إلى جانب ''الملاجئ'' التي يمكن أن يحتمي بها المهاجرون الذين يتعرضون للانتهاكات.

وجدير بالذكر أننا غيرنا في هذا التقرير أسماء العمال المهاجرين الذين أجرينا المقابلات معهم، حفاظا على سلامتهم، إذا ما قرروا العودة إلى المملكة العربية السعودية، وحفاظا على سلامة أقربائهم الذين كانوا لا يزالون في المملكة وقت إجراء المقابلات.

وتحتفظ منظمة هيومن رايتس ووتش بأسمائهم الكاملة رجالا ونساء. والاستثناء الوحيد من هذه القاعدة هو حالات العمال المهاجرين الذين أعدموا أو حكم عليهم بالإعدام؛ ففي هذه الحالات فقط نذكر الأسماء الحقيقية.

وفي وقت كتاب هذا التقرير كانت المباحثات دائرة بين منظمة هيومن رايتس ووتش والحكومة السعودية حول السماح للمنظمة بالدخول إلى المملكة بغرض إجراء بحوث في مجال حقوق الإنسان. وقد تمكن وفد رسمي من المنظمة من دخول البلاد مرة واحدة فقط، في يناير/كانون الثاني 2003. وخلال هذه الزيارة التي اقتصرت على أسبوعين، التقى ممثلونا في الرياض مع العديد من كبار مسؤولي الحكومة إلى جانب العديد من المحامين والصحفيين وأساتذة للجامعة وغيرهم من المهنيين السعوديين وأعضاء مجلس الشورى (الذي يضم 120 عضواً). لكن الصلاحيات المحددة لهذه الزيارة لم تكن تتضمن إجراء بحوث ميدانية.

وبدون السماح لمنظمات حقوق الإنسان بدخول المملكة، تبقى السعودية على قائمة البلدان المغلقة أمام إجراء بحوث في ميدان حقوق الإنسان.

أما المنهج البديل المستخدم لإعداد هذا التقرير فيبين للحكومة السعودية أن منظمة هيومن رايتس ووتش - على الرغم من الوقت والتكلفة الإضافية التي تكبدتها - مستعدة لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، حتى إذا منعت من دخول المملكة. إلا أننا نفضل العمل بطريقة أكثر انفتاحا ومباشرة بالتعاون النشط مع الحكومة، ونأمل أن يتفهم كبار المسؤولين الحكوميين مزايا هذا المنهج، وأن يفتحوا أبواب المملكة للباحثين من هيومن رايتس ووتش وغيرها من منظمات حقوق الإنسان الدولية.

توصيات أساسية

تشير أحدث المعلومات الصادرة من وزارة العمل السعودية إلى أن عدد المغتربين والمغتربات في المملكة يصل إلى 8،8 ملايين نسمة، أي زهاء 50% من إجمالي تعداد السكان الأصليين (انظر الفصل الأول). ويقدم هذا التقرير توثيقا موسعا للأنواع القائمة من استغلال العمال وانتهاكات حقوق الإنسان التي يواجهها العمال الأجانب في المملكة. ويلاحظ أن العدد الكبير من الجاليات المغتربة في السعودية وخطورة المشاكل التي كثيرا ما يواجهونها تتطلب إجراءات تصحيحية شجاعة ومبتكرة من جانب الحكومة. ونورد في الفصل التاسع من هذا التقرير التوصيات المفصلة التي تقدمها هيومن رايتس ووتش إلى الحكومة السعودية ووزاراتها المتعددة وغيرها من الأجهزة المعنية الدولية والإقليمية.

ومن بين توصياتنا الرئيسية إلى حكومة المملكة العربية السعودية ما يلي:

1. الشروع في إجراء تحقيق وطني علني وشامل ومستقل في أوضاع العمال المهاجرين في المملكة.

وجدير بالذكر ان السلطات السعودية لم تقوم بتقييم شامل وعلني للوقائع التي يواجهها العمال المهاجرين في المملكة ، ولذا فان هناك وعي رسمي وعلني محدود لطبيعة ومدى المشكلة. ووفقا لذلك فان منظمة هيومن رايتس ووتش تؤكد علي ضرورة قيام صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، النائب الأول لرئيس الوزراء وقائد الحرس الوطني، بتعيين لجنة ملكية مستقلة ومحايدة لبحث المشاكل والانتهاكات الخطيرة التي يواجهها المهاجرون من النساء والرجال يومياً، وتقديم تقارير عنها.

وفي إطار صلاحياتها، يجب أن تعقد هذه اللجنة جلسات عامة في كل المدن الكبرى عبر أنحاء المملكة، يدعى إليها العمال المهاجرون وأسرهم ومحاموهم للشهادة، إلى جانب المنظمات غير الحكومية الإقليمية والدولية ذات الخبرة في مجال قضايا العمال المهاجرين وحقوقهم.

وتلتزم اللجنة قانونا بالانتهاء من تحقيقاتها في المدة الزمنية المحددة، وبالإعلان عن نتائجها وتوصياتها على الملأ.

2. اتخاذ إجراءات فورية لإبلاغ كافة العمال المهاجرين في المملكة بحقوقهم في ظل القوانين السعودية والدولية.

يوضح هذا التقرير ان عدد كبير من العمال المهاجرين لا يعلمون الحقوق المتاحة لهم تحت القانون الموجود حاليا. ولذا فأنه من الضروري ان تبذل جهودا حكومية مكثفة لابلاغ العمال المهاجرين بحقوقهم خاصة وان هؤلاء العمال يواجهون عادة عقبات لغوية ويقيمون بالمملكة لسناوات معدودة فقط. ينبغي على الحكومة السعودية أن تفرض بمرسوم ملكي ''شرعة حقوق'' نافذة بخصوص العمال الأجانب. ويجب أن يتم الإعلان عن هذه الشرعة على نطاق واسع في المملكة، باستخدام وسائل الإعلام المذاعة والمطبوعة وغيرها من وسائل الاتصال بالجماهير. وينبغي أن يتم إصدار المرسوم بالتزامن بالعربية وبكل اللغات الأخرى التي تنطق بها بلدان الجاليات الرئيسية للعمال المهاجرين إلى المملكة، وهي الأردية والهندية والماليزية والبنغالية والبهاسا الإندونيسية والتجالوج والسنهالية.

ويجب أن توضح ''شرعة الحقوق''، بصيغة شاملة ومفهومة، كل الحقوق الممنوحة للعمال المهاجرين في ظل قوانين المملكة ولوائحها. وينبغي أن تصبح الشرعة أداة توعية عملية للعمال وأصحاب العمل على حد سواء، وأن تبدد الغموض القانوني وغيره من الأمور الغامضة التي تفضي إلى إساءة المعاملة.

3. فرض عقوبات كبيرة على أصحاب العمل والكفلاء السعوديين الذين يستغلون العمال المهاجرين ويعرضونهم للمخاطر.

تنفيذاً للالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق المملكة العربية السعودية، ينبغي النص تحديداً على أن العمل القسري أو الإجباري يُعتبر جريمة في ظل القانون المحلي. وبالإضافةإلى ذلك، ينبغي فرض عقوبات كبيرة على أصحاب العمل الذين يحجبون جوازات السفر وتصاريح الإقامة عن العمال المهاجرين، وعلى من يتقاضون رسوما غير قانونية لاستخراج وثائق الهجرة الرسمية.

4. وضع ضمانات حماية شاملة في إطار قانون العمل المحلي.

من أوجه الخلل التي ينبغي على الحكومة السعودية معالجتها بصورة عاجلة غياب ضمانات قانونية لحماية النساء والرجال العاملين في الخدمة المنزلية والأعمال الزراعية في المملكة؛ فهؤلاء محرومون حتى من ضمانات حماية العمال المحدودة والقاصرة المطبقة حاليا في ظل القانون السعودي. ويجب أن تشمل ضمانات قانون العمل بالمملكة كل العمال المهاجرين بصرف النظر عن كونهم إناثا أو ذكورا، أو عن توصيف عملهم مهما كانت أعمالهم تعتبر أعمالا وضيعة.

5. إنهاء الحجز القسري للعاملات المهاجرات

ينبغي على الأجهزة التنفيذية بالحكومة وعلى مجلس الشورى اتخاذ خطوات تشريعية فورية ضمانا لعدم حجز أي عاملة مهاجرة ضد رغبتها في مواقع العمل أو الإقامة العامة أو الخاصة. ويجب نشر تعليمات بهذا الخصوص على وجه عاجل والإعلان عنها على نطاق واسع إلى الجمهور السعودي باستخدام كل وسائل الإعلام المطبوعة والمذاعة وغيرها. ويجب أن تنص هذه التعليمات على فرض عقوبات كبيرة على أصحاب العمل الذين يستمرون في هذه الممارسات، مع تقديم تعويضات منصفة بالتساوي للضحايا، بما يتناسب مع طول مدة حجزهم وقسوتها.

6. إنهاء سجن النساء والأطفال بسبب الحمل ''غير الشرعي''.

القيام على وجه السرعة بوضع حد للقبض على السعوديات والمهاجرات اللاتي يحملن برغبتهن أو بسبب تعرضهن للعنف الجنسي، ووضع حد لسجنهن هن وأطفالهن؛ وينبغي الإفراج فوراً عن النساء والأطفال الموجودين في السجن حاليا وتقديم الخدمات الاجتماعية لهن، وغيرها من خدمات الدعم حسب الحاجة.

7. معالجة المثالب الخطيرة في نظام القضاء الجنائي السعودي على وجه السرعة.

يجب التوفيق فورا بين ممارسات القبض على الأشخاص واحتجازهم التي تتبعها وزارة الداخلية ونصوص اتفاقية فيينا الخاصة بالعلاقات القنصلية.

فأي شخص يُقبض عليه في المملكة للاشتباه في اقترافه جرماً جنائياً يجب إخطاره بحقوقه التي تكفلها له قوانين المملكة، بما في ذلك الحقوق المنصوص عليها والمكفولة في ظل قانون الإجراءات الجنائية الجديد. ويجب توصيل هذه المعلومات شفوياً وكتابياً باللغة التي يفهمها المشتبه فيهم.

ومن الضروري وجود إشراف قضائي فعال على العاملين بوزارة الداخلية. ويجب على السلطات اتخاذ إجراءات فورية ضمانا للرقابة القضائية على التحقيق مع كافة المشتبه فيهم، بغرض إنهاء الممارسات مثل التحقيقات التي تشتمل على انتهاكات، ومثل التعذيب وانتزاع الاعترافات قسرا.

وعلى السلطات أن تنشر معلومات تفصيلية عن جميع الأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام في المملكة، والذين ينتظرون التنفيذ، سواء من المواطنين السعوديين أو الأجانب. ويجب إيقاف تنفيذ كل أحكام الإعدام حتى يتقرر بصورة مستقلة ما إذا كان المتهمون قد عذبوا أم لا، وما إذا كانت اعترافاتهم قد انتزعت منهم بالإكراه أم لا.


1- سلطان الدوسري: ''الحكومة تتوقع تخفيض العمالة المغتربة بنسبة 50% خلال عشر سنوات''، عرب نيوز، الخامس من فبراير/شباط 2004.

2- ''رجل دين سعودي يدعو إلى حقوق العمال''، قناة بي بي سي الإخبارية الدولية، الثالث من سبتمبر/أيلول 2002. وكالة الأنباء الفرنسية ''مفتي السعودية يحذر أصحاب الأعمال من نقض العهد''، الثاني من سبتمبر/أيلول 2002.

3- ميرا رافي ''المنظمات النسائية غير الحكومية وأجهزة حقوق الإنسان يجب أن تكون أكثر اهتماماً برصد أوضاع العمل''، بحرين تريبيون، 25 يونيو/حزيران 2003.

الصفحة السابقة