دعوة للحجازيين للمشاركة في الإنتخابات البلدية رغم عيوبها

عـفـواً أيـهـا المـمـتـنـعـون عـن الانـتـخـابـات

عبدالله صادق دحلان

منذ عشرات السنين كنا نحلم بالانتخابات وقضينا سنين وأياماً ونحن نناقش ونتحاور ونطالب بالانتخابات البلدية والبرلمانية (مجلس الشورى) وغيرها في منظمات المجتمع المدني الأخرى، وكم كنا ننتظر كثيراً معتقدين بأن أهم وأكبر معضلة تواجه التطور الثقافي والفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي هي الانتخابات كعنصر أساسي من عناصر المشاركة الشعبية في الإدارة والحكم. ورغم أننا كنا نختلف كثيراً في طريقة التطبيق العملي للمشاركة الشعبية، إلا أن شريحة كبيرة وأنا منهم كنا نطالب بإقرار المبدأ أولاً ولا مانع من التدرج في التطبيق.

ورغم أن موضوع الانتخابات بصفة عامة هو موضوع مطروح منذ زمن طويل لدى القيادة السعودية إلا أن التوقيت لم يكن مناسباً نتيجة الظروف التي مرت بها المنطقة الخليجية.. ورغم التأخير الذي طرأ في موعد التنفيذ إلا أن الحكومة السعودية أوفت بالتزامها بترسيخ مبدأ الانتخابات والبدء الفعلي بتطبيق قرار الانتخابات البلدية أولاً. وبصرف النظر عن الطريقة والأسلوب؛ وبصرف النظر عن الضوابط الخاصة بمشاركة المرأة أو بانتخاب نصف الأعضاء وتعيين النصف الآخر؛ وبصرف النظر عن صلاحيات ومسؤوليات المجلس البلدي.. إلا أن المبدأ والقرار قد اعتمد ووعد الحكومة السعودية قد نفذ، والأمر أصبح واقعاً تم تنفيذه فعلاً رغم تخوف بعض المحافظين أو المتشددين أو الرافضين.

وبالفعل بدأت أولى الانتخابات في العاصمة الرياض، وأثبتت التجربة نجاحها المميز وغير المتوقع لأنها الأولى من نوعها؛ فنجحت الإدارة المشرفة على الانتخابات، ونجح الناخبون رغم قلة عددهم مقارنة بعدد السكان أو بإجمالي عدد الناخبين المفروض تسجيلهم، إلا أنها التجربة الأولى في ظل ظروف ضعف ثقافة الانتخابات في بلادنا، ونجح المرشحون في حملاتهم الانتخابية وبصرف النظر عن فوزهم في النتيجة النهائية أم لا، لكنهم فعلاً خاضوا التجربة بأسلوب مميز وحضاري حسب متابعتي الشخصية لهم، وهي تجربة تدفعنا للاستفادة منها وتطويرها في الانتخابات البلدية في المناطق الأخرى، وعلى وجه الخصوص منطقة مكة المكرمة والتي بدأت الاستعدادات لها للمرحلة الأولى وهي تسجيل الناخبين.

وللحقيقة فإن المنظمين للانتخابات في المملكة وأخص وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان قاموا ولا زالوا يؤدون دوراً تثقيفياً مميزاً لعامة فئات وطبقات الشعب، بالتعاون مع المفكرين والأدباء والكتاب وبالتعاون مع مجلس الشورى والذي يستحق رئيسه وأعضاؤه كلمة شكر وتقدير لجهودهم في نشر ثقافة الانتخاب، حيث توجهت مجموعة من أعضائه لإلقاء المحاضرات والمشاركة في ندوات لنشر ثقافة الانتخاب والتي كان من أبرزها محاضرة الأستاذ الاقتصادي والكاتب المبدع عضو مجلس الشورى محمد عبدالكريم بكر والتي ألقيت في جدة. بالإضافة إلى المحاضرات الأخرى التي ألقاها زملاؤه من المجلس في مختلف أنحاء المملكة. والمحاضرات والندوات التي عقدتها من قبل جمعية الإدارة السعودية بقيادة الدكتور عبدالله الشدادي ومساعده الدكتور حبيب تركستاني. وهي جهود مكثفة تبذلها جميع القطاعات وتجربة جديدة تستحق الدعم والتشجيع وحلم قديم تحقق، ومشوار الديمقراطية والحرية التي ننادي بها قد قطعنا جزءاً كبيراً منه ولم يبق إلا التعامل العقلاني والمنطقي معه وفيه.

وهي رسالة أوجهها إلى أولئك الممتنعين من التسجيل للانتخاب أو من الترشيح. وإلى أولئك الذين يقفون عكس التيار وأولئك المحبطين لنا ولصاحب القرار المطالبين بالانتخابات حسب رؤياهم ووجهة نظرهم الرافضين التدرج في التطبيق المطالبين بالتقليد الأعمى والتطبيق الحرفي للانتخابات في أوروبا وبعض الدول التي لها تجارب طويلة في هذا المجال، والتي يروي لنا تاريخها بأنها تدرجت في الانتخابات حتى وصلت إلى المستوى الذي هو مطبق فيها حالياً. وإذا كانت المطالبة بتطبيق الانتخابات في مجلس الشورى أولاً فأنا مع هذه المطالبة، لكنني أنادي بالتدرج أولاً ابتداء من الانتخابات البلدية ثم انتخابات مجلس المنطقة ثم انتخابات مجلس الشورى مع تأييدي أيضاً بالتدرج في نسبة الأعضاء المرشحين بالانتخابات والأعضاء المعينين من قبل الدولة، لأنها معادلة تحتاج إلى توازن في البداية وبالإمكان التدرج حتى يصبح جميع الأعضاء منتخبين وهو إجراء مطبق في العديد من دول العالم والعالم العربي.

أكتب مقالتي اليوم وكلي أمل من أولئك الممتنعين والرافضين للانتخابات بصورتها الحالية أن يعيدوا النظر في قرارهم ويضموا صوتهم ودعمهم ومساندتهم لقرار الدولة، فالانتخابات وليد يحتاج إلى الدعم حتى يكبر وينمو، ويصبح قادراً لأن يحقق طموحاتنا نحو المشاركة الشعبية.

إن وأد الفكرة أو المشروع الانتخابي في بدايته سيقتل طموحنا ويمحو أحلامنا، فهل تجد رسالتي اليوم استجابة من زملائي وأصدقائي وإخواني الممتنعين أو الرافضين للانتخابات. علماً بأن الشعوب الأوروبية انتظرت مئات السنين حتى حصلت على حقوقها الانتخابية بالكامل، وذلك بعد تدرج طويل ولا زالت العملية الانتخابية في تطور.

الوطن ـ 13/2/2005

الصفحة السابقة