د. مي يماني: الانتخابات البلدية ناقصة وغير ديمقراطية

تحاول المملكة العربية السعودية عبر الانتخابات البلدية التي جرت في الرياض وضواحيها ثم في عسير والمنطقة الشرقية، والتي ستجري في الحجاز والجوف تبديل الصورة السلبية التي انطبعت لدى الدول الغربية وخصوصا في تقارير وزارة الخارجية الاميركية على كونها دولة غير ديمقراطية ولا تطبق فيها حقوق الإنسان.

مي يماني:
السعودية مجبرة على الدخول في نادي الإصلاحات

وكان تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأميركية في 28 شباط (فبراير) 2005 قد اكد هذا الأمر، وشدد على أن (المواطنين (السعوديين) ليس لديهم الحق في تغيير حكومتهم)، على الرغم من ان الانتخابات البلدية السعودية انطلقت في شهر شباط (فبراير) نفسه وتستمر حتى نهاية نيسان (أبريل) المقبل. وفيما يلي بعض ما ورد في هذا التقرير ويليه مقابلة مع الأكاديمية السعودية البارزة الدكتورة مي يماني المقيمة في لندن تعليقا على أوضاع الديمقراطية والانتخابات البلدية السعودية.

يؤكد التقرير الاميركي أن القوات الامنية السعودية ما زالت تحتجز اشخاصاً يعارضون النظام من دون توجيه أي إتهمات ضدهم، كما ما زال رجال المطاوعة التابعون لوزارة الداخلية يتعدّون على المواطنين والاجانب ويوقفونهم بحجة تعرضهم للتوجه الاسلامي الوهابي المتشدد في وقت يُمنع فيه السعوديون من انشاء الاحزاب والتجمعات والتعبير عن آرائهم بحرية.

ويشير تقرير وزارة الخارجية الاميركية الى غياب نظام قضائي يعمل بحسب الشرائع الدولية ويأخذ في الاعتبار المساواة بين الرجل والمرأة في شؤون الحقوق المدنية. وكل ذلك بحجة الحذر من نشوء خلافات بين السلطة السياسية والسلطة الدينية.

ويذكر التقرير ان السلطة منعت اي تعبير شعبي عن الاختلاف مع مواقفها وقد اوقفت 12 شخصا لمشاركتهم في مظاهرة مناهضة للحكومة في 61 كانون الاول (ديسمبر) الماضي.

مشاركات سعوديات في الحوار الوطني الثالثكما يمنع رجال المطاوعة النساء من التجمع في الاماكن العامة حسب التقرير ذاته، ولا يسمح لهن بالمشاركة في اي مناسبة ثقافية أو اجتماعية إلا اذا رافقهن والدهن أو شقيقهن أو زوجهن او احد ابنائهن.

كما يوضح التقرير ان السلطة تمنع نشوء احزاب سياسية او اي مجموعات معارضة. وكانت القيادة السعودية قد انشأت في عام 2991 مجلس شورى مؤلفاً من 120 عضوا معيناً ليشرف على مراجعة التشريعات الصادرة عن القيادة الملكية وتعديلها حيث يتوجب ذلك ويراجع مواقف وتصاريح الوزراء ويقدم النصائح الى الملك والامراء الحاكمين.

وتختلف الحكومة السعودية، حسب التقرير الاميركي، في تفسيرها لمعنى حقوق الانسان عما يتواجد في الشرائع الدولية وتفسر السعودية هذه الحقوق كما تراها هي في شرائع المذهب الاسلامي الحنبلي المتشدد الذي تعتنقه.

وعلى الرغم من ان مؤتمرات الحوار التي انعقدت في السعودية اشارت الى ضرورة توسيع دور المرأة في الحياة العامة، فان التقرير الاميركي يرى أن هذا الامر لم يطبق ميدانياً وفعليا وما زالت المرأة السعودية مهمشة سياسيا واجتماعيا وتعامل كفرد من الدرجة الثانية.

نشاطات في لندن

وكانت قد جرت ايضا نشاطات عدة في العاصمة البريطانية لندن لتقويم المرحلة الاولى من الانتخابات السعودية، تحاور فيها مسؤولون سعوديون مع خبراء بريطانيين وعرب ومع اكاديميات سعوديات بارزات في لندن بينهن الدكتورة مي يماني، التي تعمل كباحثة في (المعهد الملكي للشؤون الدولية).

ويذكر ان يماني كتبت كتباً ومقالات صحافية هامة حول هذا الموضوع وانتقدت فيها الوضع في السعودية.

وقد اكدت مصادر صحافية مطلعة ان وزير الداخلية السعودي الامير نايف اتخذ بنفسه قراراً بعدم السماح للإناث بالمشاركة في عملية التصويت البلدي التي جرت وتجري الآن. كما ذكرت هذه المصادر ان القانون رقم 442 الذي استندت اليه الانتخابات البلدية الحالية وضع بشكل غامض وان الامراء السعوديين يوزعون الادوار فيما بينهم بين امراء متشددين وآخرين منفتحين وكل ذلك لإرضاء اميركا والدول الاخرى التي تضغط من اجل تطبيق الديمقراطية في البلد بشكل لا يغضب السلطات الدينية السعودية المتحالفة مع القيادة في المملكة.

الحوار مع يماني

وقد تحاورت (المشاهد السياسي) مع الدكتورة مي يماني، وهي خريجة جامعة اكسفورد ولها مؤلفات بارزة عن السعودية والمرأة السعودية وسألتها عن مواقفها حول هذه المواضيع.

وكانت يماني قد تساءلت خلال حواراتها مع المسؤولين السعوديين في لندن عن سبب استثناء الاناث من هذه الانتخابات على الرغم من مشاركتهن في انتخابات بلدية واشتراعية في بلدان مجاورة للسعودية كقطر وعُمان والكويت والبحرين، وسألتها (المشاهد السياسي): كيف يمكن للسعودية ان تستفيد من اختبارات هذه الانتخابات التي جرت في الدول المجاورة، فقالت: (ان اختبار السعودية يختلف الى حد ما عن اختبار الدول الخليجية الصغيرة لأن السعودية لديها نظام معقد سياسيا وقبليا وتهيمن عليه خريطة سياسية متشعبة. ولكن هذا يجب ألا يعطي الحجة للتأخير في مشاركة النساء في العملية الانتخابية السعودية كناخبات ومرشحات). وأضافت قائلة: (ان هذه المسرحية الديمقراطية لن تساعد النظام والانتخابات البلدية الجزئية والتي أتت متأخرة وناقصة ليست كافية). واعتبرت ان (الناس في السعودية واقعيون ويدركون وجود حاجة الى اصلاحات شاملة).

والسؤال الاهم برأيها هو: (هل سيتحقق الوعد بإجراء انتخابات في مجلس الشورى؟ وماذا ستكون طبيعة النظام المعمول به آنذاك؟)

مكافحة الإرهاب

ولدى سؤال يماني عما اذا كانت الديمقراطية عبر الانتخاب يمكن ان تساهم في مكافحة الارهاب، اجابت: (هذه الانتخابات البلدية السعودية لن تساهم في تخفيف حدة الارهاب لانها ليست جزءا من اصلاح شامل في الدستور. ان هذه الانتخابات تعني للشعب السعودي شيئا مختلفا عما تعنيه للسلطة السعودية).

واعتبرت يماني أن (السلطة السعودية تقوم بالاصلاح بسبب الضغوط الدولية والاقليمية)، وان (مشكلة تعزيز الشرعية موجودة في معظم الدول العربية والخليجية وبشكل واضح في السعودية).

اما بالنسبة إلى رؤية الشعب السعودي لهذه الانتخابات فقالت يماني: (يجب أن يشعر ابناء الشعب السعودي بان هذه الانتخابات مقترنة بحياتهم ومشاكلهم اليومية وتسعى الى حلها وبأنها تهدف الى تعزيز حقوقهم في التعبير والمشاركة السياسية. اما اذا لم تكن كذلك فقد تعطي مفعولا عكسيا وتزيد النقمة والاحتقان وسيصبح النظام مستهدفا الى درجة اكبر لكونه لم يحقق وعوده وأبقى الامور على حالها).

وحول دور الامير نايف بن عبد العزيز في قرار عدم السماح للإناث بالتصويت في الانتخابات البلدية قالت يماني: (الامير نايف قرر انه يجب عدم استخدام كلمة اصلاح وفضل استعمال كلمة تطوير. والامير نايف مقرب جدا من الحرس القديم في النظام السعودي ومن المؤسسة الدينية وبالتالي فلا عجب في كونه المعارض الرئيسي لمشاركة النساء في هذه الانتخابات، علما بأن الدراسات اشارت الى ان السعوديات تواقات للمشاركة في الانتخابات).

وأضافت: (وانا اعتبر انه من السخيف ان تشاهد النساء السعوديات في التلفزيون مثيلاتهن في الدول العربية والخليجية المجاورة وهن يصوتن فيما حرمن هن حق التصويت. وحان الوقت لتوقيف اعطاء الحجج غير المبررة لعدم السماح لهمن بالتصويت والعيش كغيرهن من النساء العرب).

ثم قالت: (في عهد العولمة والتلفزيون الفضائي المنتشر، المطلوب اعطاء النساء، والشعب عموما، التصويت الكامل. ان الانقسامات بين الامراء التقليديين والليبراليين في السعودية لا تتركز فقط حول تصويت النساء بل حول شؤون اخرى هامة اقتصادية وسياسية. فالتقليديون يعارضون تحديث واصلاح النظام السياسي والقضائي واعتماد الشفافية في شتى الامور).

الماضي والحاضر

واشارت يماني الى انه في عهد الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية حدثت انتخابات في عام 1925، وشكلت خطوة كان يجب تطويرها في العقود اللاحقة، والملك عبد العزيز وبعض اولاده يدركون اهمية مشاركة النساء في المجتمع والسياسة فيما يود بعضهم الآخر الاستمرار في منعهن من قيادة السيارات والمشاركة في الحياة العامة ويتذرعون بان هذه هي مواقف السلطات الدينية المتشددة.

واعتبرت يماني ان هذه ليست اكثر من حجة للاستفادة من الوقت وهي حجة فارغة لتجنب اعتماد الاصلاح الحقيقي. كما ان استخدام الاعذار حول تقنية الانتخابات والتدريب عليها برأيها ايضا حجة واهية. المشكلة حسب تصورها تكمن في معارضة الامراء المتشددين وحلفائهم رجال الدين المتشددين للديمقراطية والمسألة ليست في الاسلام.

ودعت يماني الى العودة لأيام الاسلام الاولى ومتابعة بطولات عائشة ام المؤمنين في قيادة المعارك الحربية ومعرفتها في القانون الاسلامي، وانجازات خديجة، زوجة النبي الاولى في حقل الاعمال والتجارة.

اما عن موقف المنظمات الاصولية الاسلامية كمنظمة (القاعدة) من الانتخابات وبين مشاركة المرأة في الحياة العامة فقالت يماني انه ليس في استطاعتها الدخول في تفكير هذه المنظمات ولكن: (الرسائل التي وجهتها (القاعدة) تلفزيونيا دعت الى مقاطعة الانتخابات في العراق ومهاجمة المحتلين في هذا البلد ولكنها لم تذكر معارضتها لأي انتخابات في المطلق. وقالت المنظمة في هذه الرسائل انها تعارض انتخابات ينظمها هراطقة او سلطات محتلة او حكام فاسدون).

الضغوط المحلية والأجنبية

وبالنسبة إلى الضغوط التي تأثرت بها السعودية ودفعتها الى تنظيم الانتخابات البلدية قالت يماني انها (ضغوط محلية واجنبية). واعتبرت ان الضغوط الاميركية أتت (لان الاميركيين يحتاجون الى شرعية احتلالهم للعراق فيبدون اكتراثا كبيرا للديمقراطية في المنطقة. كما يحتاج القادة الاميركيون الى تبييض صورة علاقتهم الوثيقة مع السعودية امام شعبهم الاميركي فيتذرعون بانهم يتعاملون مع دول تقوم بخطوات نحو الديمقراطية.

كما يدرك قادة السعودية ان الشعب السعودي تواق الى الحرية ولذلك يقدمون له شبه اصلاحات فيما المطلوب هو اكثر. قادة السعودية برأيي هم في حالة توازن خوف من اميركا ومن الشعب السعودي في وقت واحد).

المنطقة الشرقية والحجاز

وعن النتائج المتوقعة في انتخابات المنطقة الشرقية والحجاز قالت يماني: (المنطقة الشرقية، واكثرية سكانها من الشيعة، متحمسة للانتخابات البلدية اكثر من غيرها وكانت نسبة التسجيل في اللوائح الانتخابية فيها مرتفعة بالمقارنة مع باقي المناطق. انها فرصة للشيعة السعوديين للدخول في النظام، وهم متأثرون بنجاح الشيعة في العراق ومعظمهم من مؤيدي المرجع الاعلى الشيعي آية الله السيستاني. اما بالنسبة إلى الحجاز، فلم الاحظ الحماس نفسه بين الحجازيين المثقفين، وعدد من الحجازيين المتعلمين المعارضين هم في السجون أو في اقامة جبرية في منازلهم. لقد تم اسكاتهم، ولن يحصل شيء طالما ان قادتهم مكبوتون). وذكرت في هذا المجال اسماء المعتقلين عبد الله الحامد ومتروك الفالح وعلي الدميني.

الأمراء المنفتحون والتيار الديمقراطي

وعن امكان انقاذ السعودية من وضعها الحالي عبر صعود امراء منفتحين الى السلطة في البلد خصوصا من الاجيال الجديدة قالت يماني: هناك امراء منفتحون ومتعلمون وبراغماتيون ويريدون التغيير والاصلاح، وهم عموما من الصغار سناً وبعضهم، وليس جميعهم، من آل فيصل. ولكن السؤال الاهم هو هل سيسمح لهم بالتوصل الى السلطة؟ يبدو انهم ناشطون في الخارج اكثر من الداخل فالداخل مغلق عليهم، ويقومون بعلاقات عامة للنظام غير ان الكبار والتقليديين ما زالوا هم اركان السلطة.

واشارت يماني الى وجود تيار ليبرالي ومنفتح في البلد عموما وانه اذا فتح مجال للديمقراطية الحقيقية فإن هذا التيار سيفوز في الانتخابات ولكن النظام الحالي لا يريد فتح هذا المجال، وبالتالي فهو يسجن الليبراليين المنفتحين.

الشيعة

واكد مقال نشرته صحيفة (نيويورك تايمز) الاميركية اخيرا ما قالته الدكتورة يماني عن كون اوضاع الشيعة في السعودية سيئة على شتى الاصعدة وأن مشاركتهم السياسية شبه معدومة، ولذلك فهم يحاولون الاقبال على الانتخابات البلدية سعياً للحصول على تمثيل بلدي ربما يتيح لهم طرح اوضاعهم ومعاناتهم وربما يجعل القيادة السعودية تبدأ باعتبارهم مواطنين كاملين، علما بأنهم لم يشاركوا في السلطة ولم يعين بينهم اي وزير واستثنوا من المناصب الحساسة في القوات المسلحة والقوات الامنية.

وهم حاليا مجموعة تعاني على صعيدين: فسياسياً لا شرعية لوجودهم كمجموعة ودينياً يتعرضون لهجمات تشنها الاوساط السنية الوهابية المتشددة ويتمنون ان تصدر السعودية قرارا باعتبار الاسلام الشيعي مقبولا في الاسلام السعودي.

مجلة المشاهد السياسي - لندن - 21/03/2005م

الصفحة السابقة