الأمة الدينية والأمّة الطائفية

هل يريد الوهابيون دولة (الأمّة) أي الدولة التي تشمل كل المسلمين؟

هم يقولون ذلك، نظرياً، ونشكّ في كلامهم نظراً لمؤديات اندماج الوهابيين مع العالم الإسلامي في أمّة.

لو حدث ذلك، لضاعوا كأقليّة متميزة.

ولكان نصيبهم من الثروة والسلطة دون الحدود الدنيا.

وهذا ربما يفسح لنا النظر في جهة الإستعلاء الوهابي على الآخرين أصلاً، حتى الوهابيين منهم ممن يعيشون خارج إطار الحدود والهوية السعودية.

إن الوهابيين يرفضون تصوّر أن السعوديين يشكلون أمّة صغيرة، لها ميزات نابعة من أبعاد سياسية وحدود جغرافية. والأمّة السعودية جملة نافرة على أية حال، إذ لا توجد خصوصية لها في بعدها الديني فكل المواطنين مسلمون وكلهم عرب، وهناك مسلمون وعرب آخرون في الخارج، فما الذي يميز السعوديين عن غيرهم؟ إنه الإطار السياسي الذي لا يلتفت له الوهابيون، رغم أنهم متنعّمون بوجوده، وإن سخط البعض ـ بجهله ـ عليه!

الوهابيون لا يريدون ولا يسعون الى (أمة إسلامية) بقدر ما يعملون ـ عبر نشر مذهبهم ـ الى تحقيق (أمة طائفية) سواء على الصعيد المحلي أو على صعيد العالم.

والفرق بين الأمتين واضح: فالأولى تقبل بالتنوع والتعدد الثقافي والمذهبي، أي أنها أمّة تحمل قدراً من الرشد والتعايش مع مختلف الأديان والأعراق؛ أما في الحالة الثانية، فإنها أمّة شديدة التوحّد في الرؤية، قاذفة لمخالفها، مناصبة العداء لغيرها، وإذا ما تحققت ـ وهو مستحيل ـ فإنها تفجّر الخلاف في داخلها وتبرره على أسس دينية طائفية.

الدولة الطائفية، كما الأمة الطائفية، تنزع الى تسوير الذات، وتعتقد بامتلاك الحقيقة، وترفض الإختلاف حتى داخل بيتها (الوهابي) وهي بالتالي أمة ودولة متعصّبة لن تلبث أن تتفجر فيها كل الأحقاد والضغائن.

(الأمة الإسلامية) موجودة دونما حدود ودونما دولة؛ لها مقومات شخصية الى حد ما. وهي أمّة يستحيل توحيدها في نظام سياسي واحد أو دولة واحدة. وإذا ما حدث ذلك، فسينظر إليها كدولة قطرية حافلة بالتنوع. أي امبراطورية دينية، مطوّرة عن شقيقتها العثمانية.

أما (الأمة الطائفية) فهي لا تعيش إلا في أذهان المتعصبين الوهابيين، لا حقيقة لها على الأرض؛ وهم يعتقدون أن مخالفيهم يسعون الى تأسيس (أمة طائفية) مشابهة، كالشيعة، وهذا أيضاً من الأوهام المترسخة في الذهنية الوهابية.

من يتحدث عن الأمة الإسلامية، فإنما يتحدث عن ملاذ روحي ونفسي، وكل ما يمكن تأمله هو زيادة التعاون بين المسلمين ودولهم، وأن يكونوا وقت الأتراح حاضرين. أما الطائفي فمشاعره مختلفة، ولا أدلك على ما جرى في الباكستان! ففي الوقت الذي انشغل فيه السعوديون ـ وبينهم الوهابيين ـ بأعمالهم وأسهمهم! كان إخوانهم يبيتون في العراء، وجثثهم تملأ الأنحاء دون أن تستقطب سوى أقل القليل من المساعدة، مع أننا في شهر رمضان.

ينبغي أن نكف عن الأوهام وأن نعيش الواقع.

الصفحة السابقة