المنابع الفكرية للتطرف

متى يصبح الفكر السلفي المتشدد مادة حوارية؟

منذ أطلقت مبادرة الحوار الوطني في الخامس من أغسطس 2003 أغفلت قائمة الموضوعات المدرجة على جدول أعمال الحوارات موضوع المنابع الفكرية للتطرف، فيما صُبَّ إهتمام كثيف على مخرجات التطرف، كما أغفلت روابط المجتمع المحكومة برؤى فكرية وأيديولوجية صارمة فيما شحذ المشاركون في الحوار أذهانهم في صياغة رؤية متقدمة حول العلاقة مع الآخر ـ الخارجي، الذي ألحقت به مواقف أيديولوجية في الداخل أضراراً فادحة، وتسببت في تخريب علاقات الدولة بعدد كبير من دول العالم.

لم يشأ الرعاة الرسميون للحوار الوطني الاقتراب من بؤرة التوتر الحقيقية، لأن ذلك يتطلب نبشاً لمحتوياتها الفكرية، وقد تفضي الى إدخال كافة الاطراف المتورِّطة في تغذية وتمويل وحماية هذه البؤرة المتفجّرة في أتون المسائلة والمحاسبة. لقد أريد للأوضاع أن تستمر كما هي، وحافظ كل على موقعه ودوره ونشاطيته، فلم يمسّ الغشاء الفكري الذي يحيط بنواة التطرف، فيما كان الاصرار يتنامى من قبل الأمراء على قذف لهب النار الى الخارج أفراداً وأفكاراً، لاخلاء الساحة من تهمة سنّ واستنان سنة التطرف التي تحمل بصمة سعودية خالصة.

جرى إستبدال وجوه بوجوه، في عملية تشبه تبادل أدوار، فمن كان بالامس مسؤولاً عن ترويج أفكار في التشدد والكراهية، يلبس اليوم رداء الاعتدال، وإن لم يعنه ثقل المعتنق الايديولوجي على إتقان دور جديد ليس مقتنعاً به، وليس مؤصّلاً في بنيته العقدية، ولذلك ما إن يؤسس لفكرة في الاعتدال حتى ينقلب عليها بعشر أمثالها في التشدد. لقد خذل الوجوه الجديدة هذا الهجين الايديولوجي، الذي يصعب أن ينتج فكراً منتظماً على سمت عقدي موحّد، وذلك أخفقت هذه الوجوه من صناعة تيار الاعتدال المرجو خروجه من تربة التطرف، فمنهجية الاعتدال لم ترسم خطوطها في الخارطة الذهنية للمجتمع الخاضع تحت تأثير الاشعاعات الدعوية والمنبعثة من المنابر وحلقات الدرس الديني والخطب الصحوية والحوارات الفكرية.

إن ما كان منتظراً من راعي الحوار الوطني ليس مقاربات سطحية أو انتقائية تبتغي تسوية مشكلات الدولة مع الخارج، فيما تبقى الأزمات المسؤولة عن تفجير المجتمع من داخله مسكوتاً عنها. لقد ضربت العائلة المالكة صفحاً عن المصادر الفكرية للتوتر السياسي والعامل الايديولوجي لقسمة المجتمع لادراكها بأن نقاشاً من هذا القبيل يؤول الى فتح ملفات أخرى لا تخرج العائلة منها معافاة، وكأنها برعاية هذا النقاش تعين خصومها على نفسها، فهكذا تنظر الى مراجعة الايديولوجية المشرعنة لسلطانها.

ما جرى في معرض الكتاب في الرياض كان تمظهراً لتوتر إجتماعي شديد أخذ طابعاً فكرياً، وبدت النزعة الاقتلاعية ضارية في طريقة التداول الثقافي الذي لم يحسمه سوى بلوغ المجاذبة الايديولوجية شكلاً عصابياً كادت أن تصل الى حد اصطكاك الاسنّة والرماح، بين فريقين ثقافيين يتصارعان على حصص سياسية واجتماعية.

لم تشهد البلاد حتى اليوم حواراً فكرياً يعكس تداعياته في الشارع، وتتنزل آثاره من القمم الى القواعد، فكما تخبرنا تجارب الحوار الوطني، فإن موضوعات الحوار تخضع للتداول خلال فترة إنعقاد المؤتمر ثم تلفظ أنفاسها مع نهاية آخر كلمة في البيان الختامي.

لم ترسِ باخرة الحوار على شاطىء الوطن، فقد ظلت تبحر بعيدة عن همومه، ولم تلامس قضاياه الجوهرية، وقد حاول بعض القراصنة اختطاف الحوار الى مكان بعيد عن هذا الوطن الذي يشهد خضّات فكرية عنيفة، رغم تزايد النداءات المنبعثة من كل الزوايا من أجل البدء من نقطة صحيحة في الحوار، والاقتراب من مدخل الأزمة لتشخيص الواقع المأزوم.

يعمد الأمراء الى تجزئة مشكلة العنف، بحسب درجات الخطر على السلطة، وبالتالي فإن الفكر يغدو متطرفاً إذا ما أصبح خطراً على السلطة، أما أن يصيب الفكر نفسه فئات المجتمع ويفضي الى تقسيمها فإنه يصبح مطلوباً أحياناً لأنه يسدي خدمة جليلة للسلطة في وحدتها وتماسكها. ليس مستغرباً أن يفصل الفكر المتطرف الذي ينهل منه العنفي عملاً والعنفي قولاً ودعوة الى جماعات متباينة، فتصبح الجماعات المسلّحة (فئة ضالّة) بينما يصبح طيف من الجماعات السلفية المتشددة مجتمع الوسطية والاعتدال وإن كانت المرجعية الفكرية لهؤلاء وهؤلاء واحدة. سبب هذه القسمة، أن الجماعات المسلّحة إستعانت بهذه المرجعية على محاربة الدولة، بينما الجماعات الاخرى آثرت الافادة من الدولة في الترويج لأفكارها وفي الوقت نفسه تعضيد بنيان الدولة.

خلال الشهرين الماضيين، بدأت الدعوات تنطلق مجدداً من قبل ضحايا التطرف الفكري من أجل وضع إستراتيجية مواجهة حقيقية تتجاوز حدود المعالجات المبتورة للمتبنيات الايديولوجية لجماعات العنف المسلّح، والانتقال الى خيار المعالجة الشاملة، المتصّلة بالفكر التكفيري وليس الجماعات التكفيرية، بمعنى الوصول الى المنابع الفكرية التي تزوّد الأفراد والجماعات برؤى متشددة.

حملت مقالة الكاتب قينان الغامدي في صحيفة الوطن في الثاني من أبريل بعنوان (اقتنعنا، وتصارحنا، والخطر مستمر: متى نواجه الفكر التكفيري؟) دعوة صريحة (إلى ضرورة تشخيص الفكر الديني المتشدد التكفيري ومحاورة معتنقيه بهدف إعادتهم إلى جادة الصواب، قبل أن يتجاوزوا مرحلة الفكر التكفيري إلى مرحلة الفعل الإرهابي، سيما بعد أن وصلنا إلى قناعة بأن المكافحة الأمنية للإرهاب على الرغم من نجاحاتها لا تكفي، إذ لا بد من مواجهة الفكر بالفكر). وهنا يلفت الغامدي الى الخطأ الفادح الذي وقعت فيه الدولة باعتمادها وسيلة أمنية لتسوية إشكالة ضاربة جذورها في الفكر المؤسس والمشرعن لظاهرة العنف.

جاءت هذه الدعوة المتجددة بعد مقال نشره رئيس تحرير صحيفة الرياض تركي السديري في 27 مارس تحت عنوان (ناقشوه وعالجوه..) حيث تحدث عن محتويات خطبة إمام مسجد في شرقي مدينة الرياض، حيث طالب بمقاطعة الصحف السعودية وبخاصة (الرياض) والوطن (أو كما يسميها الوثن)، و(الشرق الاوسط)، قياساً على وإلحاقاً بمقاطعة البضائع الدنماركية. يقول السديري (فهل من المعقول أن يتساوى الإعلام السعودي والإعلام الدنماركي فيطلب أحدهم مقاطعته كما حدث مع البضائع الدنماركية؟) ويتساءل (كيف يتجرأ رجل على استخدام المسجد وتجمع الناس للعبادة كي يتعرض لأشخاص محترمين بعبارات في منتهى الإسفاف والدونية.. عبارات لا أتجرأ على كتابتها، فهي غاية في البذاءة). وينبّه السديري الى تداعيات مثل هذه الدعوات ويقول (أخشى ما أخشاه أن تؤدي بالرجل حالته التي هو عليها من فهم خاطئ للأمور، والمنحى المتهور في تصرفاته لأن يكون وسيلة إيذاء لغيره.. ليس بما يلفظ به من قول، ولكن بممارسة الجريمة إن لم تكن بيده فبيد مراهق يستمع إليه أكثر من مرة). من الجدير بالاشارة أن إمام المسجد هذا هو نفسه الذي قاد حملة الاثارة في ندوة الاعلام التي عقدت على هامش معرض الكتاب. يقول السديري بناء على معلومات من حضر المسجد (فهو الشخص ذاته الذي حاول الإثارة في ندوة الإعلام، وتابعني حتى الباب الخارجي محاولاً استفزازي متباهياً أمامي أنه أحد كتاب الساحات).

يتذكر قينان الغامدي قصة مماثلة وقعت في أحد مساجد جدة قبل عشر سنوات حيث خصص الامام خطبته بحسب قوله (للهجوم اللاذع والتكفير والتفسيق لصحيفة عكاظ التي كنت أيامها نائباً لرئيس تحريرها، وكنت والدكتور هاشم عبده هاشم رئيس التحرير نؤدي صلاة الجمعة أسبوعيا في ذات المسجد، وقد تكرر هذا الهجوم أكثر من مرة، لكننا كنا في الصحيفة نتوخى الحذر من الإشارة لهذا الأمر، ونلتزم بعدم المساس بـ«الصحوة المباركة» التي لم تتوقف تعبئتها لأنفس وعقول الشباب الأغرار، وعندما صدرت «الوطن» منذ نحو ست سنوات كنت أصلي الجمعة في بعض مساجد «أبها أو جدة» وكنت أسمع أحيانا كثيرة، وأنا رئيس تحرير الصحيفة نفس اللغة وذات الهجوم والتكفير والتفسيق).

ويلفت الغامدي الى حالة الصمت المطبق التي كانت سائدة حيال تجاوزات رجال الصحوة (ولكن لا أحد كان يجرؤ على رفع إصبعه إعلاميا للإشارة إلى هذا الخطر المتغلغل في المجتمع، وهو خطر لم يكن وليدا قبل أكثر من عشر سنوات يوم الهجوم على «عكاظ» وكتابها ومحرريها، ولا يوم صدرت «الوطن» قبل بضع سنوات، الخطر بدأ بعد «زلزال جهيمان» كما قال الزميل الكاتب محمد بن عبداللطيف آل الشيخ ..حيث «جعل ذلك الزلزال الحكومة تقدم الكثير من التنازلات للمتطرفين، وتعمل على مسايرتهم ومجاملتهم، وتحقق قدرا كبيرا من مطالبهم، الأمر الذي انعكس سلبا على مسيرتنا التنموية»، وأفضى - فيما أفضى - إلى كوارث الإرهاب التي أيقظتنا على غفلتنا التي امتدت نحو ثلاثة عقود).

ومع إن البداية الحقيقية ترتد الى ماقبل زلزال جهيمان بعقود طويلة، بل الى نشأة الدولة التي قامت على أساس أيديولوجية اقتلاعية تكفيرية أباحت غزو الآخر وقتله واحتلال أرضه، وهو ما تحاول العائلة المالكة إغفاله لأنه يرتطم بأسس مشروعية الدولة وأيديولوجيتها المشرعنة لقيامها واستمرارها.

وتيرة الانتقادات للفكر المتطرف المشفوعة بدعوات للمراجعة الجادة أخذت بعداً واسعاً، وأصبحت المطالبة بتفكيك الفكر شرطاً للانفراج الداخلي ونزع فتيل أزمة خطيرة قد تنعكس في وقت ما في هيئة مواجهات عنفية أشد خطورة مما هي عليه الآن.

يتبنى كثيرون خيار الفضح، بالطريقة التي تبناها يوسف أبا الخيل في مقالة نشرت في صحيفة الرياض في 23 مارس الماضي تحت عنوان (جواز الكذب نصرة للدين: أصل من أصول الخطاب المتشدد)، ويدعو الى تصميم إستراتجية لفضح منهجية المتطرفين الذين (لا يتورعون في سبيل التوطئة لإقصاء خصومهم عن إلصاق أبشع وأسوأ التهم، بل وأقبح الصفات التي تنأى الحيوانات بغريزتها عن أن تكون أهلاً لاتصافها بها ناهيك عن الإنسان الذي كرمه الله وفضّله على كثير ممن خلق تفضيلاً، يحدث كل هذا من تلك الشرذمة سواء في كهوف الظلام الإنترنتية أو في مجالسهم الخاصة التي تنضح بمفردات الكذب والنميمة والفحش، في الوقت الذين يدَّعون فيه أنهم موكلون من رب العالمين للذب عن الدين الذي يحصرونه بتخريجاتهم وتأويلاتهم الخاصة التي يُكْرِهون الآخرين على تمثلها والأخذ بها وإلا أصبحوا هدفاً لكل ما يرونه مبطلاً لأية توجهات أو رؤى أخرى مخالفة لتوجهاتهم بما فيها القذف في العرض والاتهام في الأخلاق والرمي بالتحلل من أبسط صفات الرجولة).

وينقل الزامل تجربة شخصية له مع هذا الخطاب بقوله: (ولأنني أعرف خبايا هذا الخطاب جيداً جراء انغماسي في دهاليزه لأكثر من عشر سنوات خبرت خلالها وسائله وأهدافه وأيديولوجياته جيداً، فسأحاول اليوم أن أتبرع بالجواب عن تساؤل الأستاذ السديري نيابة عن ممثلي ذلك الخطاب، لأبين إلى أي مدى يمكن أن تصل نرجسية وانتهازية من يقتاتون على مخرجاته في سبيل الوصول إلى أهدافهم ولو على حساب الانسلاخ من مبادئ الدين نفسه الذي يدَّعون زوراً وبهتاناً الذب عن حياضه، فمن المبادئ الأساسية التي يؤمن ممثلو ذلك الخطاب ما يعبرون عنه بجواز الكذب نصرة للدين كما يقولون، ومن أجل شرعنة هذا المبدأ الخطير يقومون بحشد عدد هائل من الأحاديث والآثار التي يقومون بعسف مضامينها بتقويلها ما لم تقله وتحميلها ما لا تحتمله من الادعاء بجواز الكذب وأحياناً وجوبه نصرة لمبادئهم وقهراً لخصومهم، وهذا الكذب الذي يعتمدون عليه في إدانة المخالف لا تحده حدود أخلاقية أو إدانة من ضمير أو مراعاة لإنسانية، بل يمكن أن يشمل كافة الأمور التي يمكن أن تشوه صورة المخالف وتدينه في أعين الناس).

وينقل الزامل شاهداً على إتكاء هذا الخطاب على الكذب من خلال سؤال تم توجيهه لأحد أقطاب الفكر المتشدد وكان على النحو التالي: فضيلة الشيخ ( فلان بن فلان) ''هل يجوز لي أن أقول سوءاً عن شخصٍ مما هو وأمثاله واقعون فيه وأنا أعرف أنه فاسق أو عدوٌ للدين؟ وهل يجوز لي بالمقابل أن أقول خيراً عن رجل صالح من أهل الدين والتقوى والجهاد لتخليصه من مشكلة تضره بذاته أو بسمعة الصحوة؟'' وبعد أن حشد القطب المعني بالسؤال عدداً من الأدلة والآثار لبيان جواز بل وفضل الكذب لمحاربة أهل الفسق كما يقول، خلص إلى الجواب المقصود لذاته من السؤال بل والمتضمن في ذات السؤال، فعندما إستعرض جواز مخادعة العدو في الحرب مستدلاً بحديث جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه ( الحرب خدعة) أفتى بأنه يدخل في ذلك ''السعي للفتك برأس من رؤوس الكفر والإلحاد والعلمنة والفسق المحادين لله ورسوله''. ويعلّق الزامل (ونحن نعرف من استقراء أدبيات الخطاب المتطرف أن ممثيله يكذبون على خصومهم لأنهم يعتبرونهم في أحسن الأحوال رؤوساً أو أذناباً للعلمنة كما يصرحون أحياناً ويلمحون أحياناً أخرى، وفي سياق الحرب وخدعها ذكَّر بما سماه «حرب الأفكار» حين أشار إلى أن الحرب فيها أشد من حرب القتال، واستدل لهذا الأمر بحديث أنس الذي رواه الإمام أحمد في المسند في قصة الحجاج بن علاط عندما قدم مكة زمن فتح خيبر وكان له فيها أهل ومال فكذب على أهل مكة بادعائه أن الرسول والصحابة قد هزموا وأنه قدم ليأخذ ماله ليشتري مما استُبيح من أموالهم، ومن هذا الخبر استدل (بقسر معناه) على جواز الكذب ''لإظهار أهل البدع والشركيات وأهل الفرق الباطلة من روافض وزنادقة وأهل علمنة وحداثة وغيرهم بمظهرهم المخزي لكي لا يغتر بهم عوام المسلمين''!!، و ضابط جواز الكذب أو وجوبه عنده كما عند كافة ممثلي ذلك الخطاب أن ''كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب فهو مباح إن كان المقصود مباحا، وإن كان واجباً فالكذب واجب!'' وهل هناك شيء أوجب في نظرهم من محاربة من يصفونهم بأهل العلمنة والحداثة وحرية الأفكار؟).

وكان عدد من المعلمين وخبراء التعليم قد طالبوا في 12 مارس الماضي بمناقشة ملف التطرف في المدارس والمناهج ضمن الحوار الوطني القادم. وقال بعض المعلّمين بأن أضراراً فادحة أصابتهم من قبل المتطرفين، وقال أحدهم بأنه عانى من تجربة مريرة مع بعض زملائه من الذين يدعون الى التطرف. ويصف ذلك المعلم بحسب صحيفة الوطن ما أصابه بالقول (عانيت كثيراً من هذا الخطر بحكم عملي كرائد للنشاط بالمدرسة التي أعمل بها حيث حملت على عاتقي مهمة توعية الطلاب بخطر الإرهاب وبيان أفكار الفئة الضالة، وقد عملت جاهداً على التحذير من خطر الغلو في الدين والتطرف والإرهاب من خلال الطابور الصباحي والإذاعة المدرسية وحصص النشاط ودروس التربية الوطنية، وهذا أثار بعض المعلمين المتشددين فبدأوا يؤلبون الطلاب وأولياء الأمور ضدي ويكيدون لي المكائد).

ونقلت عن آخر قوله (بعض المتطرفين صدرت منهم أشياء لا يمكن تصديقها، منها تسمية مادة التربية الوطنية بـ (الوثنية)، ومنها الإشادة بمطلوبين أمنياً. وقد استمالوا مجموعة من الطلاب وصاروا يذهبون بهم إلى الاستراحات. ولأني وقفت في وجوههم فقد وقفوا ضدي بكل ما يستطيعون ودفعوا عدداً من الطلبة ضدي واتهموني بموالاة الكفار والاستهزاء بالدين والدعوة إلى تحرير المرأة والثناء على أمريكا وتعلم السحر وقراءة الإنجيل وغيرها من الاتهامات).

وأوردت الصحيفة عن معلّم آخر أن عداوة المتشددين من زملائه له قادته إلى السجن، حيث وقف ضده مُدرّس متشدد يشرف على النشاط، وجماعة التوعية الإسلامية في المدرسة. ويقول المعلم (م، س): (كنت أحضّر الماجستير، في اللغة العربية وبلغ بعض المعلِّمين المتشددين أنّ رسالتي كانت عن طه حسين الذي يعتبره بعضهم كافراً، والمشرف الأكاديمي على الرسالة هو الدكتورعبدالله الغذامي الذي يكفّره بعض المتشددين أيضاً. وكانت هاتان المعلومتان كافيتين لرسم صورة سلبية عني).

ويردف (م، س): (لذا كنت تحت المراقبة في كل تصرفاتي وأقوالي بهدف التثبّت من ''عقيدتي''، وهي طريقة متّبعة لدى المدرسين المتشددين في معظم مدارس الرياض وتُمارس ضد أي معلم جديد. ومن خلال المراقبة تم تكليف طلاب في الفصول التي أدرسها لكي ينقلوا كل ما أقوله لهم في الصف. وقام المدرس المتشدد باستدعاء بعض أولياء الأمور المتدينين! وأبلغهم بأني أبيح للطلاب الزنا واللواط، والعياذ بالله، وغيرها من المزاعم التي لا يصدقها العقل).

قصة أخرى مشابهة ذكرتها الصحيفة لمعاناة المعلم عبدالله أحمد الصميلي الذي حمل على عاتقه مسؤولية وطنية وهو يدرس في قريته الصغيرة ''ديحمة'' في ثانوية ومتوسطة هذه القرية، حيث يسرد معاناته قائلا: كدت أنجرف وراء أفكار وتيار فئة التكفير نظرا لسلطتهم واستغلالهم جميع المنابر التعليمية والدعوية وتوجيهها لخدمة أهدافهم وبث الفرقة.

ماسبق يمثل طرفاً من تشخيص أزمة ذات أبعاد متنوعة يتداخل فيها الفكري بالاجتماعي بالسياسي، وتتطلب مقاربات عميقة وجادة ومباشرة. لقد اعتادت الدولة على إجتزاء المشكلة وتبعاً له خرجت الحلول مجتزئة، وستبقى المشكلة قائمة طالما لم يقرر رعاة الحوار وضع الفكر السلفي المتشدد بكامل حمولته تحت الضوء وعلى طاولة الحوار.

الصفحة السابقة