إصلاحيون يطالبون بمقاضاة الأمير نايف

وزارة الداخلية تقيم دولة بوليسية

خطاب من دعاة الدستور الإسلامي إلى الملك عبدالله بن عبد العزيز


بسم الله الرحمن الرحيم

نطالب بفتح ملف حقوق الإنسان وبمقاضاة وزارة الداخلية

خادم الحرمين الشريفين: الملك عبد الله بن عبد العزيز

وفقه الله إلى سنن العدل والشورى ورعاه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن كل الناس في هذا البلد؛ متأثرون بالأحداث العظام، التي تتابع موجاتها منذ أكثر من عشرة أعوام، ككوارث منطقة الخليج، وظهور نتائج المغامرات الخارجية، وتفاقم المشكلات الداخلية، ولا سيما إفرازات القهر والفقر، وما صاحب ذلك من وعي الناس بحقوقهم، في عصر الإعلام المفتوح.

وخاصة الناس وفيهم أمراء كثيرون وفقهاء وأساتذة جامعيون ونخبة في المجتمع الرسمي والأهلي لهم حس مستقبلي؛ يدركون شرطي البيعة على الكتاب والسنة: العدل والشورى، ويدركون أن الإصلاح السياسي أصبح محتوما. إلا وزارة الداخلية، التي صممت على أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وضاقت ذرعا بكل من فتح فمه بكلمة حق أو صرخة احتجاج، فقال كلمة عادلة، أمام سلطتها الجائرة، في مسجد أو صحيفة أو منتدى، أوقناة أو خطاب أو بيان.

1ـ وزارة الداخلية كمن يريد أن يعالج عيناً عشواء فأعماها:

وضج الناس من هذا القهر، وتنامى الاحتجاج العشوائي والمبصر، وتنامت المطالبة بالحقوق، فساقت إلى السجون آلافا من الفتيان والشباب والكهول والشيوخ.

وأتاحت لها سيطرتها على القضاء، أن تحوّل القضاء إلى أداة من أدوات قمع حقوق الإنسان، وصدور أحكام قاسية على دعاة الدستور(الإسلامي) الثلاثة، بالسجن ست سنين وسبعا وتسعا، برهان مبين على أن قبضة وزارة الداخلية وبصمتها ورسالتها واضحة.

ومن ذلك اعتراضاتها على تقديرات بعض القضاة للعقوبات، وطلبها منهم إصدار أحكامٍ متناهية القسوة، وقد أذعن بعض القضاة لضغوطها، فأصدروا أحكاماً شديدة القسوة، حكموا فيها بالسنين الطوال، ومئات الجلدات، على أعمال خفيفة عابرة، بل إن بعضهم حكم بالإعدام تعزيراً (لا قصاصاً)، على الجراحة. وكل تلك الأحكام المخلّة بما أنزل الله من عدل وإنصاف؛ تقدم باسم تطبيق الشريعة، وحماية الأمن الوطني.

وخالفت هدي الشريعة في وظائف السجون، الذي حصرها بالتأديب والتعويق، عندما جعلتها للتضييق والتعذيب. فصارت السجون محاضن لإنتاج التمرد والأحقاد والتوتر، والجريمة والمخدرات، والأمراض النفسية والجسدية، فكانت كمن يصب الزيت على النار،فازداد المجتمع احتقانا، وازدادت المشكلات تفاقما، لأنها لا تعرف ماهية المشكلة، ولا ماهية الحل أو تتجاهلهما.

كل الناس تحدد المشكلة: بأنها الفساد السياسي، الذي هو جرثومة كل فساد ديني أو تربوي أو أخلاقي، أو تعليمي أو اقتصادي أو اجتماعي، حقيقة بسيطة يعرفها طلاب أقسام علوم الاجتماع والسياسة، في السنة الأولى من الدراسة.

وكل الناس تحدد العلاج بأنه: الإصلاح السياسي، إلا وزارة الداخلية، التي تعلن بملئ فيها:المشكلة هي فساد الإنسان، أما نحن فلسنا فاسدين حتى تنادوا بالإصلاح، وسنبدأ بكم يا دعاة العدل والشورى وحقوق الإنسان، قبل أن تكونوا رأيا سلميا عاما يضغط في سبيل الإصلاح السياسي.

2- الأمن القائم على نموذج (الدولة البوليسية) نتائجه كارثية:

وانطلاقا من المفهوم البوليسي للأمن الوطني؛ ازدات قبضة وزارة الداخلية الفولاذية بطشا؛ ومكنتها خبرتها أكثر من ثلاثين عاما في القمع السري والعلني، وسيطرتها على مفاصل الدولة كافة، من التشويش والتعويق.

واستطاعت وزارة الداخلية بسلطتها المطلقة؛ أن تلفق التهم وتشوه السمعة، وتكبر أخطاء دعاة الدستور وحقوق الإنسان والمحتسبين، وهم أناس يجتهدون في توخي المصلحة العامة، ومن الطبيعي أن يقعوا في أخطاء، ولايبرئون أنفسهم من الأخطاء، وجلَّ من لايخطئ، ولكنها تنظرها من خلال نظارات محدودبة، فتصير كل حبة صغيرة قبة كبيرة، لكي يتنازل الإصلاحيون في المجتمع الأهلي عن الإصلاح، ويصير همهم الوحيد النجاة من السجون، والسلامة من رؤى الأشباح، واتقاء القمع السري والعلني.

وعندما توليتم سدة الملك تنفس دعاة الإصلاح من كافة الاتجاهات والأطياف الصعداء، وأملوا أن تكون باني الدولة السعودية الرابعة، دولة الدستور الإسلامي، وأن تكون المؤسس الثاني للدولة السعودية أي مؤسس الدولة الدستورية، بعد أبيك الملك عبد العزيز المؤسس الأول، وأن يجمع الله بك شمل العباد، كما جمع بوالدك شمل البلاد؛ عندما آزره المواطنون الأحرار من كل البلدان، رحمنا الله وإياكم وإياه وإياهم.

وحاولوا الوصول إليكم؛ فوجدوا الطرق ضيقة، بل شبه مغلقة، بل مخيفة مليئة بالمخاطر والحواجز.

وازداد تسلط الوزارة ضراوة، بمزيد من اعتقالات الإصلاحيين ودعاة المجتمع المدني والدستور، بالطعن من تحت الخاصرة، تحت ستار تهم يصعب على دعاة السلم الأهلي كشفها، أو مواجهتها بشكل مباشر، كما وقع لدعاة الدستور والمجتمع المدني (الإسلامي) الثمانية: الشيخ سليمان الرشودي والدكتور موسى القرني والدكتور عبد العزيز الخريجي والدكتور سعود الهاشمي، والدكتور عبد الرحمن الشميري والمحامي عصام البصراوي، وسيف الدين الشريف، وفهد بن صخر القرشي، وعبد الرحمن خان الذين سجنوا بتهمة دعم الإرهاب. من ما يدل على أن الوزارة، ماضية في مخطط تشويه دعاة الإصلاح أمامكم، وأمام الرأي العام، من أجل إفشال مبادرتكم التي أعلنتم: المشاركة الشعبية.

وفوق ذلك هي تزداد تنّكراً ـ من خلال تعاملها مع هؤلاء المتهمين وغيرهم ـ، لما أصدرته الدولة، من أنظمة عدلية، تضمن الحد الأدنى من حقوق المتهم خاصة والإنسان عامة.

كما أنها تزداد إغراقا في نموذج (الدولة البوليسية)، من خلال تدخلات مكشوفة، تبرهن على أننا أصبحنا في دولة تحكمها المباحث، من دون ستار ولا مواربة،و صارت وزارة الداخلية تواصل انتهاكاتها لمنهجية لحقوق الإنسان، بتركيع الشعب وسلب كرامته وحرياته العامة، تحت عنوان الأمن الوطني!!!.

3- العنف هل هو المشكلة أم عشر إفرازات المشكلة ومضاعفاتها؟:

وتجاوبت الوزارة مع توجهات الإدارة الأمريكية، بتجفيف منابع الإرهاب، واستثمرتها، فازدادت تضخماً وتعاظماً وسيطرة وتضييقا، وهيمنت على أجهزة الدولة عموماً، وخاصة وزارة التربية والتعليم، وعلى وزارة التعليم العالي، وعلى المساجد والشئون الإسلامية وعلى الإعلام.

وتوهمت الوزارة أنها تقضي على الارهاب بالأساليب العسكرية والبوليسية وحدها، غير مدركة أن العنف على خطورته؛ ليس إلا عشر افرازات الاستياء العام الأخرى، كفساد الأخلاق والمخدرات والسرقات، وشيوع الرشوة والعطالة المقنعة، والأمراض النفسجسمية كالسكري والفشل الكلوي، والإنتحار ونحوها من الظواهر التي توشك أن تبلغ مستوى الوباء.

وغير مدركة أن أي شعب يعاني من ثنائية الإهانة والإملاق، لا يمكن ان يستتب فيه أمن ولا وفاق، وأن ثنائية الكرامة والمساواة وتوافر الأرزاق، هي أساس الاستقرار في كل مكان وزمان.

تجاهلت الوزارة أن سبب الإستياء هو شقا الرحى: شق يطحن المساواة والعدل والشورى، فيظلم ويعبث بالمال العام ويستأثر بالإدارة، وشق يطحن رأس كل من ينادي بالعدل والشورى، وينكر المنكرات السياسية. وكأنها لا تدرك أن سياستها القمعية سرية وعلنية هي العامل الثاني، في تكوين الإستياء العام، عندما حصرت العلاج بالحل البوليسي العسكري؛ وكبتت الأصوات، فسقت الوزارة حشائش العنف وهي تظن أنها تحصدها، متجاهلة العلاقة الحتمية بين الضغط والانفجار.

إن تضخم دور وزارة الداخلية؛ ولا سيما منذ حرب الخليج الثانية؛ عجّل بوصول الاستياء والاحتقان العام؛ إلى مستوى لم يصل إليه منذ أكثر من نصف قرن، واليوم ليس ثمة أسرة من أسر هذا البلد، إلا وهي مكلومة بسجين لها حاضر أو سابق أو بقتيل مندفع أو مدفوع ، أو بمظلوم اغتصبت أرضه أو ماله، أو بعاطل لم يجد مايحفظ كرامته، أو بمساهم نهبت حيتان الأسهم كد عمره، أو كفي مظلوم حرم من الفرص الوظيفية المناسبة، أو نشيط سدت الواسطات والرشاوى والطبقية والإقليمية والمذهبية والروتين أمام فرص العيش الكريم المشروعة، أو مبتلى بعاهة المخدرات والأمراض النفسية والجسدية.

بهذه الوسائل السرية والعلنية؛ قتلت وزارة الداخلية الإحساس بالكرامة والأنفة والحرية، في حوالي تسعين بالمئة من عيون هذا البلد البازغة الحرة، و(أولي الأمر فيه)، من فقهاء ومحتسبين ووعاظ وأساتذة جامعات ومثقفين، ومعنيين بالشأن العام، ورجال إعلام وحقوقيين، صاروا (في نظرها)، رعاعاً ودهماء وغوغاء.

وتوصلت عبر العمل الدؤوب المنظّم، خلال أكثر من 30 عاما، إلى ابتكار وسائل قتل منظم، لشعور المواطن بالكرامة والمساواة والعدالة أولاً، إلى ابتكار وسائل قتل منظم، لروح المبادرة والإصلاح، والاهتمام بالشأن العام، فكونت مخزون خبرة، تستفيد منه البلدان العربية القمعية كلها، في كيفية ترويض الفقهاء والعلماء، وتدجين الأحرار والمحتسبين والصحفيين، والقضاء على دعاة حقوق الإنسان والعدل والشورى.

وأوصلت ـ عبر وسائل القمع السري ـ إلى الجميع رسالة محددة: لينحصر كل منكم في شئون بيته وأسرته، وإلا فلدينا مزيد من القمع السري، مادياً ومعنوياً، قد يمتد إلى الأسر، وإلى ميادين العمل، بأطراف المباحث المتعددة، المباشرة المعلنة، وغير المباشرة التي قد تتقنع ملابس رجال الحسبة والتعليم والإصلاح، وتمتد أخطبوطاً مخيفاً، في جميع أجهزة الدولة، كالتعليم والمساجد والجامعات، وسائر الوزارات، ولا يتصور أن جهازاً سلم منها، حتى هيئات الأمر بالمعروف والمخدرات، فضلاً عن القضاء، الذي روُّض منذ زمن بعيد.

وبهذه الوسائل القمعية أسقطت وزارة الداخلية مصداقية الأعيان على العموم والفقهاء على الخصوص، بين تلاميذهم وأتباعهم والرأي العام، فبذرت ـ بيديها ـ جيلاً متوتراً مندفعاً (بلا أساتذة)، تفجر العنف من بين أصابعه.

ألقاه في الماء مكتوفا وقال له: إياك إياك أن تبتل بالماء هذه هي حكاية زلزال العنف‘ إنه حصاد الدولة البوليسية، التي يقوم فيها الأمن على الظلم والأثرة وتفقير المواطنين وتحقيرهم من جانب، ومن جانب آخرعلى تخويف كل من يجأر أو يصرخ أو يصدع، من الآمرين بالمعروفات والناهين عن المنكرات سياسية وإدارية ومالية وروحية، الذين هم عيون الزرقاء، عندما يشعلون ضوءاً أحمر أمام الانتهاكات.

4 ـ إخلالها المنتظم بشرطي البيعة على الكتاب والسنة: العدل والشورى يسقط مشروعية الدولة:

إن تصرفات وزارة الداخلية؛ تجسّد إخلالاً خطيراً بالمفهوم الشرعي للبيعة على الكتاب والسنة، وكأنها لاتدرك أن العدل والشورى شرط في البيعة الشرعية، وأنهما أساس القول بتطبيق الشريعة، وأن تلك مسألة قطعية في العقيدة، لا يشكك فيها إلا فقيه خادع أو مخدوع أو غافل، أو طاغية يؤثر هوى كسرى وقيصر، على هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

لقد وقفت عقبة أمام كل مشروع خير يهدف إلى تعزيز شرطي البيعة على الكتاب والسنة: العدل والشورى يحال إليها من الجهات العليا، فحبست في أدراجها سنين طوالاً، نظام لجنة حقوق الإنسان (التى تسمى الأهلية)، ونظام هيئة حقوق الإنسان ونظام الجمعيات الأهلية، ووقفت بالمرصاد، ضد الشفافية وضد المؤسسية، وضد استقلال القضاء، وسائر وسائل الحكم الشوري، التي لا مشروعية لأي حكم من دونها.

بل إنها ـ من خلال كلام بعض منسوبيها ـ تتصور صراخ المستضعفين واستغاثة المظلومين ومطالبتهم بالعدل والشورى؛ من الفوضوية والفتن، المخلة بالعقيدة وبتطبيق الشريعة، وبالوحدة الوطنية، وفوق ذلك ـ من خلال كلام بعض منسوبيها ـ تصرح في مقامات معلنة أمام الناس بأن المشروعية هي السيف، وبأنها ستخوض الدم إلى الركب، في المحافظة على الوضع السائد، القائم على قتل ثنائية العدل والشورى. فإذا كانت المشروعية هي العنف والسيف،القائم على الاستبداد والجور؛ فبم تبرر مطالبتها الفقهاء وأساتذة الجامعات وأهل الإعلام ودعاة الإصلاح السياسي بفتاوى ضد العنف؟، وهي ـ من خلال كلام بعض منسوبيها وممارساتهم ـ تنتهك شرطي البيعة الشرعية، بقول وعمل علني صريح، لا مجال فيه للتأويل ولا التخريج.

أفلا تدرك الوزارة أن مثل هذه الأقوال والأفعال؛ أكبر قائم بهدم المشروعية الدينية للدولة، وأكبر شاحن لبطارية العنف، ولا سيما عندما تصمم على تعطيل مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السياسي باللسان. متجاهلة أن ذلك ركن من أركان العقيدة العظام، ومن أجل ذلك لاتدرك ذهنيتها المتحجرة أن أول بوابة لمحاربة العنف، هي الإصلاح السياسي المؤسسي، والسماح للناس بالتعبير عن عواطفهم ومصالحهم، أفراداً وجماعات.

ومن ذلك إخلالها بالعقيدة الأمنية، للعاملين في الأجهزة الأمنية، ولا سيما العاملين في جهاز المباحث، إذ إن هؤلاء يتوظفون وفي ذهنهم أنهم يقومون بخدمة وطنية، لا يأكلون من خلالها مالاً حراماً، ولا يزاولون ظلماً لأهليهم، بل يحفظون أمن البلاد والعباد، بيد أنهم يقعون في مفارقات تزلزل العقول والنفوس، حين يجدون في السجون فئات متعددة الاتجاهات والأطياف، من المطالبين بالعدل والشورى، من فقهاء وأساتذة جامعات وأئمة مساجد، وصحفيين وآمرين بالمعروف، وناهين عن المنكر، ومعنيين بالشأن العام، وحين تطلب منهم الوزارة ملاحقة هذه الفئات والتضييق عليها، وقد أدى ذلك إلى تخلخل العقيدة الأمنية الدينية والوطنية للدولة، وإلى إستقالات وتنامي أمراض نفسية وتذمر، بين منسوبي الجهاز.

وإذا استمرت على هذا المنوال فستوغل في نمط (الدولة البوليسية)، وتوغل في الإخلال بالمشروعية، والتبجح وخرق شرطي البيعة، وسيصبح الانحدار تلقائياً حتمياً، لا طاقة لأحد على دفعه ولا منعه.

5 ـ دعم الخطاب الديني المحرف الذي يخل بالمواطنة والتعددية والتسامح ويؤاخي التخلف:

وهي تدفع بعض علماء الدين الخادعين والمخدوعين والغافلين، وتمكن لهم مادياً ومعنوياً، مباشرة أو عبر تسللها في وزارات الشئون الإسلامية والإعلام أو التعليم العام أو الجامعات، ليبثوا خطاباً دينياً متقوقعاً منغلقاً، يبث الفرقة بين أهل القبلة، ولاسيما بين السنة والشيعة، ويلعن الشيعة وبعض الفئات الأخرى، ويخل بروح المواطنة، ويذكي روح التعصب الديني، ضاربا عرض الحائط بسنن السلف الصالح في التعامل مع الطوائف والفرق، من أهل القبلة وغيرهم من مواطني الدولة الإسلامية، كعلي بن أبي طالب وعبد الله بن الزبير وعمر بن عبد العزيز.

وهي تتجاوب ـ ولعل ذلك سهواًـ مع المخطط الصهيوني والأمريكي، الذي يريد التفرقة بين السنة والشيعة، من أجل تمزيق الدول العربية، وإنشاء دويلات مذهبية، على أنقاضها، وتستثمر بعض علماء الدين من الخادعين والمخدوعين والغافلين، المحافظين على رسوم الدولة المذهبية، لكتابة فتاوى وكتب على غرار (وجاء دور المجوس).

وتدعم خطابا دينيا محرفاً آخر لا يؤمن بمبدأ (المشاركة الشعبية)، بل يحمي الاستبداد، ويشيع بين الناس أن سلطة الأمة واستقلال القضاء وكون القاضي وكيلاً للأمة، وقيام التجمعات الأهلية، ليست من هدي الإسلام، ولا من سنن السلف الصالح، وينكر أن هذه الأمور من صلب أصول العقيدة القطعية، باعتبارها من وسائل تحقيق مبادئ السياسة الشرعية، كالكرامة والمساواة والتعددية، والعدل والتعايش والشورى والحرية.

وتدعم خطاباً دينياً محرفاً آخر؛ يصادر حقوق المرأة الشرعية، ويحمي القهر والفقر والتخلف، ويتجافى عن سنن السلف الصالح، في العهد النبوي والراشدي، ويصادر حقوقها باسم الإسلام، وكأن وزارة الداخلية تريد أن تكون سلفية أكثر من السلف الراشدي الصالح.

وهي تتحالف مع بعض الفقهاء المخدوعين والغافلين، لا من أجل الحفاظ على الأخلاق الذي يقصدون، ـ وهم مأجورون على اجتهادهم ـ، ولكنهم عن كواليس السياسة وأولويات الشريعة غافلون. بل لأنها تريد أن يبقى نصف المجتمع مشلولاً، وفق نظام (الحريم والجواري) من جانب، ولأن نيل المرأة حقوقها، عامة والسياسية خاصة، يمكنها من تربية أجيال حرة أبية، تطالب بحقوقها الشرعية، وترفض التفقير والتحقير.

من أجل ذلك نود أن نقول على سبيل الجزم واليقين: إن عقلية وزارة الداخلية الديناصورية؛ وسيطرتها الاخطبوطية؛ هي أعظم عوامل الاختلال في الدولة، وهي المسئول الأول عنه.

6 ـ البحث عن الحل: تفعيل أجهزة الرقابة وإنشاء أجهزة المحاسبة من أجل الحد من سيطرة وزارة الداخلية على مفاصل الدولة:

ومن أجل ذلك رجاكم يا خادم الحرمين، موقعو (بيان معالم في طريق دولة الدستور الإسلامي)؛ أن تحموا الدولة ومرافقها، من أساليبها الديناصورية المتخلفة، عبر قسم هذه الوزارة وزارتين: وزارة للأمن وأخرى للحكم المحلي.

ولكن هذا لا يكفي ،لأن غياب مؤسسات المحاسبة، وضعف مؤسسات الرقابة؛ هو أكبر عوامل تنامي الفساد، وهو أكبر عامل على إفشال الإصلاح، لأنه يفاقم المشكلات، ويحول دون الشفافية والمساءلة، وأبرز مثل لذلك أزمة الأسهم، التي بلغت خسائرها فوق ما أنفق على حروب الخليج، وبلغ عدد الخاسرين فيها ملايين الأشخاص، وأصيب الألوف بالصدمات والأمراض النفسية، ومات بسكتة وانتحار عشرات إن لم يكونوا مئات.

إن تفعيل الدور الرقابي والمحاسبي ضرورة حتمية؛ لصيانة الدولة من الاختلال، ومن أجل ذلك نطالب بتقوية الأجهزة والوزارات والجهات ذات الدور المحاسبي والرقابي، الذي يحفظ التوازن، وهي:

1ـ وزارة العدل، 2ـ وديوان المظالم، 3ـ ورئاسة القضاء.

وتقوية الأجهزة الأخرى التي عانت من أخطبوط وزارة الداخلية عموماً وخصوصاً:

1ـ أول ذلك تقوية هيئة حقوق الإنسان بتحويلها إلى وزارة.

2ـ وثاني ذلك إنشاء وزارة للجمعيات الأهلية.

3ـ وثالث ذلك ربط المدعي العام برئيس مجلس الوزراء (لأن القضاء في صورته الراهنة غير قادر).

لكي لا تستمر وزارة الداخلية في ضرب القوانين التي صدرت بمراسيم ملكية بعرض الحائط ،كنظام المرافعات الجزائية.

ولكن ذلك أيضا لا يكفي، فالأنظمة مهما كانت عادلة، لاتتفعل إلا بالأكفياء النزهاء الأقوياء، ومن المهم: أن لا يكتفى بالمصداقية والنزاهة والإخلاص، عند التوزير.

بل ينبغي أن تبرز في المعينين صفات: القوة والشجاعة والتضحية بحظوظ النفس العاجلة، وفي هذه الأجهزة السبعة على الخصوص؛ ينبغي أن تتاح الفرصة للكهول، بأن لا يزيد عمر شاغلها عن 65 عاماً، لأنها إما تحتاج إلى بناء جديد لأنها مستحدثة، كوزارة حقوق الإنسان، أو إلى تجديد لأنها مترهلة، كرئاسة القضاء.

إذا لم تكن ثمة جهات تراقب تصرفات وزارة الداخلية وتحاسب، فستقف ذهنها الديناصوري، وتغلغل نفوذها الأخطبوطي، في شرايين الدولة؛ عقبة كئوداً؛ تحبط أي إصلاح مؤسسي، يعزز شرطي البيعة: العدل والشورى، لأنها تستميت في إعادة عقارب الساعة القهقرى.

وسيكون أمر الإصلاح ـ إذن ـ كما قال الشاعر:

متى يبلغ البنيان يوما تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

7 ـ آن الأوان لفتح ملف حقوق الإنسان

(الكشف عن الحقيقة والمصارحة والمصالحة مع المجتمع):

إن عدم وجود جهات رقابية فعالة ذات شفافية وجهات محاسبية قوية ذات مصداقية؛ قد زاد من احتمالات التعسف. من أجل ذلك ينبغي فتح ملف حقوق الإنسان، لفحص ممارسات الوزارة، ومن الضروري ـ إذن ـ كشف المستور، والكلام في المسكوت عنه، لأن هذا وذاك يشكّلان ضمانة للحد من التعسف والإنفلات في استعمال السلطة، ويحولان دون تراكم الفساد، ويحدّان من الممارسات السرية والعلنية، التي تتدثر بالشريعة والنظام والقانون والمصلحة العامة.

وهذا أمر بديهي في دولة تعلن صباح مساء، أنها تطبّق ما أنزل الله للناس من عدل ورحمة وشورى ومساواة. وقد سعت لتكون عضواً في مجلس حقوق الإنسان العالمي، وذلك دليل على أنها تريد أن تكون نموذجاً في حفظ حقوق الإنسان، وذلك يستدعي أن يكون سجل حقوق الإنسان فيها نظيفاً مشرفاً.

ولكن سيطرة وزارة الداخلية، جعلت التطبيق متدنياً جداً، كما شهدت هيئات دولية مستقلة؛ بأن ترتيبنا في قائمة احترام حرية الرأي والتعبير، هو 197 فلا يفصلنا عن حافة القائمة؛ إلا كوبا وكوريا الشمالية!!، وربما لو علمت هذه الهيئات الدولية ما نعلم؛ لوضعتنا آخر دولة!!. ولقد درجت الوزارة على إهمال الشكاوى والاستفسارات الموجهة إليها من لجنة حقوق الإنسان الوطنية ـ وهي تعد بالآلاف ـ، وعلى إهمال الشكاوى والاستفسارات التي ترسلها هيئة حقوق الإنسان، ـ وهي أكثر من 900 خطاب ـ؛ لم تتجاوب الوزارة مع أكثر من 1% منها!!!.

ومن أجل ذلك نتقدم إليكم مطالبين بفتح ملف حقوق الإنسان، ونطالب ـ أولاً ـ بالتأكّد من معلومات وأخبار مستفيضة أو شائعة بين الناس، عن انتهاكات سرية لحقوق الإنسان. والأخبار المتواترة والمستفيضة، له حظ من المصداقية، وحظ من الإعتبار، يستدعي الفحص والتثبّت والتحقق.

أجل قد يصعب إثباتها أمام القضاء، ولكن صيانة حقوق الإنسان، لا يلزم فيها قيام دعاة العدل والشورى حقوق الإنسان، بإثبات الانتهاكات، بل ينبغي لهم طلب التأكد من كل خبر متواتر أو مستفيض أو رواية شائعة، أو أي أمر يشكو منه عدد من الأشخاص، وهذا عرف عالمي لصيانة العدل والكرامة، وتعقّب مسارب الفساد ومداخله.

وقيام الجهات الرسمية بالتثبت والفحص؛ قاعدة مرعية في علم الإدارة السياسية، اتفقت عليها الإنسانية، وأيدتها السياسة الشرعية. لأن هذه الأمور لا يستطيع الأفراد العزل الذين لايركنون إلى ركن مكين إثباتها، مهما كان لهم من النشاط والإقدام، لأن من ينتهك النظام والقانون سراً؛ لا يكاد يترك شاهداً أو قرينة قوية تدينه، ولكن البينة القاطعة لا تلزم المشتكي، بل ينبغي للدولة القيام بالتحري والتثبت.

ومطلوب من الوزارة نفسها أن تثبت حسن نيتها، فتفتح ملفاتها للفحص، لأن الشفافية والمكاشفة والمصارحة؛ مؤشر مهم على الاستقامة والرغبة في تنقية الأجهزة من حشرات الفساد.

8 ـ تهم قمع سري تستدعي من الملك الإصلاحي فحص سجل وزارة الداخلية:

هناك قرائن قوية أو شائعات مشتهرة أو مسلم بها بين الناس، والشهرة والانتشار معيار مهم من معايير مراقبة حقوق الإنسان، في المجالات التالية:

1ـ ممارسة السحر:

هناك أخبار مستفيضة أصبحت في عداد الثقافة الشائعة، عن استخدام المباحث السحر، من أجل التأثير في نفوس السياسيين والمحتسبين الناهين عن المنكر السياسي أو أجسادهم أو أسرهم. بل هناك أخبار بأنها تلاحق أي راق من الرقاة يعالجهم، وأنها ترهبه بالتفتيش والملاحقة، ولا سيما عندما يحضرون إليه، وأن المباحث قد تشوش عليه في عمله الوظيفي أيضاً، وأنها قد تهدده بالسجن. على تهمة الشعوذة. رغم أن الراقي يعالج بالرقية الشرعية والسدر وزيت الزيتون، وهناك روايات عن أن أكثر من راق؛ يعتذر عن الرقية منذ الجلسة الأولى، بحثاً عن السلامة، ولا دخان من غير نار.

2ـ التدمير الأسري:

هناك رويات مستفيضة بأن الأجهزة البوليسية؛ تهدد بالتدمير الأسري، لأهل الموقوفين من السياسيين والمحتسبين وقرابتهم، وينبغي التأكد من أنها لا تفعل ذلك أيضاً.

3 ـ الاغتيال المعنوي والمادي:

وهناك روايات مستفيضة عن زرع أمراض غريبة، ودس مخدرات في الطعام داخل السجون وخارجها، وعن انتشار الأدوية النفسية من دون وصفة طبية محددة، وهي أدوية خطرة يؤدي إدمانها إلى الهلوسة، واتشار المخدرات، وقد يقوم بتوزيعها بعض العناصر المفسدة في المباحث أو يتغافل عنها. ومن آثار هذه وتلك إضعاف الإرادة، الذي يستدرج به الشباب إلى اعترافات تدمر سمعتهم وروحهم المعنوية، فيمسون عند خروجهم من السجون، مرضى مشغولين بأنفسهم، أو مصابين باكتئاب حاد، أو بائسين منسحبين من المجتمع، أو شبه مجانين ومعتوهين، أو مدمني مخدرات. فيصبحون عرضة لملاحقة شرطة المخدرات، ـ بدلاً من المباحث ـ كلما همّوا بالمطالبة بحقوق الأمة. إن حصيلة ذلك هي تحطيم الإرادة والاستقامة والإباء والسمعة، في نفوس شباب الأمة المتميزين والمحتسبين المهتمين بالشأن العام.

4 ـ استدراج المحتسبين إلى الأفخاخ:

هناك رويات مستفيضة بأن المباحث؛ تستدرج غفلة أوسذاجة وحسن ظن، في بعض السياسيين والمهتمين بالشأن العام، وتجرهم إلى أفخاخ جو مشبوه، عبر بعض معارفهم، ثم تصطادهم عناصرها المندسة في إدارة المخدرات أو هيئة الأمر بالمعروف، في هذا الجو المشبوه، لتنكل بهم تحت تهم المخدرات أو تهم أخلاقية أو مالية، من أجل تشويه سمعتهم، وإسقاطهم اجتماعياً، أو انشغالهم بالدفاع عن أنفسهم.

وأحيانا بسجنهم أيضا على ذمة هذه التهم ـ بدلاً من سجنهم تحت تهم سياسية ـ أو من أجل تخويف من حولهم، من مصيرهم أو من الدفاع عنهم.

بل هناك روايات أوجدت خشية جدية، من وضع مخدرات أو أسلحة ونحوها، في بيوتهم أو سياراتهم أو مكاتبهم، أو استراحاتهم ومزارعهم، ثم جر أصحابها إلى الإعدام تحت لا فتة: مروج مخدرات،أو إيهام الإدارة الأمريكية وإرضاءها، بأن هؤلاء إرهابيون أو داعمون للإرهاب.

5 ـ تصيد العورات عبر الهواتف والسيارات الدوارة:

هناك أخبار بلغت حد التواتر، بأن الوزارة تستخدم الأجهزة الأمنية، خلافا لوظائفها الشرعية، في حفظ أمن الشعب والنظام، فتقوم بالتجسس خلافا لقانون الشريعة ـ من دون رقيب عليها ولا حسيب ـ وتطلع على عوراتهم، عبر التنصت على هواتفهم، ودوران سيارات المباحث المباشر الظاهر، على بيوتهم ومنتدياتهم، وتخويف النساء والأطفال، ولا ضامن على أنها لا تستثمر ما تطلع عليه من عوراتهم، من أجل تخويفهم والإيقاع بهم أو بذويهم، أو تشويه سمعتهم، أو تلفيق تهم جانبية عليهم.

6 ـ إستدراج الشباب الموقوفين إلى الاعتراف القسري بتهم جانبية لارتهان مستقبلهم:

هناك روايات مستفيضة؛ بأن المباحث تحقق مع بعض السياسيين والمحتسبين، في تهم ثانوية جديدة غير سياسية، لا علاقة لها بالتهم التي أوقفتهم من أجلها، ولم ترد في الدعوى عليهم، وهي تهم أخلاقية جانبية، كالمخدرات والسكر والرشوة والتزوير، وهي تهم ليس عليها بينات إلا الإعترافات الناتجة عن فقدان الإرادة والتغرير والإغراء، وتوهمهم المباحث؛ بأن اعترافهم بها واعتذارهم عنها، يعجل بخروجهم من السجن.

ثم تثبت هذه الإعترافات في صكوك المحاكم، لتتخذها المباحث سلاحاً لأحد أمرين أو هما معاً:

الأول: أن يبقى سيف الفصل من الوظيفة شاخصاً؛ إن اهتموا بالشأن العام.

الثاني: تلطيخ سمعتهم، بأنهم حشاشون ومدمنو مخدرات،أو مزوّرون أو مختلسون، من أجل إسقاط مصداقيتهم. وقد صرّح وزير الداخلية في أحدى المرات بأن أكثر المعتقلين من متابعي قنوات المعارضة الخارجية مدمنو مخدرات، فهل كان هذا الجهاز يلفّق عليهم التهم من وراء ظهر الوزير، والوزير ـ إذن ـ لا يدري ما خلف ظهره، من تلفيقات واستدراجات؟؟

7 ـ التهديد بالسجن على قضايا بسيطة:

هناك روايات مستفيضة؛ بأن بعض أجهزة المباحث في بعض الإمارات كالقصيم مثلا، تستدعى بعض الصحفيين الذين يكشفون عن الفساد المالي والإداري، في الصحف أو في الإنترنيت، إلى الإمارة. وفي قسم سري فيها، قد يضرب الصحفي الشاب أو يخوف، وتقول له االمباحث: عندنا لك ملف كبير، فإما أن تكتب تعهداً بأنك لن تعود، وإما أن نسجنك ونفعل ونفعل، وعند ذلك يوقع، فتقول له: إن أخبرت أحداً بهذا التعهد سنحاسبك حساباً عسيراً، وإن عدت إلى الكلام سنحاسبك حساباً أقسى وأعسر، وسنفصلك من عملك، ليظل الصحفيون الشباب؛ عرضة لرؤى الأشباح أين ما رحلوا وحلوا.

8 ـ الاغتيال والاختفاء القسري والتهديد بالاغتيال:

هناك أخبار مستفيضة عن أن بعض ضباط المباحث يهددون السجناء السياسيين ودعاة حقوق الإنسان ونحوهم بالاغتيال، سواء أكان ذلك أثناء سجنهم أم عند خروجهم، من أجل أن يظل شبح سيف الإغتيال شبحاً فوق رؤوسهم، عبر دس السم، أو عبر حوادث السيارات، ونحوها. من أجل ذلك ينبغي التأكد ـ أيضاً ـ من أن سجل الوزارة خال فعلاً من جرائم الاغتيال والاختطاف والاختفاء القسري.

9 ـ الإيقاع بدعاة حقوق الإنسان و السياسيين والمحتسبين عبر ذويهم:

هناك روايات مستفيضة؛ بأن المباحث تستدرج بعض من لهم صلة بهم، من أقارب أوعاملين أو أصدقاء، أو خدم وسائقين، وتغرر به وتستغل خوفه أو وفقره وحاجته، وتجنده من أجل الإيقاع بهم، أو إشغالهم بمشكلات أسرية أو تجارية أو صحية.

10ـ إعتبار تعويض المتهم منحة (أميرية) مشروطة بالمذلة والإذعان:

وهناك أخبار مستفيضة بأن المباحث تستخدم سلاح قطع الأرزاق ووصلها من أجل قتل روح الكرامة والشهامة والحرية في نفوس المواطنين، والقضاء يسهل للمباحث؛ التمادي في هذه الإخلال، لأنه لا يكاد يبرئ سجيناً سياسياً، بل يعاقب ـ باستمرار ـ على الشبهة، ومن أجل ذلك لايحكم للسجناء الذين لم يثبت عليهم جرم؛ بأي تعويض، مادي أو معنوي.

ومن هذه الثغرة تنفذ المباحث، فتعطيهم تعويضاً على شكل راتب أو دفعة مالية مقطوعة، لا على أنها حق بديل عن سجنهم دون جرم، وضياع مصالحهم ورزقهم ـ أثناء السجن ـ بل على سبيل المنة والخرجية المشروطة بالصمت، من أجل التظاهر أمام أهليهم وذويهم؛ بأنها رؤوفة بهم، ومن أجل إذلالهم و إسقاط سمعتهم، واستثمار (المنح الأميرية) في الضغط عليهم وإسكاتهم.

يا حامي المستضعفين من المتسلطين: إنه لا دخان من غير نار

ننتظر إنصافكم، نستصرخ عدلكم ونستغيث بإنصافكم، بنظركم الشخصي أولاً، قبل تكليف من هو محط ثقتكم الشخصية، من من لهم دراية وافية بحقوق الإنسان؛ وخبرة وتجربة في مجال هذه الزوايا، للتثبت والتحري في هذه الأخبار والروايات، ونحن ـ كغيرنا من دعاة حقوق الإنسان ـ سنسهم بتقديم ما لدينا من معلومات، وما لدينا من أسماء شهود وضحايا ـ متى أعطيتموهم الأمان ـ، ومتأكدون بأن فتح ملف حقوق الإنسان، سيكشف حقائق تكون أساساً للمصارحة، التي هي أساس التعويض والمصالحة والتراضي.

8 ـ دعوى نطالب بمقاضاة وزارة الداخلية عليها:

ومن أجل ذلك أن نبرهن لكم وللرأي العام عن نماذج من انتهاكات وزارة الداخلية، لحقوق الإنسان في الكرامة والمساواة، وحقوق المتهم وضماناتها. ندعى على وزارة الداخلية دعوى حسبة في الشأن العام، ونطالب بمقاضاة علانية، تساق فيها البينات، في القضايا العشر التالية:

الأولى: أنها انحرفت بالسجون عن وظيفتها الشرعية: التعويق والتأديب، إلى وظيفة فرعونية التضييق والتعذيب:

إن الوزارة ظلت تمارس التعذيب الجسدي والمعنوي في السجون، على الرغم من نصح بعض دعاة حقوق الإنسان إياها، وتعاون بعضهم معها بملف ضخم عن الانتهاكات، قبل أكثر من عشر سنوات، تضمن حقائق فظيعة شنيعة، في مقياس الشريعة، وفي جميع الشرائع الإنسانية، ومخلة بما وقعته الدولة من مواثيق دولية وإسلامية وعربية، ولكنها لم تعالجها بصورة جدية، وقد كان التعذيب في السجون، من عوامل زيادة الاحتقان والتمرد، فصبت بالتعذيب الزيت على النار، كما أشرنا أثناء الخطاب.

الثانية: مخالفة الأنظمة العدلية عمداً:

وهي تنتهك حقوق المتهم، التي قررتها الدولة في (نظام الإجراءات الجزائية) وغيره، عمداً بصورة شائعة منتظمة، رغم تنبيه دعاة حقوق الإنسان إياها مراراً، في خطابات موثقة رسمياً.

الثالثة: استغلال عباءة أعمال السيادة لحماية انتهاكاتها حقوق الإنسان:

فتحت لافتة أعمال السيادة تحمى انتهاكات حقوق المواطنين، التي تصدر منها، ولا سيما من رجال المباحث، لكي لاتكون أخطاؤها عرضة للمراقبة والمحاسبة.

الرابعة: حرمان أسر المحتسبين والسياسيين؛ من رزقها في بيت المال:

وهي حين تفصل المحتسبين والسياسيين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ودعاة العدل والشورى والمهتمين بالشأن العام ؛من وظائفهم؛ تتجاهل أنها ـ بذلك ـ تحرم أسرهم من أرزاقها التي هي حق شرعي لها في بيت المال، من أجل إرغامهم على التآلف مع المنكرات السياسية، وقد فصلت عدداً من القضاة وأساتذة الجامعات ورجال الحسبة والخطباء من أعمالهم. فحرمت أسراً من حقها في بيت المال، فشرّدت وأفقرت ودمَّرت أسراً كثيرة، فعاقبت الأسر على ذنب حقيقي أو متوهم، اقترفه عائلها أو أُتهم به، وقد يكون ما عمله إنكاراً باللسان على منكر من منكراتها!!.

وقطع الأرزاق عقوبة مضاعفة، لأنها تتعدى من قاموا بأعمال مهما كانت غير مشروعة إلى أسرهم، وهي من أجل هذا مجرمة محرمة في الشريعة تحريماً قطعياً، فالله يقول: (ولا تزر وازرة وزر أخرى).

الخامسة: توثيق اعترافات الإكراه الملفقة أو الجانبية المسيئة للسمعة، بصكوك قضائية:

أنها عبر سيطرتها على جهاز القضاء، تضغط على القضاة، من أجل إصدار صكوك قضائية، بالتهم الملفقة والجانبية على السياسيين عامة، ودعاة العدل والشورى، التي لم يوقفوا لأجلها؛ من أجل تشويه سيرتهم والتشكيك في مصداقيتهم أمام الناس، وإشغالهم بالدفاع عن أنفسهم.

السادسة: كثرة حالات الاعتقال المتعسف:

وهي تمارس الاعتقال المتعسف بصورة منظمة متعمدة، مخالفة لائحة نظام الإجراءات الجزائية، مخالفات صريحة متكررة، وكأن اللائحة وضعت من أجل ذر الرماد أمام الهيئات الدولية، التي تطالب الدولة، بالالتزام بما ماوقعت عليه الدولة من قرارات عالمية.

السابعة: تعهدات السجون المصدقة من المحاكم تخالف مقتضى البيعة الشرعية:

إن تطبيقات الوزارة؛ في السجون تنتهك أصول البيعة الشرعية؛ وتخالف ما هو ثابت في نصوص الشريعة وروحها، بصورة قطعية، فتنتهك حرية الرأي والتعبير المشروعة في الشريعة، وتطلب منهم أن يكفوا عن النهي عن المنكر الذي يوافق هواها، ولا ترضى في أي تعهد أن تقيد طاعة الحكومة بالمعروف، وفق حديث: (إنما الطاعة بالمعروف)، بل تطلب منهم أن يطيعوها مطلقاً، أي في معصية الله وطاعته معاً.

الثامنة: إهمال أمن المواطنين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وعقولهم:

بالغت وزرة الداخلية عندما ركّزت جهدها، على مراقبة أصحاب الرأي والتعبير والتجسس عليهم والتنكيل بهم، فلا يكاد يفلت منها متحدث في قناة أو إنترنيت، ولو كان باسم مستعار. فكان من الطبيعي أن تقصر عن مراقبة السرّاق واللصوص، والمجرمين والفساق والمجان، وكثرت السرقات حتى صار الناس لا يأمنون على سيارتهم في الأسواق، وصاروا يخشون على أطفالهم ونسائهم من الاختطاف، ولعل البلاد صارت هي الوحيدة في العالم التي تكثر في بيوتها أبواب الحديد، وتتعالى الأسوار، وتوضع شبوك الحديد على نوافذها العليا، وكأنها سجون!!

فلا أمن بلا عدل ولا عدل بلا شورى ولا شورى بلا دستور

التاسعة: أن سياستها أعظم أسباب العنف على الإطلاق:

وما مر يمهد إلى أهم تهمة، وهي أن سياستها منذ عام 1411هـ، في قمع حرية الرأي والتعبير والتجمع؛ أعظم أسباب العنف الذي هز البلاد والعباد؛ على الإطلاق، كما بينا في أثناء الخطاب.

9ـ وننتظر إحياءكم سنة مقاضاة الكبار وإيصال رسالة: لا أحد فوق قانون الشريعة:

يا أمل الناصحين والمحتسبين والإصلاحيين:

من أجل ذلك نرجو تكليف وزير الداخلية أو من ينيبه لنجلس معاً، أمام لجنة قضائية علنية، للبت في الدعاوى السابقة.

ونقول لوزير الداخلية: تعال إلى كتاب الله، تعال إلى شرع الله ألا يرضينا ويرضيك شرع الله؟، أليس التحاكم إلى الشرع هو عنوان العقيدة السديدة؟، أليس تطبيق الشريعة واجباً على الجميع، سواءً أكانوا من الأمراء، أم من عموم الناس؟.

وليس في جلوسه أمام القضاء ما يعيبه ولا ما يريبه؛ فلقد جلس أمام القضاء خيار الخلفاء والأمراء، كعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب. ودرج خلفاء بني أمية وبني العباس ـ حتى الظلمة منهم ـ على ذلك، وجلس أجدادكم عموماً، ووالدكم المؤسس خصوصا، مراراً كثاراً.

ونطالب بالبت في هذه التهم في قضاء علني، وبحول الله وقوته؛ سنثبت أمام أي قاض عادل شجاع، في قضاء علني يتسم بالشفافية ما يدين وزارة الداخلية، ويسهم في إصلاح أخطائها، أمام شهود الله في أرضه: الرأي العام.

وأنتم بذلك تقدمون نموذجا حياً فعالاً، تحيون به سنة عدل، ماتت منذ وفاة والدكم، وترسخون قاعدة تنفي تقديس الأشخاص، وتسمح بمقاضاة الوزراء والأمراء، وترسلون رسالة لجميع المسئولين: لا أحد فوق قانون الشريعة.

وقد تحملتم التبعة أمام الله وأمام الشعب وأمام الأجيال الحاضرة والقادمة وأنتم تعلمون أن عدل ساعة خير من عبادة ألف سنة.

يا معيذ المظلومين من الظالمين:

أما أنت أيها الملك الجليل محب للعدل محب للإصلاح، واضح صريح شفاف، تحب الصراحة. والصراحة تقتضي أن نقول لك بلسان الناصح الشفيق، وبلسان المطالب بالحقوق: لقد شرفك الله، وأغدق عليك نعمه ظاهرة وباطنة، ورفعك فوق العباد، ولا تشريف من غير تكليف. إن الله سيسألك غداً، عن ما أعطاك، وسيسألك هل وليت على أموال الأمة أميناً أم خائناً؟، وهل وليت على أمن الناس رفيقاً بهم، أم جباراً متعسفاً؟، وهل وليت على أمورهم كفياً حافظاً، أم عاجزاً مفرطاً؟.

ولقد تحملت أمانة ثقيلة، فانظر في ما يبرئ ذمتك، وما يريح ضميرك أمام الله. والعمر ـ مهما طال ـ محدود، وسيقف الجميع بين يدي حكم عدل، دون حراس ولا جنود، ولا أبهة ملك ولا سلطة ولا حجاب. (يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وفصيلته التي تؤويه، ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه).

إلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم

10ـ ونسأل الله الثبات على أن لا نرجو وأن لا نخاف أحداً سواه:

أما نحن الموقعين أدناه، فوفاء بشرط البيعة الشرعية (الدين النصيحة)؛ قررنا مواجهة وزارة الداخلية أمامكم، من أجل الدفاع عن أنفسنا وعن سائر دعاة الإصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ من شيوخ وشباب، وأحرار وحرائر.

فقد أصبنا كما أصيب غيرنا، بأذى سري وآخر علني، ولكننا لا نتقدم إليك نطلب إنصافاً لذواتنا، بل نحتسب ما أصابنا عند الله من جانب، ويحدونا ما أصابنا ـ من جانب آخر ـ إلى الإسهام في كشف الغمة عن غيرنا من الساكتين على الطعنات من الخواصر، والمعرضين لها.

ومن أجل الحد من عوائد وزارة الداخلية الراسخة: الطعن من الخاصرة، حررنا هذا الخطاب. والله يقول (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم). فهذا الخطاب شهادة أمام الله وأمام الشعب وأمامكم وأمام الأجيال الحاضرة والقادمة.

ونحن على كل حال؛ لا نستهين بسطوة وزارة الداخلية، بل ولا نأمن بطشها، عبر أي من الموبقات الفظيعة الشنيعة، السرية والعلنية التي ذكرنا. لكننا قررنا أن نصدع بما نراه حقاً وعدلاً.

ونسأل الله ـ مالك الملك ـ أن يثبتنا على أن نخلص العبادة لله، فلا نخشى ولا نرجو أحداً سواه، لأن إنكار المنكر السياسي باللسان أفضل أنواع الجهاد، كما في الحديث الصحيح، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر)، بل إن التعرض للقتل، في ذلك أعظم أنواع الاستشهاد، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا: (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى أمير جائر فأمره ونهاه فقتله). وما أحلى الشهادة في سبيل الله، حتى لو جاءت عن طريق الاغتيال.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

من دعاة (الدستور الإسلامي: العدل والشورى وحقوق الإنسان)

1- د/عبد الله بن حامد بن علي الحامد (أبوبلال)/ أستاذ سابق في جامعة الإمام/ الرياض

2- عبد الرحمن بن حامد بن علي الحامد/ مدرس الاقتصاد الإسلامي/ الكلية التقنية/ القصيم

3- عيسى بن حامد بن علي الحامد/إصلاحي/بريدة

4- خالد بن سليمان العمير/ إصلاحي/ الرياض

أرسله عيسى الحامد/ من بريدة/ يوم الأربعاء 1/4/1428هـ/(7002/4/81)

الصفحة السابقة