أكثر من خمسة ملايين فقير في السعودية

غضب يعصف بالشارع السعودي وانفجارات عنف محتملة

محـمـد قـسـتي

منذ عام، وحديث الناس يدور حول (غلاء الأسعار) خاصة المواد الغذائية.

الملك يكتشف الفقر: ماذا بعد؟!

وقبلها كان الحديث عن (انهيار سوق الأسهم) السعودي والذي حوّل أعداداً غفيرة من الطبقة الوسطى الى الطبقة الفقيرة والمسحوقة.

وقبلها كان الحديث يدور حول (البطالة) المتفشية في بلد يوجد به 9 ملايين عامل أجنبي، في وقت أجازت فيه وزارة العمل العام الماضي استقدام مليون وسبعمائة ألف عامل وعاملة أجنبية فقط!

وقبلها كان حديث الناس عن سوء الخدمات التي تقدمها الدولة مثل انقطاع الكهرباء وعدم توفر المياه الصالحة للشرب، وظهور أمراض جديدة غير معروفة، ووفاة مئات من المواطنين بأمراض تم قبرها في كل دول العالم.

وقبلها كان حديث المجالس يدور حول (الفقر) الذي تفجّر الحديث عنه بعد زيارة الملك عبدالله، وقد كان حينها ولياً للعهد، لبعض الأحياء الفقيرة في العاصمة السعودية وذلك في نوفمبر 2002.

وهكذا.. في كل يومٌ هناك مشكلة جديدة تنسي المواطن السعودي ما قبلها.

كل المشاكل تحمل عنواناً واحداً هو (الفقر) الضارب أطنابه في بلد التريليونات من الدولارات والحسابات الفلكية للدولة وللأمراء على حدّ سواء!

كان الحديث عن البطالة يقول بوجود نحو مليون عاطل عن العمل، وبينهم خريجي جامعات من الصنفين.

والحديث عن الفقر، الذي شكل ولي العهد لجنة لمكافحته سميت (لجنة مكافحة الفقر) يقول مديرها بأن 30% من المواطنين السعوديين (عام 2003) يعيشون (تحت خط حدّ الفقر). وأن المملكة بحاجة الى 20 سنة لإيقاف تمدّد الفقر الى شرائح اجتماعية جديدة.

الثلاثين بالمائة تلك كانت تعني أربعة ملايين وثمانمائة ألف مواطن يعيشون تحت مستوى الفقر.

مواطن رفع رأسه لأنه سعودي مسعود

في حين أشارت تقديرات أخرى الى أن عدد الفقراء في السعودية بلغ نحو ثلاثة ملايين وأربعمائة ألف مواطن، أي حوالي 20% من السكان حالياً (17 مليون نسمة)، في حين أن أكثر من ثلاثة أرباع المواطنين (75% منهم) يعيشون أزمات قروض طويلة الأجل!

اليوم لا بدّ وأن يكون الرقم قد زاد، بمستوى زيادة دخل الدولة من إيرادات النفط المرتفعة.

يا للسخرية!

فبعد أزمة سوق الأسهم، تحولت شريحة كبيرة من مستوى الطبقة الوسطى الى مستوى الفقر والمديونية. ثمانية ملايين محفظة أصاب الكثير منها الإفلاس، وخلّفت الى جانب الفقراء، عدداً غير قليل من المرضى النفسيين والمعوقين والمشوهين والمجانين فضلاً عن أولئك الذين أقدموا على الإنتحار ورحلوا عن الدنيا (لاحظ أن عدد المنتحرين سنوياً في السعودية في ازدياد مهول وصلت الزيادة حسب الإحصاءات الرسمية التي لا تعنى بكل المنتحرين الى 164% لعام 2006 بالقياس الى ما قبله).

الحكومة تزعم أن عدد الفقراء أكثر من مليون ونصف فقط، أي في حدود 9% من مجموع السكان (16 مليون نسمة). لكن هذا الرقم لم يقنع أحداً حتى الآن، فالجميع يتحدث عن أضعاف هذا الرقم، ولا يثق بأرقام الحكومة التي يهمها تقليص الرقم وضغطه الى الأقل، خاصة وأن أرقامها غير مبنيّة على (إحصاءات) وإنما (تقديرات)!

والآن هناك الغلاء، فقبل أن يتحوّل الى أزمة عالمية، الى حدّ تتوقع معه منظمة الفاو أن هناك دولاً كثيرة في العالم ستجتاحها الأزمات والعنف الإجتماعي والسياسي بسبب الفقر.. قبل أن يصبح الغلاء ظاهرة عالمية، كان ظاهرة خليجية بامتياز. دول الخليج الأخرى خففت وطأة الغلاء عن كاهل مواطنيها، بمضاعفة الرواتب أحياناً، ومحاولة السيطرة على الأسعار، وتخفيف الضرائب أو الغائها، وهناك محاولات شطب الديون كما هو في الكويت، وفي الدول الأقل إمكانية كانت الرواتب في أقلها قد زيدت بنسبة 50%. أما في السعودية، فقد زيدت الرواتب بخمسة بالمائة فقط، فتصاعدت حمّى الأسعار والتضخم الى مديات غير مسبوقة في تاريخ السعودية الإقتصادي.

منزل القرن العشرين في السعودية

هذا الغلاء المترافق مع أزمة البطالة والإسكان (الذي يعتبر أحد أهم اسباب الفقر) حيث أن نحو 70% من المواطنين يعيشون في بيوت مستأجرة أوصل المواطنين الى القاع تقريباً، وظهرت أزمة أفواه غرثى (جوعى) حقيقية في كل المناطق السعودية بما فيها العاصمة الرياض نفسها. ومع استفحال أزمة التضخم والغلاء، التي بشر بها وزير المالية السعودي، ظهر بين الوزراء من يقول (مثل وزير الشؤون الإجتماعية في فبراير الماضي) بأن الحكومة قضت على الفقر (المدقع) عام 2006 وبقي فقر ما دونه! ويقصد الفقر المطلق. في حين كان خالد القصيبي وزير الإقتصاد والتخطيط يتوقع أن الحكومة ستقضي على الفقر المدقع في عام 2009، هذا التوقع كان قبل تصاعد أزمة الغلاء الأخيرة التي لازالت في تصاعد.

الغضب الشعبي في المملكة وصل حدوده العليا، وقد ينفجر عنفاً!

وأهم مسببات الغضب ليس ارتفاع كلفة المعيشة وتزايد أزمات البطالة والإسكان والخدمات، وتهلهل مؤسسات الدولة عامة. ليس هذا فحسب، وإنما زاده بلّة أن الدولة جنت إيرادات من النفط مرتفع السعر بحجم لم تجنه في تاريخها كلّه. فكيف مع مدخول مليار وثلاثة مائة مليون دولار يومياً (10 ملايين برميل نفط بمعدل 130 دولاراً للبرميل) يتكاثر عدد الفقراء في المملكة بنسبة متوحشة لتشمل ما يقرب من نصف السكان؟!

كيف سمح النظام بتآكل أساس الإستقرار الإجتماعي والسياسي، حين تقلصت وتآكلت الطبقة الوسطى وتحول كثير من المنتمين اليها الى خانة الفقر؟!

كيف سمح النظام بتآكل أساس الإستقرار الإجتماعي والسياسي، حين تقلصت وتآكلت الطبقة الوسطى وتحول كثير من المنتمين اليها الى خانة الفقر؟!

وكيف تقنعه بأن حكومته تفعل ما بوسعها وأنها حكومة نظيفة ذكية واعية حكيمة مؤمنة جداً؟!!

لا تريد الحكومة معالجة غلاء المعيشة بتعديل سعر عملتها مقابل الدولار أو عدم ربطها به. فلو خفضت قيمة الدولار بشكل صحيح معادل للريال لما وصل الى ثلاثة ريالات وليس 3.75 ريالاً. ولو فعلت وفكت الحكومة ارتباط عملتها بالدولار، لانخفضت أسعار المواد الغذائية وغيرها الى الثلث على الأقل. لكن قرار فك الإرتباط بالدولار عملٌ سياسي، ولا تريد الحكومة (الوطنية جداً) إغضاب الولايات المتحدة الأميركية.

الحلّ الآخر، هو زيادة الرواتب الى الضعف، وهو ليس الحلّ الصحيح، ورغم العوار الشديد الذي ينتابه، إلا أنه يحلّ جزءً من المشكلة، وليس كلّها. وهذا ما لا تريد أن تفعله الحكومة خشية من انعكاساته السلبية الإقتصادية الأخرى.

إذن لا يوجد حلّ. ولا يوجد حلّ للإسكان، كما لا يوجد حلّ لأي مشكلة أخرى اقتصادية أو خدمية او حتى سياسية أو تعليمية أو قضائية.

امرأة سعودية فقيرة تبيع بعض لعب الأطفال

البلد متوقف، والأمراء يعيشون مرحلة حصاد إيرادات النفط! وهم مشغولون بالمزيد من النهب من الخيرات المتدفقة منه، حتى كأن بنوك سويسرا وأوروبا تكاد تنفجر من الأموال المكدسة المنهوبة من المواطنين.

فهل سيتحرك الشعب محتجاً مدافعاً عن قوته؟

كان هذا هو المتوقع حين انهار سوق الأسهم. ولكن أحداً لم يتحرّك، خاصة من الدائرة القريبة من النظام، وهي الدائرة النجديّة، التي لحقها أخفّ الضرر من الأزمات الإقتصادية والخدمية المتلاحقة، باعتبارها المنطقة المدللة والحاكمة، وإن كانت تمثل في سكانها أقلية بين السكان. كما أن مشايخ الوهابية مشغولون بتكفير هذا وتفسيق ذاك، واليوم لا شغل لهم إلا الشيعة وحزب الله والصوفية وإيران والحروب الطائفية وملاحقة الحريات العامة. أما معاش الناس وحياتهم فلا يهمهم من أمرها شيء، ويكفي في هذا الدعاء لخادم الحرمين الشريفين، الذي وصفه أحدهم بأنه (سادس الخلفاء الراشدين)! هكذا بكل وقاحة.

المواطنون المفككون مناطقياً ومذهبياً لم يتحركوا حين انهارت الأسهم، ولا يعلم ما إذا كان الغلاء قد يفجر العنف الإجتماعي والسياسي. نعم واضح أنه فجر المزيد من الجرائم، ولكن النظام لا يهمه ذلك. فقد رشا كل دول العالم القوي بالمزيد من صفقات الأسلحة، والمزيد من التبرعات والمساهمات المطلوبة أميركياً لدول بعينها تسير في الفلك الأميركي.

الغضب الشعبي اليوم يتوجّه نحو الأمراء وسياساتهم:

أولاً لأن الأمراء هم أكبر الناهبين لأموال الدولة، ولأراضيها، وهم المسببون الأساس في الإفقار وفي توليد أزمات الخدمات والإسكان، فضلاً عن أنهم المسؤولون الأساس في إدارة الدولة وأجهزتها ولا يوجد أحدٌ يلام على ذلك إلا هم أو من ولوه المنصب وصار يأتمر بأمرهم.

ويتوجه الغضب الى الأمراء من جهة ثانية، لأنهم لا يهتمون بمشاكل المواطن، ويرى المواطنون الأمراء أنهم يهتمون بدول أخرى بدلاً من الإهتمام بهم. ويضربون أمثلة كثيرة: ما قدمته السعودية لحكومة الحريري/ السنيورة من دعم مالي سخي، رأوا أنهم أولى به. والحريري وعائلته عموماً غير أثيرين في السعودية ومن مختلف الشرائح والمناطق. ويضرب السعوديون مثالاً آخر حول الدعم الذي قدمته الحكومة للأردن، حيث تعهد الملك عبدالله السعودي لملك الأردن ببناء 70 الف وحدة سكنية! تكلف مليارات الدولارات، وراحوا يتساءلون أليس المواطن أولى بهذه الوحدات السكنية؟ أليس المواطن أولى لو حولت الأموال لبناء مدارس بدل أن يكون أكثر من 70% مجرد بيوت مستأجرة؟!

ويتحدث المواطنون عن الدعم الذي قدم للمغرب للتغلب على مصاعبه الإقتصادية، وعن تبرعات السعودية للمساهمة في حل أزمة الغذاء العالمي! وغيرها من الأموال التي تعطى خدمة للسياسات وليس للإنسانية. والدليل أن ريالاً واحداً لم يصل حتى الآن لشعب فلسطين في قطاع غزة المحاصر عربياً وإسرائيلياً.

ويتصاعد الغضب أيضاً على الناهبين الكبار، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا بشكل خاص، حيث الصفقات المشبوهة، والسمسرات، وغيرها والتي هدفها شراء ولاء الغرب، وإبقاء الإستبداد والفساد السعودي مهيمناً على المواطنين.

الصفحة السابقة