اعتقال المئات بتهمة الإنتماء للقاعدة

العنف باقٍ في السعودية مادام الفكر الوهابي مسيطراً

توفيق العـباد

منجزات وزارة الداخلية والإشادة بعبقرية نايف وأجهزته تطغى على الصحافة السعودية كلما أعلن عن القاء القبض على جماعات تقول الوزارة أنهم يتبعون القاعدة وإرهابيون. لم يكن ما أعلنته الداخلية يوم 25/6/08 خبراً عادياً، كما لم يكن متميزاً. فالإعلان عن القبض على 701 شخصاً، معظمهم سعوديين (اطلق منهم 181 شخصاً) وذلك بتهمة الإرهاب ومحاولة ضرب المنشآت النفطية، ظهر شبيه له قبل أكثر من عام حين أعلنت الداخلية نفسها عن اعتقال المئات، قالت أنهم يشتركون في مجموعة من الخلايا تستهدف ضرب قواعد عسكرية واغتيال مسؤولين والهجوم على قواعد في بلدان مجاورة، في حين تحدث آخرون عن محاولة انقلاب تتخذ من قاعدة الظهران منطلقاً لها.

المفتي

في كلا الإعلانيين كان عدد المعتقلين كبيراً، بل كبيراً للغاية. في المرة الأولى كان واضحاً أن المعتقلين ينتمون لخلايا متعددة وأنهم اعتقلوا في فترات مختلفة، أي أنهم كانوا حصيلة اعتقالات مستمرة لمدة تزيد على الستة أشهر، أعلن عنها دفعة واحدة، ما جعل الرقم مقلقاً، وقد كتبنا في هذه المجلة عن ذلك في حينه.

هذه المرّة تكررت القضيّة. فلماذا لجأت الداخلية الى (الجمع) بدلاً من (التقسيط) في الإعلان؟! فالدول تحاول تهوين الأمور وتخفيف وطأتها الإعلامية، فلماذا تقوم الحكومة السعودية عكس ذلك تماماً؟ هل هي شفافية سعودية متأخرة، أم أن (المبالغة وتكبير الخطر) مقصودان بحدّ ذاتهما؟! وزارة الداخلية تريد أن توجه رسالتين الى المواطنين والى الغربيين: للمواطنين تريد تبرير اعتقالاتها حين تجمع الإصلاحيين المعتقلين مع العنفيين، أي أنها تبرر استخدام مظلة حماية الأمن ومكافحة الإرهاب لضرب الخصوم السياسيين، مثلما فعلت تماماً مع معتقلي الإصلاح التسعة في جدة، ومن قبلهم نظراءهم في عام 2004م. ثم إن وزارة الداخلية بشخص وزيرها نايف تريد أن توسّع أفق سيطرتها على الدولة، فكلّما زادت المؤامرات وضُخّمت، كلما تم بسط يد الوزير، وزادت صلاحياته في تسيير أمور الدولة، لذا اعتبر نايف ملكاً غير متوج في الدولة، لا تجري عليه حتى أوامر الملك نفسه.

أما الرسالة التي يراد إيصالها مضخمة الى الخارج الأميركي والغربي فهي تقول بأن آل سعود ينجحون في مكافحة الإرهاب، وأنه يمكن الإعتماد عليهم في استراتيجية أميركا لمكافحته، وأنهم هم وحدهم من يستطيع حماية النفط ومنشآته والدفاع عن مصالح الغرب بتسهيل إمداداته، وأنه يجب تبعاً لذلك غض النظر غربياً عن تصرفات الحكم الداخلية، طالما هو يقوم بدوره الموكول إليه على هذا الصعيد.

الأرقام التي أعلنتها الداخلية مبالغ فيها، وهي مجرد أرقام كسابقاتها، ولم ترد أية أسماء عن المعتقلين، ولم يحاكموا لا هم ولا من سبقهم بسنوات. فقط قبل أقل من شهر أعلن أنه ستبدأ محاكمة بعض المعتقلين على خلفية الإرهاب ممن اعتقلوا ـ خلاف القانون ـ منذ ست أو سبع سنوات، دون أن يتمكن محاموهم من الإتصال بهم أو معرفة التهم الموجهة إليهم، وهي محاكمات سعودية نموذجية شهدنا شبيهاً لها من قبل في محاكمة دعاة الإصلاح. ثم إن الإعلان عن الإعتقالات بقدر ما يوفر غطاءً لضرب القوى السياسية في المملكة الداعية للإصلاح، فإنه يثير قلق الشارع من أن البلاد تسير الى الفوضى، وأن الحكومة لم تكافح إلا أعراض مرض العنف، وليس جذوره السياسية والإجتماعية، والأهم جذوره الدينية الوهابية التي يجري تغذية الشعب بها عبر المناهج التعليمية والإعلام الرسمي.

وكما هي العادة، فإن السعودية حاولت من خلال بيان الداخلية، التركيز على دور العناصر الخارجية ومساهمتها في العنف المحلي، لتشير بأن السعودية ضحيّة للعنف وليست مصدّرة له بشراً وفكراً ومالاً. لكن اللافت هذه المرّة ـ ومن خلال ما نشر في وسائل الإعلام المحلية ـ أن هناك تحديداً لجنسيات بعض المعتقلين، فقالت أن بينهم جزائريين وموريتانيين ونيجيريين وتشاديين وأفغان وباكستانيين وآخرين من دول جنوب شرق آسيا. لكن اللافت في موضوع الجنسيات هو أن 67% من المعتقلين سعوديين، وأن هناك اعتراف بأن المقاتلين السعوديين في العراق بدأوا في العودة الى السعودية للمساهمة في العنف الداخلي، وأن بين المعتقلين حديثاً عشرات سبق لهم أن اعتقلوا وأطلق سراحهم، إضافة الى أن هناك سعوديين مشاركين ولكنهم لا يحملون هوية الدولة السعودية (أي من فئة البدون) وهذا مؤشر خطر، وقد تحدثنا عنه في موقع آخر من هذا العدد. أيضاً كان اللافت هو زيادة أعداد الجزائرين المعتقلين وفي صفوف قيادية.

وعلى هامش الإعتقالات، حذر مفتي السعودية في بيان له عقب الإعتقالات ممن أسماهم المتشددين، سواء كانوا أجانب أو مواطنين، وطلب من أتباعه إبلاغ السلطات عنهم، وقال: (أحذر إخواني المواطنين والمقيمين في هذه البلاد من التستر على هؤلاء أو إيوائهم فان هذا من كبائر الذنوب) ، مضيفا أن التمرد على ولي الأمر معصية لله ومخالفة لأمره، وتمزيق لوحدة الأمة، وتهديد لأمنها وكيانها. وجادل المفتي الذي تبنّى موقف السلطة بالكامل: (إن ما أقدم عليه هؤلاء وغيرهم يكشف للمسلمين جميعاً سوء نيتهم، وأن ما يدعونه من أنهم يريدون نصر الدين والدفاع عن مصالح المسلمين، إنما هو قناع كانوا يستترون خلفه لتحقيق مآربهم ومقاصدهم السيئة).

وفي السياق نفسه نفى وزير التعليم السعودي عبدالله العبيد، وهو محسوب على طاقم المؤسسة الدينية الوهابية، أن تكون المناهج التعليمية تفرخ الإرهاب، ولكنه في نفس الوقت رأى إعادة صياغة مفهوم الولاء والبراء في المناهج، وهو ما يشير الى أن هذا المفهوم المستهدف من قبل الحكومة هو الذي سبب العنف، خاصة ضد الغرب. وأكد الوزير ضرورة مواكبة المناهج للموقف السعودي الذي يرى السلام مع اسرائيل، مؤكداً أن (تبني الخيار الإستراتيجي للسلام في المنطقة يستدعي مناهج تعليمية تخدم هذا التوجّه). بمعنى آخر، فإن المناهج التعليمية القادمة ستكون وادعة تجاه موضوع الصراع مع اسرائيل، وسيحذف ما يسيء لها.

الصفحة السابقة