حقوق الإنسان في السعودية مرّة أخرى

زيادة في الإنتقادات وصَمَمُ آل سعود

عبدالحميد قدس

تتكاثر منذ شهور الإنتقادات الحادة لانتهاكات الحكومة السعودية لجملة من المواضيع المتعلقة بحقوق الإنسان. هذه الإنتقادات لا تتوازى مع حملة سياسية غربية ضد السعودية كما كان يشار في بعض الحالات. على العكس من ذلك، كل الدول الغربية الأساسية على علاقة ممتازة مع السعودية، وتدافع عن مواقفها، بل وتتملّقها أحياناً. ولربما يكون هذا هو السبب الأساس الذي يجعل الحكومة السعودية غير عابئة بسيل التقارير من منظمات حقوقية تنتقد تصرفاتها.

السعوديون وقد خبروا نفاق السياسات الغربية، الأميركية بوجه خاص، رأوا أن التقارير الحقوقية وإن شوّهت سمعتهم خارجياً، فإنه ليس لها آثاراً سياسية مباشرة. لا أحد من دول الغرب يتحدث اليوم عن سجل السعودية السيء في حقوق الإنسان، ولا أحد يهددها بمقاطعة أو محاسبة أو يستخدم ملفها الأسود للضغط من أجل تحقيق تنازلات لمصلحتها.

السعوديون يفهمون هذا، ولذا فهم يدفعون الثمن مقدّماً.

ما هو الثمن؟

إنه تافه بالنسبة لمجموعة لا هدف لها إلا البقاء في السلطة.

ليعطوا الغرب ما يريد.

هناك المزيد من المال، فليذهب في صفقات تسلح، أوصفقات مجنونة مثل سور السعودية العظيم على الحدود مع العراق! ولتذهب أموال النفط في سمسرات وفي الخزانة الأميركية وغيرها.

وماذا بعد؟

هناك قضية ميتة عند آل سعود، فليتنازلوا بشأنها. هناك المخزن الفلسطيني فليبيعوه وليبقوا سالمين برأسهم!

وهناك أخيراً مجموعة من الإرهابيين المتطرفين الذين يريدون محاربة أميركا واسرائيل، فليذبحوهم بفتاوى الوهابية أولاً، ثم بسيف المال، أو بمحاصرة الحدود كما يجري في غزة!

وماذا يهمّ الغرب المنافق بعد هذا؟!

إنه لا يتذكر الديمقراطية التي أراد بيعها على شعوبنا قبل بضعة أيام!

وهو لا يتذكر من حقوق الإنسان إلا إذا سقط جريح اسرائيلي، فيصب الإدانات على صاروخ بدائي فلسطيني.

أما محاصرة ملايين بالجوع والمرض، فلا بأس من ذلك، إنه وسيلة لمكافحة الإرهاب.

وأما الصواريخ ـ وما أكثرها ـ تلك التي تمزّق أشلاء الأطفال والنساء في العراق وأفغانستان فلا تلق حتى اعتذار باهت يقول بأنه كان هناك خطأ.

والعدالة الأميركية لم تدن حتى الآن أحداً من مجرمي جيوشها في بلداننا المستباحة.

المهم أن حقوق الإنسان والديمقراطية مجرد أداة غربية يمكن استخدامها ضد كوريا الشمالية أو كوبا أو إيران أو زيمبابوي أو سوريا أو حتى السودان، ولكنها لا تستخدم وإن أُعلن عن تفاصيل انتهاكاتها ضد نظام (السواطير) ونظام (المنتخِبون الأموات) في القاهرة، ولا ضد ممول القاعدة رجالاً وفكراً ومالاً في الرياض، ولا ضدّ المدلّلة إسرائيل التي لم تبق سيئة أو رذيلة إلا وارتكبتها.

وعين الرضا عن كل عيب كليلة/ ولكن عين السوء تبدي المساويا

ليس هناك كثيرين ممن يهتمون ما إذا كان سجل السعودية الحقوقي تجاه شعبها والعاملين فيها نظيفاً أم أسوداً. أو أن الشعب (المسعود) لا رأي له أو صوت أو حتى منزل يقيم فيه. فلقد تشوّهت المفاهيم الحقوقية والسياسية، وبعدما جرى ما جرى في العراق ولبنان وأفغانستان، لا توجد مصداقية لا للدول التي تزعم نشرها أو حمايتها أو تطبيقها على نفسها قبل غيرها، كما لم يعد الكثيرون يثقون بالمفاهيم نفسها، حتى وإن كانت صحيحة وتعمل لصالح المضطهدين، بل ولربما لم يعودوا يثقون بمن يروّج لتلك المفاهيم.

والحكومة السعودية اليوم وهي إذ تواجه بجملة من الإنتقادات الحادّة، تستطيع أن تتكيء على السخط المحلي والعربي ضد أميركا والغرب ومفاهيمه التي لا تطبّق إلا على أعدائه، وليس على أصدقائه مثل ال سعود، وآل مبارك، وآل صهيون!

لا يوجد حقل من حقول الإنسان إلا وانتهكها آل سعود بصورة صارخة، وما أكثر التقارير التي ظهرت عن اوضاع السجناء السياسيين وسجناء الضمير وحرية التعبير من صحافيين وكتاب ومؤلفين، وما أكثر ما نُشر من تقارير عن انتهاكات حقوق الإطفال، وحقوق المرأة، والتعذيب، وهدر الكرامة، والمحاكمات غير العادلة، والمعاملة السيئة للعمالة الأجنبية، والتمييز الطائفي والمناطقي والديني، والإضطهاد الديني، وغيرها كثير.

لم تكن الأمور كما في الماضي، فكثير من الإنتهاكات تمّ توثيقها ونشرها، حتى تلك التي تصدر عن الخارجية الأميركية نفسها، ولكن وكما قلنا، دون أن يؤثر النشر والإعلان في سلوك النظام السعودي لأنه مطمئن بأن أموال النفط يمكنها أن تشتري الغرب المنافق، ولا أحد بين آل سعود يخشى سوى الغرب، فهو إلههم وحامي عروشهم.

ولقد اعتدنا في كل عدد تقريباً من هذه المجلة نشر بعض صور الإنتهاكات، بالشكل المختصر حدّ الإمكان، واعتمدنا اختزال التقارير الحقوقية، نظراً لأن المجلة لا تتسع لنشرها كاملة. في هذا العدد هناك عدد من القضايا التي أثيرت حول انتهاكات النظام السعودي نحاول تغطيتها على النحو التالي:

الإساءة للخادمات

وهي واحدة من الجرائم المشهودة في السعودية، بل في دول الخليج عامة، وإن كانت السعودية من أشدّها تعرّضاً للنساء الضعيفات، حيث يحرمن من راتبهن، ويضربن، ويعذبن، ويحتجزن أحياناً لسنوات، بل ويقتلن في بعض الأحيان، ولقد ظهرت أخبار كثيرة عن قتل الخادمات، وبعضهن قتل على يد أميرات وأمراء.

التقرير الجديد في هذا الشأن استغرق نحو 130 صفحة، وأصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش هذا الشهر (يوليو 2008) وهو بمثابة دراسة وتحقيق مفصّلين حول الموضوع. وقد حمل التقرير عنوان: الإساءات بحق عاملات المنازل الأسيويات الوافدات على المملكة العربية السعودية. وتضمن التقرير الشامل كل ما يتعلق بالقضية ابتداءً من أسباب هجرة النساء للعمل في السعودية كخادمات وانتهاءً بالتوصيات، مروراً، بكيفية المعاملة لهن، والإطار القانوني للعمل، والمخالفات القانونية، وقوانين العمل الدولية، ونظام الكفالة في السعودية، ونطاق الإساءات التي تتعرض لها النساء، من العمل الجبري، والإسترقاق، والإتجار بالأشخاص، والإستعباد الجنسي، وأنواع الإساءات البدنية بحق الخادمات، وكذلك الشفهية والتحرش الجنسي، والحرمان من الطعام. وتطرق التقرير لأنواع الإستغلال البشع، ومن بين ذلك الأجور الزهيدة، الإفراط في العمل لساعات طويلة، والإقامة غير المناسبة، وعدم دفع الأجور، وغيرها.

وقال التقرير الذي نشر في الثامن من يوليو الجاري، أن على السعودية أن تنفذ إصلاحات بمجال العمل والهجرة والعدالة الجنائية من أجل حماية عاملات المنازل من التعرض لإساءات حقوقية جسيمة ترقى في بعض الحالات إلى الاسترقاق. وفي الغالب لا يواجه أصحاب العمل أية عقوبات جراء ارتكاب الإساءات، بما في ذلك عدم دفعهم الأجور لمدد تتراوح بين شهور وسنوات، وتحديد الإقامة قسراً، والعنف البدني والجنسي؛ فيما تواجه بعض عاملات المنازل الحبس أو الجلد إثر توجيه اتهامات زائفة إليهن بالسرقة أو الزنا أو (عمل السحر).

وقد استند التقرير الى 142 مقابلة مع عاملات المنازل ومسؤولين حكوميين رفيعي المستوى ووكلاء استقدام للعمل في السعودية وفي الدول الراسلة للعمالة. وقالت نيشا فاريا، الباحثة الرئيسية بقسم حقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش: (في أفضل الحالات تتمتع النساء المهاجرات في السعودية بأوضاع عمل جيدة وأصحاب عمل طيبين، وفي أسوأ الحالات يُعاملن كأنهن من الرقيق. وأغلب الحالات هي بين النقيضين). وتابعت: (على الحكومة السعودية أن تمد مظلة حماية نظام العمل بحيث تشمل عاملات المنازل، وأن تصلح من نظام الكفالة حتى لا تضطر النساء اللاتي يرغبن بشدة في كسب المال لصالح أسرهن إلى المقامرة بحياتهن).

وتوظف البيوت السعودية ما يُقدر بمليون ونصف المليون خادمة، وهن بالأساس من أندونيسيا وسريلانكا والفلبين ونيبال. وتوجد أعداد أقل من بلدان أخرى أفريقية وآسيوية. وفيما لا توجد إحصاءات موثوقة عن العدد المُحدد لحالات التعرض للإساءات، فإن وزارة الشؤون الاجتماعية السعودية وسفارات الدول الراسلة للعمالة تؤوي الآلاف من عاملات المنازل اللاتي يشتكين من أصحاب عملهن أو من وكلاء الاستقدام كل عام.

ومن بين الشكاوى الأكثر تكراراً وانتشاراً، الإفراط في العمل وعدم تلقي الأجور لفترات تتراوح بين بضعة شهور و10 أعوام. ويستبعد نظام العمل في المملكة عاملات المنازل من مظلة حمايته، مما يحرمهن من الحقوق المكفولة لغيرهن من العمال، مثل يوم العطلة الأسبوعية والحصول على أجر مقابل العمل لساعات إضافية. وعلى الكثير من عاملات المنازل العمل 18 ساعة يومياً طيلة أيام الأسبوع السبعة.

ويربط نظام الكفالة التقييدي تأشيرات العاملات المهاجرات بأصحاب عملهن، مما يعني أن بإمكان أصحاب العمل حرمان العاملات من القدرة على تغيير الوظيفة أو مغادرة البلاد. وقابلت هيومن رايتس ووتش العشرات من النساء اللاتي قُلن إن أصحاب العمل أجبروهن على العمل ضد رغباتهن لشهور أو سنوات. وعادة ما يُصادِر أصحاب العمل جوازات السفر ويقومون بحبس العاملات في البيوت، مما يزيد من عزلتهن ومن خطر التعرض للإساءات النفسية والبدنية والجنسية. وبعد مقابلة 86 عاملة منازل، خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن 36 منهن واجهن إساءات ترقى لدرجة العمل الجبري أو الإتجار بالأشخاص أو العمل في أوضاع تشبه الاسترقاق.

والتحقيقات حول اساءة المعاملة متواضعة المستوى، وإجراءات التقاضي الجنائية التي تستغرق سنوات في العادة، تعني أنه نادراً ما يتم إخضاع أصحاب العمل المسيئين عبر نظام العدالة الجنائية. مثلاً بعد ثلاث سنوات من المداولات أسقطت محكمة بالرياض كافة الاتهامات بحق صاحبة عمل نور مياتي، رغم اعتراف صاحبة العمل ورغم أدلة طبية قوية ورغم متابعة الرأي العام الحثيثة للقضية. وكانت نور مياتي – عاملة المنازل الأندونيسية – قد تم بتر أصابع يديها وقدميها جراء حرمانها من الطعام وضربها يومياً من قبل أصحاب عملها.

وفي عينة من القضايا التي درستها هيومن رايتس ووتش كانت عقوبات (عمل السحر) والجرائم الأخلاقية من قبيل الزنا والتواجد في صحبة رجال من غير الأقارب، تتراوح بين السجن لعشرة أعوام و60 إلى 490 جلدة. أما عاملات المنازل اللاتي يتعرضن للحمل نتيجة للاغتصاب، فتتم مقاضاتهن أيضاً إذا لم يتمكنّ من الوفاء بمعايير الأدلة الصارمة الخاصة بإثبات التعرض للاغتصاب. وقالت نيشا فاريا: (نساء كثيرات ممن تحدثت إليهن يخشين تقديم شكاوى خشية توجيه اتهامات عكسية إليهن). وأضافت: (وفي حالات أخرى يتنازلن عن الاتهامات ضد من أساءوا إليهن، حتى لو كانت الأدلة على مزاعمهن دامغة، خشية أن يعلقن في المأوى لسنوات بمعزل عن أسرهن مع عدم القدرة على العمل وفي ظل أقل الفرص الممكنة للحصول على العدالة في نهاية المطاف).

ودعت هيومن رايتس ووتش السعودية إلى التحقيق مع أصحاب العمل المسيئين ومعاقبتهم وطالبت بحماية عاملات المنازل من الاتهامات العكسية. كما دعتها إلى التعاون بشكل أكثر فعالية مع الدول الراسلة للعمالة من أجل مراقبة أوضاع عمل عاملات المنازل، وتيسير عمليات الإنقاذ، وضمان استعادة الأجور غير المدفوعة، وإنشاء مآوى لضحايا الإساءات مع توفير خدمات شاملة لهن، والترتيب لإعادة العاملات إلى بلدانهن سريعاً. وعلى كل من السعودية وحكومات الدول الراسلة للعمالة أن تسن آليات للمراقبة والمتابعة المنتظمة والدقيقة لمكاتب الاستقدام وممارسات الاستقدام المُتبعة.

معتقلو البحرين

هناك قضيتان متجددتان تتعلقان بسجناء من البحرين، كانوا في السعودية للزيارة أو السياحة فاعتقلوا، ولا أحد يعلم عنهم شيئاً. لم يحصلوا على محاكمة، ولم توجه لهم تهمة، ولم تتصل بهم سفارة بلدهم، ولم يسمح لهم بتوكيل محامين عنهم، شأنهم في ذلك شأن الكثيرين ممن وقعوا في يد جهاز العدالة السعودي غير المحترم!

القضية الأولى بدأت في شهر فبراير الماضي حين اعتقل ثمانية من البحرينين في السعودية، هم مجموعة من الأصدقاء، قرروا أن يقوموا برحلة استكشافية تجمع اهتمامهم بالسياحة والمغامرة على الأراضي السعودية، وقيل أنهم وجدوا في المكان الخطأ والوقت الخطأ، حسب ما تزعم بعض المصادر، حيث تم اعتقالهم بالقرب من منشأة عسكرية! سعودية، ولأنهم شيعة كما هم أكثر سكان البحرين، اتهموا بالتجسس لإيران.

وتقول المصادر ان أهاليهم قلقوا على أبنائهم، وتوجهوا لحكومتهم من أجل التدخل لمعرفة مصيرهم، فتحركت وزارة الخارجية البحرينية وبعثت بالرسائل ولكن دونما جدوى، وبعد أشهر طويلة، قال وزير الداخلية السعودي لصحيفة الوطن السعودية حين سُئل عنهم: (مازالت الأمور في مجال الاتهام.. والتحقيقات ستظهر الحقيقة ولكن هناك مبالغات في هذا الامر). وهذا القول من المستغرب حقاً، لأن المدة كافية للتحقيق معهم ولمعرفة إن كانت لهم صلات أم لا مع ايران. ولكن مصادر في الخارجية البحرينية تقول بأن السعودية متأكدة من براءة المحتجزين، وأن الأخيرة تخشى من الإثارة الإعلامية ضدها فيما إذا أعلنت براءتهم، ولم يستبعد المصدر أن يتم تلفيق دعوى ضدّهم غير مسألة التجسس تبرر الإحتجاز لأشهر أخرى وتغطي على الأشهر السابقة.

وكما في السياسة تحليلات عقدية طائفية، كذلك في الأمن. فلو كان المعتقلون سلفيين، لما أمضوا ثلاثة أيام، ولما اتهمهم أحد بالخيانة او التجسس، ولكن الشيعي من أي بلد كان هو بنظر الحكومة السعودية ووهابييها متهم حتى تثبت براءته، وخائن حتى يتم التأكد من ولائه، وهذه رؤية عقدية تسقط على القضايا السياسية والأمنية والشخصية.

وكان نبيل رجب نائب رئيس المركز البحريني لحقوق الانسان قد صرح نقلاً عن مصادر بحرينية رسمية بأن السعودية لم توجه اتهامات رسمية للمعتقلين الثمانية رغم مرور ستة أشهر على احتجازهم. وأعرب عن اعتقاده بأنهم ضحايا للتوتر في المنطقة بين ايران وواشنطن وعواصم الخليج الأخرى. وتابع بان المعتقلين كانوا في المكان الخطأ وفي التوقيت الخطأ.

وحتى الآن، لم يستجد أمر بشأن المعتقلين، حيث لا توجد اية معلومات عنهم وعن مكان احتجازهم ولا التهمة الموجهة لهم ولا الأدلة ولم يسمح لأهاليهم برؤيتهم أو لمحام لمتابعة قضاياهم.

أما القضية الأخرى، فتتعلق ببحريني اعتقل في السعودية منذ أكثر من خمسة أعوام، ويدعى عبدالرحيم المرباطي، وقد انقطعت أخباره مؤخراً عن عائلته، قيل أن سبب ذلك هو نقله الى سجن آخر، حيث نقل من سجن بالرياض الى سجن بمنطقة عسير، وهذه حادثة نادرة أن ينقل أجنبي معتقل من سجن في العاصمة الى سجن في منطقة نائية.. فيما قال مسؤولو السجن الأخير بأنه ليس موجوداً لديهم وبالتالي اعتبر مفقوداً هكذا ببساطة! وتحاول السفارة البحرينية في الرياض البحث عن المعتقل الذي لم توجه له تهمة معينة رغم مضي المدة، حسب قول صحيفة بحرينية. وقد اعتبر أهالي المعتقل ابنهم مفقوداً، وحملوا السلطات السعودية المسؤولية. فيما توقع ناشطون حقوقيون أن يكون المعتقل قد توفي بسبب ظروف السجن السيئة وبسبب الوضع النفسي لمعتقل لا يعلم سبب اعتقاله وبسبب التعذيب المشهود له في السجون السعودية.

وأشار ابن الضحية المعتقل (أسامة) إلى أن العائلة في حالة قلق شديد على سلامة والده الذي كانوا قد التقوه في آخر مرة منذ ثلاثة أشهر بعد أن بدت حالة الإرهاق النفسي في ازدياد حيث فقد الكثير من وزنه، وبدا منطوياً اكثر بسبب طول الاحتجاز الفردي والتعذيب الجسدي والنفسي الذي تعرض له. وكان أسامة قد التقى وزيري الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة والداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة ووزير الدولة للشئون الخارجية نزار البحارنة على مدى العام للبحث معهم حول موضوع اعتقال والده، وانتقد تلكؤ السلطات البحرينية في استعادة والده بعد أن أمضى أكثر من خمسة أعوام في الاحتجاز السعودي من دون أن توجه له تهم سوى بعض الادعاءات التي أشيعت عن احتمال كون اعتقاله مرتبطاً بشبهٍ تتعلق بالإرهاب.

سعوديون بلا هويّة

لا المزاعم الدينية التي يتلفّع بها النظام السعودي، ولا البنية القبليّة العشائرية للنظام وأدواته المسيطرة على جهاز الدولة، ولا مفاهيم الدولة الحديثة، قادرة على حلحلة بعض المسائل الأوليّة التي تمثل قضايا متفجرة في المجتمع.

هناك نحو نصف مليون إنسان في المنطقة الغربية بدون هوية. هم أكثر من الـ 12 ألفاً في الكويت من فئة (البدون) يمثلون وصمة عار في جبين مدّعي الإسلامية في الكويت ممن لا يريدون منح الهوية لأناس ولدوا هم وآباؤهم في الكويت، وبينهم شخصيات مهمة حتى على المستوى الفنّي.

وفي البحرين كانت هناك فئة بدون أيضاً، ولكن الملك البحريني حلحلها بتوقيع واحد، وأنهى المسألة قبل بضع سنوات، دون أن يكون لها أية ارتدادات لا أمنية ولا سياسية ولا أخلاقية ولا اقتصادية ولا غيرها.

ولكن ما علينا من الكويت والبحرين، فلنأخذ السعودية، الدولة الإسلامية!، والدولة القبليّة، والدولة الوهابية، والدولة النجدية، والدولة العنصرية قبل هذا كلّه. نصف مليون إنسان في المنطقة الغربية بدون هوية، لا يحق لهم دخول مدرسة ولا مستشفى ولا العمل حتى كمنظفين في البلديات، شأنهم شأن العمالة الأجنبية المضطهدة هي الأخرى.

لا أحد يتحدث عن هؤلاء، إلا بالسلب. أما حقوقهم المغتصبة كبشر وليس كمواطنين فقط، فلا هيئة الحكومة الوطنية لحقوق الإنسان تعبأ بها، ولا مثقفي البلاد يستطيعون الحديث عنهم في الصحافة، ولا حتى المنظمات الحقوقية الدولية ترى أنها معنية بهذا الملف المقلق إنسانياً وأمنياً وأخلاقياً، في بلد يزعم تطبيق الإسلام، ومراعاة الأخلاق، وتوفير الأمن!

لم يتوقف هذا الأمر عند هذا الحدّ، فإذا كانت النزعة القبليّة العنصرية لرجال الحكم هي السبب، فماذا عن المواطنين الذين حرموا من الجنسية في مناطق شمال وشمال شرق المملكة؟ فروع قبائل معروفة بتوطنها يسكنون بيوت الصفيح، ويموتون في اليوم والليلة ألف مرة، لم يحصل الآلاف منهم على وثيقة تبين أنهم من سكان البلاد؟!

واضحٌ أن ولاء هؤلاء مشكوك فيه سياسياً لآل سعود، وإلا لعوملوا كباقي البشر، في وقت لازال فيه ال سعود يقدمون الجنسية لموالين لهم في مناطق جنوبية، ويستدعون فروع قبائل عنزة من بادية الشام وغيرها لتستوطن السعودية، مقابل إكراميات وإغراءات كثيرة. ولازلنا نتذكر ما يجري حتى الآن ربما للمواطن القبيلي الشمري الذي يلاحقه الحرف (ش) في هويته تمييزاً له عن الموالي القبيلي العتيبي (ع).. في خطوة يستهدف منها التمييز المنهجي الفاضح ضد المواطنين ولكي يعرف موظفو الدولة كيف يتعاملون مع صاحب الحرف (ش) غير الموالي لآل سعود.

يقول زهير الحارثي عضو هيئة حقوق الإنسان (الحكومية) والمتحدث بإسمها أن الهيئة شكلت لجنة لدراسة أوضاع القبائل التي لا يحمل أعضاؤها الجنسية، لا بغرض حل مشكلتهم بمنحهم الجنسية، بل لتأمين متطلباتهم الضرورية من ناحية أحقيتهم في التعليم والصحة وغيرها. وهي حقوق مضى عليها سنوات من الإهمال الحكومي، وهذه أول خطوة عملية من هذا النوع لهذه القضية، والتي يعتقد بأنها لن تحل بسهولة حتى ولو خرجت الدراسة بتقرير يدعو الحكومة لتوفير العيش الكريم للمواطنين بدون هوية، او اعتبارهم على الأقل مقيمين على الأراضي المسعودة!، بل أن المقيم له من الحقوق أكثر بكثير من هؤلاء المضطهدين، فهو على الأقل يعمل ويحق له العمل وله ضمان صحي وسكن من نوع ما وغير ذلك.

ولم يوضح الحارثي عدد المشمولين بالدراسة، ولكنه صنفهم ضمن (الأقليات!!) وقلل من شأنهم بالقول أن (عددهم قليل جداً)! وكان تقرير الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الذي صدر في العام الماضي قد تناول وضع القبائل النازحة!، حيث قالت إحدى فقرات التقرير تحت عنوان (الحق في التمتع بالجنسية)، بأن مشكلة أبناء القبائل تكمن في عدم منح الجنسية السعودية لشخص يعيش في المملكة منذ سنوات وليس لديه أية جنسية على الإطلاق. بل إن بعضهم ولد في المملكة وله أقارب سعوديون ولا يعتبر سعودياً وليس لديه أية جنسية أخرى.

وقالت الجمعية في تقريرها السابق إنه وردها عدة شكاوى تتعلق بالجنسية، وقد صنفها التقرير وفق أربعة بنود هي:

1) أن أفرادا سحبت هوياتهم دون سبب معروف، ولم يمنحوا أي سند دال على جنسيتهم السعودية. وقد علمت الجمعية أنه تم سحب جنسية هؤلاء نتيجة بلاغات تفيد بعدم نظامية حصولهم على الهوية الوطنية. وذكرت بعض هذه الشكاوى أنهم أقروا بذلك بسبب الإكراه والتعذيب بعد القبض عليهم، وقدم بعضهم أوراقاً تفيد بأنهم خدموا في وظائف حكومية لمدد طويلة. وقد ترتب على سحب الجنسية منهم تركهم بدون جنسية منذ أكثر من 15عاماً، مما ترتبت عليه آثار بالغة السوء مثل حرمان أبنائهم من التعليم ومن العلاج ومن العمل في الدولة وعدم صرف مستحقاتهم المالية لدى بعض الأجهزة الحكومية. كما أن هؤلاء لديهم أوراق تفيد بأنهم سعوديو الأصل والمنشأ والولادة، ولا يزال شيوخ قبائلهم يشهدون ويؤكدون بأنهم من أصول سعودية ومع ذلك لم يحل وضعهم حتى الآن.

2) ثم ان هناك طائفة أخرى من الشكاوى تخص أشخاصاً تقدموا إلى اللجنة المركزية لحفائظ النفوس لتصحيح بيانات هوياتهم عملاً بالأمر الملكي رقم 8/471 وتاريخ 16/6/1410هـ ولكن سحبت هوياتهم ولم ترد إليهم بزعم عدم ثبوت انتمائهم القبلي السعودي، فكان الأمر بمثابة مصيدة لنزع هويات مواطنين لحق بهم الضرر المتعمد، رغم تقديمهم أدلة وشواهد على صدق قولهم بالانتماء إلى إحدى القبائل السعودية.

3) وهناك شكاوى تتعلق بأشخاص ولدوا في المملكة دون الحصول على أية جنسية لأسباب تتعلق بالأم أو الأب، وأشخاصٌ آخرون يسمون (الحلفاء) ويحملون بطاقة الخمس سنوات ولم يمنحوا الجنسية السعودية رغم الأمر الملكي رقم 8/786 وتاريخ 11/9/1422هـ.

4) وأخيراً هناك فئة أخرى ممن أتوا إلى المملكة بغرض الحج أو الزيارة ومكثوا فيها بالمخالفة لقواعد الإقامة في المملكة. وهؤلاء لديهم جنسية ولكنهم يتعمدون إخفاءها لإفشال محاولات ترحيلهم إلى بلدانهم.

وفي العموم إن الروح العنصرية الطاغية لدى النخبة النجدية الحاكمة ولدى عشيرة آل سعود بل ولدى المؤسسة الدينية الوهابية، هي التي تسوّغ مثل هذه الأفعال المخالفة للإنسانية وللكرامة البشرية، وللمواثيق الدولية بل ولقوانين الدولة نفسها.

أوضاع نشطاء حقوق الإنسان: الحامدان والفالح

تم إطلاق سراح الاصلاحي والحقوقي المعروف الاستاذ عيسى الحامد من سجن بريدة في 1/7/08، بعد أن أكمل محكوميته بالسجن لمدة أربعة أشهر، على خلفية الحكم الصادر عليه من قاضي المحكمة الجزئية ببريدة. وكان الادعاء العام قد اتهمه وأخيه الدكتور عبد الله الحامد بتحريض بعض النساء على الاعتصام أمام مبنى مباحث بريدة للمطالبة بإحالة ذويهن إلى محاكم علنية عادلة أو الافراج عنهم، بحسب ما جاء في نظام الاجراءات الجزائية. وقد تمت محاكمة الاخوين وصدر الحكم بإدانتهما حيث حكم على الدكتور عبد الله الحامد بالسجن لمدة ستة أشهر ، قضى منها الآن أربعة أشهر. ورغم تدخل المنظمات الدولية والعربية الحقوقية، فإن الحكومة ترفض اطلاق سراح الحامد، الذي اعتقل مرات ومرات سابقة بسبب دعواته الإصلاحية. على العكس من ذلك، قامت السلطات الأمنية باعتقال وكيله البروفيسور متروك الفالح الذي لم يعلن عن التهم الموجهة إليه حتى الآن.

وقد عبر عدد كبير من جمعيات حقوق الإنسان ومن المهتمين بقضايا حقوق الانسان في مختلف أرجاء العالم عن قلقهم بسبب اعتقال الدكتور متروك الفالح يوم الاثنين 19/5/2008م، وطالبوا بضرورة الإفراج عنه، أو تمكينه من توكيل محام يحضر التحقيقات معه، وأن تتم إحالته على القضاء العادل المستقل والذي عليه أن يأخذ العهود والمواثيق الدولية التي وقعت عليها الحكومة السعودية بعين الاعتبار، وقد حاول بعضهم الاتصال بالجهات المعنية لمعرفة أسباب اعتقاله وعن التهم الموجهة له، ولكنهم جميعا لم يتلقوا أية إجابة بما فيهم زوجته ووكلائه.

وقال الاستاذ على الغذامي، وكيل الدكتور الفالح، في هذا الصدد:

(الشيخ المحامي إبراهيم المبارك، والأستاذ المحامي خالد المطيري، وكاتب هذا التعليق، وبصفتنا وكلاء شرعيين، حاولنا بكل الطرق المتعارف عليها في بلادنا، وقمنا بما يلي:

1 ـ تقديم خطاب إلى وزير الداخلية من إبراهيم المبارك، بطلب الزيارة وحضور التحقيقات.

2 ـ تقديم خطاب من المحامي خالد المطيري إلى وزير الداخلية، بطلب الزيارة وحضور التحقيقات.

3 ـ أما أنا فالتقيت بأحد كبار المسئولين، الذي وعدني بالزيارة (أنا والمطيري والأستاذة جميله زوجة الدكتور متروك). وكانت آخر محاولة يوم ( 25/6/2008م) و الى تاريخه لم يتحقق شيء.

وأضاف: أريد من القراء الكرام، أن يتفضلوا بأن يفتوني عن المواطن الذي يخالف النظام الصادر بمرسوم ملكي برقم م/39 وتاريخ 28/7/1422 فيرمي بنصوصه عرض حائط ظلمات معتقل الحاير، من يعاقبه؟ سأستبق الإجابة حسب فهمي وأقول: إن من يعاقبه هو الجهة المختصة، حيث تقوم بضبطه متلبسا ثم تحرر مخالفته، ثم يرفع أمره إلى هيئة التحقيق والإدعاء العام لإصدار لائحة الإدعاء، بتأديبه بحكم يصدر عن قاض مستقل على مخالفة أوامر وأنظمة ولاة الأمر.

وتابع: السؤال هنا: إذا كان المخالف هو الجهة المختصة التي تضبط مخالفات الناس، من يحاسبها؟. أفتوني جزيتم خيرا)!

وكانت الاستاذة جميلة العقلا زوجة الدكتور متروك الفالح قد قالت في اتصال هاتفي مع CNN بالعربية إنّها باتت (تعاني الأمرين) في غياب أي سند لها، باستثناء النداءات المتكررة التي يوجهها ناشطون، سواء عبر البرقيات أو وسائل الإعلام. وأضافت: (الصمت المطبق هو الأمر الوحيد الذي يمكن أن ألخص به ما يجري، فلا خبر يخبرني عن صحة زوجي المريض). وأوضحت أنّ (الجديد ربّما هو أنّ حفيدي المتعلق بجدّه كثيرا، بات يكثر من السؤال عنه، ولا أجد من ردّ سوى طمأنته بأنه سيعود قريبا). ومضت تقول: (لدي ولدان وبنت، وولدي الذي يدرس في سان دييغو بالولايات المتحدة يبدو قلقا كثيرا على وضعنا، ويتصل يومياً بنا، على أمل أن يسمع نبأ جيداً). وقالت: (مع ذلك فإنني صامدة حتى أحافظ على معنويات أولادي، مثلما كانوا دوما في ظل وجود والدهم). ولفتت جميلة، بكثير من الاستحياء، إلى أنّ تجميد راتب زوجها بات يؤثّر على حياة الأسرة، غير أنها عبّرت عن تفاؤلها إزاء ذلك.

وكان أكثر من 140 مواطناً مهتمين بالشأن العام قد أصدروا نداءاً الى الملك مطالبين إياه بالتدخل لإطلاق سراح الفالح، مشيرين الى أن الأمور تجري خلاف ما كان متوقعاً من إصلاحات، فبدل أن تجري انتخابات مجلس الشورى، وتفعيل المجلس الإقتصادي، وإقرار نظام مؤسسات المجتمع المدني، وتوسيع حرية التعبير، تأتي جهات حكومية فتنتهك حقوق المواطنين، وتعطل مسيرة الإصلاح.

غير أن الملك (الخيخة) لا يحلّ ولا يربط، وهو أُمّي لا يقرأ ولا يكتب! وقد ضاعت الأصوات لأن نايف وزير الداخلية ومن ورائه سلطان ولي العهد هما من يدير الدولة، وهما أعدى أعداء الحرية وحقوق الإنسان.



الصفحة السابقة