مشايخ يحكمون غير الشرع

المرأة قبل ألفي عام أحسن حالاً

نضال المرأة في المملكة السعودية من أجل نيل حقوقها الإجتماعية والسياسية يبقى دائماً مدفوعاً برغبة جامحة نحو (إكتشاف الذات) والكشف عن مصادر الخلل المسؤولة عن تخفيض دورها في الحياة العامة، والإفتئات على حقوقها المشروعة.

تنويعة ثرية من الفعاليات الحقوقية شهدتها المملكة على امتداد خمس سنوات خلت، كانت المرأة فيها لاعباً أساسياً وفاعلاً في مسار الإصلاح الوطني. تنويعة تجمعها صرخة تمرّد تترجم في هيئة مقالة نقدية، أو مقابلة إذاعية أو تلفزيونية، أو قصة، أو بحث أكاديمي، أو اختراق لحظر إجتماعي أو رسمي على مستوى فردي أو جماعي.

هاتون الفاسي، إحدى النساء الناشطات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة في المملكة، ولها حضور مميّز في ميداني الإعلام والفكر إلى جانب دورها الأكاديمي. تضطلع الدكتورة هاتون الفاسي بمهمة معقّدة نسبياً من خلال سبر الأبعاد التاريخية والإجتماعية لتأخر مكانة المرأة وتفوق الرجل، والجذور الدينية التي رسّخت هذه المعادلة المختلّة.

قررت العودة الى مرحلة ما قبل الإسلام لدراسة واقع المرأة وماهي الظروف التاريخية التي أملت تلك التراتبية الاجتماعية التي تمنح تفوقاً ذكورياً وتخفيضاً أنثوياً، وهل لتلك المعادلة مستند تاريخي في الأصل أم أنها جاءت بفعل عوامل أخرى قد تكون مرتبطة ببيئة ثقافية وإجتماعية مغلقة جرى تسييدها. وتوصّلت الدكتورة هاتون في دراسة جادة عن النساء في الجزيرة العربية في مرحلة ما قبل الإسلام إلى أن المرأة كانت تتمتع بحقوق أكبر في الدولة النبطية منها في الدولة السعودية الحالية.

حين تنادى العلماء والوزراء ورجال الأعمال للإجتماع في لقاء بالرياض في مايو الماضي لمناقشة موضوعة عمل المرأة، لم تكن الأخيرة حاضرة، فقد تم تغييبها عن شأن خاص بها، فيما كان يتداول الذكور ما يلزم من حدود وقيود ومن ثم تشريعات. لم يقبل المجتمعون حتى مجرد الإمتثال للتقليد ساري المفعول حيث يتم تخصيص غرفة منفصلة للنساء كيما تستمع لما يقوله الرجال في شؤونهن.

هذه الصورة المتضاربة تمثّل جزءً من نظام معقّد من السيطرة الإجتماعية الذي يديره العلماء، وهو النظام الذي أرادت الدكتورة الفاسي أن يكون محوراً لاشتغالها البحثي على الفقه الوهابي. في دراستها الموسومة (النساء في جزيرة العرب قبل الإسلام)، تجادل الدكتورة الفاسي المناصرة لحقوق المرأة بأن النساء في فترة ما قبل الإسلام تمتّعت بحقوق معتبرة في الدولة النبطية، وهي مملكة عربية حضرية تتمركز في الأردن الحديث، وجنوب سوريا، وشمال غرب السعودية خلال الإمبراطورية الرومانية. وتمضي الفاسي للقول بأن النساء في الدولة النبطية، التي كانت عاصمتها المدينة المشهورة البتراء في جنوب الأردن، تتمتع بحرية أكبر من السعودية الحالية لأن العلماء أساءوا فهم جذور الحكم الإسلامي.

وتقول الفاسي بأن بعض القيود السعودية المفروضة على النساء قد يكون لها جذور في التقاليد الإغريقية الرومانية. تحدد الفاسي أهداف كتابها الجديد في التحقيق من فرضية تخفيض النساء في الجزيرة العربية قبل الإسلام. وتقول بأن (معظم الممارسات ذات العلاقة بوضع المرأة قائمة على بعض الممارسات التقليدية المحلية وليست بالضرورة إسلامية، أو حتى عربية من حيث الأصل).

وترى الفاسي بأن النساء في الدولة النبطية كن أحراراً في إبرام عقود قانونية بإسمائهم دون حاجة إلى ولي ذكر، بخلاف ما كان عليه الحال في القانون الإغريقي والرومامي وفي السعودية حيث الولي يمثّل صميم فكرة العلماء حول المجال الأخلاقي العام. فالتفسير الوهابي للشريعة يملي وجود (محرم)، أباً أو زوجاً أو أخاً او إبناً يرافق المرأة في الحياة العامة، ويسمح لها بالسفر أو المصادقة على العقود القانونية. وكانت منظمة هيومان رايتس ووتش هاجمت النظام التشريعي السعودي في تقرير لها صدر في أبريل الماضي حيث يتم التعامل مع المرأة بوصفها قاصرة قانونياً.

في الحوار الوطني المتلفز في أبريل الماضي، أصرّ العلماء على أن تعمل النساء فحسب في مواقع عملة منفصلة ومخصصة للنساء. في المقابل، يحمّل رجال الحكومة العلماء مسؤولية إرتفاع معدلات البطالة بين النساء والتي تصل الى 26 بالمئة.

تقول الدكتور الفاسي (توصّلت الى أن الوضعية القانونية والتمثيل الشخصي للنساء النبطيات كانت أرفع شأناً وبصورة لافتة منها بالنسبة للمرأة الأغريقية التي كانت بحاجة الى (مربي) أو ممثل، من أجل إبرام أي عقد). وبالرجوع الى مفهوم الولاية، فإن ثم تكييفاً للقوانين الإغريقية والرومانية أفضى إلى إدماجها في القانون الإسلامي. وتعلّق الفاسي بأنني أتمسك بأن ذلك التكييف القانوني القديم لم يكن علماء المسلمون مدركين له، وقد يصابوا بصدمة حيال ذلك.

وتجادل الدكتورة الفاسي بأن ليس من المحتمل كسب مؤيدين بين العلماء التقليديين لفكرة أن عناصر رئيسية من الشريعة نشأت من التاريخ الإنساني وليست من الله. ولكن بالتأكيد ستجد الدكتورة الفاسي من زميلاتها في الوطن من يناصر النتائج التي خلصت إليها وتزيد في رسوخها. فوزية العيوني، الناشطة الحقوقية، تقول مثلاً بأن (تدهور مكانة المرأة بات واضحاً. فنحن نعيش في أسوأ حال يمكن تخيّله كنساء، فليس هناك نص ديني يقضي بـ "الولاية").

من وجهة نظر الفاسي، فإن حال المرأة قبل ألفي عام أفضل من حالها الآن في المملكة السعودية. في فحص للعملات والنقوشات على القبور النبطية وكذلك النصب التذكارية في اللغات الإغريقية والساميّة، تظن الفاسي بأن المكانة المستقلة للمرأة كانت مرتبطة بتنامي التبادل التجاري والسياسي في العالم القديم في ذلك الوقت. وكانت العملات النبطية تحتوي على رسم يشتمل على أسماء ووجوه الملكات النبطيات وهنّ بحجاب خفيف يغطي شعرهن. ولكن اليوم، فالعلماء يسهبون بصورة مفتوحة وعلى التلفزيون أو وسائل أخرى في شرح القوانين المعقّدة الخاصة بالمرأة ومتى يكون بمقدورها الكشف عن وجهها.

نشير الى أن الدكتورة الفاسي منعت من التدريس في جامعة الملك سعود منذ العام 2001، بسبب نشاطها الحقوقي السلمي ومطالبها بوضع حد للتمييز الواقع على المرأة في مجالات عدة بما فيها قيادة السيارة، حيث تصاعدت التحرّكات النسائية في الشهور الأخيرة من أجل الضغط على العائلة المالكة لكسر التابو السياسي والديني المفروض على قيادة المرأة للسيارة، وخصوصاً من قبل الأمير نايف وزير الداخلية الذي عارض بشدة الفكرة على أساس أن ذلك مخالف للشريعة حسب زعمه.

في سياق متصل، ألقت في الخامس عشر من يونيو الماضي، شرطة مدينة (بريدة) القبض على إمرأة بعد أن قادت سيارة لمسافة عشرة كيلومترات لاحضار زوجها، بحسب صحيفة (الحياة) اللندنية. وقالت الشرطة إنه طلب من الزوج (الولي) أن يوقّع على تعهد بأنه لن يسمح لها بقيادة السيارة مرة أخرى. وكان الرجل طلب من زوجته من منزلهما في بريدة أن تقود سيارة الأسرة، لتعيده إلى المنزل من منطقة معارض بيع السيارات التي تبعد عن قلب بريدة نحو 10 كيلومترات.

ولبت الزوجة نداء زوجها بقيادة السيارة حتى اقتربت من المكان الذي حدده لها للقائه. غير أن دورية أمنية ضبطت (السائقة)، متلبسة بمخالفة الأنظمة التي تحظر على المرأة قيادة السيارة.

وكان الزوج توجه إلى منطقة معارض السيارات الواقعة إلى الشمال من بريدة، ويبدو أنه وجد عرضاً صادف قبولاً منه، فباع سيارته التي جاء بها إلى المعارض. وبما أن المعارض تبعد حوالى عشرة كيلومترات، ولا توجد هناك سيارات أجرة، فاتصل بزوجته، طالباً منها أن تأتي لاصطحابه إلى المنزل.

ونشرت وسائل إعلام سعودية عدداً من الحالات في العام الماضي (إنتهكت) فيها بعض النساء الحظر الذي بدأ نشطاء الحقوق المدنية في الضغط على الحكومة علناً من أجل رفعه. وقد نشرت بعض (الانتهاكات) على شبكة الإنترنت بالصوت والصورة.

وكانت الشرطة ضبطت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي امرأة تقود سيارة، يرافقها زوجها على طريق الربيعية، الذي يربط مركز الربيعية ببريدة من ناحية الشرق. وأحيلت "السائقة" المخالفة إلى جهة الاختصاص التي أخلت سبيلها بعد الحصول على تعهد مماثل من ولي أمرها، تلتزم بموجبه بعدم معاودة قيادة السيارة.

الصفحة السابقة