دعوة لهدم مساجد بعرفات!

أدمن المتشدّدون عادة الهدم لكل ما يخالف ميولهم العقدية، فبينما تهوي معاول الأمراء على البيوت والممتلكات والعقارات الخاصة في مكة والمدينة تحت ذريعة توسعة الحرمين، كانت معاول الفتاوى المتطرّفة تهوي على المساجد وبيوت النبي وأهل بيته وصحبه الكرام وآثار الإسلام التاريخية تمهيداً لإزالتها بصورة كاملة.

لا يتطلب الأمر عناءً طويلاً وجهداً تحقيقياً من أجل التثبّت في دعاوى السائلين وصائدي الفتاوى الإستئصالية، فمن النادر أن تجد الجواب يأتي بخلاف سنخ السؤال الشرعي، بل بات مألوفاً أن يدسّ السائل الجواب في طيات سؤاله، فيأتي متطابقاً مع (ما يطلبه السائلون)، إذ يتحوّل العالم إلى مجرّد ختم بشري يصادق على رغبات جمهوره وأنصاره وأهل دعوته.

بين أيدينا نموذج من الفتاوى يكاد يتكرر بصورة متفشيّة في كتب (فتاوى العلماء) على اختلافها، وخصوصاً في المسائل الخلافية، التي أتقن أتباع العلماء فن إثارة العاطفة الدينية لديهم لجهة إستصدار فتاوى تطابق أحياناً أهواءهم ورغباتهم.

كتاب (فتاوى المرأة المسلمة) المشتمل على تعليقات وفتاوى السادة العلماء: إبن باز، عبد الله بن حميد، عبد الله آل الشيخ، إبن عثيمين، إبن جبرين، وأقوال وفتاوى الإمام إبن تيمية والإمام إبن الجوزي والإمام النووي، وقرارات وفتاوى أعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية، إبن قعود، إبن عذبان، عبد الرزاق العفيفي وغيرهم. وقد جمع الكتاب وحقّقه الشيخ عرفان العشا حسونة الدمشقي، وطبعته دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت.

اشتمل الكتاب على دعوة من أحد العلماء المتشدّدين لمسؤولي الدولة بهدم أربع مساجد في عرفات تعود الى أزمنة غابرة في التاريخ الإسلامي، دون أن تثير حفيظة العلماء والأمراء السابقين، بل بقيت مصونة من أيدي العابثين، حفظاً لتراث عزيز على قلوب المسلمين، وصوناً لحرمة مساجد الله عزّ وجّل.

في قسم خاص بعنوان (الوقوف بعرفات)، وفي الصفحة 659 وجّه أحد الأتباع سؤالاً الى أحد العلماء الكبار مانصه:

سؤال: يوجد بجبل الرحمة بعرفات ثلاثة مساجد بمحاريبها متجاورة غير مسقوفة، يؤمها الحجاج للتمسح بمحاريبها وجدرانها، ويضعون أحياناً النقود ببعض محاريبها، كما أنهم يصلون في كل منها ركعتين، وبعضها يكون في وقت النهي، ويحصل ازدحام الرجال والنساء بها، وجميع هذه الأفعال تحدث من الحجاج في الأيام التي قبل اليوم التاسع من ذي الحجة. نرجو من سماحتكم إفتاءنا بالحكم الشرعي فيما ذكر. جزاكم الله خيراً عن الإسلام والمسلمين.

الجواب: أولاً: عرفات كلها من شعائر الحج التي أمر الله تعالى أن يؤدى فيها نسك من مناسكه، هو الوقوف بها في اليوم التاسع من ذي الحجة وليلة عيد الأضحى، وليست مساكن للناس فلا حاجة إلى بناء مسجد أو مساجد بها أو بجبلها، المعروف عند الناس بجبل الرحمة، لإقامة الصلوات بها وإنما بها مسجد نمرة بالمكان الذي صلى فيه النبي (صلى الله عليه وسلم)، الظهر والعصر في حجة الوداع، ليتخذه الحجاج مصلى لهم يوم وقوفهم بعرفات، يصلي به من استطاع صلاة الظهر والعصر ذلك اليوم، وكذا لم يعرف عن السلف بناء مساجد فيما اشتهر بين الناس بجبل الرحمة، فبناء مسجد أو مساجد عليه بدعة، وصلاة ركعتين أو أكثر في كل منها بدعة أخرى، ووقوع الركعتين أو الأكثر في وقت النهي بدعة ثالثة.

ثانياً: توجه الناس الى هذه المساجد وتمسحهم بجدرانها ومحاريبها والتبرّك بها بدعة منكرة، فيجب على المسؤولين الأمر بإزالة هذه المساجد والقضاء عليها سداً لباب الشر، ومنعاً للفتنة، حتى لا يجد الحجاج ما يدعوم إلى الذهاب إلى الجبل والصعود عليه للتبرك به والصلاة فيه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

الصفحة السابقة