الإعلام السعودي بأقلام صريحة


(1)

إعلام طائفي وماجن

في مقالة بعنوان (حقيقة الإعلام العربي والأموال السعودية!) كتب رياض الحسيني، كاتب عراقي وناشط سياسي مستقل: المتابع الذكي لا تفوته الحملة التي قادتها السعودية منذ فترة ليست بالقصيرة عبر جامعة الدول العربية واللجنة الدائمة للإعلام العربي التي تضم وكلاء وزارات الإعلام في الدول العربية. فمن خلال الضغط السعودي على هاتين القناتين. ولأجل إحكام القبضة السعودية على الإعلام العربي وتحديداً المخالف بالرؤية والهوية مارست السعودية ضغوطا ضخمة لإقرار ماسمي لاحقا بوثيقة تنظيم البث والإستقبال الفضائي والإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية. تلك الوثيقة التي أثنى عليها وزير الثقافة والإعلام السعودي إياد أمين مدني بقوله (إنها مرحلة مهمة في تاريخ الإعلام العربي)، ومعترفا بحجم الضغوط التي مارستها السعودية على جامعة الدول العربية واللجنة الدائمة للإعلام. بطبيعة الحال تلك الوثيقة لم تترك جمالاً أدبياً ولا حسناً من بديع الكلمات إلا وحوته حالها كحال كل الإتفاقيات العربية الموقعة بدءً من العمل المشترك والدفاع المشترك وليس انتهاءً بالمصير المشترك! بيد أن الوزير برّر الضغوط السعودية لإقرار هذه الوثيقة بعبارات رنّانة وجمل طنّانة لاترقى إلى الترجمة الفعلية على أرض الواقع، ففي الوقت الذي تدعو في تلك الوثيقة إلى نبذ الطائفية والإمتناع عن بث كل شكل من أشكال التحريض على العنف والإرهاب نجد كل وسائل الإعلام السعودية تبث وبالمانشيت العريض (هجوم على السنّة) في تغطيتها للأحداث الأخيرة التي جرت في شمال لبنان! وفي الوقت الذي تدعو فيه الوثيقة إلى احترام المذاهب والرموز الدينية والالتزام بالاخلاق الدينية والاخلاقية فلاتجد القنوات الاعلامية السعودية حرجا من التشنيع على رموز الطائفة الشيعية تحديداً وبلا استثناء تحت حجج لامبرر لها ولامسوغ! المثير للسخرية أيضاً أن هذه الوثيقة تدعو الى الإمتناع عن بث المشاهد والحوارات الإباحية وترى وجوب حماية الأطفال والناشئة من كل مايمكن أن يمس بنموهم البدني والذهني والأخلاقي كما جاء في نص الوثيقة ولكن لمن يتابع برامج الام بي سي والمستقبل فلن يجد إلا برامج تحت حجج الإبداع من قبيل سوبر ستار وشاكلته! تمويل الاعلام السعودي هذا لايخرج عن خزينة الدولة في أغلبه بينما يتولى بعض الأمراء هذه المهمة، لذلك فإن مهمة الإعلام هذا تتمحور حول طائفية أي موقف لايتماشى مع نظرة الحاكم في السعودية أو يقف بالضد منه، فبعد تحييد فضائية (الجزيرة) القطرية حول تعاطيها في الشأن السعودي، فان الترسانة الإعلامية السعودية إنفردت بالعالم العربي بلا منازع! فبعد اتهام الشيعة بالتبعية لغير العرب وتحديدا إيران.. فان إهل السنة والجماعة لم يسلموا من هذا الإعلام الموجّه فكل من لايدخل تحت العباءة السعودية فهو مرتبط بـ (ولاية الفقيه) فوقف هذا الاعلام مع فتح ضد حماس في حربها مع الإحتلال وأدواته بل عايروا حماس لتلقيها مساعدات إيرانية الأمر الذي حدا بوزير الداخلية الفلسطيني سعيد صيام أن يرد بالقول (هذا لا يعيبنا وأفضل من الذين يأخذون مساعدات من أميركا والإحتلال، ومن يخفه هذا الامر فليتفضّل ويقدم مساعدات للشعب الفلسطيني). كذلك وقف الاعلام السعودي مع الحزب الوطني المصري الحاكم ضد الاخوان المسلمين بل كان سبباً في تأزيم الأمور حتى بين الأقباط والمسلمين من خلال تضخيم الأحداث. كذلك الحال في العراق، فابتدعوا تشكيل سمي وقتها (حماس العراق) ومؤخراً بالأموال السعودية أيضا تم تشكيل والترويج لما يسمى (جبهة إنقاذ العراق) مستفيدين من تواجد بعض قادة الجيش العراقي السابق في دمشق من أمثال الفريق صباح العجيلي معاون رئيس أركان الجيش والفريق نوري داود المشعل قائد الفيلق الثالث. جاء ذلك بالتنسيق مع بعض الوجوه السلفية من أمثال عبد الناصر الجنابي عضو مجلس النواب..

أما تبني الإعلام السعودي للمخطط الأمريكي فليس هناك مايدعو للشك بأن هذا الإعلام أصبح رهينة واليد المطيعة لتنفيذ ماتريده الإدارة الأمريكية في المنطقة العربية بغض النظر عن كونها ديمقراطية كانت أو جمهورية، وما تجربة الخلاف الإيراني الأمريكي حول التجربة النووية الإيرانية إلا واحداً من أعداد لاحصر لها من المخططات. فقد أخذ الإعلام السعودي على عاتقه في هذا المفصل تحديداً زمام المبادرة على تأزيم العلاقات العربية الإيرانية وإفشال أي تقارب بين العرب والإيرانيين..

أما المرأة فحدّث ولاحرج، ففي الإعلام المرئي السعودي الخارجي صارت المرأة سلعة تجارية بكل ما للكلمة من معنى.. في وقت لازالت تُمنع فيه المرأة السعودية في الداخل من قيادة السيارة.

أخيراً تحاول السعودية جاهدة وبكل قواها السيطرة على الإعلام العربي من خلال البوابة اللبنانية، مستغلّة بذلك الخلاف اللبناني ـ السوري على بعض القضايا، لذلك نرى حجم الضغوطات والتدخلات السعودية في الشأن اللبناني على غير العادة.

وفي الوقت الذي يتوجب أن تستغل فيه هذه الأموال لتطوير الإنسان السعودي وتقوية الإقتصاد خصوصاً في هذه الظروف التي تشهد فيها السوق النفطية تقدّماً كبيراً في حجم العائدات فلا نرى إلا مزيداً من التدهور والخضوع والخنوع بل ومزيداً من الأبواب المشرعة أمام الصهاينة ليدخلوا أرض العرب من البوابة السعودية ذات القوائم اللبنانية..


(2)

(العربية) الأميركية ـ الإسرائيلية

كتب البروفسور أسعد أبو خليل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، مقالة في صحيفة (الأخبار) اللبنانية في 12 يوليو الماضي مقالاً بعنوان (الدعاية الأميركيّة: محطّة «العربيّة» نموذجاً) إنطلق فيه من برنامج (الخاص) الذي أعدّته جيزيل خوري في برنامجها (باللبناني) عن المناضلة دلال المغربي، وعلق أبو خليل (أظهرت جيزيل في بداية البرنامج صورة لإيهود باراك (قاتل القادة الفلسطينيّين والشاعر كمال ناصر في أسرّتهم في نيسان 1973 بمساعدة من لبنانيّين، محبّين مبكّرين للحياة) مع جثّة دلال المغربي، وقالت إنه كان «يعاين الجثة»). وتساءل أبو خليل (هل حوّلت جيزيل خوري إيهود باراك إلى طبيب شرعي؟ لم تودّ أن تذكر أن باراك مثّل بالجثة ونزع عن دلال المغربي قميصَها العسكري وتركَها مكشوفةً (بهدف إذلال من لا يمكن إذلالها حيّة أو ميتة)، عرضةً لعدسات المصوّرين الإسرائيليّين في دولة لم تعترف يوماً باتفاق جنيف. وقالت خوري إن والدة دلال لم تعنِ لها قضيّة فلسطين شيئاً لأنّها... لبنانيّة، وحرصت كاميرا «العربية» على إظهار صورة لرفيق الحريري أثناء المقابلة مع أم دلال. وزادت خوري إهانات أخرى، محمّلةً دلال المغربي ورفاقها مسؤوليّة اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان في 1978..).

هذا نموذج فقط، حسب أبو خليل، لنوع الدعاية التي تطغى على شاشات آل الحريري وآل سعود، وعلى محطة «العربية» بصورة خاصة. هذا ما فعلوه بدلال المغربي في ذكراها.

يفتح هذا النموذج أفق جدال واسع على السياسة الإعلامية السعودية، ومحاولات صنع رأي عام مستكين. وتحت عنوان (تطويع الرأي العام) كتب أبو خليل (مساحة التعبير تضيق باستمرار، وإصلاح ذات البين المشؤوم بين آل سعود وآل ثاني ضيّق ما بقي من المساحة.. التناغم بين الدعاية الأميركية (الفظّة) والدعاية السعودية ـ الحريرية ظاهر للعيان).

لم تكن المملكة لتطيق أن تعاني تصدّعاً في علاقاتها مع الدولة ـ الإمبراطوريّة الراعية لها منذ تقاعد الإمبراطورية البريطانيّة (يجب أن يُترجم كتاب بوب فتاليس الجديد عن «مملكة أميركا»، وهو يتضمّن شرحاً وافياً لتغلغل أميركا المبكّر في نظام المملكة السعوديّة واقتصادها). والملك فهد عرف مبكّراً (من زمن حكم الملك خالد الذي لم ينصرف إلى شؤون الحكم لانشغاله بالتُّقى والورع، مما ساعد في صعود السديريّين السبعة) كيف يدير علاقاته، الذليلة طبعاً، مع أميركا. عرف أن ما فعله شقيقه فيصل (إنشاء أحلاف إسلامية رجعيّة حول العالم لمحاربة الشيوعية وعبد الناصر) لم يكن كافياً. سخّر فهد .. كل إمكانات المملكة لدعم أعمال الإمبراطورية الأميركية السريّة (والقذرة كما يسمونها هنا) وتمويلها حول العالم.

يرصد أبو خليل مشتركات أميركية سعودية في الملف العربي، وذكر بأن المملكة التي تزعم الحياد وتزعم «المسافة المتساوية» بين أطراف النزاع، لم تترك نظاماً يسارياً أو اشتراكياً حول العالم لم تتآمر عليه، ولم تترك نظاماً يمينيّاً رجعياً لم تمدّه بالدعم. إهتزت العلاقة بين أميركا والسعودية بعد 11 أيلول، وسارعت المملكة إلى إصلاح ما تضرّر. وضعت خطة محكمة، وأدركت أن المطلوب منها أكثر من دعم سرّي خجول للمشروع الإسرائيلي. كان على الملك عبد الله إثبات ولائه للأميركيّين، وخصوصاً أنه لم يكن محلّ ثقة عند الأميركيّين الذين فضّلوا الملك فهد وأشقاءه. عانى عبد الله من سمعة قومية عربيّة (كلاميّة ليس إلا)، كما أن كتاب بوب وودورد عن حرب الخليج الأولى روى تفاصيل زيارة وزير الدفاع الأميركي للمملكة آنذاك، ديك تشيني، وكيف همس الملك عبد الله في أذن الملك فهد آنذاك أن القوات الأميركية لن تترك أرض الحجاز إذا وطئتها. لم يعلم الملك أن عضواً في الوفد الأميركي كان يلمّ بالعربية، وفق رواية وودورد. سارع عبد الله، ملكاً، إلى تبنّي مبادرة توماس فريدمان كما هي، ومن دون الإشارة إلى حق العودة (ويضيف مروان المعشر في كتابه الذي صدر أخيراً عن «الاعتدال العربي» ـ أو صراط عبد الستار أبو ريشا ـ الذي تروّج له كل وسائل الإعلام الموالي لإسرائيل في أميركا، أنه تدخّل لتعديل الصيغة المتعلّقة بحق العودة حتى يتسنّى لإسرائيل حق الموافقة والرفض. هنا نعلم لماذا اختاره بول وولفويتز عوناً دعائيّاً له في البنك الدولي). هرع الملك السعودي مذعوراً لإرضاء أميركا، وساعده في ذلك الأمير بندر الذي رفض أن يتخلّى عن ملف العلاقات الأميركية ـ السعودية حتى بعد تعيين صهره، الأمير تركي (الصديق والراعي «السابق» لأسامة بن لادن قبل أن يكتشف هو الآخر حبّ الحياة بعد 11 أيلول) سفيراً للمملكة في واشنطن. وأدّى تدخل بندر السافر والخفي في واشنطن إلى استقالة مفاجئة لتركي. وتطلّبت عودة العلاقات الأميركية ـ السعودية إلى سابق عهدها من الصفاء والتآمر المشترك أداء السعودية خدمات جلّى في مجال الدعاية المرافقة للحروب الأميركية، ما يُسمى «العمليات النفسية» في مصطلحات وزارة الدفاع الأميركية. ولا ندري الظروف التي أحاطت بولادة محطة «العربية»: لم يُعلن عن المالك إلا بعد مرور بضع سنوات من الانطلاق. نعلم اليوم أن صهر الملك فهد هو المالك، وقد دعا أمين الجميل إلى حفل عيد التأسيس في السنة الماضية، وأشاد الأخير بالمحطة، منوهاً بخدماتها «للقضية العربية». أي إن محطة «العربية» تخدم القضيّة العربية، وفق رؤية حزب الياس ربابي، الذي كان يتلقّى أموال الدعم الإسرائيلي منذ الخمسينيات.

ويفرد أبو خليل مساحة كبيرة وتحليلية لقناة (العربية) ودورها في دعم التوجّهات السياسية الجديدة المعتدلة، وذكر بأن («العربية» واضحة في توجّهاتها وسافرة في تحريضها ومجاهرة في ولائها ومباشرة في دعايتها. لا تحاول الإبهام أو التستّر، وإن استسهلت استعمال كلمة موضوعية في أحاديث مع مسؤولي المحطة بالإنكليزية. لا يستطيعون إمرار عبارة الموضوعية باللغة العربية مع مشاهدين ومشاهدات يألفونهم. ففي الموضوع العراقي، تضيع المحطة في التغطية بين «المواد الإعلانية» المُروِّجة للاحتلال.. حتى باتت «التقارير الصحافيّة من مراسليها في العراق لا تختلف البتّة عن المواد الإعلانية ذات الأسلوب الدعائي المألوف في إعلام كوريا الشمالية. والمواد الإعلانيّة مجهولة المصدر وإن أعلنت عن أسماء وهميّة من نوع «مواطنون عراقيون» أو «مزارعون» أو غيرهم من الأسماء التي توحي بأيادٍ خفيّة. وقد ذكر لي الإعلامي الأميركي الذي يدير شبكة «لينك» أن وليد معلوف (وهو على يمين المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية وإن احتلّ موقعاً هامشيّاً، وهو قد حلّ ضيفاً مكرّماً على رئيس لبنان الجديد قبل أسابيع فقط في قصر بعبدا، لكن لبنان مضياف لمتعصّبي الغرب الصهيونيّين) هو الذي يسوّق لتلك المواد في وسائل الإعلام العربي. أما مراسلو المحطة في العراق فهم يذكّرونك بصحافيّي صدام: في النبرة الخطابية وفي التقارير التي تتضمّن إدانات للمخربين والإرهابيّين. (وتعريف الإرهاب والتخريب في الإعلام العربي يخضع لمعايير وزارة الخارجية الإسرائيليّة. هي تقرّر، وهم يكرّرون).

لعبت المحطة دوراً بارز الأهمية في رفع الحرم عن تسعير الخطاب السنّي ـ الشيعي. وهذا التسعير لم يتوقف من لدن المملكة الوهابية على امتداد العقود (يحاول الكاتب الليبرالي الزعم، شاكر النابلسي ـ مؤلف كتاب بريء في موهبة خالد الفيصل الشعرية ـ أن يعيد كتابة تاريخ آل سعود عبر تصويرهم كأعداء للوهابية، ومتصدّقين (فقط) على الإخوان المسلمين)، وقد كرّست له الكاتب الباكستاني إحسان ظهير الذي لم يتوقف لسنوات عن إنتاج غزير لكراهية مذهبية حادّة .. وخطة تسعير الصراع كانت أميركية الدوافع والإخراج والمقاصد: أرادت الولايات المتحدة أن تحدّ من الطموحات الإيرانيّة في المنطقة، كما أنها أرادت أن تدفع بطرفي الصراع المذهبي في العراق إلى الخوف المتبادل، مما يُسبغ شرعيّة على الاحتلال ويطيل أمده. والخطة، بالإضافة إلى تلبيتها مطلباً أميركياً ـ والطلبات الأميركية لا تُردّ لدى سلالات النفط ـ توخّت توسيع شعبية الحكم الجائر في المنطقة العربية ومشروعيته. وضع الملك الأردني اللبنة الأولى، ثم تولى الملك السعودي متابعة المهمّة بنشاط. محطة «العربية»، ومحطات أخرى مثل وسائل إعلام الحريري، إضطّلعت بالمهمة متحمسة، وإن أظهر استطلاع للرأي في العالم العربي أجراه فريق في جامعة مريلاند ونُشر أخيراً، أن تسعير الخطاب المذهبي لم يؤدّ إلى مبتغاه، باستثناء محيط سنّة لبنان. أما في أوساط سنّة المنطقة، فشعبية حزب الله لا تزال تفوق شعبيّة ملوك شخبوط.

وفي إضاءة لافتة على اليد العاملة اللبنانية في قناة (العربية)، كتب ابو خليل (إستعانت محطة «العربية» بفريق من إعلاميّي اليمين اللبناني، وكان إيلي ناكوزي وجيزيل خوري نجمَيْ محطة افتقرت منذ تأسيسها إلى عنصر النجوميّة الذي يساعد محطة «الجزيرة». وإيلي ناكوزي وفّق بين دوره في المحطة وبين ادارته (شبه) الرسميّة لحملات اياد علاوي الانتخابية. وجيزيل خوري انهمكت بفعل ما تستطيع للترويج للقوات اللبنانية ولأبي فادي دحلان. ولا تحاول محطة «العربية» ادّعاء الحياد أو الموضوعيّة، فهي فوق الحياد وتحت سقف العائلة المالكة. فضيوف مكتب الدعاية الأميركية يُستقبلون في كرسي ملاصق لكرسي المذيع (والمذيعة) وهذا شرف لا يحظى به سائر الضيوف، كما أن المسؤولين الكبار في الإدارة الأميركيّة يظهرون على المحطة أكثر مما يظهرون على محطة «فوكس نيوز» اليمينيّة. واستضافة «العربية» الضيف الأميركي (والإسرائيلي) باتت مضرب الأمثال بلطفها وتهذيبها وغياب المساءلة. لا يحتاج الضيف الأميركي للتحضير هنا. وعندما حلّ بوش ضيفاً على إيلي ناكوزي، ظهر الأخير كمن يقابل نجماً سينمائياً، فاغراً فاه. سأله عن هذا الإجحاف الشديد في عدم محبة العرب والمسلمين له. كاد ناكوزي أن يضرب الطاولة بيده احتجاجاً على وقاحة جماهير العرب. وعندما تمرّ حاملة طائرات أو أسطول في المنطقة، يأتي القائد العسكري الأميركي إلى استديو المحطّة ليتحدث مدة ساعة أو أقل عن النيّات السلميّة للقوّات الأميركيّة.

لكن التماثل بين محطة «العربية» وتوجهات الدعاية الأميركية يبدو مضحكاً في كثير من الأحيان. تجد، مثلاً، تقارير على شاشة «العربية» تستفظع التزوير في الانتخابات في... زيمبابوي، ويتحدث الضيوف باستهزاء عن روبرت موغابي. مع أن النظام في زيمبابوي، على تسلّطه، يقلّ فظاعة وفظاظة، بأشواط، عن المملكة التي لا تعترف بالانتخابات ولا بالمعارضة، وإن كانت سمحت ببيعة دائمة للعائلة المالكة، وهذه البيعة تؤهل المملكة لتتفوّق على الديموقراطية الأسوجيّة في نظر الليبراليّين العرب. وهذا التماهي المضحك يظهر في كل الإعلام السعودي. تقرأ مثلاً عبده وازن يستفظع الرقابة وقمع الرأي في إيران ـ ويجب استفظاع قمع الآراء في إيران ـ لكنه لا يرفع الصوت لا عالياً ولا خافتاً عن القمع الأقسى في السعودية، ولم يعترض بكلمة عندما منع النظام المصري، المتحالف مع النظام السعودي، كتاباً من تأليفه هو. لكن وازن قد يكون وجد المثال الأفضل في حرية التعبير في السعوديّة، وهذا ممكن. وحازم صاغية ينتقد النظام السوري والإيراني والليبي والقطري، وهو يريدنا أن نقتنع بأن انتقاداته تنبع من منطلق ليبرالي ليس إلاّ..أليس من الجرأة انتقاد أعداء السعودية في جرائد أمراء آل سعود؟

وتجلّى دور المحطة في الموضوعَيْن اللبناني والعراقي بصورة خاصة. أما في الموضوع الفلسطيني فالمحطة ..تستضيف أبواق الصهيونيّة الذين يأتون إلى المحطتين مكرّمين معزّزين (على الأقل، هم يتعرّضون إلى مساءلة تزعجهم على محطة «الجزيرة»)..

وفي الموضوع اللبناني، تستعين المحطة بفريق كامل الجهوزيّة الدعائيّة من 14 آذار، وهي تسمح لوجهتيْ نظر: أي يمكن وجهة نظر أكرم شهيّب أن تتصاحب مع وجهة نظر فارس سعيد. هذا هو التوازن وتعدّد الآراء في الإعلام السعودي، الذي يسمح لأكثر من شخص في الفقرة الواحدة بإغداق المديح للملك السعودي. والتغطية اللبنانيّة هي مثلها مثل كل التغطية العربيّة للمحطة: تأتي من منظار رصد «المخطّط الفارسي» للمنطقة. فلا يرد تقرير من دون استغلاله ضد «المخطّط الفارسي». ولا يرد تقرير إلاّ يتضمّن الترويج للمخطط الأميركي ـ الإسرائيلي، ومع إنكار وجود هذا المخطّط في الوقت نفسه.

ويرسم القيّمون على محطة «العربية» خطّاً واضحاً في موضوع العراق وأفغانستان. والهدف لا لبسَ فيه. فلا احتلال أميركياً في أفغانستان ولا احتلال أميركياً في العراق. هناك قوات «تحالف» مكلّفة القيام بمهمّة إنسانيّة من جانب «المجتمع الدولي» (المصطلح الجديد للدور الصهيوني حول العالم) لحفظ الأمن والسلام في الدولتيْن. وكان واضحاً أن الإعلام السعودي يكيّف نفسَه بمرونة مع أهواء السياسة الأميركيّة. فعندما اقتضى الأمر التحضير للحرب على العراق، أفردت «العربية» تقاريرَ مسهبة عن قمع صدام حسين وظلمه. وعندما رفعت الإدارة الأميركية سيفَ التحريض المذهبي ضد إيران، ماشتها السعودية وأوقفت بث أي تقرير عن ظلم صدام ووحشيته. على العكس، أصبح صدام رمزاً محبّباً بوجه إيران. لكن «العربية» تتخّصص أكثر ما تتخصّص في الترويج لـ«مجالس الصحوة» (وهي نموذج عراقي لـ«روابط القرى» التي أنشأها الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين العزيزة بعد 1967)، وإظهارها كتعبير عن ديموقراطيّة الإغريق المباشرة.. وكما روّج الإعلام السعودي لفكر القاعدة أثناء الحرب الباردة (ولعبادة شخصيّة صدّام في الحرب العراقيّة ـ الإيرانيّة)، ها هو يروّج لنسق عجيب من الفكر «الليبرالي» ـ البوشي مع مزيج متنافر من سوقيّة إباحيّة (حتى في برامج الأخبار) ومن تزمّت ديني وهّابي. وهذه المعادلة المُخادعة تختصر إعلام آل سعود.

ويخلص أبو خليل في مقالته للقول: للدعاية السياسية شروط وأصول. وهي تفترض أو تتطلّب تماشياً في الحد الأدنى بين أهواء الجمهور وتوجّهات المحطّة. لكن دعاية «العربية» تتناقض مع المبادئ الأساسيّة للجمهور وتهينها، ولا سيما في موضوع فلسطين وموضوع العداء لحروب أميركا. وهذه المعضلة تحدّ من إمكان التأثير العريض.. ويمكن محطة «العربيّة» أن تلعب دوراً أساسياً في حشد الجمهور الانتخابي في لبنان، ويمكن الاستعانة بخبرات إيلي ناكوزي في التبعئة الانتخابيّة. وقد تضطر جيزيل خوري لإعداد برنامج «وثائقي» عن خالد ضاهر.

الصفحة السابقة