حين تتدحرج كرة التطرف في نجد

أدلجة الرياضة

يحي مفتي

دفعني الفضول لقراءة مقالة في صحيفة (المدينة) نشرت في 3 مارس الجاري بعنوان (مصلحة الوطن فوق الجميع) لكاتبة أنثى، سارة الغامدي، وحسبت مقالتها حديثاً في الوطن والثقافة الوطنية، وإذا بي أتفاجأ بأن المقالة تحوم حول فوز نادي الهلال، الذي وصفته الغامدي بأنه (زعيم الأندية السعودية بلا منافس). مايثير الإنتباه حقاً أن المقالة كتبت بطريقة لافتة، حيث أفرغت صاحبته كفاءتها الصحافية والثقافية في تصوير الفوز، بطريقة توحي بمتابعة دؤوبة لشؤون كرة القدم، وحماسة غير معهودة من أنثى في مثل هذا البلد للشأن الكروي. تقول الغامدي بأن (الشباب كان ندًا قويًا للهلال وأحرجه في كثير من لحظات المباراة، وكان الأقرب للفوز إلاَّ ان غياب كاريزمية الفوز عن لاعبي الشباب ساهمت في الخسارة..). إنها لغة مثيرة للإنتباه، بفعل حشوة الاستبطانات في أسلوب توصيف مجريات اللعبة، وإجادة تقويم الأداء الكروي لدى كل فريق، ونقاط الضعف والقوة لدى كل منها.

النقطة الجوهرية في المقالة تدور حول تصرّف المدرّب الروماني لفريق نادي الهلال الذي، بحسب سارة الغامدي (عكّر صفو النهائي وأفقد نكهة فرحه بالنسبة للهلاليين) بسبب رفض المدرّب الصعود للمنصة، حيث (دخل في عراك مع رجال الأمن أمام الملايين، ولم يكتفِ بذلك فقد قام بخلع القميص الذي يحمل صور) الأمير سلطان ورماه بطريقة لافتة، الأمر الذي أدّى إلى إنهاء عقد المدرّب. وتعلّق الغامدي على قرار الإتحاد السعودي لكرة القدم بالقول (يجب أن يعلم الجميع أن الأخلاق مقدمة على كل شيء خصوصًا إذا تعلّق ذلك بالوطن لأن مصلحته فوق كل المصالح الجزئية والضيّقة).

ليست هذه الحالة نادرة في إسباغ أبعاد وطنية على حدث كروي، فقد شحنت كرة القدم بهواء من كل مضخّات الثقافة الدينية والسياسية والفولوكلورية. ولكن ما هو شبه نادر بالمقارنة مع الماضي، أن تتسلل اللغة الدينية الى كتابات الصحافة بكل مجالاتها، دون أن تستثنِ المجال الرياضي، فقد دخلت عبارات من قبيل الإحتساب وصراع الحق والباطل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والولاء والبراء، وحتى التكفير والتبديع الى لغة الجمهور الرياضي، وليس ذلك بتأثير فحسب كتابات المعلقين الرياضيين، بل هو جزء من ثقافة دينية متشددة ذات حضور كثيف في الشارع النجدي.

يخيّل إليك وانت تقرأ مقالاً سجالياً لأحد كتّاب الرياضة وكأنه مطارحة عقدية لأحد الدعاة، أو علماء الدين في ردودهم على بعضهم، ثم تكتشف في النهاية أنه حديث في كرة القدم، بل هناك من استعار من منظومة المفاهيم الوطنية لتوصيف جمهور رياضي يناصر هذا النادي أو ذاك، أو تمجيد فوز فريق كروي على آخر..

تتداخل العناوين الرياضية والدينية.. فعنوان (كشف الشبهات) المتداول في الوسط الوهابي الثيولوجي، هو ذاته يتكرر في الوسط الرياضي، ما يلفت بوضح الى تغلغل الخطاب الديني السلفي. ومن المفارقات المثيرة أن يأخذ الخلاف بين مشجعي النوادي الرياضية طابعاً إقصائياً وفي أحيان أخرى استئصالياً، وبلغة دينية أيضاً.

هذا يعني أن التطرّف باتت له مغذيات ثقافية واجتماعية، فتراه يظهر في أزياء متنوعة. ولكن ما يلفت هنا أن التطرف الديني هو ما يعكس نفسه على أشكال التطرف الأخرى، والإ مالذي يجعل جمهوراً رياضياً أو كتاباً رياضيين يستعملون لغة دينية في سجالاتهم ذات الصلة المقطوعة تماماً عن الشأن الديني.

نشير هنا إلى أنه منذ بدأت الوهابية تقدّم نفسهاً بوصفهاً منظومة حل متكاملة لكل مشاكل المجتمع، واعتناقها فكرة أن الإسلام يغطي كل أبعاد حياة الإنسان، الروحية والذهنية والمادية والثقافية والاجتماعية والرياضية، بدأت تشتغل على اختراق المجالات التي كانت فيما مضى محظورة بحسب المعيارية العقدية للمدرسة السلفية في المملكة، ولكن التحوّل الأيديولوجي الجديد، أي نحو استيعاب كل مجالات إهتمام الأفراد والجماعات، أصبح حضور الدعاة ، تماماً كما هي موضوعات خطبهم، يشمل كل أذواق الناس وميولهم.. وهذا ما دفع إلى وجود أولاً أفراد سلفيين في الفرق الرياضية الكبرى، وثانياً وجود مسؤولين سلفيين في الأجهزة الإدارية والفنية في الأندية الرياضية أو حتى في وزارة الشباب والرياضة..

فقد أدخلت مكاتب الجاليات الدعوية الرسمية في نطاق اهتمامها النوادي الرياضية واللاعبين الأجانب الذين يأتون ضمن عقود مقطوعة، فيتم العمل على إدخالهم في الإسلام عبر مؤسسات دعوية مثل (الندوة العالمية للشباب الإسلامي) أو غيرها. وقرأت في مقالة بقلم سعد بن جمهور السهيمي بعنوان (مدرب يسلم بطريقة خاطئة) نشرت في صحيفة المدينة في 6 مارس الجاري

(نحن في حاجة لدعاة ‏يجيدون لغات الآخرين‎ ‎والقدرة على الحوار وإقناعهم بدخول ‏الإسلام وتعليمهم محاسنه وواجباته وهذا ما تحقق مع لازروف‏ (مدرب رياضي روماني)، ولعل الإخوة الرياضيين يساهمون في الدعوة إلى الدين، من ‏خلال كتيب أو شريط مترجم يدعو للإسلام، والمجهود الذي ‏يحتاجه فقط زيارة بعض مكاتب دعوة الجاليات في منطقته التي ‏ستكون خير معين له على ذلك فهل نسمع أو نقرأ عن ‏الرياضيين وهم يقتحمون المجال الدعوي بقوة وخصوصاً ‏المشهورين من اللاعبين، لأن هناك -كما أعلم- رياضيين لهم ‏اهتمام كبير بالدعوة مع مزاولتهم نشاطهم الرياضي وهي واجب ‏الجميع).

فإدماج بعد دعوي في النشاطات الرياضية لم يكن توجّهاً قديماً، بل صوّرت النوادي الرياضية على أنها أوكار للفساد الأخلاقي، ولكن ما جرى في السنوات الأخيرة أنها تحوّلت الى مراكز للدعاة ولجماعات التشدّد الديني أيضاً..وفيما فقدت نوادٍ كثيرة بريقها في مناطق أخرى، واختار الجمهور مجالات أخرى للتسلية، وهو ما ينعكس أيضاً على دوريات محلية وإقليمية (كأس الخليج مثلاً)، فإن المنشّطات الدينية أطالت في المدى الشعبي للنوادي الرياضية في مناطق محددة، وخصوصاً نجد.

وبصورة عامة، فإن لغة جديدة غير معهودة بدأت تكسو العقل الرياضي..المعبّر عن نفسه في مقالات في الصفحات المخصصة لأخبار الرياضة، أو التعليق على المباريات، أو حتى في المنتديات الشعبية على شبكة الإنترنت والمخصصة في الغالب لجمهور المشجّعين..

بخلاف مشجعي فرق كرة القدم الأخرى في السعودية، فإن جمهوري ناديي النصر والهلال يخوضان حرباً كلامية دينية ضارية، وكلاهما من منطقة نجد، حاضنة التشدد الديني. لا تختلف لغة الحرب بين الجمهورين عن أي مساجلات أيديولوجية تجري في مواقع حوارية سلفية.

نقرأ في أحد المنتديات عبارة (لعنة الله على كل رجل يحمل في قلبه مثقال ذرة حب وميول للهلال وعلى رأسهم الاتحاد السعودي) وتعقيب من قبيل (والله يا نصر حتى لو بعمري فديتك).

وآخر من مشجعي نادي النصر يستعير من دعاء نبي الله نوح على قومه ليسقطه على جمهور نادي الهلال بالقول (اللهم لا تجعل على الأرض من الهلاليين المنافقين الكفرة الفجرة ديارا). ثم يختم ذلك (ألا لعنة الله على الإتحاد السعودي ولجنة الحكام ولعنة الله على كل هلالي على وجه الأرض).

ويرد عليه مشجّع هلالي في سياق حفلة تلاعنية ( لعنة الله على من رزّك ياحفيد إبرهة الحبشي..أجل النصر بمن حضر حسبي الله عليكم الله ينتقم منكم..) وردّ عليه آخر (أقسم بالله أن الهلاليين أشد خطراً من اليهود).

من المقالات المثيرة ما نشرته أحد المنتديات الرياضية بعنوان (كشف شبهات البدريين ودحضها)، تستعير من التراث الديني وفق الرؤية الدغمائية السلفية. يبدأ كاتب المقالة بتصوير إدارة نادي النصر في سياق نزوعها النرجسي الاقصائي ويقول (الجميع يعلم بقصة المثل الدارج (على هامان يا فرعون)، والذي أجده مناسباً لوصف الحال الذي يتعاطى فيه (البدريين) مع الواقع خصوصاً مع من يشاركهم نفس العشق والإنتماء النصراوي فيحاولون إقناعنا بأن هناك انجازات مشهودة تسجّل ونقلة نوعية وكمية أحدثتها هذه الإدارة المتخبّطة ومنذ أن (منّت) على الكيان النصرواي و(تعطّفت) وقبلت أن تتحمل مسؤوليته بعد أن تخلى عنه الجميع ولا زالت..).

ويتحدث عن احتكار فريق إدارة النادي بالقول (بالمنطق ممدوح اختار عدم الإستمرار ولم يرشّح أحداً بعينه لرئاسة النادى هذا عدا تحفظه على (البدريين) فما السبب الذى يجعله يحارب سعد بن فيصل غير فرضية التوريث والوصاية (البدرية) ثم ألم يخرج الرجل وأمام الملأ و يبرئ ممدوح؟ أم هو أيضا يخاف منه؟!!). وينقل صورة التجاذب الإداري وكأنه يعكس موقفاً سياسياً داخلياً، يقول ما نصّه: (فرضية التوريث والوصاية تنطبق أيضاً على (البدريين) وهم ومنذ زمن طويل لا يخفون رغبتهم في كرسى الرئاسة هذا عدا صمتهم وبعدهم المريب منذ خروج ممدوح حتى وعودتهم متلبسين بلباس الأبطال المنقذين رغم حاجة النادى خلال هذه الفترة لوقوف كل عشاقه حوله الا انهم كان اول من تخلى عنه و اول من خانه).

في التأمل في مفردات هذا المقطع، يبدو جلياً الحضور الكثيف للذاكرة التاريخية والتراثية إلى جانب الاستدعاءات العفوية والمقصودة لقضايا ذات طابع محلي منها التوريث.

ويرجع الكاتب (غياب النصر عن البطولات طوال هذه الإعوام سببه الرئيس فترة الرئاسة (البدريه) الأولى وتقاعسها في إدراك حقيقة الفريق بل إن تلك الفترة شهدت سابقة خطيرة جداً لا يزال النصر يدفع ثمنها وهي حين اتهم لا عب نصراوى (لايزال يمثل الفريق) بالخيانة بعد الهزيمة في احد المباريات ثم عادوا وكررو نفس الإتهام بعد سنوات..).

الدين والسياسة والاقتصاد والقبيلة والأدب والثقافة الشعبية حاضرة في المساجلات الرياضية بين جمهوري النصر والهلال، النجديين، وهي تعكس الاحتشاد الشامل لمكوّنات إجتماعية وثقافية كانت فيما مضى منغمسة في هموم أخرى بعيدة وإذا ما أرادت أن تلهو فتختار ما هو أبعد عن أسوار الملاعب، ولكن منذ سنوات، وفي نجد بالخصوص، بات للرياضة هوية دينية، وخطاب عقدي خاص، بل وثقافة متميّزة.

يحلو لجماهير نادي (النصر) أن تطلق على نفسها جماهير الشمس، إشارة إلى اللون الأصفر الذي يتميّز به (النصر الكيان) كما ينعته جماهيره. أحدهم يصف إدارة النادي بأنها مجرد (ظاهرة صوتية) في استعارة واضحة لمصطلح سكّه المفكر النجدي السابق عبد الله القصيمي على العرب. يتساءل أحدهم (ماذا قدّمت هذه الإدارة لجماهير الشمس لكي تنسيها آلام الماضي الذي جاءت من أجله!!). ويخلص للقول (لكنها أقدار الله فكل مرة ينكشف لنا قناع من أقنعة ( الـــزيف) ممن كانت تعول الجماهير النصراوية عليها مستقبل النصر الكيان فإذا بها ( سراب)!!) ويختم تعليقه بمناشدة (أناشد الجماهير النصراوية بالحث لبعضهم البعض على ( المقاطعة) على مستوى الجماعة والفرد للمدرّجات عقابا للعمل (المخزي) واللاعبين (المستهلكين) و(أشباه اللاعبين) هذا هو العلاج الناجع في هذه المرحلة حاليا إن أردنا الإصلاح، كذلك المقاطعة بما يسمى ( جوال النصر ) وإلغاء الاشتراك به عقوبة أخرى وتعبيراً عن الامتعاض على عمل الإدارة الذي لم يرتقي إلى ما كان ينشده المشجع النصراوي).

وفي رد فعل حماسي كتب أحدهم تعليقاً بعنوان (ضــحــوا فــإنى مــضــحـى (بـالـبـدريـيـن) على وزن (ضحوا فإني مضح بالجعد بن درهم) الذي قضى على يد خالد بن عبد الله القسري، أمير العراق في عيد الأضحى لسنة 124 هجرية. يقول الكاتب (منذ قاصمة الظهر والسقطة المذله لهذه الإدارة وعجز الفريق من تحقيق البطولة الخليجية وما تبعها من مسكنات وإثارة للزوابع من أجل ذر الرماد في العيون فلا ترى سوء عملها ونتائج فشلها الذريع في قيادة دفة الكيان لم يجد ناعقوها مخرجاً لتحسين صورتها الا بمحاولة إيهامنا بمالا يقبله عقل او يصدقه قلب وحين فشلوا ولفظهم حتى تلاميذهم ومن خدع بهم من قبل لم يجدوا سبيلاً أو مخرجاً إلا بأن يظهروا ويتلبسوا بلباس ليس لهم في محاولة مستمية منهم وإنتحارية لعلهم ينقذون ما يمكن إنقاذه بزرع بذور شجرة خبيثة سبق وأن زرعوها من قبل ثم جنوا ثمارها وهي أقرب من شجر الزقوم فسبلهم وأساليبهم ومنذ القدم ليست ببعيدة من أساليب وسبل إصحاب الزقوم، فهم وما أن تعريهم و تهتك سرهم وتعري فكرهم لا يجدون مخرجاً ومهربا الا بدعوى أنك (رمزي) لتأليب المخدوعين و الجهلة بك حالهم حال من لا يجد مخرجاً الا بإتهام خصمه (بالنازي)..)..

يذكّر هذا النص الناري بنصوص مماثلة صدرت ومازالت من مشايخ سلفيين، وخصوصاً في المساجلات العقدية والايديولوجية مع الآخر المختلف سواء كان ليبرالياً، أم علمانياً أو حتى صوفي أو شيعي..ثمة في كلام صاحب المقالة ما يشير إلى مكوثه طويلاً في دوائر التوجيه الديني (المسجد، وحلقات الدرس والخطب)، أو ربما خضوعه تحت تأثير الخطاب السلفي المتشدّد، يكشف عنها بوضوح اكتظاظ صارخ لمفردات جبل على إدماجها مشايخ الصحوة والقاعدة في خطابهم الديني المتشدّد.

يرد الكاتب بلغة موتورة تنطوي على تحدٍ (نحن الرمزيون لم نخجل يوماً من ماضينا بل نفخر به وتاريخنا كما هو تاريخكم محفوظ في منتديتنا وليس بعيداً عن أيديكم ولا يسعدنا فقط أن تظهروه و تعيدوه لكل من لم يسعفه الوقت أن يعايشه بل نتحداكم أن تفعلوا لإنه سيثبت بأننا عكسكم تماماً ودوما كنا مع الحق ومن أجل النصر الكيان نحب فيه ونكره نجتمع عليه ونفترق ولكن أبداً لا نكذب من أجله ولا نزور أو نقذف و مبادؤنا بالإمس هى نفسها مبادؤنا اليوم لم تنقلب أو تنحرف و ثوابت النصر هي ثوابتنا و ان حاولتم جهدكم ان تصوروها بإنها ثوابت لرمز حقد و حسداً من أنفسكم).

فالنصر هنا لم يعد نادياً رياضياً بل أصبح كياناً نهائياً للأفراد، يكاد يضاهي في الانتماء إليه والولاء له الدولة نفسها، فكل ما يصلح لها وربما للدين بات قابلاً لأن يسقط على النادي الرياضي، في نجد خصوصاً، وإن لم يتم الإعلان عنه، أي بقي في خلفية تفكير الأفراد، ومندسّاً في شبكات مشاعرهم الخاصة.

فأدلجة الرياضة باتت جزء من نزعة الأدلجة المنبسطة التي أفقدت حيادية المجالات التي يكتب عنها بلغة دينية، فلم تعد الشؤون الإقتصادية مجالاً مستقلاً بذاته، فقد اقتحمه رجال الدين وصاروا يفتون في أسهم الشركات، والمعاملات المالية، وصار كتّاب الصفحات الإقتصادية متأثرين بالخطاب السلفي، حتى صاروا يمسكون بزمام الأحكام الفقهية (الحرام والحلال والجائز والمباح واللايجوز)، فقد أصبح لكل موقف رياضي حكمه الفقهي، وسمعنا قبل فترة عن فتوى فقهية للمفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ على قناة (المجد) تقول بكراهية السجود في الملعب تصل الى حد عدم الجواز لأن ملابس اللاعبين تفتقر للحشمة وأن الفريق المقابل هو من المسلمين، إلا اذا كان في السجود مصلحة عامة للمسلمين فيصبح جائزاً.

ومن اللافت ما درجت عليه قنوات رياضية استضافة رجال دين سلفيين يقدّمون فتاوى في الرياضة، بل هناك من المعلّقين الرياضيين من يصوغ آراءه بلغة دينية، بهدف التأكيد على الهوية الدينية للمعلّق وكسب المزيد من الإهتمام في الوسط الديني السلفي.

لم تعد للغة الاحترافية التخصصية قيمة إجتماعية وإعلامية، فقد صبغت الأدلجة الخطاب الصحافي، وصار كل شيء قابلاً للتديين، بل جرى استدعاء التراث الديني والتاريخي بطابعه السجالي في المباريات الرياضية..هناك من يفسّر ظاهرة تديين الخطاب الرياضي بطريقة لا تخلو من أدلجة حيث يرى بأن الصفحات الرياضية مرآة عاكسة لثقافة المجتمع المحلي. وإن صدق ذلك فهي تعكس درجة تغلغل الثقافة الدينية ذات الطابع السلفي المتشدد في الوسط الرياضي، وتحديداً وسط المشجعين لكرة القدم.

في رد فعل على انتشار الشعارات الدينية في الملاعب السعودية، أصدر الإتحاد السعودي لكرة القدم في 13 أكتوبر 2008 قراراً يقضي بمنع إرتداء اللاعبين لقمصان تحمل شعارات دينية، وقد أثار القرار جدلاً في الأوساط الرياضية والمهتمين بشؤونها. القرار صدر عقب حوادث شغب رافقت مباراة فريقي النصر في الرياض والإتفاق في الدمام، حيث ألقى مشجعو النصر العبوات والألعاب النارية على مشجعي نادي الإتفاق الذين بادلوهم بالمثل. وقد رافقت المباراة إطلاق شعارات دينية متطرّفة وقذف متبادل، وكادت تأخذ المواجهات بين مشجعي الفريقين طابع الحرب الدينية.

في سياق حملة التعبئة العقدية التي يقوم بها التيار السلفي في الوسط الرياضي، وجدت بعض الشركات التجارية فرصة كيما توظّف الشعارات الدينية في المباريات الرياضية، حيث بدأت تضع بجانب إسم الشركة شعارات دينية على ملابس اللاعبين من قبيل (أقم صلاتك..تنعم بحياتك)، من أجل، من بين أسباب أخرى، كسب المزيد من الزبائن من بين المشجّعين لكرة القدم، أو بعض الفرق الرياضية. هناك من بين الشركات ما صار مرتبطاً بنوادٍ محددة بسبب تلك الشعارات الدينية الموضوعة على فانيلات اللاعبين، ما دفع جماهير النوادي الأخرى لمقاطعة بضائع تلك الشركات.

وكما تلجأ بعض الشركات الى استعمال الرأسمال الرمزي الديني والتاريخي في مناشطها التجارية من قبيل وضع صور المسجد الحرام أو المسجد النبوي في حملاتها الدعائية لترويج بضاعة معينة، فإن التشبيع التام للفضاء الرياضي بأدبيات دينية متشددة وسّعت من دائرة التطرف، وأوجدت له أشكالاً جديدة، بل وموضوعات متعدّدة، فقد كان الناس يختلفون سابقاً على مسجد ومركز دعوي على قاعدة دينية، أما اليوم فقد صارت المنافسات الرياضية قضية دينية.

الصفحة السابقة