مملكة بلا مستقبل: سكان السعودية 18 مليوناً

محمد شمس

قدرت مصلحة الإحصاءات العامة السعودية عدد سكان البلاد بنحو 18.4 مليون نسمة نصفهم تقريباً من النساء، إضافة الى نحو سبعة ملايين وافد أجنبي بينهم نحو مليوني إمرأة معظمهن يعملن خادمات في المنازل. ويقدر عدد الفئة الشبابية بنحو 67% من السكان ما يجعل مستقبلها غامضاً في ظل الظروف الإقتصادية والسياسية والإدارية السيئة التي تعيشها المملكة، وفي ظل الفساد الضارب أطنابه في كل مؤسسات الدولة والنهب المستشري لمواردها على يد الأمراء وحفنة من المنتفعين معهم.

وإذا كانت الأحوال الآن صعبة للغاية، فإنه لا يوجد في الأفق ما يبشر بالخير بشأن الخدمات العامة للدولة في الصحة والتوظيف والتعليم والمياه والكهرباء وغيرها، حيث الضغط متواصل على الخدمات والشكاوى تتصاعد بشأن الفقر والفاقة.

ولكي لا يكون الكلام في العموميات، نلقي في هذه المقالة نظرة سريعة على موضوعات وإحصاءات تطرقت اليها الصحافة المحلية خلال شهر مضى، لتبيان أن إيرادات الدولة لم تنعكس على وضع المواطنين، وأن الدولة بوضعها الرث الحالي عاجزة عن الإيفاء بأوليات الخدمات والحاجات الأساسية للمواطنين.

لو أتينا الى موضوع الإسكان، فالتقديرات التي قدمها بنك HSBC ونشرها في (7/6/2009) تفيد بأن السعودية تحتاج لبناء مليون منزل جديد بحلول عام 2014، وتوقع تراجعاً بنسبة 15% في أسعار بيع وتأجير العقارات في العاصمة الرياض نتيجة الأزمة المالية، وأضاف بأن سرعة تزايد عدد السكان تعني عجزاً في العقارات السكنية والتجارية والفندقية في كل المدن الكبرى من المملكة الأمر الذي سيؤدي الى ارتفاع العقارات.

ايضاً فإن الإحصاءات تقول بأن 80% من المواطنين لم يستفيدوا من الصندوق العقاري، وهو صندوق تم تأسيسه لإقراض المواطنين ومساعدتهم على بناء مساكن لهم، وفي الوقت الذي ينتظر فيه مواطنون خليجيون بضعة أشهر حتى يحصلوا على قرض، فإن المواطن السعودي عليه أن ينتظر وقتاً يصل الى عشرين سنة، مع أن القرض أصغر حجماً من نظيره الخليجي ولا يغطي تكاليف البناء فضلاً عن تكاليف الأرض.

وكشف الأكاديمي وأستاذ التخطيط الحضري والإقليمي الدكتور أمير العلوان في دراسة حديثة أن أكثر من 61% من موظفي الدولة لا يملكون منزلاً خاصا بهم، ويقطن قرابة 66% منهم في شقق أو أدوار صغيرة أو مع والديهم، حيث أجمع 91% منهم على أن الجهات الحكومية لم تستفد من التجارب المحلية الناجحة في توفير الأرض أو المسكن.

وفي موضوع السكن أيضاً كشفت الدكتور زهرة المعبي مديرة العلاقات العامة بجمعية المتقاعدين بأن 40% منهم يسكنون بالإيجار وأغلبهم يسكن الشقق، رغم مرور سنوات طويلة في وظائفهم سواء بالقطاع العام او الخاص بسبب تدني الرواتب والتي لا تتجاوز في اقصاها 6 آلاف ريال (المدينة 28/5/2009). هذا حال المتقاعدين، فكيف سيكون حال الأجيال الشابة، وكيف ستستطيع توفير مبالغ لبناء مساكن لها؟!

في موضوع الفقر، هناك أربعة ملايين مواطن يعيشون على الضمان الإجتماعي، وقد تم مناقشة موضوع الفقر في ندوة بداية الشهر الحالي (انظر: فقر، نورة الأحمري، اليوم، 4/6/2009). هذا مع العلم ان الحكومة وقبل سبع سنوات رصدت 200 مليون ريال فقط!!! لإعداد دراسة تكافح على أساسها الفقر! وحتى الآن لم ينشر رقم رسمي حول عدد الفقراء، ولا توزيعهم الجغرافي، ولا تصنيف الفقر حسب الدرجات. نعم قال رئيس لجنة مكافحة الفقر، بأن السعودية تحتاج الى 20 سنة للتغلب على الفقر، وأن 30% من السكان يعيشون تحت حد الفقر، وأن الدولة ستستفيد من التجارب الدولية في هذا المجال، بما فيها التجربة البنغلاديشية!

وحسب الإحصاءات، هناك 36 ألف أسرة تقع في خانة (الفقر المدقع) وتحتاج الى مساعدة عاجلة، وأنه من خلاف معرفة عدد المستفيدين من الضمان الاجتماعي وعددهم 700 الف أسرة، يتوقع أن مجموع عدد الأسر المحتاجة تزيد على أكثر من مليون أسرة، تصنّف في خانة (تحت حزام الفقر). أليس معيباً أن أكثر من ربع السكان فقراء؟!

بالنسبة للصحة، فإن معدل أعمار السعوديين يكشف عن حجم المعاناة، حيث يصل المعدل الى 67 عاماً. وتعتبر الخدمات الصحية في السعودية سيئة للغاية، وقد ظهرت أمراض لم توجد في مكان في العالم غير السعودية، مثل التدويد ومثل حمى الوادي المتصدع فضلاً عن الأمراض المعروفة كالملاريا وما شابهها. وحسب صحيفة الوطن السعودية (27/5/2009) فإن هناك 47 مرضاً يهدد صحة ثلاثة ملايين مواطن.

تنمية الجيوب الملكية!

زد على ذلك فإن الأمراض المستعصية تتكاثر خاصة ما يتعلق منها بالسرطان، فقد زادت الإصابة به بنسبة 413% في المنطقة الشرقية بسبب وجود مواد مشعة خلفتها الحرب على العراق عام 1991 وعام 2003، اضافة الى أسباب أخرى تتعلق بالتلوث الناجم عن صناعة النفط وتكريره. وحسب صحيفة اليوم (3/6/2009م) فإن هناك 600 موقع بالسعودية في شمالها وشرقها توجد بها ملوثات اشعاعية.

وفيما يتعلق بالمياه، فإن الصحافة السعودية دائمة الكتابة عنها، فمن مياه جدة الملوثة واختلاطها بمياه المجاري، الى بحيرة المسك!، الى شحة المياه في الصيف وكيف أن المواطنين يعتمدون ـ في مدن رئيسية كمكة وجدة ـ ليس على تمديدات للمياه بل على (التناكر)! للتزود بماء الشرب. وتشكو مناطق أخرى من انقطاع مستمر في المياه، وفي مناطق أخرى لا يوجد إلا مياه مالحة غير صالحة للشرب، بل أن شدة ملوحتها تدمر التمديدات والحنفيات. وفي صحيفة الوطن (23/5/2009) حديث عن أن المنطقة الشرقية انتظرت منذ 26 عاماً مياهاً عذبة للشرب، في حين أن المياه تنطلق منها من مدينة الجبيل وتمر بالرياض وتروي القصيم، فيما السكان أنفسهم القريبين من مصافي تحلية المياه يشربون المياه المالحة.

وحول المخزون الاستراتيجي للمياه، قالت صحيفة الجزيرة السعودية (27/5/2009) على لسان وزير المياه والكهرباء أن السعودية تصدر المياه لدول ذات أنهار، وأن 460 مليار متر مكعب من المياه سحبت وأهدرت خلال الثلاثين عاماً الماضية.

وفي مملكة السعادة والرفاه، نقرأ خبرين، الأول يتعلق بالقضاء (الفاسد أصلاً) وكيف أن هناك نقص كبير فيه، والثاني قد يشير الى كيفية نهب أموال الدولة حتى أبقت العائلة المالكة وحاشيتها المواطنين على (الحديدة)!

يقول الخبر الأول (المدينة، 2/6/2009) وتحت عنوان: (كاتب عدل واحد لكل 58 ألف نسمة) أن تقريراً إحصائياً حديثاً صادراً عن وزارة العدل كشف عن نقص كبير في عدد القضاة وكتاب العدل في المناطق، الى جانب وجود تباين كبير في توزيع القضاة وكتاب العدل بين المناطق والمحافظات.

وبحسب الاحصائية للعام قبل الماضي فان هناك كاتب عدل واحد لكل 58 الف نسمة في المملكة وهو ما أدى الى وجود ضغط كبير في العمل، حيث ينجز كاتب العدل الواحد 4 آلاف صك سنويا بمعدل 408 شهرياً. وبالنسبة للقضاة فقد ذكر التقرير وجود 3 قضاة لكل 100 الف نسمة وان كان المعدل يختلف من منطقة لاخرى. وجاءت الباحة في المقدمة بـ 5.42 قاضي فيما سجلت الشرقية المعدل الاقل بين المناطق بـ 2.20 قاض لكل 100 الف نسمة.

ويقول الخبر الثاني أن جامعة الإمام محمد بن سعود، وهي جامعة اسلامية تخرج دعاة الوهابية، خصص لمجرد (تطوير) موقعها على الإنترنت 200 مليون ريالاً فقط! (أي 53.33 مليون دولاراً فقط). الخبر نشرته صحيفة عكاظ في عددها الصادر في 4/6/2009م، وقد أثار استغراب المراقبين لضخامة المبلغ المقدر لتحديث موقع الجامعة، بصرف النظر عن الوظائف المقررة له، وبالمقارنة مع ميزانيات مماثلة مرصودة لمواقع جامعات ذات شهرة عالمية وتقدّم خدمات متميّزة للطلاب في مجالات علمية متعددة عن طريق التعليم عن بعد، ما يكشف عن نهب على المكشوف كما يقال.

تجدر الإشارة إلى أن مبالغ ضخمة رصدت في السنوات الثلاث الماضية لزيادة نشاطات جامعة الإمام، بما فيها عقد مؤتمرات عالمية، وتحديث المناهج، وتوسعة هياكلها الإدارية، بما يمنحها قدرة تنافسية مع جامعات أخرى في المملكة. يأتي ذلك في وقت تواجه فيه الحكومة السعودية انتقادات واسعة بسبب دور الجامعات الدينية في تشجيع التطرف والكراهية الدينية، وفي ظل مطالبات متزايدة بتخفيف الجرعة الدينية في المناهج التعليمية أخذاً بنظر الإعتبار متطلبات التنمية وحاجات السوق ومعالجة البطالة.

هذا بعض ما نشر في صحافة السعودية لهذا الشهر، وهو كاف ليبيّن أيّ نعيم يعيش فيه السعوديون.

لن نتحدث عن ملايين العاطلين عن العمل، الذين عجز الوزير القصيبي في توظيفهم!

ولن نتحدث عن التعليم (مدارس ومناهج وجامعات) فهذا فوق طاقة المقالة هذه.

ولن نتحدث عن الموضوعات الأخرى كالطرق والجرائم بشتى أنواعها، ولا عن المواصلات ولا غيرها.

الدولة السعودية اليوم تمتلك كل الإمكانيات لتحسّن الأوضاع، ولكنها لسبب أساس لا تستطيع فعل ذلك.

لقد نخر الفساد النظام حتى العظم، وترهّلت الإدارة الى أبعد الحدود، حتى أن معدل عمل الموظف السعودي لا يتجاوز الساعة الواحدة يومياً!

ليس من يمتلك الإمكانات قادر على الإستفادة منها، وتوظيفها التوظيف الصحيح.

إذا كان لدينا ملوكاً وأمراء ينامون قبل الفجر، ولا يستيقظون إلا بعد منتصف النهار، ولا يبالون كيف سارت الدولة يميناً أو يساراً. وفي ظل غياب الرقابة الشعبية، والأجهزة الناضجة، والروح الوطنية الصادقة، فإنه لا يتوقع من هكذا دولة تنهض من كبواتها.

والغريب في الأمر أن عنجية الأمراء وحاشيتهم النجدية، ممتلئة غروراً تجاه الآخر، سواء كان عربياً في الإمارات أو قطر أو عمان، أو غيره. بل يرون أنفسهم أعلم وأفقه وأكثر تطوراً وتحضراً من الآخرين.

والأكثر غرابة في هكذا دولة بائسة، أنها تريد منافسة إيران! وأن إعلامها ما فتيء يردد عيوب الأخيرة ومشاكلها. ليت دولة السعوديين تحقق معشار ما أنجزه الإيرانيون علمياً وصناعياً وعسكرياً.

دولة السعوديين في انحدار متسارع وفي كل أجهزتها (عدا الأمنية ربما) فيما بقية دول الجوار (عدا اليمن) تميل مؤشراتها الى الأعلى بتسارع، خاصة في ايران، العدو والمنافس اللدود لآل سعود.

نعم السعودية ناجحة في الشتم الإعلامي. قال إعلامي سعودي بارز: إن كان هناك من شيء ناجح في هذه الدولة (ويقصد السعودية) فهو الإعلام الخارجي!.

والإعلام الخارجي هو: الشرق الأوسط والعربية.

وحتى هذا الإعلام أخذ يأفل خاصة خضراء الدمن الرخيصة!

الصفحة السابقة