مصير التنمية..

أين أموال النفط؟

محمد الأنصاري

منذ بدأت الطفرة النفطية الثانية سنة 2004، وحديث السكّان يدور حول مصير العائدات المالية من ارتفاع أسعار النفط، ودورها في خطة التنمية الثامنة (2005 ـ 2009). ليس من بين إحصائيات الوزارات المسؤولة عن التعليم، والصحة، والعمل، ما يعكس إستغلالاً راشداً لأموال النفط. فقد بدا التفاوت فاضحاً بين ما ورد في خطة التنمية الثامنة وبين الحقائق على الأرض.

أثار الدكتور عبد العزيز حمد العويشق سؤالاً مفتاحياً: هل تحققت أهداف خطة التنمية الثامنة في توظيف المواطنين؟ وقال بأن الإحصائيات الصادرة عن مصلحة الإحصاءات العامة حول نسبة تشغيل السعوديين مازالت منخفضة، ولم تصل أرقام عام 2008 الى المستويات الواردة في الخطة. واستناداً على ما ورد في خطة التنمية الثامنة فإن برنامجاً طموحاً لزيادة نسبة مشاركة المواطنين والمواطنين والمواطنين في سوق العمل، ورفع نسبة التشغيل، وتخفيض نسبة البطالة الى حدودها الطبيعية. ففي حين كان عدد المشتغلين في نهاية عام 2004م (بداية الخطة) حوالي 3.54 ملايين مواطن ومواطنة، وضعت الخطة هدفاً لعام 2009 (نهاية فترة خطة التنمية) بأن يصل عدد المشتغلين من المواطنين والمواطنات حوالي 4.75 ملايين، أي بزيادة مليون ومائتي ألف.

ومع أن المملكة مرّت خلال سنوات الخطة بفترة نمو غير مسبوقة، حيث تضاعف الناتج الإجمالي تقريباً، أي أنه ارتفع بنسب أكثر مما كانت خطة التنمية الثامنة تتوقعه، مما أوجد فرصاً وظيفية أكثر مما كانت الخطة تتوقعه، ولكن إحصائيات القوى العاملة التي أصدرتها مصلحة الإحصاءات العامة تدل على أن نسبة تشغيل السعوديين ما زالت منخفضة، ولم تصل أرقام عام 2008م إلى المستويات التي حدّدتها خطة التنمية الثامنة. ففي " بحث القوى العاملة لعام 1429هـ (2008) الدورة الثانية" الذي أصدرته المصلحة هذا العام نجد أن عدد المشتغلين من المواطنين والمواطنات قد بلغ حوالي 3.75 ملايين في عام 2008م، أي أقل بمليون من توقعات الخطة .

نشير هنا الى أن مصلحة الاحصاءات العامة والمعلومات بوزارة الاقتصاد والتخطيط السعودية أعلنت في مارس من العام 2008، أن إجمالي قوة العمل بالمملكة خلال النصف الثاني من عام 2007 ما يربو قليلاً عن 8 ملايين شخصاً أي ما نسبته 50.2 من إجمالي عدد السكان ممن أعمارهم 15 سنة فأكثر، منهم نحو 7ملايين فرداً من الذكور. وأظهرت نتائج البحث أن قوة العمل بالمملكة بلغت (4.054.845) فرداً منهم 3.367.979 فرداً من الذكور يمثلون ما نسبته (83.1) بالمائة من قوة العمل السعودية. وبلغ إجمالي عدد العاملين السعوديين (3.600.851) فرداً يمثلون ما نسبته 88.8 بالمائة من قوة العمل السعودية منهم (3.096.972) فرداً من الذكور يمثلون ما نسبته 86.0 بالمائة من إجمالي عدد العاملين السعوديين وبلغ عدد العاطلين السعوديين (453.994) فرداً يمثلون ما نسبته (11.2 بالمائة) من قوة العمل السعودية منم (271.007) فرداً من الذكور.

ولفتت نتائج البحث الى أن عدد العاطلين السعوديين، وفق الإحصائيات الرسمية، بلغ (453.994) فرداً في النصف الثاني من عام 2007 مقارنة ب (445.198) فرداً في النصف الأول من العام نفسه بارتفاع قدره 2 بالمائة تقريباً، كما يلاحظ أن معدل البطالة بين الأفراد السعوديين بلغ 11.2 % مقارنة ب 11.0 % في النصف الأول من العام نفسه.

كما بينت نتائج البحث أن غالبية العاطلين السعوديين يتركزون في الفئة العمرية من 20 إلى 24 سنة وبنسبة 43.9 بالمائة من إجمالي عدد العاطلين السعوديين. ويلاحظ أن هذه النسبة بين الذكور تبلغ 45.7 بالمائة، أما فيما يتعلق بالإناث فتمثل الفئة من 25 إلى 29 سنة الفئة الأعلى من حيث عدد العاطلات بنسبة 45.6 بالمائة من إجمالي العاطلات السعوديات ثم تأخذ هذه النسبة الانخفاض التدريجي تبعاً لارتفاع العمر حتى تتلاشى بعد تجاوز عمر 50 سنة.

وبينت نتائج البحث أن معظم العاطلين السعوديين من الحاصلين على شهادة البكالوريوس بنسبة 36.4 بالمائة من إجمالي عدد العاطلين السعوديين. أما في ما يتعلق بالإناث فإن الحاصلات على شهادة البكالوريوس يمثلن أعلى نسبة بين العاطلات السعوديات حيث بلغت 73.4 بالمائة من إجمالي العاطلات السعوديات.

وإذا حسبنا عدد المشتغلين كنسبة من المواطنين ممن هم في سن العمل (11.5 مليون شخص تقريباً)، فهي لا تتجاوز 33% من إجمالي مَن هم في سن العمل، أي واحداً من كل ثلاثة في سن العمل يعمل فعلاً، وهذه نسبة منخفضة بشكل لافت للنظر، مقارنة بالدول الصناعية، حيث تصل نسبة المشتغلين إلى 63% في الولايات المتحدة و60% في بريطانيا.

أين أموال النفط؟!

وبالنظر إلى تفاصيل الأرقام التي نشرتها المصلحة، فإن عدد غير المشتغلين قد بلغ 7.75 ملايين في عام 2008م (أي 11.5 إجمالي عدد المواطنين في سن العمل مطروحاً منه 3.75 عدد المشتغلين)، منهم حوالي نصف مليون من خريجي الجامعات وحملة الشهادات العليا. وحسب تعريفات المصلحة فإن غير المشتغلين، وإن كانوا لا يعملون بالفعل، إلا أنهم لا يُعتبرون "متعطلين عن العمل" بالضرورة.

ويعلّق العويشق على ما ورد في تقرير المصلحة: (على افتراض دقة البيانات الواردة في تقرير المصلحة، فإن ذلك يعني أن هذه الفترة غير المسبوقة من النمو الاقتصادي لم تنعكس على النحو المطلوب على إيجاد وظائف للمواطنين، ولم تصل أرقام المشتغلين إلى الأرقام التي كانت خطة التنمية تأمل في تحقيقها).

وكانت تقارير اقتصادية صدرت هذا العام تفيد بأن السعودية التي لعبت دوراً في الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية مازالت تعاني أزمات داخلية فيما يرتبط بمعدلات البطالة والخدمات العامة. وكان الملك عبد الله قد شارك في اجتماع زعماء (مجموعة العشرين) التي تضم أقوى اقتصادات العالم، في إبريل 2009 في العاصمة البريطانية، لندن، حيث إجتمع الملك عبد الله مع الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي طالب بدور سعودي فاعل للمساهمة في معالجة آثار الأزمة المالية العالمية. وكانت السعودية قد رفعت من معدل المساعدات التي تقدّمها للبلدان النامية، حيث زادات من 17.1 مليار ريال في عام 1990 الى 18.2 مليار ريال في عام 2007. وبالرغم من أن المساعدات غالباً ما تحقق غايات سياسية معروفة، فإن السعودية وظّفت قدراً كبيراً من مداخيل النفط في تعزيز علاقاتها الخارجية، حيث بدأت تميل الى تنويع مصادر واراداتها من الخارج بحيث شملت إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، كلاً من الصين وكوريا الجنوبية.

وبالرغم من زيادة حجم الاستثمارات في قطاع الصناعة النفطية، الذي شهد نمواً كبيراً في السنوات الخمس الماضية، ما انعكس بصورة إيجابية على قطاعي المال والصناعات التحويلية، فإن ثمة مشكلات اقتصادية واجتماعية داخلية مازالت على حالها، فمازال السكّان يعانون من تدهور مستمر في مستوى الخدمات العامة، وخصوصاً في مجالات الصحة والتعليم والتوظيف والمياه، فيما تعاني البنية التحتية من إهمال كبير وفساد مالي وإداري أدى الى إبطاء أو تعطيل أعمال الصيانة الدورية.

ورغم ما قيل عن قرار الحكومة السعودية لناحية التحكم في تدفق العمالة الأجنبية إلى البلاد، إلا أن حجمها مازال في تزايد مستمر، وقد بلغ عدد العمال الأجانب، بحسب الإحصائيات الرسمية، نحو 6.4 مليون عامل أجنبي، أي بما يعادل 33.3 من مجموع عدد السكان، البالغ عددهم 18 مليون نسمة. وبحسب تقارير إقتصادية وإجتماعية محلية ودولية، فإن زيادة حجم العمالة الأجنبية تشكّل خطراً جديّاً على الإستقرار الإجتماعي في المملكة. من جهة ثانية، تلفت التقارير الى أن زيادة معدلات البطالة بين الشباب تحمل في طياتها مخاطر جديّة على الأوضاع الإجتماعية والأمنية والسياسية، يضاف إليها مشكلات أخرى تتعلق بأوضاع الطبقة الوسطى التي تآكلت بفعل تردي الأوضاع المعيشية. نشير إلى أن إحصائيات نشرت الشهر الماضي (يونيو) تفيد بوجود 3 ملايين فقيراً في المملكة، ما اضطر وزير الشؤون الإجتماعية الى نفي الخبر في 29 يونيو الماضي وقال بأن عدد المستفيدين من الضمان الإجتماعي بلغ 600 ألف حالة.

وكان الدكتور عبد الله مرعي بن محفوظ نائب رئيس الغرفة التجارية الصناعية بجدة قد ذكر على هامش فعاليات معرض ومؤتمر سيتي سكيب في جدة في 12 يونيو الماضي بأن الحاجة الإسكانية لن تتوقف لأن غالبية السكان فيها من الفئات الشابة حيث 40% من المواطنين هم تحت 20 سنة و70 % تحت 30 عاماُ. وأضاف (إذا لم يكن ذلك كافياً، فان 65% من العائلات لا يملكون سكنا خاصا بهم في الوقت الحاضر). وأشار مرعي الى أن الدراسة التي أجرتها منظمة سيتي سكيب السعودية قدرت احتياجات السعودية إلى مليون وحدة سكنية على مدار السنوات الخمس المقبلة، نظير معدل النمو السكاني المقدر بنسبة 2,5 سنوياً). نشير هنا إلى ما ورد في صحيفة (عكاظ) في 25 يونيو الماضي حول المشكلات التي تواجه القروض السكنية، حيث ذكر رئيس اللجنة المالية في مجلس الشورى حسن بن عبد الله الشهري أن قوائم الانتظار للحصول على قروض صندوق التنمية العقاري تضم 482 ألف مواطن، ويستغرق إنهاؤها 25 سنة، وأوضح الشهري أن زيادة رأسمال الصندوق إلى 200 مليار ريال تحقق رغبات أربعة في المائة فقط من طالبي القروض المسجلين في قوائم الانتظار.

في سياق متّصل، بدا أن الأزمة المالية العالمية تعكس آثارها المباشرة على النشاط المالي في المملكة، وظهرت أولى تداعياتها بعد إعادة هيكلة مجموعتي سعد والقصيبي والتي خفّضت من منسوب الثقة في البنوك السعودية خصوصاً والخليجية عموماً. وكانت صحيفة (الحياة) قد ذكرت في 16 يونيو الماضي بأن حجم الديون التي تريد المجموعتان إعادة هيكلتها تقدّر بعشرة مليارات دولار. وفي 24 يونيو الماضي، ذكرت بيانات لرويترز أن من بين دائني مجموعة سعد سيتي جروب وبي.ان.بي باريبا واتش.اس.بي.سي وستاندرد تشارترد وجيه.بي مورجان وآخرين. وفي 25 يونيو قررت مجموعة سعد بيع 4.5 مليون سهم آخر في مجموعة بركلي البريطانية لبناء المنازل لتتراجع حصتها إلى 2.73 في المئة.

وكان خبراء ماليون خليجيون قد ذكروا في 27 يونيو الماضي بأن مؤسسة النقد السعودية تواجه وضعاً تبدو فيه عاجزة عن التحكم باسعار الفائدة، في الوقت الذي سجلت الموجودات الأجنبية فيها تراجعا للشهر السادس على التوالي.

وكانت بيانات رسمية أظهرت تراجع القروض المقدمة من البنوك السعودية إلى القطاع الخاص للشهر الثالث على التوالي في مايو الماضي وسط مخاوف متصاعدة بشأن الملاءة المالية لبعض الشركات المملوكة عائلياً وتعرض البنوك المحلية لقروض متعثرة.

وبحسب أرقام نشرتها مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) في موقعها على الانترنت بلغت مطلوبات البنوك على القطاع الخاص - وهي مؤشر مهم لثقة البنوك - 724.87 مليار ريال (193.3 مليار دولار) في مايو وهي أدنى مستوياتها منذ أغسطس آب من العام الماضي.

وفي 16 يونيو الماضي سعى البنك المركزي السعودي إلى تعزيز الاقراض عن طريق خفض سعر إعادة الشراء (الريبو) العكسي - الذي يدفعه على ودائع البنوك التجارية - إلى النصف بعد تصاعد المخاوف بشأن تعرض بنوك المجموعتين السعوديتين المتعثرتين الى الإفلاس. وأبقت السعودية التي تربط عملتها بالدولار سعر إعادة الشراء القياسي دون تغيير عند اثنين بالمئة بعدما خفضه البنك المركزي أكثر من النصف في خطوات متتالية منذ أكتوبر/تشرين الأول. لكن التخفيضات لم تحفز نموا ائتمانيا يضاهي مستويات السنوات القليلة الماضية. وقال خبير اقتصادي لدى أحد البنوك السعودية (البنوك لا تقرض منذ نوفمبر/تشرين الثاني بسبب التباطوء في الاقتصاد والمخاوف بشأن سلامة بعض الشركات العائلية). وقال (لا تستطيع مؤسسة النقد تغيير سعر إعادة الشراء لأن البنوك لا تستطيع الاقراض عندما لا تعلم ماذا يحدث في السوق).

وفي حين بدأت عدة بنوك في المنطقة الكشف عن درجة تعرضها لديون الشركتين لزمت البنوك السعودية والبنك المركزي الصمت. وقال عبد الله الذبياني مدير التحرير بصحيفة (الاقتصادية): (المسألة لا تتعلق بالسيولة..أي خفض لسعر إعادة الشراء سيكون بلا جدوى). وأضاف (هناك مسألة الشفافية والافصاح" مضيفا أن البنوك السعودية تفتقر إلى رؤوس الأموال الكافية للانخراط في تمويل طويل الأجل). من جهة ثانية، تراجع صافي الموجودات الأجنبية لمؤسسة النقد السعودي 1.1 بالمئة في مايو عنه في إبريل مواصلاً انخفاضه للشهر السادس على التوالي ليصل إلى 1.483 تريليون ريال وهو أدنى مستوى له منذ يونيو/حزيران 2008.

والسؤال الكبير يبقى: أين ذهبت مداخيل الطفرة النفطية؟ ومنه تنشق أسئلة أخرى: لماذا تزداد الأوضاع الإقتصادية والمعيشية سوءً في الداخل، فيما تنشغل العائلة المالكة بحل الأزمة المالية في الولايات المتحدة وتعقد صفقات التسلّح بأرقام فلكية بوجود 3 ملايين فقير وثلي السكان بلا مأوى؟

الصفحة السابقة