الوهابية سوط النظام وغطاؤه الشرعي

هل الدولة السعودية (سلفية) وهل ينبغي أن تكون كذلك؟!

لماذا دافع نايف عن الوهابية بعد اغتيال محاولة ابنه محمد وقال: دولتنا سلفية؟!

سعد الشريف

كأن الأمير نايف أراد مكافأة الوهابية وسلك مشايخ الوهابيين الرسميين حين صرح بعيد محاولة اغتيال ابنه بأن (دولتنا سلفية) مكرراً الأمر مرات ومرات، في وقت كان يضغط فيه عدد من الأفراد من حواشي النظام وطبّاليه بالإتجاه الى خيار العنف أكثر مع الوهابية بشقيها التقليدي والعنفي، وتقليم أظافر المشايخ، وتحجيم نفوذهم في السلطة والمجتمع.

هل كان نايف يعتقد فعلاً بسلفيّة الدولة التي زاد تأكيده عليها بعد أحداث سبتمبر، بل لربما لم تظهر مقولة (سلفية الدولة) إلا بعد تلك الأحداث، وتتابعت من شخص نايف بالذات، الرجل الذي يقوم بعملية مزدوجة: تقليم أظافر الوهابية العنفية، ودعم الوهابية التقليدية، وتأكيد التحالف معها!

لماذا الإصرار على سلفية الدولة من قبل نايف كلما تعرّضت البلاد لهزة سياسية أو أمنيّة؟

هل كان يوصل رسالة الى الداخل أم الى الخارج أم الى كليهما؟

ابتداءً فإن من الواضح أن نايف ـ وزير الداخلية ـ يعتقد بأن:

ـ التحالف مع الوهابية ومشايخها ضمان لاستمرار العائلة في الحكم، وأن التشاجر مع الوهابية او الإنفكاك عنها، سيعرّض حكم آل سعود الى الخطر. هذه القناعة موجودة لدى كثير من الأمراء القابضين على السلطة وبالذات في التيار السديري، أي اشقاء نايف: سلطان وسلمان، وهذا الأخير بالذات قال أكثر من مرة علناً بأن الدولة سلفية، فيما تمّ تناسي توصيف آخر كان سائداً لمدة طويلة وهو: (الدولة السعودية دولة إسلامية). وهذا التمييز بين الإسلامية والسلفية فيما يبدو مقصود بعد أن تكاثرت الدول التي تدعو الى تطبيق الشريعة الإسلامية، أو التي تبنّت نظام حكم اسلامي حسب اجتهاد قادتها.

ـ ويعتقد نايف أن بالإمكان السيطرة على الوهابية وعنفها المتغوّل. كما ويعتقد بأنه مهما كان خطر الوهابية، فهم أهل بيت (نجد)، وأنه مهما كانت دعوات مطالب الإصلاح صادقة، فإنها تمثل خطراً على النظام من أساسه، وأن اولئك الدعاة هم في أكثرهم من (الخارج المناطقي). وطالما أن بيد النظام العصا، فإن نايف يعتقد بأن الوهابية ورموزها ضرورة لدى النظام، مهما ظهرت نشوزات العنف منها، فإنها تبقى الأقل خطراً، والأكثر منفعة.

ـ ويعتقد نايف بإمكانية ـ بل بضرورة ـ الإستفادة من الوهابية ليس على صعيد شرعنة النظام داخلياً، واستخدام الوهابية ضد دعاة الإصلاح فحسب، بل ويعتقد أيضاً بأن الوهابية بشقيها التقليدي والعنفي يمكن الإستفادة منهما في مشاريع الدولة السعودية الخارجية، وهو ما حدث في العراق حيث ارسلت فلول القاعدة من السعودية لمحاربة العراقيين وتفجيرهم وأمدتهم بالأموال، واستخدمت الوهابية في لبنان في معارك نهر البارد، كما استخدمت الوهابيين ضد حماس مؤخراً حين قام وهابيون في رفح بإعلان إمارة إسلامية مدعومة بأموال من السعودية وبالتخطيط مع مصر! كما يمكن الإستفادة من نفوذ الوهابيين التقليديين كجهاز منظم في كسب ولاء أطياف من الحركات الإسلامية والرموز الدينية وحتى السياسية في العالم الإسلامي، ما يوسّع فضاء وهامش حركة صانع القرار في سياساته الخارجية.

رسائل نايف

ما قاله نايف في مؤتمره الصحافي بعيد محاولة اغتيال ابنه، يفيد بتراجع عن حالة الزهو، من أنه نجح في قمع القاعدة، وأنه جفف منابعها. وقد أضحت الطريقة المبتدعة في مواجهة الإرهاب التي فاخر بها نايف وقال أن على العالم يتعلم منها وهي (المناصحة).. بلا قيمة. وقد قال نايف في مؤتمره ذاك بضرورة المراجعة، وزعم أنه لم يقل بأن القاعدة ستنتهي، بل يمكن أن يتصاعد عملها كما قال، كما أنه أبدى أسفه من أن القاعدة في السعودية نجحت في تجنيد متعلمين وأصحاب شهادات، وتساءل: أين هي الوطنية؟! وكأن هذه الوطنية لا يتذكرها الأمراء، إلا حين تشتد بهم الأزمة، وكأن كل السياسات اللاوطنية والممزقة للنسيج الإجتماعي يمكن أن تنمي الروح الوطنية عند السعوديين، وكأن الوطنية لا معنى لها عند نايف والأمراء إلا الدفاع عن نظام آل سعود الفاسد!

نايف يستقبل مسؤولي أمن خليجيين بعد محاولة اغتيال ابنه

بيد أن نايف بتكراره أن الدولة السعودية سلفية، أراد إرسال رسائل عديدة:

الأولى ـ الى عامة المواطنين والمراقبين في الداخل والخارج، وتفيد بالتالي: إنه رغم كل ما حصل من محاولة اغتيال وغيره، وما قد سيحصل في المستقبل من خطوات قد تقدم عليها وزارة نايف من زيادة القمع، أو ما قد تقدم عليه القاعدة من محاولات اغتيال، فإن التحالف بين آل سعود والوهابية باق باق!، أي أن أولئك المستبشرين بقرب إضعاف الوهابية، عليهم الإنتظار كثيراً حتى يتحقق الأمر!

والثانية ـ الى مشايخ الوهابية والتيار التقليدي المنضوي في مؤسسات دينية وأجهزة تابعة للدولة، فقد أراد نايف ان يقول لهم: أولاً، أن الحكومة قد تقدم على ممارسة المزيد من العنف ضد (الخوارج والبغاة، حسب التوصيف الرسمي للقاعدة) ما يعني توسيع المواجهة التي قد تمسّ شيئاً من مكانة ومعاقل التيار الوهابي التقليدي، ولكن نايف يريد ان يقول لهم بأن هذا ـ إذا ما حدث ـ فإنه لا يقصد منه ضرب نفوذ رجال الدين او المؤسسة الدينية أو التعدّي على المذهب الوهابي، وأن الوهابية ستبقى سيّدة، وأن نفوذها مضمون، وأن ما سيجري مجرد عمليّة جراحية عليهم ان يتحملوها من اجل تعقّب فلول القاعدة المندسّين ضمن الإطار التقليدي الوهابي الواسع!

بمعنى آخر، فإن القول بسلفية الدولة السعودية، حمل (تطميناً) من جهة، و(تحذيراً) من جهة أخرى، وقد صاغ نايف عبارته كما لو كانت رشوة مقدّمة للمشايخ وتطميناً لهم، وطلباً اليهم بعدم الإعتراض على ما ستتخذه الحكومة من اجراءات قمع، لا تستهدف تغيير هوية الدولة المذهبية. هذا ما أراد نايف ان يقوله للمشايخ، ولكن هؤلاء الأخيرين، وعلى لسان المفتي خشي من تداعيات حادثة الإغتيال فأكد على شراكة العلماء والأمراء في إدارة الدولة.

هل حقاً أن الدولة سلفية؟

مالمقصود بسلفية الدولة؟ هل يقصد من ذلك إجراء أحكام الإسلام وفق رؤية الوهابية؟ أم يعني أن الدولة سلفية لأن مذهب الدولة سلفي؟ أم لأن مكانة الوهابية ورجال الدين الوهابيين فيها كبيرة؟

ربما يقصد الأمير نايف بأن الدولة سلفية من هذه الجهات كلّها، لكنه غاب عن باله، بأن أتباع المذهب الوهابي في السعودية يمثلون أقليّة، حتى ولو كان المذهب الوهابي هو المذهب الرسمي للدولة. فأكثرية الشعب لا تدين بالوهابية، وإن دان بها الحاكم إسماً.

ولا يمكن أن يغيب عن بال نايف بأن السعودية أبعد ما تكون عن تنفيذ أحكام الإسلام وفق المنهج السلفي/ الوهابي، أو حتى وفق أي منهج أو مذهب إسلامي. وهناك الكثير مما يعترض عليه مشايخ الوهابية من أنه مخالف لشرع الله، وهي ليست قضية واحدة، بل آلاف القضايا التي احتج عليها كل مفتي تم تعيينه من محمد بن ابراهيم آل الشيخ وحتى هذا المفتي الحالي؛ كما اعترض عليها كبار العلماء الوهابيون، ويمكن ان تراجع كتاباتهم لتبين أوجه الإعتراض سواء في القضاء او في المال أو في الدعوة أو في الإعلام أو حتى الرياضة! نعم لم يقم المشايخ الوهابيون بأكثر من اعلان موقف، والنظام من جانبه (سمع ولم يطع) بل لم يأبه أو يكترث بما قالوا. فهو يطبق ما يريد أن يطبقه من فتاواهم التي تتناغم مع مصالحه فقط.

ولذا فإن النظام السعودي ليس نظاماً إسلامياً لا وفق المنهج السلفي/ الوهابي، ولا وفق أي مذهب اسلامي آخر.

هو نظام يتلفع برداء الإسلام للتغطية على جرائمه وتجاوزاته؛ كما أن ممارسات الأمراء أبعد ما تكون عن منهج السلفية، أو منهج الاسلام.

السعودية من حيث الممارسة أو المنهج ليست سلفية في واقع الأمر، والسلفية مجرد أداة لخدمة أغراض حكامها، وقد ينقلب الأمراء عليها في يوم من الأيام، في حال أخشن مشايخ الوهابية على آل سعود ووقفوا موقفاً صارماً من تجاوزاتهم.

نعم الدولة سلفية من جهة تبنّي النظام للوهابية كمذهب رسمي؛ رغم أنه مذهب أقلّوي، وفرض رؤيته في القضايا الدينية على الآخرين، وتسويد المذهب الوهابية رسمياً لا يعني أن أتباعه يشكلون أكثرية؛ ولا استطاع الوهابيون رغم ما أوتوا من دعم الدولة المالي وضغط السلطان أنهم نجحوا في تغيير قناعات شعب الجزيرة العربية ومذاهبهم، اللهم إلا الإختراق المحدود في مناطق الجنوب.

الوهابية ليست مذهباً وطنياً، بل هو لصيق بأرض نجد، أي أنه مذهب مناطقي. وحتى النجديين الذين يدافعون عن الوهابية، فإنما يدافعون عنها باعتبارها تشكل جزءً من هويتهم الثقافية، دون أن يعني ذلك أنهم ملتزمون بتعاليمها. بل أنه حدث ويحدث في نجد أن خرج الناس من دين الله أفواجاً وكفروا بالدين بسبب الوهابية نفسها، دون أن يعني ذلك تخليهم عنها من جهة الهوية. أما في المناطق الأخرى، فالوهابية منتج غريب، يسهل التحلل منه إن التزم به أحد. هو مذهب (المحتل) ومذهب (الحاكم) ومذهب (العنف والدم والقمع وعدم التسامح). إنه مذهب لا يغري الآخر للإقتناع به، مهما جمّل نفسه. وإذا كان النجديون قد ضجّوا من الوهابية التي أوصلتهم الى الحكم، فكيف سيكون حال سكان المناطق الأخرى التي احتلت عنوة بالقتل والدم بتشريع من الوهابية نفسها؟

السؤال: هل ينبغي فرض مذهب أقلّوي على الأكثرية في السعودية، حتى وإن زعم أتباع المذهب الأقلوي بأن مذهبهم أنقى المذاهب الإسلامية، وأنه يمثل الفرقة الناجية الوحيدة؟!

كيف يمكن تبنّي وتسويد مذهب يكفر من لا يتبعه أو على الأقل يبدّعه ويفسقه ويعتبره مشركاً؟! وما هي نتيجة هذا التبنّي على أصل الدولة وعلى مكانة العائلة المالكة وعلى استمرارها بالحكم؟

العائلة المالكة فرضت الوهابية لمصالح سياسية رأتها، وحين لا ترى أن ذلك يناسبها ـ وهي لم تره بعد، وقد لا تراه في المدى المنظور ـ فإنها ستحاربها أو تخفض مكانتها على الأقل.

أما في الوقت الحاضر، فالوهابية مجرد سوط بيد آل سعود يستخدمونه أينما شاؤوا في الداخل أو الخارج. فهو السوط القامع للإصلاح السياسي، وهي السوط المحامي عن العائلة المالكة؛ وهي السوط الذي يجلد المجتمع (هل سمعتم أن الوهابية أبلغت عن أحد أفراخ القاعدة، ونقصد هنا هيئة الأمر بالمعروف التي تتجسس على المواطنين وتفتك بهم بمناسبة أو بدون، وقد يصل بها الى قتل بعضهم؟). كما أن الوهابية توفر المظلة الدينية لإقصاء الآخرين وتهميشهم عن الحياة السياسية؛ وهي التي تبرر احتكار السلطة، والفساد المالي وغيره. فلماذا يتخلّى النظام عنها الآن، حتى وإن بدر منها ما بدر؟!

سؤال وجيه حقاً!

الصفحة السابقة