هل تؤثر التقارير في العائلة المالكة؟

الحرمان من الكرامة

محمد شمس

كثيرة هي التقارير التي تصدر عن انتهاكات الحكومة السعودية لحقوق مواطنيها والمقيمين على أرضها كالعمال الأجانب والخادمات. وقد أفردت التقارير الدولية مساحة واسعة لمناقشة قضايا القضاء السعودي غير المتزن والفاسد، وكذا الإجراءات القضائية التي لا تطبق، وانتهاكات حقوق المساجين، والإعتداء على الإصلاحيين بحجة مكافحة الإرهاب، وتجاوزات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأوضاع النساء في السعودية.

كما أن المنظمات الحقوقية الدولية، وكذا وزارات خارجية العديد من بلدان العالم، كأميركا وبريطانيا، تصدر سنوياً تقارير عن السعودية، ترصد فيها تطورات أوضاع حقوق الإنسان، وأنظمة الدولة السعودية المتخلّفة وعدم انسجامها مع ما وقعته الحكومة السعودية من مواثيق دولية.

ايضاً، ظهرت تقارير تتعلق بأوضاع شرائح محددة من المجتمع السعودي، كالتقرير المطول الذي أصدرته هيومان رايتس ووتش عن الإسماعيليين في السعودية، والذين يبلغ عددهم نحو مليون نسمة، كما أنها أصدرت مؤخراً تقريراً مطولاً عن سياسات التمييز الطائفي ضد الشيعة الإثني عشرية في شرق وغرب المملكة، والذين يبلغ عددهم نحو 15% من سكان السعودية.

ومع هذا تبدو الحكومة السعودية وكأنها غير عابئة بما يقال عنها في الخارج، ولم تسع حتى الآن في تليين سياساتها الداخلية القمعية؛ وكأنها تريد أن تقول بأنها غير مهتمة بما يقال عن الوهابية وآل سعود. فالمهم إبقاء القبضة قويّة على الجمهور حتى لا تتفتت العصبة الحاكمة وتخسر امتيازاتها في الحكم واحتكارها لمصادر القوة والسلطة.

لكننا نعلم بأن السعودية لا تعيش في جزيرة معزولة عن العالم، وسجلها الحقوقي البائس يخيف حتى أصدقائها من أميركيين وأوروبيين، وسوف تبقى السعودية كدولة تحت مجهر المراقبة والنقد، وسوء السمعة، وهروب المستثمرين أو ترددهم في الإستثمار بسبب عدم استقرار الوضع الذي ينبيء عنه ازدياد وتيرة العنف المحلي، كما وتيرة العنف السلطوي. إن حجم الإنتهاكات واستمرارها لا بدّ أن يقلق المواطنين انفسهم كما دول الجوار وغيرها، وستجد السعودية نفسها مضطرة لتعديل أوضاعها وتليين مواقفها ومنح مواطنيها حقوقهم، وإلاّ فإن سمعتها السيئة ستنعكس على علاقاتها مع العالم، وحتى مع حلفائها الغربيين الذين يتعرضون الى ضغوط ونقد متزايد في دولهم بسبب دعمهم لنظام فاسد تسلطي.

الحرمان من الكرامة

في هذا السياق، أطلقت هيومان رايتس ووتش في (3/9/2009) تقريراً مطولاً عن التمييز الطائفي ضد المواطنين الشيعة في المملكة السعودية، أعدّه مسؤول قسم السعودية في المنظمة الحقوقية الدولية كريستوف ويلكي، تحت عنوان: (الحرمان من الكرامة: التمييز المنهجي والمعاملة الحكومية العدوانية بحق المواطنين السعوديين من الشيعة). وقد غطّى التقرير مساحة واسعة من الموضوعات التي شملها التمييز، كما ناقش خلفيات التمييز الطائفي، ومظاهره وأكد على استمراره حتى اليوم ومخالفته للقوانين الدولية التي وقعت عليها الحكومة السعودية نفسها.

ومع أن التقرير تعرّض للموضوعات بخلفيات تاريخية، وقدّم نصوصاً وبراهين تثبت اشتراك الحكم وأجهزته الدينية في ممارسة التمييز الطائفي. إلا أن التقرير ركز بشكل خاص على تداعيات أحداث البقيع في المدينة المنورة في فبراير الماضي، وما تلاها من حصار لمدن شيعية، وقطع الكهرباء عنها، واعتقال العشرات، والإعتداء على المواطنين بالسكاكين، وإغلاق المساجد، وغيرها، فضلاً عن ازدياد تلك المضايقات وسياسة التمييز بشكل متسارع منذ ذلك الحين.

ويقول التقرير بأن المصادمات في منطقة مقبرة البقيع بالمدينة استمرت لمدة خمسة أيام، وأسفرت عن اعتقال العشرات من الزوار الشيعيين. وقد غذّت مصادمات المدينة وما تلاها من أحداث في المنطقة الشرقية، أقوى التوترات الطائفية القائمة التي تشهدها المملكة منذ سنوات عديدة.

ويضيف: تعكس أحداث البقيع في جزء منها هذه التوترات القديمة والقائمة، لكنها أيضاً كانت بمثابة منفذ للتعبير عن الغضب في صفوف الشيعة (10 إلى 15 في المائة من السكان في المملكة) وهو الغضب المتراكم جراء التمييز الحكومي المنهجي في مجالات التعليم ونظام العدالة، والحريات الدينية بشكل خاص. و يواجهون أيضاً الإقصاء من التوظيف الحكومي. ومن جانبها ردت الحكومة بإجراءات قمعية تمثلت في أعمال توقيف ومداهمات على منافذ التعبير العلني عن الآراء الشيعية، بدلاً من سعيها للحوار منعاً للمزيد من المصادمات.

وأشار التقرير الى المظاهرات السلمية الشيعية التى وقعت في شهري فبراير ومارس الماضيين في المنطقة الشرقية تضامناً مع المقبوض عليهم في مصادمات المدينة المنورة، مما أدى إلى رد قوات الأمن بحملة قمعية. ولا تسمح المملكة بأي من أشكال التظاهر، حتى المظاهرات السلمية. وأوصى نمر النمر – رجل الدين الشيعي من مدينة العوامية المعروف بمعارضته للسياسات السعودية – في خطبته يوم الجمعة 13 مارس/آذار بأن ينظر أبناء مذهبه في أمر الانفصال عن المملكة العربية السعودية إذا استمر إهدار حقوقهم. وأسفر سعي قوات الأمن للقبض على النمر – الذي اختبأ – عن المزيد من الاحتجاجات الشيعية المؤيدة للشيخ نمر النمر، وأدت للمزيد من القمع.

واعتقلت قوات الأمن أكثر من 50 شخصاً في المنطقة الشرقية، منهم أطفال، جراء المشاركة في المظاهرات. وتم احتجاز أكثر من 24 شخصاً حتى الأول من يوليو/تموز. وساعدت إجراءات مثل إصدار العفو الملكي عن المحتجزين، ووقف الاعتقالات التعسفية بعد مارس/آذار، والتصريح بالولاء للدولة من قبل الشيعة المعتدلين، إلى تخفيف وطأة تصاعد الوضع في الشهور التالية.

إلا أن التمييز الكامن وراء الأحداث المذكورة تزايد، حسب التقرير. فمنذ أحداث فبراير/شباط – مارس/آذار، كثّفت السلطات من قيودها القائمة على حياة الشيعة العامة. فمنذ عام 2008 اعتقلت السلطات وهددت مسؤولي دور الصلاة الجماعية في الخُبر للضغط عليهم كي يوقعوا تعهدات بإغلاقها. ومنذ عام 2001 فرضت السلطات في الأحساء عقوبات بالسجن، بعيداً عن القضاء، على قيادات دينية مسؤولين عن صلاة الجماعة لدى الشيعة، وعلى أشخاص يبيعون أغراضاً تُستخدم في الشعائر الشيعية مثل يوم عاشوراء ويوم قرقيعون، والاحتفال بالمناسبتين ما زال محظوراً على العديد من التجمعات الشيعية في السعودية.

وهذه الإجراءات القمعية أججت من الغضب لدى الشيعة جراء الأحساءس بالتمييز. إذ هم يشاهدون كيف تتسامح الحكومة مع التصريحات التهييجية غير المتسامحة التي يدلي بها بعض رجال الدين السعوديين من الوهابيين، عن الشيعة، فيما تمنع – الحكومة – الشيعة من مجرد إحياء الشعائر الدينية البسيطة مثل صلاة الجماعة. ومن أشكال تمييز الحكومة ضد الشيعة، التمييز في نظام العدالة بناء على قانون ديني يتبنى التفاسير الوهابية للشريعة فقط، ونظام التعليم الذي يستبعد الشيعة من تعليم الدين، وأطفال الشيعة المحظور عليهم تعلّم مذهبهم الديني. وهذا الفصل الطائفي، وعدوانية الدولة السعودية والمجتمع الوهابي، وريبتهم من السعوديين الشيعة؛ لا تعكس فحسب عدم التسامح الديني، بل أيضاً التوترات السياسية القائمة في المنطقة على أسس طائفية.

وقد بادر الملك عبد الله – ولي العهد في عام 2003 – بإطلاق برامج للحوار الوطني بين الشيعة والسنة، وجماعات أخرى، لكن لم تنته هذه البرامج إلى مُنجز هام. وفي عام 2008 ترأس الملك الدعوة إلى التسامح بين أديان العالم، في الجمعية العامة للأمم المتحدة بمدينة نيويورك، لكنه تجاهل تعزيز التسامح مع الأقلية الشيعية السعودية.

وطالب التقرير الحكومة السعودية بأن تتصدى على وجه السرعة للأسباب الكامنة وراء التوترات الطائفية، وأن تضع حداً للتمييز المنهجي المُمارس على الشيعة.

ومن التوصيات التي خرج بها التقرير:

  •  أن تنشيء الحكومة السعودية لجنة للتحقيق، تحت إشراف هيئة حقوق الإنسان الحكومية، وبمشاركة من هيئة التحقيق والادعاءات العامة، للتحقيق في ظروف وملابسات أعمال عنف المتظاهرين وقوات الأمن من 20 إلى 24 فبراير/شباط في منطقة مقبرة البقيع بالمدينة المنورة. كما ينبغي عليها أن تحقق في مشروعية الاعتقالات والاحتجاز إثر أحداث المدينة، وبحق المتظاهرين في فبراير ومارس بمدن صفوى والعوامية والقطيف. كما ينبغي عليها أن تقاضي المشتبهين بالتورط في أعمال عنف غير مشروعة، وأن تؤدب المسؤولين الذين أمروا بهذه الاعتقالات التعسفية أو نفذوها. وعلى اللجنة أن تسمع شهود العيان على الأحداث وأن تعلن عن نتائجها علناً، وأن تكون لديها سلطة الأمر بصرف التعويضات لمن عانوا جراء العنف والاحتجاز غير القانونيين على أيدي السلطات.
  • وأوصى التقرير بتشكيل لجنة المساواة في المواطنة، تحت إشراف المركز الوطني للحوار، بمشاركة موسعة، تشمل أعضاء مجلس الشورى وأعضاء هيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وأعضاء المجالس المحلية المُنتخبين، والقيادات القبلية والدينية والمجتمعية في المنطقة الشرقية. على اللجنة أن تنظر في أمر إصدار توصية بإنشاء مجلس وطني لمناهضة التمييز، حسبما أوصت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري. وعلى اللجنة أن تبحث في سبل لـ:

1/ حماية حرية الشيعة في العبادة، لا سيما في المناطق ذات الكثافة السكانية الشيعية العالية، بما في ذلك حرية بناء والحفاظ على مساجد وحسينيات، وطباعة واستيراد وتوزيع مواد دينية، وإقامة مراسم الاحتفالات الدينية العامة.

2/ حماية حرية الآباء في ضمان تلقي أبنائهم للتعليم الديني بما يتفق ومعتقدهم، وحرية الأطفال في القدرة على اختيار مذهبهم الديني وممارسة شعائره. ويشمل هذا كفالة الحق – في المدرسة – في الامتناع عن أو الخروج من فصول التعليم الديني الوهابي التي تُعتبر مغايرة للتعاليم الشيعية، والحق – كلما أمكن (وعلى الحد الأدنى، في المناطق التي يشكل الشيعة فيها نسبة يُعتد بها من السكان) – في تلقي التعاليم الدينية طبقاً للمعتقدات الشيعية وعلى نفس مستوى ما يتلقاه التلاميذ الآخرون من تعليم ديني. ويستتبع ممارسة هذا الحق السماح للشيعة بتدريس الدين في المدارس.

3/ ضمان المساواة في التوظيف، وفي القدرة على الانتماء في مؤسسات التعليم العالي، بما في ذلك المرافق الأمنية والمناصب الوزارية الرفيعة، والمجالس المحلية والخاصة بالمناطق ومجلس الشورى، والأكاديميات العسكرية.

4/ ضمان المساواة في الحصول على خدمات القضاء، بما في ذلك اعتبار جميع الأفراد متساوين أمام القانون بغض النظر عن هويتهم المذهبية، وأن القضاة الشيعة المؤهلين يمكنهم تولي مناصب في القضاء بالمحاكم العادية، لا سيما في المناطق ذات التركيز السكاني الشيعي.

  • وأوصى التقرير بتشكيل لجنة معنية بالأماكن المقدسة، لتواصل أنشطة مبادرة مكة للحوار بين الأديان، المُبرمة في يونيو 2008 تحت إشراف رابطة العالم الإسلامي، للخروج بسبل لمشاركة المساحات المخصصة للعبادة في مكة والمدينة فيما بين أنصار مختلف المذاهب الإسلامية، مع احترام الممارسات الدينية الغالبة على المجتمع السعودي بشكل عام. وعلى اللجنة أن تولي انتباهاً خاصاً للتنويع في تركيبة حراس الأمن والمسؤولين الأمنيين بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع تلقيهم للتدريب الملائم، ممن يعملون في أماكن العبادة المشتركة تلك.
  • وأخيراً قال التقرير بأن على الحكومة السعودية أن تُشرك كبار مسؤوليها الدينيين – مثل مكتب المفتي ومجلس كبار علماء الدين ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد – في مساعي نبذ خطاب عدم التسامح الديني الصادر عن المسؤولين وغيرهم من أصحاب الأصوات المؤثرة.
الصفحة السابقة