المرأة السعودية..

قليل من الحقوق المدنية

محمد فلالي

في موقعها على شبكة الإنترنت، نشرت مؤسسة (دويتشه فيله) الألمانية، وهي مؤسسة تضم قناة تلفزيونية وإذاعة وأكاديمية لإعداد وتدريب الصحفيين الألمان والأجانب، نشرت على موقعها في الأول من يونيو الجاري تقريراً أعدّته إستر صعوب وعادل الشروعات، حول تطلّعات المرأة في السعودية، وذكر التقرير بأن النساء السعوديات تطمح إلى الحصول على مزيد من الحقوق التي تسمح لها بالمشاركة في الحياة العامة.

وشدّد التقرير على دور مؤسسات المجتمع المدني في دعم حقوق المرأة في السعودية، وأن هذه المؤسسات تلعب دوراً كبيراً في التعريف بالقيود المفروضة على المرأة في البلاد. وتبذل هذه المؤسسات جهوداً كبيرة لتعزيز ثقافة حقوقية، من شأنها تحسين الوضع القانوني للمرأة.

أضاء التقرير على حقيقة أن حقوق المرأة في السعودية لا تزال مقيّدة بشكل كبير، رغم مصادقة الحكومة على معاهدة الأمم المتحدة لحقوق المرأة في سبتمبر/ أيلول عام 2000، وهو ما يجعلها عرضة لانتقادات جمعيات حقوق الإنسان الدولية، التي تطالب الحكومة السعودية القيام بإصلاحات قانونية، لفك القيود التي تحول دون مساواة المرأة بالرجل في المجالات السياسية والاقتصادية والإجتماعية.

ولم تصادق السعودية على البروتوكول الإضافي لمعاهدة الأمم المتحدة لحقوق المرأة، كما أنها تحفظت على بعض مواد الاتفاقية الأصلية، والتي تشمل مكافحة جميع أنواع التمييز ضد النساء، وضمان حقوقهن السياسية، إضافة إلى جوانب تخص الأحوال الشخصية مثل تحديد السن الأدنى للزواج.

ورغم محدودية العمل في المجال الحقوقي في السعودية، فقد ظهرت جمعيات حقوقية محلية تدافع عن حقوق المرأة، من خلال التعريف بقضاياها، وكسب الدعم اللازم لها، بغرض الضغط على الحكومة السعودية لتسريع وتيرة الإصلاحات، التي من شأنها إدماج المرأة بصورة كاملة في الحياة العامة داخل المجتمع السعودي.

وتحت عنوان (الحقوق المدنية تشكل أهم مطالب المرأة السعودية) يذكر التقرير: لا يسمح القانون السعودي بقيادة المرأة للسيارة وتركز المنظمات الحقوقية في مطالبها على بعض المحاور، التي ترى أنها ذات أولوية في مسيرة الإصلاح. ومن ضمنها موضوع المحرم ووصايته على المرأة، وحقوق الإختيار والموافقة على الزواج والوصاية القانونية على الأطفال خاصة بعد الطلاق، وكذلك حق المرأة في التنقل وقيادة السيارة، إضافة إلى حقها الكامل في الرعاية الصحية والتعليم.

ويبقى قانون المحرم ووصايته على المرأة في السعودية محل كثير من الانتقادات، سواء في الداخل أو الخارج. فلا يمكن للمرأة السعودية مثلا أن تسافر أو تتخذ قراراً بخصوص الدراسة أو العمل دون الرجوع إلى ولي أمرها. وقد علّقت الناشطة الحقوقية السعودية، سعاد الشمري في حديث لـ (دويتشة فيله) عن هذا القانون قائلة (أنا أبلغ من العمر أربعين سنة، ولا يحق لي السفر دون رخصة ولي أمري. من هو ولي أمري؟ إبني الذي يبلغ من العمر أربعة عشرة سنة، أم هو أخي ذو السابعة عشرة ربيعاً، الذي يجب أن أدفع له مبلغا من المال كي يسمح لي بالسفر؟).

وقد ذهبت الكاتبة السعودية وجيهة الحويدر أبعد من ذلك، عندما وصفت المملكة العربية السعودية في إحدى مقالاتها بأكبر سجن في العالم، في إشارة إلى عدم السماح للسعوديات بالسفر خارج البلاد دون رخصة المحرم. وتعتبر الحويدر واحدة من أبرز النساء السعوديات، اللواتي يدافعن عن حقوق المرأة في بلادها، والتي جعلت التعريف بقضايا المرأة السعودية في العالم أهم أولوياتها. وتدافع الحويدر عن استصدار قانون يحدد سن الزواج، من أجل وضع حد لزواج القاصرات (في الخريف الماضي، تزوّجت فتاة في الثانية عشرة من العمر بشيخ يبلغ السبعين سنة. متى سنضع حداً لمثل هذه الممارسات؟) تتساءل وجيهة الحويدر.

وتعرّض التقرير الى الاهتمام المتزايد بقضايا المرأة في السعودية في الداخل من خلال بعض التغييرات الشكلية التي حصلت في السنوات الأخيرة منها تعيين نورة الفايز، كأول إمرأة تتولى منصب نائبة وزير التربية والتعليم، وهو أعلى منصب إداري تشغله إمرأة. وقال التقرير بأن قضايا المرأة في السعودية حظيت باهتمام متزايد، بناء على رصد (مركز البحث لدراسة المرأة) خلال السنة الماضية، حيث بلغت نسبة المقالات التي تناولت قضايا تهم شؤون المرأة في والصحافة المحليّة أربعين في المائة. وتعدّت هذه النسبة الخمسين بالمائة في المواقع الالكترونية. الشيء الذي يعكس الدينامكية التي مافتئ يعرفها النقاش حول قضايا المرأة في العربية السعودية، والأولوية التي يحتلها لدى الناشطين الحقوقيين داخل البلاد.

ويتوقف التقرير عند عدد من الأمثلة منها على سبيل المثال لا الحصر موضوع قيادة المرأة للسيارة في السعودية، كما أشارت الى نجاح ضغط المنظمات الدولية، ونداءات مؤسسات المجتمع المدني المحلية، في إرغام الحكومة على تبني بعض الإصلاحات، التي من شأنها إشراك المرأة السعودية في بعض جوانب الحياة العامة. وقد توجت هذه الإصلاحات بتعيين نورة الفايز كأول امرأة في منصب نائب وزير التربية والتعليم. وهو أعلى منصب إداري عام في السعودية تشغله امرأة إلى حد الآن. وشملت الإصلاحات كذلك إلغاء المادة 160 من قانون العمل السعودي، الذي كان يمنع الرجال والنساء من الاختلاط في مجال العمل.

ورغم تحقيق بعض الامتيازات التي لم تكن بالأمس القريب ممكنة، ونجاح مؤسسات المجتمع المدني السعودي في إسماع صوت المرأة السعودية للمسؤولين، إلا أن طريق الإصلاحات لازال شائكا ويتطلب نفساً طويلاً. وفي انتظار تحقيق المزيد من المكاسب الحقوقية تعمل الجمعيات التي تناضل من أجل حقوق المرأة في السعودية، على توعية النساء داخل المجتمع السعودي بحقوقهن، ومساعدتهن على التحرر من الثقافة الذكورية السائدة في البلاد.

الاستعانة بالقضاء لمنع الإناث من تدريس الذكور!

تقدّم الداعية السلفي المثير للجدل الشيخ يوسف الأحمد في نهاية مايو الماضي الى القضاء بشكوى ضد وزارة التربية بسبب إتاحة تعليم الأطفال الذكور مادون التاسعة من العمر من قبل معلّمات إناث. وذكرت صحيفة (اليوم) في عددها الصادر في 2 يونيو الجاري أن الأحمد استنكر دمد الطلاب والطالبات في الصفوف الأولية والسماح للمعلمات بتدريس الطلاب، حيث رفع دعوى قضائية أمام ديوان المظالم يتضمن الطعن في قرار وزارة التربية والتعليم.

وجاء في نص الدعوى أنه قام بتقديم الشكوى لديوان المظالم بعد عدّة خطابات منها خطاب لنائب الوزير وآخر لنائبه تضمنا (المناصحة الشرعية وبيان أوجه المنع من هذا القرار، فلما لم تستجب الوزارة كتبت إلى عدد كبير من الجهات المسؤولة في الدولة منها خطاب للرئيس العام لهيئة الرقابة والتحقيق في 10/2/1431هـ فلما لم أجد الرد اضطررت إلى القضاء الإداري).

وجاء في حيثيات الشكوى ضد الوزارة: (إن تدريس المعلمات البنين في مدارس البنات مخالفة للشرع؛ لأنه يحقق المشروع الليبرالي بتطبيع الاختلاط المحرم، وإشاعته في التعليم بالتدرج، وقد صدرت فتاوى العلماء بتحريم ذلك لما يؤدي إليه من المفاسد). كما أورد نص المادة رقم (155) من السياسة العامة للتعليم والتي تنصّ على منع (الاختلاط بين البنين والبنات في جميع مراحل التعليم إلا في دور الحضانة ورياض الأطفال)، كما أن القرار يخالف أمر رئيس اللجنة العليا لسياسة التعليم بالانابة الأمير سلطان بن عبد العزيز في خطابه لرئيس تعليم البنات، ونصّه: (أشير لخطاب معاليكم رقم 1186/2هـ/1 والخاص بطلب التوجيه حيال طلب بعض المدارس الأهلية تولي النساء تعليم الأطفال من البنين دون سن الثامنة، نرغب في صرف النظر عن هذه الطلبات وعدم الاستجابة لها..آمل التكّرم بإيقاف وإلغاء قرار وزارة التربية والتعليم المشار إليه، وإجراء ما يلزم في سير هذه الشكوى نظامياً، ومحاسبة المخالف..).

وكانت نورة الفايز، مساعدة وزير التربية قد أعلنت عن تدابير جديدة تشمل إتاحة تعليم الأطفال الذكور حتى الصف الثالث ابتدائي في المدارس الخاصة من قبل معلمات.

جدل حول فيلم وثائقي عن شباب المملكة

أثار فيلم وثائقي بثّته قناة (إم تي في) الإميركية الموسيقية حول محاولات شبّان سعوديين التمرد على المحظور، جدلاً واسعاً في المملكة ما دفع بعدد من المحافظين إلى اللجوء للقضاء. وقدم عدد من الأشخاص في 28 مايو الماضي شكوى أمام محكمة جدة في غرب السعودية ضد كل من ساهم في هذا الوثائقي هو بعنوان (قاوموا السلطة: السعودية)..

وقال مقدّمو الشكوى على صفحة خاصة أطلقوها على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، ما نصّه (لن نسمح بأن تضرب قيم مجتمعنا السعودي بعرض الحائط وسنلاحق (ام تي في) أمام القضاء وكذلك سنلاحق عزيز) في اشارة الى شاب سعودي ظهر في الفيلم الوثائقي.

وقال المتحدث بإسم وزارة الاعلام عبدالرحمن الهزاع لوكالة فرانس برس في 2 يونيو الجاري أن السلطات تحقق في هذا الفيلم الوثائقي. يذكر أن الفيلم لم يبث على قناة (إم تي في أرابيا) المخصّصة للعالم العربي، لكن السعوديين شاهدوه على موقع (إم تي في) الإميركية.

ويدور الفيلم الوثائقي حول يوميات شبّان وشابات من مدينة جدة يحاولون اختراق المحظور. فأحمد مثلا يريد الدفع باتجاه مشاركة المرأة في المجلس البلدي لجدّة، بينما يحلم عزيز بلقاء شابة تعرّف عليها على شبكة الانترنت، أما فاطمة فتبيع عباءات ملونة بدلا من العباءات التي يجب أن تكون سوداء، وارتداؤها الزامي لكل النساء. وفي المقابل تحاول مجموعة من الشباب في الوثائقي ايجاد مكان يقدموا فيه عروضاً من موسيقى (هيفي ميتال) التي تعد (شيطانية) في السعودية.

وقالت هايدي ايوينغ التي شاركت في إخراج الفيلم لوكالة فرانس برس في رسالة الكترونية (أنا أستغرب هذا الجدل لكن أعتقد أن الأمور ستهدأ عندما يعي الناس أن نوايانا ونوايا الذين شاركوا في الفيلم كانت نوايا إيجابية).

وقالت هايدي ايوينغ التي شاركت في إخراج الفيلم لوكالة فرانس برس في رسالة الكترونية (أنا أستغرب هذا الجدل لكن أعتقد أن الأمور ستهدأ عندما يعي الناس أن نوايانا ونوايا الذين شاركوا في الفيلم كانت نوايا إيجابية).

من جهة تناقلت الصحف خبر تحقيق (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) مع ثلاثة شبّان بسبب (مجاهرتهم بالمعصية) على حد قول مصادر الهيئة. وجاء في الخبر أن الأخيرة فتحت تحقيقاً مع ثلاثة شباب سعوديين تحدّوا قوانين البلد من خلال مشاركتهم في برنامج وثائقي بُث في قناة إم تي في إذ تحدثوا عن رغبتهم في تغيير قوانين الشريعة الإسلامية المعمول بها في السعودية.

وقالت فتاة تسمى فاطمة وتبلغ من العمر 20 عاماً خلال مشاركتها في البرنامج الذي يسمى (قاوم السلطة! السعودية) إنها تنكّرت في زي ولد لسياقة دراجة هوائية في شوارع جدة. وكذلك، انتقدت الفتاة بشدة اللباس التقليدي الأسود (العباية) الذي ترتديه النساء في السعودية. وأضافت الفتاة أنها تصنع العبايات الخاصة بها بألوان زاهية ثم تبيع بعضها لصديقاتها. وتحدث شاب يسمى عزيز ويبلغ من العمر 24 عاما عن محاولته في كسر الفصل الصارم بين الجنسين في الحياة داخل السعودية من خلال ترتيب لقاء رومانسي مع صديقته. ومضى الشاب السعودي قائلا “لسنا أحرارا لكي نعيش كما نريد”.

وجاء إنتاج البرنامج المكون من أربعة أجزاء والذي بُث في الولايات المتحدة في أعقاب سعي فرقة غنائية سعودية للعثور على مكان لعزف موسيقاها. وقال مسؤول في محكمة بجدة إن السلطات تحقق في أجزاء البرنامج بسبب جرائم (المجاهرة بالمعصية)، مضيفا أن قراراً سيصدر بشأن ما إذا كانت السلطات ستتابع الثلاثة أم لا، حسب وكالة رويترز للأنباء في 2 يونيو الجاري.

الصفحة السابقة