الخثلان: المؤسسات الحقوقية أخفقت،

والحقوق المدنية والسياسية تراجعت

هيثم الخياط

في مقابلة مع صحيفة (الوطن) السعودية من الرياض في 5 أكتوبر الجاري، اعترف نائب رئيس (الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان)، الدكتور صالح بن محمد الخثلان، بوجود تراجع في نشاط الجمعية، معللاً ذلك بما أسماه (حالة الركود العامة التي يمر بها المجتمع). معترفاً في ذات الوقت بـ(إخفاق مؤسسات حقوق الانسان)، في تحقيق تقدم في مجال الحقوق المدنية والسياسية، ما يشير الى حالة إحباط يعيشها الناشطون الحقوقيون حيال تراجع المستوى الحقوقي في البلاد.

د. الخثلان

وفيما حاول الخثلان تجنّب نقد السلطات السعودية وعلى رأسها أجهزة الأمن التابعة لوزارة الداخلية المسؤولة المباشرة عن انتهاك حقوق الإنسان، أولى أهمية مبالغة للبعد الثقافي لحقوق الإنسان. فقد أرجع الخثلان ما أسماه (ضعف الوعي بحقوق الإنسان) السبب إلى (انقسام النخب المثقفة حول المفهوم، ووجود بيروقراطية شديدة، تجعل الإنسان لا يفكر في الاستعانة بكثير من الأجهزة الحكومية المعنية)، والتي اعتبر أنها تفتقد للحس الحقوقي، في ظل عدم وجود نصوص تشريعية دقيقة، تضمن حقوق الإنسان، مطالباً بجعل احترام حقوق الإنسان، معياراً لكفاءة الأداء، وقياس الفاعلية في الأجهزة الحكومية.

وقد أقرّ الخثلان بتراجع نشاط وحضور الجمعية في المجتمع مقارنة بأدائها خلال سنواتها الأولى، وفي ذلك إشارة الى تراجع الوضع الحقوقي عموماً. وربما كان التقرير الحقوقي الصادر عن الجمعية في العام الماضي بمثابة تقرير وداعي لأنه خروج فارط عن النص الرسمي، الأمر الذي عجّل بتراجع نشاط الجمعية. يقول الخثلان بأن هذا الشعور يراود جميع أعضاء الجمعية، ولكنه يحمّل المجتمع مسألة حدوث حالة ركود حقوقي باعتبارها انعكاساً لحالة ركود المجتمع، في إشارة كما يبدو إلى الدولة كما يوضّح الكلام اللاحق (فالإنتخابات البلدية تأجّلت، والحراك الثقافي فقد زخمه، وحتى هامش الإنفتاح النسبي في الإعلام أصبح أضيق. إذاَ مشكلة الركود عامة وليست خاصة بالجمعية. وهذه حالة يؤسف لها حقاً). إذن المقصود بالمجتمع هنا هو الدولة، وهذا بحد ذاته إشارة الى أن ثمة تراجعاً ملحوظاً في مستوى حرية التعبير، بحيث يضطر ناشط حقوقي بل مسؤول كبير في جمعية حقوقية شكّلتها الحكومة الى استعمال عبارات مواربة للتعبير عن وجهة نظر حقوقية.

ولكن الخثلان لم يتخاصم مع ذاته الحقوقية حين يوضع أمام أسئلة كبرى حول أسباب وقوع واستمرار التجاوزات للحقوق، فهو يشدّد على ما تردده المنظمات الحقوقية الدولية والناشطين الحقوقيين من كل الاطياف السياسية والايديولوجية في الداخل والخارج من أن السبب الرئيسي هو غياب (التشريعات التي توفر ضمانات واضحة تحمي الحقوق)، وحتى في حال وجود ضمانات (يحدث الإنتهاك بسبب الجهل بها، سواء من قبل من يتعرّض حقه للإنتهاك، أم من يمارس الإنتهاك). وثالثاً، (محاولة البعض ممارسة حقوق لهم، نصت عليها قواعد شرعية أو قانونية، ضمن المواثيق الدولية، التي انضمت لها المملكة، وأصبحت جزء من منظومتها التشريعية، إلا أن الممارسين للسلطة يجهلون هذه الحقيقة)، ورابعاً وهو الأهم (سوء ورداءة الأداء في الكثير من الأجهزة الحكومية، وعدم وجود مؤسسات رقابية فاعلة، وهذا ما يفسر حالات الفساد والتعامل السلبي مع الأفراد، مواطنين ومقيمين، عند مطالبتهم بأبسط حقوقهم).

ويشدّد الخثلان على أن أهم ملف أخفقت الجمعية والهيئة في معالجته هو ما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، ولعل ذلك ما يجعله مصاباً بحالة يأس واحباط من تراجع المستوى الحقوقي في هذا البلد. غير أن ثمة جانباً تعرّض له الخثلان في سياق إجابته عن سؤال حول ما اذا كان هناك وعي بحقوق الإنسان من قبل موظفي أجهزة الدولة، ومن الأفراد المنتهكة حقوقهم، فأجاب: لا شك أن هناك معرفة بمسألة حقوق الإنسان بشكل عام، وقد زادت درجة الوعي بها في السنوات الأخيرة، و لكن حين نتحدث عن التفاصيل، فالصورة لا تبدو واضحة كما ينبغي. فمن واقع ما نرصد، وما يرد لنا من شكاوى، هناك من الأفراد من يعتقد أن أي مشكلة تواجهه، تعد قضية حقوقية، ويتوقع من الجمعية التدخل فيها، وأظن أن السبب في ذلك يعود لانقطاع المجتمع السعودي عن مفهوم حقوق الإنسان لفترة طويلة، بسبب موقف سلبي منها، باعتبارها فكرة غربية.

إضافة إلى أن هناك عجزاً في المؤسسات التي يمكن للأفراد التواصل معها، لمعالجة قضاياهم. بعض هذه المؤسسات موجودة بالفعل، ولكنها ضعيفة الفعالية، وتحكمها ثقافة بيروقراطية شديدة، تجعل الإنسان لا يفكر في الاستعانة بها أصلا، وتصبح مصدراً لزيادة معاناته، بدلاً من أن تكون عوناً له. وينتهي للقول (وبالنسبة للكثير من الأجهزة الحكومية، فأظن أنها تفتقد للحس الحقوقي، وسبق أن اقترحت أن يكون احترام حقوق الإنسان وضمانها، مؤشراَ و معياراً لكفاءة الأداء، وقياس الفاعلية في الأجهزة الحكومية).

الصفحة السابقة