د. مضاوي الرشيد

أضواء على محاولة اغتيال محمد بن نايف

السعودية وهمومها الثلاثة

د. مضاوي الرشيد

سلطت احداث الاسبوع الماضي، واهمها محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها مساعد وزير الداخلية، الاضواء على هموم سعودية ثلاثة حاولت الروايات الرسمية توجيه الانتباه اليها وربطها ببعض.

اولا: ايران؛ ثانيا: القاعدة؛ وثالثا: الحوثية على الحدود الجنوبية. وان كان ليس من السهل ربط هذه الهموم منطقيا بعضها ببعض، الا انه من الناحية السياسية اصبحت هذه الثلاثية كتلة متراصة تحاول السعودية شن حرب عليها مجتمعة ومتفرقة. وتبدأ هذه الحرب اعلاميا وتدعم ماليا حتى تتبلور الصورة في صالح السعودية.

إن بدأنا بالهم الاول وهو ايران، نجد ان السعودية قد فقدت الامل من تحرك الولايات المتحدة بمساعدة اسرائيلية لتوجيه ضربة خاطفة لايران ومنشآتها الحيوية دون ان تنخرط الساحة السعودية في المعركة او المواجهة المباشرة في منطقة الخليج خاصة وقد اتضحت هذه القناعة بعد موقف الولايات المتحدة من قضية الانتخابات الايرانية والتي عبر عنها اوباما بأنها قضية داخلية ولم تجعلها الادارة الامريكية محورا للمصادمة مع ايران. اذن خفت فرص تحجيم ايران وطموحها في المنطقة على يد الولايات المتحدة مما ادى الى خيبة أمل سعودية عوضت عنها بحرب اعلامية شرسة تشنها السعودية ويأتي في مقابلها رد ايراني بحجم الشراسة ذاتها.

ومؤخرا وخاصة بعد نزع فتيل الانفجار في منطقة الخليج نجد ان الصراع انتقل الى اليمن حيث لا توجد ينابيع نفط او ناقلاته مما يسهل استغلال هذه المنطقة وتحويلها الى منطقة صراع مفتوح بين دولتين يذهب ضحيتها الآلاف دون ان ينخرط المتناحرون في حرب مفتوحة وعلنية. لقد استغل الصراع اليمني ـ الحوثي القديم وتجدد في ظل وضع اقليمي ساعد على تفاقمه. ان اكثر ما تخافه السعودية في الوقت الحاضر هو تبلور امارة زيدية هاشمية على حدودها الجنوبية. هذه الحدود التي وقفت شامخة ضد اي مد سعودي منذ اكثر من مئتي عام. وما لم تستطع السعودية ان تحصل عليه بالسيف استطاعت ان تؤمنه بالمال حيث اخترقت الساحة اليمنية باموال النفط وحولت الكثير من رموز القبائل اليمنية والقيادات الى زبائن يستلمون اتاوات من الخزينة السعودية. ونجحت في تقويض الزيدية حتى في صعدة معقلها التاريخي القديم. وسهلت للمد السلفي السعودي وربط الساحة الدينية اليمنية بنظيرتها في السعودية.

ورغم ان السعودية آوت الكثير من الزيدية الملكية بعد عام 1962 الا انها ظلت لا تكن الود لهؤلاء وظل احتواؤها لهم خطوة سياسية لمواجهة الجمهوريين والناصرية التي اطاحت بهم. اما اليوم فالسعودية تدعم الحكومة اليمنية في مواجهة الحوثية والتي تتهم ايران بأنها تقف خلفها، رغم الاختلاف العقدي بين اثني عشرية ايران وزيدية الحوثية اليمنية. ويزعم الحوثيون ان زج ايران في صراعهم مع حكومتهم ما هو الا محاولة من قبل الحكومة اليمنية لجر المال السعودي الى اليمن واثارة خوف السعودية من المد الايراني على حدودها الجنوبية، بعد ان حصل ذلك على حدودها الشمالية وخاصة في العراق. ومهما كانت حقيقة الدور الايراني في اليمن الا ان الصراع المحتدم في شماله سيظل من اصعب الهموم السعودية بسبب قربه وتداعياته الدينية والسياسية.

لن ترتاح السعودية الى قيام امارة زيدية تعتمد على قيادة من شروطها ان يكون القائم عليها من سلالة الرسول (صلعم) وان يكون مجتهدا قادرا على مواجهة الظلم بالقوة ان كان هذا ضرورة.

يرتجف النظام السعودي من مثل هذه الافكار التي تخيفه وتقلقه رغم ان اتباعها هم اقلية قليلة جدا في العالم الاسلامي والجزيرة العربية.

ولكن ان انتقلنا الى الهم الثالث وهو هم القاعدة ومشروعها، فسنجد ان السعودية ونظامها قد وقع في دوامة تحاصره ولا تعرف كيف ستكون نهايتها. اذا استثنينا الخطر الامني والاغتيالات والتفجيرات والتي لها المختصون يناقشونها وسلطنا الضوء على الفكر القاعدي سنجد ان الخطر يتفاقم بالنسبة للنظام السعودي وهو اكبر بكثير من الخطر الامني والذي ربما تحتويه اجهزة الدولة الامنية. يكمن خطر القاعدة الحقيقي على السعودية كونها فتحت ملفا شائكا وصعبا وهو ملف ماهية الحكم في الاسلام واسلوب التعامل مع الحاكم. لقد اعادت القاعدة هذا الملف على خارطة الجدل الاسلامي المعاصر بطريقة لم يتم احتواؤها من قبل طيف كبير من علماء المسلمين رغم كل مواعظهم وحلقات الارشاد والتدريس التي يقيمون عليها. لقد اعتقد الكثيرون ان ملف الحكم في الاسلام قد طويت صفحته بعد قيام الملكيات والجمهوريات الحديثة. وانحسر في مجلدات العلماء ومكاتبهم واسوأ ما في الامر ان هذا الملف ارتبط بحلقات عنف دموية وتفجيرات كبيرة بل حتى حروب استعمارية جديدة.

ولم يبق جدلا شرعيا محصورا في حلقات التدريس الشرعية. ومهما كان موقف المراقب من هذا الفكر الا اننا لا نستطيع ان ننكر خطره على نظام كالنظام السعودي.

ورغم ان السعودية قد صمدت امام الافكار السياسية السابقة التي اجتاحت العالم العربي والاسلامي من جمهوريات الى اشتراكيات مروراً بانقلابات ادعى اصحابها انها ثورات، الا ان فكر القاعدة ربما يكون الاخطر، لسبب بسيط يرتبط بكونه يستقي منابعه من نفس المنابع التي يدعي النظام السعودي انه يمثلها ويجسدها في حكمه. السعودية تحاول جاهدة اقفال ملف الحكم في الاسلام بينما القاعدة تفتحه مع كل عملية عنف تدبرها.

وسيستمر الصراع في المستقبل ومهما كانت نجاحات هذا الملف في مناطق اخرى كالامارات الاسلامية الطالبانية في افغانستان وباكستان او الصومال.. الا ان القاعدة ستعود للغنيمة الكبرى وهي الجزيرة العربية واهمها الحجاز حيث مكة والمدينة. فالامارات الاسلامية الظرفية في بقاع المعمورة لن تثنيها عن الامارة الاولى والأهم في قلب العالم الاسلامي التاريخي والديني. من هنا نفهم الهم السعودي المنبثق من خطر القاعدة. وان عدنا الى افتتاحية مقالنا هذا وحادثة الاغتيال الفاشلة سنجد أنها تجسد الهموم الثلاثة. (ايران، القاعدة، والحوثية) وعملية الربط القائمة حالياً بينها هي محاولة لضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد. فهل تتمكن السعودية من الربط بين ايران والقاعدة، خاصة وانها تعلن عن توبة جهاديين عائدين من ايران، وربما تتطلع الى ادلة اكثر وضوحا تربط القاعدة بايران في المنطقة الحدودية الساخنة في اليمن؟

ان نجحت السعودية في عملية الربط هذه ولو اعلاميا، فستحشر خلفها المجتمع الدولي رغم ان فرص توجيه ضربة مباشرة لايران قد تقلصت مع وجود ادارة امريكية جديدة في البيت الابيض لا تزال غارقة في كنس مخلفات الادارة السابقة في مناطق ساخنة بل تزداد سخونة يوما بعد يوم. وان كانت هموم السعودية متباينة في ظاهرها الا ان السياسة لها قواعدها وظروفها التي تجعل من المستحيل ممكناً خاصة وان تضافرت العداوات لتخلق حالة تضامن غير مسبوقة تجتمع فيها الاخطار الثلاثة على هدف واحد.

تأتي ثلاثية الهموم السعودية في لحظة تاريخية صعبة أهم ملامحها تشظي القرار السياسي السعودي نتيجة تعددية فرضتها الحالة القيادية السعودية والتسابق على مناصب في الدولة من قبل مجموعة كبيرة من المتسابقين وفي مقابلها وضع اقليمي متشنج يفتح الباب على كثير من الصراعات، ويشجعها على البروز وتهديد الكيانات العربية الهشة هذا بالاضافة الى العداوات بين الانظمة العربية ذاتها والتي لم تسلم منها المنطقة الخليجية المعروفة بقدرتها على تفادي المواجهة المباشرة ودفن العداوات والمنافسة تحت بساط المؤتمرات والاجتماعات.

ستبقى ثلاثية الهموم قائمة، وربما انها تنذر بكابوس طويل الامد لن يستفيق منه النظام السعودي الا بصعوبة.

عن القدس العربي، 7/9/2009

الصفحة السابقة