د. عبد الوهاب الافندي
في تحليل لتصريحات وزير الداخلية ضد جماعة الإخوان المسلمين

أزمة وجود الدولة لا يحلّها كيل التهم للآخرين

في مقالة خارجة عن سياق التعضيدات الصريحة والضمنية لهجوم الامير نايف ضد الاخوان، كتب الاكاديمي السوداني الدكتور عبد الوهاب الافندي العضو السابق في الجبهة القومية الاسلامية التي كان يتزعمها الشيخ حسن الترابي والتي تنتمي تكويناً وتاريخاً لجماعة الاخوان المسلمين، مقالة نقدية في القدس العربي في الثالث من ديسمبر حول ما وصفه بإزدواجية الموقف السعودي من الحركة الاسلامية، هذا الموقف كما يعكسه سلوك ولي العهد الامير عبد الله بن عبد العزيز لجهة تحقيق اكبر اصطفاف اسلامي خلف المملكة في مواجهة الحملة الاميركية، وموقف آخر يعكسه الامير نايف في نبذه العنيف للحركات الاسلامية ممثلة في الاخوان. الدكتور الافندي ينطلق في مقالته من انفصام الموقف السعودي كسمة باتت لصيقة بالاداء السياسي السعودي، وهو يمثل أحد تعبيرات صراع الاجنحة داخل العائلة المالكة.

ولابد ان تثير تصريحات نايف سؤالاً حول التوقيت والمناسبة، فالانقلاب المفاجىء في الموقف السعودي تجاه جماعة الاخوان المسلمين لا بد ان يعني شيئاً للباحث والمراقب. وبالنسبة للافندي فإن انقلاباً كهذا لا بد أن يطرح أسئلة حول ما اذا كان الانقلاب ينذر بوصول تيار علماني للسيطرة الكاملة علي مقاليد الامور في المملكة، ام انه مجرد استمرار لصراع الاجنحة في السلطة؟

وصف الامير نايف الاخوان المسلمين بأنها (أس البلاء في العالم الاسلامي) هو ـ حسب الافندي ـ (مبالغة لا شك فيها، وهو زعم لا يقول به أعتى خصوم الحركة الاسلامية من الشيوعيين والصهاينة وغيرهم).. ذلك أن هذا الوصف يقرر ابتداء مسئولية الاخوان عن بلاءات العالم الاسلامي وهي تهمة مهما بلغ حجم الاخوان وانتشارهم تفوق قدرتهم على التورط، كيف بها حسب الافندي (لا تزيد عن كونها جماعات تدعو الى مبادئها بالحكمة والموعظة الحسنة او بغيرها دون ان تتولي مسؤولية الحكم، او تكون لها القدرة علي منع اهل الحكم، وغالبيتهم مستبدون برأيهم، من تنفيذ ما شاءوا من سياسات، فان محاولة اهل المسؤولية التنصل من نصيبهم في الكارثة، وتحميل غيرهم المسؤولية زورا وبهتانا هو من قبيل التمادي في الخطأ).

يؤكد الافندي أن قراءته الناقدة لتصريحات الامير نايف لا تفترض تبرئة الاخوان من الخطأ (ولعل من اكبر اخطائها هو دخولها في تحالفات سياسية علي حساب المبادىء، من نوع تحالفها مع العائلة المالكة السعودية). وبحسب رأيه فإن (مذمة الامير هي شهادة في حق الحركة، كونها تأتي من الرجل الذي ظل لسنوات المسؤول الأول عن آلة القمع السعودية المناط بها حرمان السعوديين قبل غيرهم من ابسط حقوقهم المدنية، بحيث لم تترك لهم الا اضعف الايمان، وهو الانكار بالقلب).

ما آلم الأفندي في تصريحات نايف هو الدخول في لعبة المنة والجميل (فهذه المنة يصاحبها في العادة قدر كبير من الاذلال والمن والاذى كان حديث الامير ابرز مثال عليه). ويذكّر الافندي الامير نايف ما حدث في بلدان لجوء أخرى (فلجأ سعيد رمضان الى سويسرا، وعصام العطار الي المانيا، ولم نسمع سويسرا او المانيا يوما تمن عليهما بأمر هو حق للاجيء ليس في الاسلام فقط، ولكن في الجاهلية ايضا، والامير عفا الله عنه يعتبر عمل المواطنين العرب في تعليم ابنائه ومواطنيه لقاء اجر زهيد منّة منه عليهم وليس العكس)!.

ويعلّق الدكتور الافندي في محاولة لاستكشاف الاسس الذهنية والايديولوجية لتصريحات الامير بقوله: (هذه العقلية التي تعتبر الوطن ملكا خاصا لعائلة والمواطنين عبيدا في مزرعة الامير، والاجانب الذين يخدمون الامير والبلد بلا كلل متطفلون ينبغي عليهم ان يحمدوا نعمة سيدهم صباح مساء لمجرد انه سمح لهم بخدمته، هذه العقلية هي المسؤولة عن المفاجآت التي تقع لهؤلاء الامراء بين كل فترة واخرى)، ولهذا السبب يقول الافندي (فان معظم من كانوا يتلقون هذا الدعم لم يكونوا يرونه منة، وحسنة، بل كانوا يرون فيه قيدا ثاروا عليه عند اول فرصة).

وعلى طريقة الحمد والرميحي في تقديم قراءة حفرية في تصريحات الامير نايف، حاول الدكتور الافندي ولكن من موقف المتخالف ان تستوعب قراءته الدولة السعودية برمتها والاساس الديني الذي قامت عليه حيث تراوحت مواقف الحركات الاسلامية من النظام السعودي بين الحماس والتأييد المشروط وهناك موقف اخر تخفى في ثنايا الامثلة التي أوردها الافندي الا وهو خيبة أمل (كثير من قادة الاصلاح الاسلامي بدءا من رشيد رضا وشكيب ارسلان ومحمد اسد وحتى حسن البنا، تطلعوا للنموذج السعودي باعتباره نقطة البداية لاعادة البعث الاسلامي، ولكنهم اصيبوا بخيبة الامل بعد ذلك) بحيث تم وعلى نحو سريع تصنيف الدولة السعودية ضمن النموذجين الاموي والعباسي (باعتبارهما شرا لا بد منه، يجوز التعامل معه حسب شرعية مشروطة تلافيا لضرر اكبر). يستثني من ذلك قلة من الاسلاميين التي تماهت في المشروع السعودي والتزمت خطاً سياسياً موحداً لخدمة هذا المشروع.

في مورد الاختلاف بين الاخوان والمملكة كنظام ايديولوجي وسلطة سياسية، يحاول الافندي وبصورة مكثفة رصد نقاط الاختلاف بين جماعة الاخوان وحكومة المملكة (حول شكل الحكم ومؤسساته وموقع الشورى منها.. فالاخوان يشاركون معظم القوى السياسية الاخرى في المطالبة بمسؤولية الحاكم امام الامة) مع أنهم حسب الافندي (تغاضوا عن هذا المطلب وسكتوا عنه) لاعتبارات كثيرة.

ويعتقد الافندي بأن أزمة الحكومة السعودية مع الاخوان هي أزمة مفتعلة تحقق للأولى أغراضاً محددة، ولم يكن الاخوان (بحال سبب أزمة السعودية) الحالية بل هي (أزمة نتجت عن سياسة إمبريالية اتبعتها السعودية للتدخل في افغانستان والعراق وايران بهدف مزدوج: دعم امن النظام وارضاء امريكا). ونتيجة ذلك (فشلت هذه السياسات في تحقيق اي من الهدفين، بل بالعكس، نجد المملكة خسرت رضا امريكا واصبحت اليوم تواجه أزمة وجود لم تواجهها منذ ايام المد الناصري في الستينات، والامر يحتاج الي دراسة معمقة لاسباب هذا التدهور لا كيل الاتهامات للاخِرين ممن لا ناقة لهم ولا جمل في القضية).

إطبع الصفحة الصفحة السابقة