ضغط سياسي محسوب ضد السعودية قبل الحرب ضد العراق وعنيف هائج بعدها

أميركا تتجه لتأزيم العلاقة مع السعودية لفرض التغيير عليها

بعد أكثر من عام على أحداث الحادي عشر من سبتمبر يظهر ان الادارة الاميركية تتجه الى رفع درجة سخونة الازمة في العلاقات مع المملكة، بل اضافة ابعاد معقدة لها. فقد أظهرت التحقيقات الاولية لهيئة التحقيقات الفيدرالية (اف بي آي) احتمال تحويل بعض الاموال من زوجة الأمير بندر، السفير السعودي في واشنطن، لدعم اثنين من المشتبه بتورطهم في تفجير الأبراج ومبني وزارة الدفاع في نيويورك وواشنطن. فالتحقيقات هذه تأتي ضمن الجهود المتواصلة للهيئة من اجل ملاحقة الادلة وحشدها ضد تنظيم القاعدة والتي باتت تتشابك في خطورة نتائجها ضد حكومة المملكة.

ورغم ندرة التوقعات الخاصة بنشر نتائج التحقيقات من قبل هيئة التحقيقات الفيدرالية او البيت الابيض بالنظر الى ما ستعكسه النتائج من مزيد تدهور في العلاقات السعودية الاميركية، حيث ستؤدي النتائج حال ثبوت تورط مواطنين سعوديين في أحداث عنف ضد الولايات المتحدة اضافة الى الحادث الكبير في الحادي عشر من سبتمبر، الى ضغوط اضافية على المملكة من اجل ما تلحّ الادارة الاميركية عليه منذ انفجار الخبر عام 1996 وهو المزيد من التعاون، وخصوصاً في المعلومات ذات الصلة بالمتورطين في أحداث عنف ضد المصالح الاميركية، والذي ازداد الالحاح عليه بعد الحادي عشر من سبتمبر وبدء الحرب على شبكة القاعدة.

تتزايد الضغوط الاميركية على الحكومة السعودية بخصوص المشاركة الفعاّلة في الحرب على الارهاب، وايضاً للموافقة على الدخول في تحالف مع الولايات المتحدة في الحرب على العراق والذي يعتبر حرباً على الذات حيث ستكون المملكة أحد أبرز الخاسرين في هذه الحرب. ومن أجل مضاعفة الضغط جاءت المفاجئة ـ او الكارت الاول في لعبة كسر العظم، حيث سرّبت الاف بي آي جزءا من قصة مثيرة حول تورط الاميرة هيفاء الفيصل زوجة الامير بندر بن سلطان السفير السعودي في واشنطن. فالامير بندر الذي كان يعتبر ولفترة طويلة حليفاً قوياً للادارة الاميركية تماماً كما هو والده الامير سلطان وزير الدفاع الذي كان بعد مرض اخيه الكبير الملك فهد يشكل القناة الرئيسية في القيادة السعودية التي تتولى تمتين العلاقة مع الادارة الاميركية.. هذا الأمير أصبح في مقدمة ضحايا التعاون (المخلص) مع أميركا.

المثير في الامر أن اسم الامير سلطان ورد في القضية التي رفعتها عوائل ضحايا الحادي عشر من سبتمبر والتي بلغت نحو 15 تريليون دولار ضد ممولي القاعدة. وقد أضيف اسم الامير نايف وزير الداخلية الى القائمة المدعّى عليها في 22 نوفمبر الماضي، ولعل هذا يفسر جزئياً حملته على الاخوان المسلمين في الخامس والعشرين من نوفمبر الماضي. ورغم أنه ومن الناحية الرسمية لم يظهر تبني الادارة الاميركية للدعوى المرفوعة ضد أمراء كبار في العائلة المالكة من عوائل ضحايا الحادي عشر من سبتمبر، ولكن ترفض الادارة الاميركية مقترحات سعودية للتدخل من اجل اسقاط القضية.

وفيما يبدو فأن الادارة الاميركية تتجه ايضاً الى استهداف فرع آخر في العائلة المالكة وهذا الفرع هو أبناء الملك فيصل وبوجه خاص الامير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات العامة سابقاً والذي تولى في مرحلةً سابقة تنسيق العلاقات بين حكومة المملكة وحكومة طالبان وبالتالي مع تنظيم القاعدة. ونشير هنا الى أن اسم الامير تركي الفيصل ورد ضمن قائمة المدّعى عليهم باعتبارهم متورطين في علاقات مع شبكة القاعدة او كممولين سريين لنشاطاتها. وقد أضيف اسم الامير محمد الفيصل في الثاني والعشرين من نوفمبر الماضي الى قائمة المدعى عليهم والمطلوبين للدفاع عن أنفسهم امام قضية اتهام بالتورط في نشاطات شبكة القاعدة. وحده الامير سعود الفيصل وزير الخارجية الذي اضطر لسحب تصريح له سابق حول موقف بلاده من الحرب الاميركية على العراق حيث عارض أي هجوم اميركي محتمل على العراق ما لبث ان انقلب عليه كيما ينجو من سلاح الاتهام الاميركي.

ثم جاءت قضية هيفاء الفيصل التي خضعت للتحقيق من قبل الاف بي آي لتضيف مزيداً من الوقود في أزمة العلاقات السعودية الاميركية المعرّضة للاشتعال قبل ان يحسمها عود الثقاب العراقي.

ثمة أمر ثابت يمكن ادراك التركيز من خلاله على فرع آل فيصل، فهذا الفرع كان قريباً من عائلة بن لادن منذ أن اقترض الملك مالاً من والد بن لادن من اجل ضمان الاستقرار المالي في البلد، في مقابل منح تسهيلات مغرية في مشاريع الانشاء والاعمار لوالده. ولكن قرار واشنطن ملاحقة افراد الجناح السديري وبصورة معلنة يبدو مثيراً للجدل حتى الآن. والسؤال المطروح لماذا تستهدف الادارة الاميركية وبصورة محددة فرع العائلة المالكة الاكثر التصاقاً وحميمية بالولايات المتحدة؟ وفعل كهذا يعني بالضرورة هو تقوية موقع جناح عرف عنه محافظته وعدم تعاونه ـ في لعبة الصراع على السلطة ـ مع واشنطن وهو جناح الامير عبد الله. في واقع الامر، هناك من يرى بأن تركيز الضوء على ابناء فيصل وبعض افراد الجناح السديري هو اشارة ضمنية وخطيرة للجناح السديري الذي قد تنقلب الادارة الاميركية ضده بكامل امتداداتها داخل الحكومة جناح ولي العهد الذي بات خياراً مقبولاً لدى الادارة الاميركية، خصوصاً مع العناد الظاهر الذي يبديه بعض اقطاب الجناح السديري امثال الامير نايف وزير الداخلية.

اما لماذا استهدفت واشنطن الجناح السديري بصورة علنية فإن جواباً حاسماً لم يوجد حتى الآن، اللهم إلا كون هذا الجناح هو القائم بشؤون الدولة، وإن الأخطاء التي وقعت يتحمل في الجملة مسؤوليتها، ولكن اذا ثبت تورط الجناح السديري في دعم شبكة القاعدة، فإن من المؤكد ان واشنطن ستقرر بناء جسور مع حليف مخلص داخل العائلة المالكة افضل من البقاء مع حليف مشكوك في استعماله موقفاً مزدوجاً. وحتى تثبت براءة الجناح السديري امام واشنطن بخصوص دعم تنظيم القاعدة فإن نتائج التحقيقات ستفصح عن نسق جديدة في العلاقات، ولكن لن يحتفظ هذا الجناح بمكانته السابقة في العيون الاميركية ما لم يقدم على خطوة جريئة بانزال ضربة قاصمة بشبكة القاعدة وامتداداتها داخل المملكة. ونذكر هنا بأن مهلة التسعين يوماً التي أعطتها واشنطن لحكومة المملكة تمثل اختباراً قاسياً وتحدياً سيضع علاقات واشنطن بالرياض ونوعية التحالفات المستقبلية على المحك.

الامير عبد الله رغم معارضته للحرب على العراق، الا أنه لا يبدو متحمساً لخوض معركة خاسرة مع الولايات المتحدة، وإن بدا الجناح السديري اكثر تشدداً في موقفه ضد الهجوم الاميركي على العراق لأسباب معروفة. وتشير بعض التقارير الى أن جناح الامير عبد الله بدأ منذ فترة طويلة بتنشيط علاقاته مع الادارة الاميركية، ويتضح ذلك ايضاً من الزيارات المتكررة التي يقوم بها أفراد من هذا الجناح لواشنطن.

إن الضغط المتنامي على الاسرة المالكة قد أدى بلا شك الى تآكل الدعم الداخلي، والسبب أن تضاؤل القوة السعودية يتم هذه المرة على يد حليفها الاستراتيجي، أي الولايات المتحدة التي ترى وتسمع عن تدهور الامن والاقتصاد وهما كفيلان بتحريك ماكينة العنف والانتفاض على الدولة، فلم يعد الامن والنفط يحرّكان القوات الاميركية لحماية العرش السعودي بل صار زوال الاخير مبرراً لضمانهما.

وعلى أية حال يبدو أن التوقيت لم يحن من أجل اختبار وثاقة العلاقات الاميركية السعودية ما لم تصل الامور الى نقطة المواجهة، أي في اللحظة التي تبدأ الرصاصات الاولى للانطلاق باتجاه الحدود العراقية. وحتى ذلك الحين سيكون أمام واشنطن خيارات سياسية عديدة قبل وبعد الحرب على العراق، ولكن التغيير السياسي سيكون أساساً لتغييرات مستقبلية في موازين القوى الاقليمية وفي خارطة التحالفات.

إطبع الصفحة الصفحة السابقة