آفاق التدخل السعودي في البحرين

عبدالحميد قدس

لقد صمّم جسر البحرين ـ السعودية لمثل يوم 14 مارس. اي للتدخل العسكري المباشر لحماية حكم آل خليفة من غضب الشعب.

الشهيد احمد فرحان، قضى على يد القوات السعودية
من مظاهرات المطالبة بالحريات في البحرين

لم يكن الغرض الإقتصادي او الإجتماعي من بناء الجسر هو المطلوب، وإنما كان الغرض أمنياً بحتاً.

مشكلة البحرين معروفة منذ نحو ثلاثة قرون: حكم أقليّة لا يؤمن إلا بالتمييز الطائفي منذ نشأته، ولا يعتمد إلا على القوة. وحين دعا الملك البحريني الى إصلاحات قبل نحو عقد من الزمان، فإنما كان لديمومة عمر النظام، حيث كانت الإصلاحات شكلية لا تمسّ الجوهر، بحيث وجدت انتخابات وأشكال من المجتمع المدني دون ان يتغير على أرض الواقع شيئ. التمييز قائم في شتى مؤسسات الدولة وخاصة الأجهزة الأمنية والعسكرية التي لم تقبل توظيف مواطنين من الأكثرية الشيعية، ما ينبيء عن أن تلك الأجهزة إنما صممت لغرض استخدامها ضد تلك الأكثرية.

لا يقبل النظام بديمقراطية عددية، ولا بديمقراطية توافقية، حتى مع بقاء حكم العائلة المالكة.

وكما في حالات كثيرة، استخدمت الورقة الطائفية بقوة في القضية البحرينية، وتحوّلت القنوات السعودية والقطرية والخليجية الأخرى (العربية والجزيرة بالذات) الى قنوات تأتيك بالأخبار من كل الدنيا إلا عن البحرين.

منطق حكام الخليج يقول بأن الديمقراطية يمكن أن تقبل في أي مكان إلا فيها هي. وممنوع أن تنجح تجربة ديمقراطية سلمية في البحرين، مادام الأكثرية هناك شيعة.

لا يختلف المتظاهرون في البحرين عن غيرهم من طلاب الحرية ممن رأيناهم في تونس ومصر واليمن وليبيا. الإختلاف ان جلدتهم (شيعية) خطرة بالنسبة لنظم استبدادية ما عرفت يوماً معنى الإيمان ولا حقوق الإنسان.

لا يجوز قتل المتظاهرين في اي مكان إلا في البحرين. ولا يجوز تلبية مطالب المتظاهرين ودعاة الحرية وحقوق الإنسان، لأن ذلك عمل طائفي وتشجيع على الطائفية! ولا يتم التساهل في الدماء والقتل والإفتراء إلا على أرض البحرين.

مصدر الطائفية في العالم العربي الأساس هو في السعودية. في نجد الوهابية بالذات. هذه الوهابية التي لم تترك مسلماً إلا كفّرته، ولكن حقدها يزداد على الشيعة أكثر من أي أحد آخر، حتى ولو كانوا مغتصبي فلسطين.

الأحقاد تحرّك السياسة، بل هي عنصر فاعل وأساس في السياسة الخارجية السعودية.

لا تحتاج السعودية الى إقناع بالتدخل في البحرين. على العكس هي هددت قبل أن تتدخل بأنها ستفعل ذلك إن تنازل آل خليفة لمن أسمتهم بـ (الروافض)!

السعودية كانت منذ البداية ضد أية اصلاحات في البحرين. من يتابع الموضوع منذ عقد سيجد أن آل سعود شديدي الإستياء من أي تغيير ولو طفيف في النظام السياسي البحريني. ولطالما تلقى حاكم البحرين التقريع ليس من الرياض فحسب بل ومن أبو ظبي التي هي الأخرى ـ ولسبب ما نجهله ـ تتحكم بها عقد طائفية تمتد من مواطنيها الشيعة وتصل الى لبنان، مروراً بالبحرين.

لكن الغشاء الطائفي ولعبة السياسة الطائفية وتغيير الإصطفافات والمعركة من كونها بين شعب يتوق الى الحرية الى نظام مستبد كما هو في بلدان عربية أخرى، الى معركة طائفية بين الشيعة والسنة.. هذا الغشاء الطائفي لا يخفي أن هناك منطق مصالح يدعمه.

كل دول الخليج ـ مع تفاوت بينها ـ لا تريد ديمقراطية بحرينية تفتح لهم مشاكل مع شعوبهم. ولهذا تعتبر البحرين مجسّ اختبار، وأرض معركة فاصلة بين الإستبداد في الخليج ودعاة الحرية والديمقراطية بين أبناء شعبه.

وأما السعودية، المستبدّة الكبرى في المنطقة العربية وليس الخليجية فحسب، فهي تخشى أن يؤثر التحول الديمقراطي الذي كان منتظراً في البحرين على المنطقة الشرقية السعودية التي تقطنها غالبية شيعية، والتي تحوي غالبية مخزون النفط وصناعته.

وهي إضافة الى ذلك، لا تريد ان تشعر بتطويق لها من كل الجهات بدول ديمقراطية أو نصف ديمقراطية.

بالأمس 14/3/2011 أرسلت السعودية الى ميناء عدن سفينتها تبوك وهي تحمل 70 عربة مدرّعة لدعم نظام علي عبدالله صالح، ولإجهاض روح الثورة التي تقترب من تحقيق أهدافها.

إذن تلتقي الأهداف كلها عند مصبّ قمع الحركة التحررية في البحرين، لتتحول الى قوات عسكرية خليجية تنطلق لإنقاذ نظام حكم يرفض أكثر شعبه استمراء الإستبداد. وهذا الحال في واقعه إنقاذ للذات السعودية والقطرية والإماراتية من مطالب إصلاحية مماثلة.

الجمهور الخليجي الذي يرفض أن تستخدم الجيوش في قمع طلاب الحرية في دوله، لا يمكنه أن يقبل أن تتحول جيوشه الى بلدان أخرى لقمع المتظاهرين والمطالبين بالإصلاح والتغيير.

حين تأسس مجلس التعاون الخليجي بداية الثمانينات الميلادية الماضية، فإنما وضع بعين الإعتبار التعاون لحماية النظم الخليجية من أي اعتداء خارجي على أحدها.

اكتشف الحكام الخليجيون بأن الخطر الخارجي تضاءل، بفضل القواعد العسكرية الأميركية الكثيرة، فقيادة الأسطول الأميركي الخامس يقع في البحرين، وأكبر قاعدة جوية موجودة في العديد بقطر، فضلاً عن قواعد رأس مسندم ومصيرة بعمان، وأخرى في الإمارات والكويت والرياض.

لم يدر بخلد هؤلاء الحكام أن الخطر يمكن أن يكون داخلياً، وعبر ثورات شعبية بدأت شرارتها في البحرين يوم 14 فبراير الماضي.

إذن فلتتحول قوى (درع الجزيرة) الهزيلة في مواجهة العدوان الخارجي، الى قوى فاعلة في قتل البحرينيين في الشوارع وهم يرددون: سلمية.. سلمية!

الآن وقد تدخلت جيوش السعودية وقطر والكويت والإمارات، ولازالت القوات السعودية في ازدياد يوماً بعد آخر.. كيف نقيّم النهاية لهذا السيناريو الدموي، خاصة بعد قيام القوات السعودية بقتل العديد من المتظاهرين منذ اليوم الأول لعملها في 15 الشهر الجاري؟

الفلسفة القائمة لدى آل خليفة وآل سعود تقول بأنه يجب السيطرة على الأرض مهما كلّف الثمن. اعلان حال الطوارئ في 15/3/2011 يعني تعطيل الدستور والبرلمان وتكميم الأفواه واستخدام كل القوة المتاحة ولثلاثة أشهر حسب الإعلان آنف الذكر من أجل ترتيب الوضع الداخلي.

المخطط له: قمع التظاهرات ومنعها من الخروج، بالرصاص الحي والقمع، وبأي طريقة كانت. وتحمّل النقد الخارجي والداخلي، وتعويضه بالحرب الطائفية. تحمّل مسألة العصيان المدني كون الأكثرية لن تعود الى أعمالها ما يعني تعطيل الحياة العامة الإقتصادية والتعليمية وإيقاف مؤسسات الدولة أو بعضها على الأقل، ومحاولة جبر نقص القوى البشرية الشيعية في أجهزة الدولة بغيرها أو حتى باستيرادها من السعودية.

حين يتم فرض الأمن، لن تكون هناك إصلاحات إلا على مزاج الحكم وفي حدود دنيا أقل مما كانت عليه. لن يستطيع أحد من المعترضين أن يفرض رأيه على الحكومة. وقد سبق لرئيس الوزراء خليفة بن سلمان أن قال في بداية انتفاضة التسعينيات البحرينية بأن مواطنيه الشيعة الذين يمثلون الأكثرية ما هم إلا سجاد أعجمي، يزداد تألقاً كلّما دعست عليه برجليك!

حين تأتي المعارضة البحرينية منصاعة تحت رجل النظام ويتم الإتفاق معها على اصلاحات متدنية، تعود قوات درع الجزيرة الى ديارها منصورة مظفرة.

هذا هو المخطط. فهل سينجح؟

لقد بدأت المواجهات الدموية فعلاً.. ولكن السؤال: هل ستصمت واشنطن؟ نعم! اللهم إلا في حالتين: ان تتطور المواجهات الى العنف فيحمل المواطنون السلاح (وهو ليس متوفراً).. او إذا ما تدخلت ايران وهددت باستخدام قوتها (وهذا امرٌ قد يضغط على واشنطن ولا يضغط على آل خليفة) فالحماية الخارجية هي لأميركا. ربما يفيد التهديد الإيراني في تقليص حجم الدموية الحكومية تجاه الشيعة، ولكن لا يبدو أن لإيران أدوات التدخل العسكري المباشر، ولا أميركا راغبة أو قادرة على الدخول في حرب مع إيران، فيصار حينها الى تسكين الهجوم الحكومي ويبدأ التفاوض بين المعارضة والحكومة البحرينية.

تبدو أسرة آل خليفة وكأنها تريد أن تتفاوض مع المعارضة من موقع أقوى. ويبدو في الأفق الآن استحالة شعبية لقبول ذلك. ترى الى أي مدى ستستمر المواجهة والدولة بمعظم أجهزتها معطّلة؟ شهر.. إثنان.. من الصعب التنبؤ ان الأزمة ستنتهي في ثلاثة أشهر كما حسبها آل خليفة وآلات الخليج الأخرى.

بالطبع هناك أمور ليست في الحسبان قد تقع، وتؤثر على المعادلة. ضغط دولي ما في حال تزايد أعداد الضحايا؛ اهتزاز الوضع الداخلي للسعودية نفسها، مع ملاحظة أن هذه الأخيرة شددت من قبضتها على المدن والبلدات الشيعية في المنطقة الشرقية خشية أن تثور بسبب الإستياء المتصاعد من نهج الحكومة الطائفي ومما يجري في البحرين حيث الروابط الإجتماعية قوية للغاية. وربما تتطور الأوضاع الى السلب إذا ما تم تهديد مناطق النفط، إن في البحرين أو في السعودية، وقد تنقلب الموازين إن تمّ تدمير جسر البحرين الذي يعد سر الحياة لعائلة آل خليفة.

أياً تكن الأمور، فالتدخل السعودي لن يحل أزمة الحكم في البحرين، حتى وإن أدّى الى قمع المتظاهرين وحركة الإحتجاجات الديمقراطية. من الصعب ـ حسب التجارب الإقليمية ـ أن يقضى على مثل هذه الإحتجاجات، خاصة بعد أن أعطيت بعداً طائفياً، تحرّكه أكثرية السكان المهمشين.

الصفحة السابقة