اندفاع سعودي لوقف زخم الثورات

  • السعودية تأخذ كل ثورة بالتتابع، دون الإعتماد على خطة واحدة. في البحرين: لجأت الى القوة، وعبّأت دبلوماسيتها وريالاتها في الثورات الأخرى
  • هناك شكوك من أن آل سعود يقدّمون سراً المال لمجموعات متطرّفة لمنع حصول تغييرات، ومع أنهم ينكرون ذلك، فإنّهم يقرّون بتدفق المال
  • السعودية تثير الفوضى الداخلية في مصر لتعطيل عملية التغيير، عبر قواها التكفيرية، التي قامت بتفجير كنائس وأضرحة لإثارة الفتن الطائفية
  • السعودية تتقرب من رموز العسكر في مصر لأجل تعويم النظام السابق، والإبقاء على بعض رموزه وتجنيبه المحاكمة أو نبش ملفاته

فريد أيهم

كتب نيل ماكفاركوهار مقالاً في صحيفة (نيويورك تايمز) في 27 أيّار (مايو) الماضي، يقول فيه بأن السعودية تضع قوتها المالية والدبلوماسية عبر الشرق الأوسط في رهان واسع النطاق لاحتواء مد التغيير، وتحصين الملكيّات من السخط الشعبي وللحيلولة دون سقوط المزيد من القادة الذين يصارعون لتهدئة البلدان المضطربة.

من مصر، حيث خصّص السعوديون 4 مليارات دولار للمساعدة في دعم المجلس العسكري الحاكم، إلى اليمن، حيث تحاول تسهيل خروج الرئيس، الى مملكات الأردن والمغرب، اللتين دعتهما للإنضمام الى مجلس الملكيات الخليجية، تندفع السعودية لمنع مزيد من التغيير الراديكالي وصد النفوذ الإيراني.

وتركّز المملكة بطريقة عدائية على الاستقرار النسبي للملكيات، كجزء من المجهود لمنع أي تحوّل مفاجىء ومباغت من النموذج التسلّطي، الذي سيولّد أسئلة غير مربحة حول وتيرة التغيير السياسي والاجتماعي في الداخل.

اقتراح السعودية بضم الأردن والمغرب في مجلس التعاون الخليجي ـ المؤلف من ست دول أعضاء، والذي سمح للسعوديين بإرسال قواتهم لإسكات ثورة ذات أغلبية إسلامية شيعية في ملكيّة سنيّة في البحرين ـ كان يهدف إلى خلق نوع من (نادي الملوك). الفكرة هي إرسال إشارة إلى إيران الشيعية بأن الملكيات العربية السنيّة ستدافع عن مصالحها، حسب قول محللين.

يقول الوليد بن طلال، وهو رجل أعمال وعضو رفيع المستوى في عائلة مالكة تتّسم عادة بالهدوء والصمت، أخبر هيئة التحرير في صحيفة (نيويورك تايمز)، وهو يحيل الى الأضطرابات (نحن لا نسعى لأن نفرض منهجنا عن طريق استعمال القوة، ولكن لتأمين مصالحنا).

إن نطاق التدخل السعودي غير عادي، فيما تدفع الإحتجاجات يد الرياض لصنع ما أطلق عليه بعض المعلّقين في مصر وأماكن أخرى صفة (الثورة المضادة). وجد بعض المحللين السعوديين والأجانب المصطلح بأنه كاسح جداً بسبب الخطوات التي قام السعوديون بها في واقع الأمر، بالرغم من أنها كما يظهر فريدة في المنطقة وخارجها حيث تصل إلى حد التحالف مع دول إسلامية غير عربية أيضاً.

أقباط يحتجون على هدم كنيسة على يد وهابيين مدعومين سعودياً

يقول خالد الدخيل، محلل سياسي وكاتب عمود: (أنا متأكّد أن السعوديين لا يحبون هذه الموجة الثورية، فقد كانوا في واقع الأمر مذعورين.. ولكنهم واقعيون هنا).

في مصر، حيث أسقطت الثورة حليف مقرّب للسعودية، حسني مبارك، فإن السعوديين يقدّمون المساعدة ويرمّمون العلاقات جزئياً للمساعدة في تفويت الفرصة على الاخوان المسلمين للظهور بمظهر حسن في الانتخابات البرلمانية القادمة. السعوديون قلقون من أن استقواء الاخوان المسلمين قد يدمّر المشروعية السعودية من خلال تقديم نموذج للشريعة الإسلامية يختلف عن نظيره الوهابي الخاص بملكية مطلقة. يقول عبد العزيز القاسم، محامي سعودي: (إذا كان هناك نموذج آخر للشريعة يقول لك بأنه يجب عليك أن تقاوم، فإن ذلك سيخلق صعوبة عميقة).

المسؤولون السعوديون أيضاً قلقون من أن السياسة الخارجية لمصر تتحوّل، من خلال تواصلها مع مجموعة حماس الإسلامية وخطط باستئناف الروابط مع إيران. يعتقد محلّلون بأن العاهل السعودي، الملك عبد الله، يحتفظ أيضاً بمصلحة شخصية في حماية مبارك.

لقد بدأ ربيع العرب في فك التحالف المؤلّف مما يعرف بدول الاعتدال العربي، بقيادة السعودية ومصر، واللتان كانتا على استعداد للعمل بصورة وثيقة مع الولايات المتحدة لتطوير سلام مع اسرائيل. الدعم الأميركي للثورات العربية قد حدّ أيضاً من العلاقات، ما شجّع السعودية للفكاك من واشنطن في بعض القضايا فيما ينطرح تساؤل حول الإعتماد طويل المدى على الولايات المتحدة لحماية مصالحها.

الموقف السعودي المتوتّر إزاء واشنطن قد جرى التعرّض له في مقالة رأي مؤخراً من قبل نواف عبيد، محلل سعودي في صحيفة (واشنطن بوست) والتي تفيد بأن الرياض كانت على أهبة الاستعداد للمضي بصورة منفردة لأن الولايات المتحدة أصبحت (شريكاً غير موثوق).

ولكن يبدو ذلك جزئياً على الأٌقل استعراض للكبرياء السعودي، حيث أن ترتيبات النفط مقابل المساعدة العسكرية الذي يحدّد العلاقات بين الطرفين طيلة العقود الستة الماضية، من غير المحتمل إستبداله قريباً. تجري السعودية مفاوضات لشراء أسلحة أميركية متقدّمة بقيمة 60 مليار دولار، والرئيس أوباما، في خطابه الأسبوعي طالب بأن ينحني طغاة الشرق الأوسط لمطالب الشعوب من أجل الديمقراطية. من الملاحظ أنه لم يذكر السعودية، وكان السفير السعودي، عادل الجبير، يجلس بصورة بارزة في الصف الأمامي للمستمعين.

السعودية تأخذ كل ثورة بالتتابع، دون الاعتماد على خطة واحدة. في البحرين، لجأت الى القوة، وأرسلت قوات لقمع ثورة الشيعة لأنها تخشى من قيام حكومة معادية ـ بما يشبه كوبا شيعية ـ تبعد نحو 20 ميلاً من بعض حقول نفطها الرئيسية، ومتعاطفة مع إيران، إن لم تكن متحالفة معها. وقد نشرت دبلوماسيتها في الثورات الأخرى، وبقيت على السور في ثورات أخرى. وتنفق المال أيضاً، فقد تعهّدت بـ 20 مليار دولار للمساعدة في استقرار البحرين وعمان، اللتان واجهتا احتجاجات.

في اليمن، إلتحقت السعودية بتحالف للبحث في تسهيل خروج الرئيس علي عبد الله صالح من السلطة لأنها تعتقد بأن المعارضة قد تثبت بأنها أكثر صدقية، وجار جنوبي أقل تصلباً. ولكن دبلوماسيون عرب لاحظوا بأنه حتى الخطوات التعبيرية السعودية الصغيرة التي قدّمت للسيد صالح بمبررات البقاء، حيث فسّرها على أنها دعم. هذا الشهر، على سبيل المثال، أرسل السعوديون شاحنات للمساعدة في نقص الوقود.

في سوريا، فإن بيان الدعم الأولي من قبل الملك عبد الله للرئيس بشار الأسد، أعقبه صمت، إلى جانب دعوات متقطعة في صلاة الجمعة لله بدعم المحتّجين. يعكس ذلك الصمت ازدواجية عميقة، كما يقول محللون. العائلة السعودية الحاكمة تكره شخصياً السيد الأسد، وهي متذمرة من روابطه الوثيقة مع ايران، وترى يد سوريا في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، الحليف السعودي. ولكن الأمراء يخافون من أن سقوطه قد يطلق العنف الطائفي دون ضمان أن النفوذ الإيراني سيتضاءل.

في ليبيا، وبعد المساعدة عبر طلب الجامعة العربية بالتدخل الدولي، فإن السعودية بقيت بعيداً وتركت لجيرانها، قطر والامارات العربية المتحدة، بالإنضمام للتحالف العسكري الداعم للثوار. وبقيت حتى الآن بعيداً بصورة علنية عن تونس أيضاً، بالرغم من أنها منحت ملاذاً لرئيسها المخلوع، زين العابدين بن علي.

وهناك شكوك أيضاً من أن المملكة تقدّم بصورة سريّة المال لمجموعات متطرّفة لمنع حصول تغييرات. ينكر مسؤولون سعوديون ذلك، بالرغم من أنهم يقرّون بأن المال الخاص قد يتدفق.

في العام 1952، وبعد الإطاحة بالملك المصري، عمل جمال عبد الناصر على زعزعة كل الملكيّات، وألهم ما قام به آخرين لقتل الملك في العراق وأخيراً إسقاط الملك إدريس في ليبيا. وانحبست السعودية في نزاع مع مصر طيلة الستينيات، وصمّمت على أن لا تضع نهاية لها لتلك الفترة.

يقول محمد القحطاني، ناشط سياسي في الرياض: (نحن نعود الى الخمسينيات وأوائل الستينيات حين قاد السعوديون المعارضة ضد الثورات في ذلك الوقت، ثورات القومية العربية).

الصفحة السابقة