العوامية.. قرن من المواجهة مع آل سعود

هيثم الخياط

طفا اسم العوامية على واجهة الأحداث في الشهر الماضي، خاصة بعد بيان لوزارة الداخلية يفيد بحدوث صدامات ومواجهات وسقوط جرحى. العوامية للمتابعين للوضع السعودية معروفة ومشهورة، ولكنها في الإعلام الخارجي مجهولة. فما هي حكاية هذه البلدة. السطور التالية تحاول تسليط الضوء على بعض معالمها السياسية والتاريخية والديمغرافية.

سعود حماد: قضى تحت التعذيب

العوامية، مدينة تتبع محافظة القطيف في المنطقة الشرقية، وتقع على بعد نحو 20 كلم من أهم مركزي تصدير للنفط (رأس تنورة والجعيمة)، كما تقع على بعد نحو 30 كلم من الدمام حاضرة المنطقة الشرقية. يسكن العوامية عوائل متعددة تنتمي في أصولها الى منطقة نجد، وتحديداً الى قرية ملهم، حيث جاء منها قبل قرنين تقريباً الجدّ الأكبر نمر آل عفيصان، والذي تنتسب اليه أكبر العوائل في العوامية، وهم آل زاهر، وآل فرج، وآل النمر.

والعوامية التي يقطنها قرابة 50 ألف مواطن، تخترقها أنابيب النفط الممتدة من آباره الى رأس تنورة من جهات ثلاث، ولكنها كمدينة ضعيفة التنمية، يكثر فيها العاطلون عن العمل، وتتقلص فيها مساحة الأراضي القابلة للسكنى، ما جعل التملك فيها صعباً للغاية حيث اسعار الأراضي تقارب أسعارها في العاصمة الرياض، وقد زاد الأمر سوء سرقات الأمراء، وتعدياتهم على أملاك المواطنين الخاصة، أو على الأوقاف الدينية حتى. وهناك قضية لاتزال لها عقود لم تحل، وهي منطقة الرامس (حوالي 10كم مربع)، الواقعة شرقاً الى العوامية، وهي وقف لأهاليها عامة منذ قرن ونصف تقريباً، حاولوا الإستفادة منها وفك أزمات السكن والأزمات الإقتصادية الخانقة التي تلم بهم. لكن الأمير محمد بن فهد، الذي تولى امارة الشرقية منذ 1985 وحتى الآن، وبسبب طمعه ورغبته في تملكها، لازال واقفاً بالمرصاد أمام رغبة وحقوق الأهالي، وهو ما أشعل المزيد من المرارة في النفوس.

والعوامية أيضاً، مدينة ذات تراث نضالي قديم، ويمكن اعتبارها ريادية في معارضة آل سعود. في عام 1927م/ 1348هـ، ثار الشيخ محمد النمر على حكم آل سعود، الملك عبدالعزيز يومها، بسبب التعسف في جباية الضرائب، وبسبب الضغط المذهبي، ومصادرة أسلحة وخيول المواطنين. ثار الشيخ النمر، وتبعته العوامية كافة وأكثر سكان القطيف، واستطاع السيطرة على الأوضاع، ما دعا البريطانيين في مساعدة حليفهم عبر القاء منشورات تطالب بالإستسلام، وفرضت على المنطقة عامة حصاراً بحرياً خانقاً يمنعهم من الغوص من أجل اللؤلؤ الذي كان واحداً من أعمدة النشاط الإقتصادي للمنطقة، الى جانب الزراعة والتجارة التي اصبحت مخنوقة بسبب منع التواصل مع البحرين المحتلة بريطانيا، ومنها مع الهند البريطانية أيضاً.

أُخمدت الثورة بسبب اصطفاف عديد من الوجهاء مع آل سعود، والذين خافوا على مقامهم من النقصان. تبعتها هجرة كبيرة من السكان الى البحرين وغيرها، لاتزال باقية آثارها حتى اليوم. أما زعيم الثورة وهو الشيخ النمر، والذي جاءت الأمور على غير ما أراد، من إيقاف للثورة، فإنه لم يعمّر طويلاً، وتوفي في العام التالي أسى وألماً لما آلت اليه الثورة.

الشيخ نمر النمر: الدفاع عن النفس

في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، شارك أهالي العوامية في مجمل النضال الوطني ضد الحكم السعودي، واعتقل الكثير منهم ومن شخصياتهم، حتى اذا ما جاءت انتفاضة عام 1979 التي عمت كل مدن المنطقة.. سيطر العواميون على المدينة، واستولوا على مركز الشرطة بعد أن حاصروه ورموه بالقنابل النارية (المولوتوف). في تلك الإنتفاضة قدمت العوامية العديد من الشهداء، وعشرات المعتقلين الذين قضى بعضهم تحت التعذيب مثل سعود الحماد.

وتواصل نضال اهالي العوامية ضد الحكم السعودي مع غيرهم منذ منتصف التسعينيات الميلادية الماضية، ثم شاركوا في تظاهرات دعم للإنتفاضة الفلسطينية التي عمت معظم مدن المنطقة؛ ثم في دعم لبنان وضد اسرائيل في حرب تموز يوليو 2006. وتكاد لا تخلو سنة طيلة العقود الماضية لم يحدث خلالها توتر ومواجهة مع السلطات المحلية، لأسباب سياسية واقتصادية، وغيرها.

وفي عصر الربيع العربي، كانت العوامية سباقة في التظاهرات التي عمت المدن والقرى في المنطقة الشرقية، كما كانت سباقة في الإحتجاجات ضد الإعتقالات السياسية، خاصة فيما يتعلق بمن سموا بـ (السجناء المنسيين) الذين مضى على اعتقالهم نحو 16 عاماً بتهمة تفجيرات الخبر التي أودت بحياة نحو 19 أمريكياً عسكرياً، واتهمت فيه القاعدة، ولكن النظام أراد من الحادث كسر شوكة المواطنين المعارضين، وألبس الحادث ثوباً طائفياً، مبعداً التهمة عن القاعدة ـ يومها ـ حتى لا يواجه بأسئلة حول دعمه لها.

لم تهدأ العوامية بالذات ـ كما يقول مراقبون ـ منذ ستة أشهر، فالإحتجاجات والتظاهرات متواصلة. والنظام من جانبه استخدم كل وسائل القمع والإعتقال والتهديد، الى حد قطع الكهرباء عن المواطنين، والتشهير بهم.

منذ نحو ثلاثة أعوام، ظهر اسم الشيخ نمر النمر كزعيم ديني للعوامية، وكمناضل صلب لنظام آل سعود، والذي لاتزال السلطة الأمنية تتحين الفرصة لاعتقاله (وقد اوقف سابقاً عدة مرات)، وهو صاحب الكلمة الأعلى على الأهالي. وتحمله السلطات الأمنية مسؤولية ما تسميه بـ (الإخلال بالأمن) وأنه داعية لتقسيم المملكة، بناء على مقولة له بأن المواطنين سيعملون على نيل حقوقهم ولو أدى ذلك الى التقسيم، ما أزعج نخبة الأقلية النجدية الوهابية الحاكمة المسيطرة على كل الدولة وأجهزتها الدينية والإعلامية والسياسية والإقتصادية والتعليمية والقضائية.

العوامية صانعة أحداث، رائدة في النضال، وتريد الحكومة كسر شوكتها، تمهيداً لكسر الحالة المقاومة لآل سعود في المنطقة الشرقية، ومنها كسر أية مقاومة ومطالبة بالحقوق المدنية والسياسية في المناطق الأخرى.

الصفحة السابقة