مفهوم الوطنية المفترى عليه سعودياً

أجراء؛ مغرر بهم؛ ضعاف النفوس؛ مثيري الفتنة والشغب والشقاق؛ سلموا اردتهم لتعليمات وأوامر الجهات الأجنبية؛ وسيضربون بيد من حديد، وعليهم أن يحددوا بشكل واضح إما ولاؤهم لله ثم لوطنهم أو ولاؤهم لتلك الدولة ومرجعيتها. هذا ملخص البيان الرسمي لوزارة الداخلية، حول أحداث العوامية.

هو بيان موتور وغبي، يحمل نزعة استعلائية تمنح الوطنية للموالي للسلطة، وتحجبها عن المعارض لها.

وهو غبي من جهة انه وضع جميع الشيعة في خانة الخونة، مستثنياً قلّة من العقلاء، الذين طالبهم بأن يأخذوا على يد أبنائهم!!، وإلا (فليتحمل الجميع مسؤولية وتبعات تصرفاته) لأن (الساكت عن الحق شيطان أخرس). والحق ما قالت به الحكومة ووزارة داخليتها.

مشكلة ال سعود وحاشيتهم أنهم يريدون التنظير للوطنية، وهم فاقدون للأهلية وللعلمية لكي يكونوا كذلك. هؤلاء لهم مفهومهم الخاص بالوطنية والإنتماء الوطني، فالمختلف مذهباً، أو سياسة، مع النظام وحاشيته النجدية الوهابية، يعتبر كافراً، وعميلاً. هذا هو رأيهم باختصار.

هل يعني الاخلال بالأمن ـ إن صدق ـ عدم ولاء وطني، هل تعني المعارضة ولاء غير وطني؟

الولاء للوطن يختلف عن الولاء للنظام السياسي، اللهم إلا اذا كان النظام السياسي منتخباً، وأن من يحكم الناس جاؤوا وفق رغبتهم. أما مخالفة الحكم الوراثي الفاسد والعميل للأجنبي الأميركي، فهو من الولاء للوطن، ولجمهور الوطن. والوقوف ضد نظام فاسد يقمع عموم المواطنين كما هو الحال مع النظام السعودي هو عين الوطنية، وعين الدفاع عن الوطن وأهله وعين الولاء للوطن.

من حسن الحظ، فإن تعريف النظام وقاعدته الإجتماعية لمفهوم الولاء الوطني كشف على حقيقته من خلال بيان رسمي، حيث يتبين أن دعاة الولاء الوطني من آل سعود يقصدون به أنفسهم، وفكرهم وثقافتهم، كما ويقصد به القبول بمنطق الإستبداد والإثرة والواحدية الثقافية. وهذا التعريف لا يقبل به أحدٌ في الكون.

ما هو خلاف الولاء الوطني: أن يقوم نظام حكم خلاف رغبة الناس، ويمارس العسف والجور بحقهم، ويفرط بحقوقهم وثرواتهم، ويسلبهم راحتهم، ويقلق أمنهم، ويرتهن سيادة بلدهم لدى الأجنبي، ويوالي الغرب على حساب قضاياه وقضايا أمته. هذه الأفعال هي خلاف الوطنية؛ كما أن من يدافع عن هكذا نظام ويتستر على أفعاله أو يبررها بمنطق ديني هو غير وطني، وغير انساني أيضاً.

وما هو خلاف الوطنية ما يقره النظام من سياسات مثل التمييز المناطقي والقبلي والمذهبي، وتقسيم السكان، وضرب بعضهم ببعض، واحياء النعرات الجاهلية، وتعزيز العنصرية، والتأكيد على امتلاك الحقيقة الدينية (والوطنية) بيد فئة مستبدة مستأثرة.

اللاوطني هو الذي يقول بأن الدولة سلفية ويكرر ذلك مراراً وبتفاخر، كما يفعل الأمير نايف. في حين أن المنتمين الى السلفية لا يزيدون عن ربع السكان. فماذا تفعل بمن هو غير سلفي؟ هل تطرده كما يلوح مشايخ الداخلية من الجهلة المتعصبين الأقلويين؟

اللاوطنية تكمن في أولئك الذين يصطفون مع الباطل، ويزعمون الليبرالية والحرية والدفاع عن المواطن، بل هم لا يقبلون بأن يدافع المواطن عن حقه، ويمارسون سياسة قلب الحقائق وتشويهها، فضلاً عن أنهم يقبلون مزاعم النظام التي لا تمت الى منطق. هؤلاء اللاوطنيون هم الذين يحرضون على شركائهم في الوطن قتلاً وحرقاً وطرداً، ويكتبون مطالبين بضربهم وبالمزيد من اقصائهم بحجة الوطنية نفسها، وبحجة الدين حسب التفسير الوهابي، وبحجة الأمن وفرض القانون.

الوطنية التي يريدها آل سعود هي السلاح الذي يقتل به الوطن وأكثرية أهل الوطن وسكانه.

الوطنية التي يريدها آل سعود هي تلك التي تبقي السلطة محتكرة بيد الأقلية النجدية.

والوطنية التي يريدها آل سعود وجماعتهم ومشايخهم هي تلك التي تفرض أفكارهم ومذهبهم على الآخرين.

والوطنية بنظر هؤلاء تعني الإنقياد الأعمى لطغاة فاسدين أزكم فسادهم الأنوف شرق العالم وغربه، فضلا عنا نحن المواطنين المبتلين بهم.

والوطنية بنظر هؤلاء هو الخضوع الأعمى والصمت المطبق والتبجيل بحمد النظام هذه. هي الوطنية التي يفهمونها.

اما الوطنية التي تدافع عن البلد وعن مصالحه، وتطالب بكف يد المفسدين من آل سعود عنه، وتدافع عن المضطهدين والفقراء والمعوزين فيه، فهؤلاء لا مكان لهم في كتاب الوطنية السعودي النجدي الوهابي.

لقد اختزل الوطن في آل سعود، كما اختزل الشعب في نجد، واختزل الدين في الوهابية، فصار أعداء الوطن يوزعون صكوك الوطنية على الصامتين المصفقين ويمنعونها عن المخالفين المعارضين، في حين أنهم هم الأولى بأن يتهموا بكل رذائل عدم الوطنية وفقدان الشعور الإنساني وليس الوطني فحسب.

الصفحة السابقة